أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - حجر قابيل














المزيد.....

حجر قابيل


يوسف ليمود

الحوار المتمدن-العدد: 1645 - 2006 / 8 / 17 - 07:07
المحور: الادب والفن
    


لاتملك العين غير نداها الساخن تشفق به على جليد الشر المتصلب قبل ان تعمد به براءة مسفوحة على فقعة الرب الطائرة . للبراءة مساراتها الآمنة على القضبان الممدودة بين السرمدية وبين الأبد .. الأم تلد أباها والرضيع يحمل أمَّه في داخله . لا مطر ولا دموع تروي أرضا تصلبت فيها أشواك انغرست في جحيم ذاتها قبل أن تغرس سنها في صدر هيكل مازال يرضع .. جليد الضمير لن تذوبه سخونة الدموع أو بخار الدم , فالتمادي كرة حديد تتدحرج إلى قاع الوحل أو سلم ضوء صاعد إلي السماء , وهذه الأرض التي خذلها قابيل بحجرٍ تمادت في الخرس مثل أم فقدت الأمل في صلاح ابنائها ولم يبق لها غير التحديق في ورقة الزمن الباهتة .

جبال وحل الذاكرة ارتفعت وألقت بظلال نتوءاتها على الوجه الذي يحمل صورة الله في هالته . هاملت يرفع الجمجمة ويخاطب في محاجرها الدود ويهزأ بالمصير .. من أجل ماذا يا هوراشيو كل هذا الدم الذي تسبح فيه المسرحية ؟ من الذي يكتبها ومن هو المخرج ؟ أملهاة أم تراجوديا ؟ أيقوم بتصويرها الممثلون أم المتفرجون أنفسهم ؟ ولماذا قدَر البطل ِ الموت , وفي الغالب غدرا ؟ أهو احتياج جمالي تستدعيه سادية غائرة في أعماق المشاهدين ؟ .. إذ لماذا يصفقون في النهاية دائما ؟ ألأن هناك من قام بفعل القتل -ولو على شكل لعبة- بدلا منهم ؟ وماذا يفعل الممثلون بعد إسدال الستارة ؟ ولماذا لا نستطيع تعديل النص طالما أن كاتبه لم يهبط علينا بمركبة من القمر ؟ ومن هو البائس الذي يقوم بتنظيف الخشبة من الدم المستعار ؟ أهو ممثل فاشل يحمل داخله روح فنان ؟ وهل يتأمل خشبة المسرح بعد ذهاب الجميع : السكونَ والصمت والظلام المخيم والمصائر , ويسمع دبيب حشرات الليل تخرج من مخابئها لتقيم مسرحيتها الخاصة من غير متفرجين ؟ من هو ذلك المسكين , حارس البناية هو أم مسيح تعثر في زمان ومكان ليسا له فارتضى في خيبته مهنة التنظيف ؟ المتفرجون ذهبوا للنوم متثائبين بعد أن أغرقوا خشبة دماغهم بدم بديل , دم ٍ خيالي .. لكن أحدا لم يخطر في خياله ما يدور في تأملات عامل النظافة - مسيحِ المسرح المعتم .

ارتمي الشاعر في نوبة جنونه على عنق حصان يلهبه صاحبه بالسياط في الشارع لأن تاريخ العالم عار , لأن الإنسان لم يصل الى طهارة الحيوان , ولأن الممثلين لايحسنون أداء أدوارهم , لأن العالم يصغُر وتكبُر حدبته , لأن صغار الناس أصبحوا سادة الأرض وتعود بهم دوما عجلة سامسارا , لأن روح الله في الفجر لم تعد تُحس والصرخة لم تعد تسمع .

أيهما , إختيار الموت أم الجنون ؟

لاوقفة على الجسر لحساب المسافات بين الماوراء والماأمام , بين الهنا والهناك , بين الهوة تحت القدم وبين سلم ضوء الصعود .. ليس سوى دم على حدبة المعبر , وصرخة زارادوسترا تضرب في أعلى الجبل .

ربان السفينة فقد بوصلة روحه فكيف مسار السفينة والأرضُ تميد وجبال الحنطة تحترق ونوارس الله لم تعد لها صارية آمنة تحط عليها . المدُ عالٍ وكرة الحديد تتدحرج نحو قاع الجحيم فمن يحمل حجر سيزيف ويصعد ليواسي زارادشت في صقيع عزلته ؟

لا تملك العين غير نداها الساخن تشفق به على الكتف والحجرِ والهاوية , على لحدٍ صغير يحتضن الحرفَ الكلمة الآية , الفمَ الوردي المفتوح على حلمة الأرض الباردة . فليشرب كل يهوذات الدنيا أكواب حليبهم الدافئة , ولينشط تجار الموت في أعمالهم , فهذه الأرض مقتولة ٌوالوقت موسمهم .

هل لأضرحة القديسين قداسة بجانب لحد صغير امتزج فيه الدم باللبن ؟ إذن فلنقم للأرض ضريحا أو صليبا بحجم الكون ولنعلن الحداد على أنفسنا , فـ كرة الحديد تتدحرج للهاوية , وهيرودُس في شرفته يشرب كوب العصير .

انظر ياهوراشيو , هل رأيته ؟ الشبح , إنني أراه الآن , خيالَ الطفل المذبوح يتحرك على حائط المسرحية , إنه غامض في صمته وفي معجزة جسده الجميل , فمه الدقيق مغلق لكن لايبدو من نظرته أنه يعرف معنى الثأر , انظر جيدا ياهوراشيو , أرى طيف أمه في عينه الصافية , يخيل لي أنه جاء ليطمئن عليها أو ليهمس لها في لوعة أحلامها بأسرار الحبل السري , أو ليخبرها أن الله حزين .. آه .. ما أحقر مصيرنا يا هوراشيو , إن العالم عميق وأعمق منه أوجاع الإنسان .

لاتملك العين غير نداها الساخن ترطب به مستطيل رمادها , وتبارك به لحد الأرض النازفة .



#يوسف_ليمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللحظة الأخيرة
- خطاب مزموري إلى اسرائيل


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - حجر قابيل