أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فتحى سيد فرج - لماذا سؤال الهوية ؟! ( المقالة الرابعة )0















المزيد.....

لماذا سؤال الهوية ؟! ( المقالة الرابعة )0


فتحى سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 1645 - 2006 / 8 / 17 - 07:07
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ثالثا: مـــــــا أحدثتــه هـذه التأثيــرات فــــي الهويــة المصريــــة
أدي تعدد الغزاة واختلاف ثقافاتهم وطول فترة بقائهم في مصر إلي بذور مجموعة من الظواهر السلبية التي كان لها أبلغ الأثر على طبيعة الهوية الثقافية. فالاحتلال الأجنبي في ذاته يعنى فقدان الإرادة الوطنية والسياسية ويعني ضياع أو خفوت بعض المقومات الحضارية. فمنذ الغزو الفارسي وحتى وقت قريب كانت مصر تدفع الجزية للأجانب بشكل منتظم، وطوال هذه الفترات كانت قوة عمل المنتجين تسقط في أيدي الغزاة الذين لم يكونوا يكتفون بالاستيلاء على الإنتاج وإنما كانوا ينزحونه إلي خارج البلاد. مما كان يصيب مصر بالفقر ويصيب أوضاعها الاقتصادية بالاضمحلال
وبقدوم العرب واستيلائهم على الدولة ونظرتهم إليها كأداة للجباية ومنهجهم الذي لا يرد فيه فكرة المنفعة العامة، مما أدي إلي إهمال صيانة الجسور والسدود وعدم تطهير الترع والفروع مما أدي إلي اندثار أفرع النيل وانخفاض مساحة الأرض الزراعية، وانتشار المجاعات التي كانت تصل إلي مجاعة كل 8 سنوات خلال فترات الحكم المملوكي والعثماني. ومن ثم تناقص عدد السكان في مصر بدرجة كبيرة طول فترات الاحتلال. وقد أدي احتلال الفرس واليونان والرومان والعرب إلي ضعف الإحساس بالروح القومية، وضاعت ملامحها التي كانت تستمدها من خصائصها الذاتية، ولم يعد المصريون يعون أنهم أصحاب قومية خاصة.
ولكن يبقي أن أبرز عوامل ضياع الهوية المصرية جاءت بعد حرمان المصريين من حمل السلاح. فطوال فترات الاحتلال حرص حكام مصر من الأجانب على إبعاد المصريين عن حمل السلاح أو الدخول إلي الجيش المقاتل باعتبارهم فلاحون لا يجيدون فنون القتال. وإذا كان الجيش الوطنى هو الرحم الذي يتولد في داخله الإحساس بالانتماء والروح القومية والتماسك الوطنى. وتنمو في داخله مبادئ التضحية والفداء من أجل الحرية والوطن، كما أن الجيوش في كل الأمم هي القادرة على تخريج القادة وأحد المنابع الأساسية لتكوين صفوة المجتمع. ولكن الغزاة المحتلين كانوا يتولون مهمة حماية الوطن ولم يكونوا يثقون في قدرة المصريين على حمل السلاح. إضافة إلي تخوفهم من دخول المصريين للجيش. مما أدي إلي تدهور وضمور الصفوة وفقدان المواطن المصري لعزته الوطنية. ومن المعروف أن من يملك مصادر القوة تكون له اليد العليا في مصائر البشر وصياغة أسس الحكم، وطوال فترات الاحتلال كانت القوة في أيدي الغزاة الأجانب مما أدي بالإنسان المصري إلي الانسحاب الحضاري، ولم يكن له سوى دوره في الإنتاج وتدبير ما يلزم لمن يوفر له الحماية، وقد أسهم هذا الوضع في شيوع السلبية واللامبالاة وعدم الانتماء.
كما أدي تحول المصريين إلي استخدام اللغة العربية وضياع لغتهم القومية التي كانت ما تزال تحمل بقايا روح الحضارة المصرية الفرعونية إلي انطفاء آخر مشعل لهذه الحضارة، وأصبح الإنسان المصري يقف مشدوها أمام ما هو منحوت من رموز وكتابات على أعمدة المعابد أو في البرديات التى خطها أجداده، ووضعوا فيها خلاصة علومهم وفنونهم.
