|
إنتاجيّة العلاليك في دوائر الدولة في العراق (1970 - 2021)
عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 6991 - 2021 / 8 / 17 - 20:18
المحور:
كتابات ساخرة
بدأ الموظّفون يتناولون الطعام في أماكن عملهم (بحذَرٍ شديد) في بداية السبعينيّات من القرن الماضي . وكانت النسوة "الرائدات" في تأسيس هذه الظاهرة هنّ الموظفّات المتزوّجات من موظفّين في موقع العمل ذاته. بعد ذلك انتقَلَتْ العدوى الى الموظفّات الباحثات عن "زَوْجٍ" انطلاقاً من المبدأ الشهير: "الطريق الى الرجل يمرُّ عبر معدته" . وهكذا بدأت الموظفّات العازبات بوضع "لفّات" رومانسيّة باذخة في حقائبهنّ النسائيّة (أغلبها من صنع الأمّهات)، وتقديم ما يتيَسّر منها الى الموظفّين العُزّاب. ولأنّ الانتهازيّة والاستغلال هي سمة أصيلة من سمات الرجال (وخاصّةً العزّاب منهم) ، فقد بدأ الموظّفونَ " الشباب" بالتجوال في شُعَب واقسام الدائرة كذكور النحل ، وكُلّما تذّوّقوا قطعةً من "لفّة" هذه الموظفّة ، و قَضَموا قطعةً من "صمّونة" تلك ، صاحوا بحبور : الله أكبر .. هذه ألذّ واشهى وأعذب "سندويشة" ذقتها في حياتي . أمّا بعض الموظفّين "الشجعان" فقد كانوا يُضيفون: الله الله .. إنّ مذاق هذه "اللفّة" يشبهُ مذاق عذوبتكِ بالضبط ، وفيها رائحةُ أُمّي!!. في هذه "المرحلة كانت ظاهرة "اللفّة" هي ظاهرة بايولوجيّة صرفة ، مع شيء من الرومانس القائم على التخادم المصلحي بين الموظفّين العزّاب والموظفّات العازبات . وكانت العلاقة بين زيادة عدد "اللفّات" وزيادة عدد "الزيجات"هي علاقة طرديّة عموماً (مع ثبات العوامل الأخرى). وفي التسعينيّات حدث التحوّل الأهمّ في ميكانزمات تناول الطعام في دوائر الدولة ، وانتقل نمط نقل "اللفّات" من استخدام تكنيك الحقائب، الى انتهاج استراتيجيّة "العلاليك" (أي نقل الطعام من البيت الى موقع العمل بأكياس بلاستيكيّة يحملها الموظّفون معهم) . ولكنّ ظاهرة "العلاليك" لم تستفحِلْ ، و "تتمَدّدْ" ، و