وهكذا نجد أن أغلب مقومات الحضارة المصرية قد تم طمسها وتحولت مصر من مجتمع منظم ومتحضر إلي تجمع بشري، وانكفي الفلاح المصري على العمل الزراعي في ظل ظروف صعبة. ونتيجة للانحلال الحضاري والقهر الخارجي تفتتت الروابط الاجتماعية وتعطل الإنتاج المعرفي والتطور الحضاري والإبداع العلمي والفني، وسادت مصر ثقافة ذات مرجعيات غريبة عن الشعب وخارجه عن صلب تكوينه ومصالحه، وأصبح يعيش في سلفية منسوبة إلي تأويلات غيبية تجعل من النص والثقافة الشفاهية والكلمة والصوت بديلا عن العمل والفعل. شاعرا بالاغتراب والغربة عن تاريخه وحضارته. وطوال فترات الانحلال الحضاري لم يبرز أي فرد مصري في مجال العلوم أو الفنون بمساهمة حقيقية في تطوير الإنسانية بالرغم من دوره الرائد في الوصول إلي إنجازات حضارية ما تزال محل اعتزاز واحترام كافة الشعوب.
دواعــي طـــــــرح الســؤال- الدواعي التاريخية
يري جمال حمدان أن تاريخ مصر الحضاري ينقسم إلي أربعة مراحل هي: مرحلة صناعة الحضارة، ومرحلة تصدير الحضارة. ثم مرحلة الاكتفاء الذاتي، والأخيرة استيراد الحضارة،
وإذا كانت بعض مقومات الحضارة المصرية قد بدأت تعاني من الخلل والانحلال طوال فترات الاحتلال الأجنبي الطويل. فإن البعض الآخر كان ما يزال فاعلا رغم المحن والظروف. ولكن خلال فترات الحكم الأيوبي والمملوكي (1171- 151) تم طمس أغلب المقومات بشكل شبه كامل، حيث أن المماليك لم يكونوا سوي عبيد من أصول رعوية لم يستطيعوا التكيف مع ظروف الحياة الزراعية المستقرة، اقتصرت مهمتهم على الدفاع بالعنف المسلح عن امتيازات الحاكم، كانوا غرباء تماما عن الشعب الذي يحكمونه، ومع ذلك استطاعوا البقاء في الحكم قرونا طويلة بسبب دورهم في الحروب. واستطاع الحكام الأيوبيين والمماليك تطويع المعممين تحت جناحهم لمحاربة الشيعة، لتأكيد سلطانهم. وباكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح عام (1489) وتحويل طريق التجارة بعيدة المدي عن مصر انهار الاقتصاد وإزاء ضعف الدولة مما ساعد الغزو العثماني في الاستيلاء على مصر عام (1517) الذي رفع راية الخلافة الإسلامية كواجهة. ولكنه قام بعملية تفريغ للقوى الإنتاجية وتجريد مصر من آلاف الصناع والحرفيين المهرة، كما قام بنزع فائضها الاقتصادي، ومنذ القرن السادس عشر تدخل مصر في حالة غيبوبة حضارية كاملة، وما تكاد تفيق من هذا التخلف الطويل وتردي الأوضاع العامة حتى تصطدم بعنف بموجة التغلغل الاستعماري الأوروبي ذو التوجه الرأسمالي الذي أخذ العالم بأسره.
انهيــار المشروعــــــات القوميــــة
في مستهل القرن التاسع عشر تولي محمد على حكم مصر وأسس مشروع نهضوي نقل مصر من عصور التخلف والتردي إلي إقامة دولة نموذجية حديثة: وقد فكر محمد على أن يقيم هذا الكيان الخاص خارج إطار الدولة العثمانية التي كانت على وشك الانهيار فيستقل عنها، ويخلص نفسه من القيود التي تربطه بها.
وكان استقلال مصر عن تركيا معناه الحيلولة دون عودة النظام السابق، كذلك لعب صدور العملة المصرية دورا في تأكيد الذاتية المصرية.
ومن خلال فرض ضرائب موحدة، وإخضاعها لإدارة مركزية واحدة واحتكار الدولة التجارة الداخلية والخارجية وإنشاء صناعات حديثة تحقق فائض اقتصادي مكن محمد على من الارتقاء بمستوي النفقة العامة التي جعلته يقوم بتنفيذ العديد من الأشغال العمومية ومشروعات الري الكبري وتوسيع رقعة الأرض الزراعية، وكذلك تحديث أجهزة الحكم وتقوية الهيكل المركزي للدولة وإقامة الروابط القوية بين القمة والمستويات الإدارية المختلفة، وفي هذا الإطار صدرت سلسلة من اللوائح والقوانين الوضعية لتنظيم شئن الإدارة. فقد أصدر محمد على تشريعات بإلغاء نظام الالتزام واستيلاء الدولة على أرض الأوقاف وحددت حقوق المواطنين إزاء رجال الإدارة وحماية الأموال والمنشآت العامة من الاعتداء. وبدلا من أن تكون المؤسسات الدينية مراكز لخريج المتعلمين اقيمت المدارس العلمانية على أسس حديثة وأوفدت البعثات العلمية.
وكل ذلك أدي إلي استعادة الروح القومية على أسس حديثة وهناك بعض العوامل التي ساهمت في تشكيل صفوة مصرية جديدة أول هذه العوامل هو تجنيد الفلاحين المصريين في الجيش، أما العامل الثاني فهو إطلاق حرية الملكية الخاصة في الأرض الزراعية، والعامل الثالث هو التوسع في زراعة القطن باعتباره محصول تصديري مما أدي إلي تحويل الاقتصاد المصري إلي اقتصاد رأسمالي، وهكذا عملت النهضة الحديثة على استعادة الحيوية لبعض المقومات الحضارية المصرية، ورغم فشل تجربة محمد على إلا أن عناصر الصفوة المصرية ظلت فاعلة، واستطاعت آن تقيم العديد من التنظيمات المستقلة التي أخذت تتبني مطالب الأمة في الاستقلال والديموقراطية والتنوير وضرورة تحرير العقل واستخدام الأسلوب العلمي في النظر إلي قضايا المجتمع، ولكنها في نفس الوقت كانت منقسمة على نفسها وذات مرجعيات متعددة ومتناقضة في أغلب الأحيان.
وجاءت تجربة النهضة الثانية "الناصرية" لتساعد في تأكيد حيوية كثير من مقومات الحضارة المصرية، إلا أنها في محاولة لإعادة تنظيم بناء الدولة أطاحت بالتنظيمات المستقلة واستوعبت العمل السياسي والاجتماعي داخل الجهاز الإداري للدولة وقامت بدمج السلطتين التشريعية والتنفيذية، وكذلك عملت على تغيير بعض توجهات الصفوة من خلال إعادة صياغة مفهوم القومية بأن جعلته ينتمي إلي دعوة القومية العربية ورغم أن مشروع النهضة الناصرية يعاني من انهيار أيضا إلا أن عناصر الصفوة التي تشكلت بفعل هذه المشروعات النهضوية المنهزمة ما تزال هي الفاعلة في المجتمع المصري.



#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا سؤال الهوية ؟! المقالة الثالثة
- لماذا سؤال الهوية ؟ المقالة الأولى
- الفكر الغربى وسوسيولوجيا الفشل المقالة الثانية النهضة المست ...
- التنوع الثقافى الخلاق
- الفكر العربى وسوسيولوجيا الفشل - المقالة الأولى
- المسرح فى مصر الفرعونية المقالة الأولى
- علوم جديدة... وتعليم مغاير
- لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 8 من 8
- لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 7 من 8
- لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 5 من 8
- لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟4-8
- لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 3 من 8
- إشكالية النهضة عند الطهطاوى
- قراءات ورؤى حول مشروع النهضة


المزيد.....




- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
- عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط ...
- روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة. ...
- مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
- مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فتحى سيد فرج - لماذا سؤال الهوية ؟! ( المقالة الرابعة )0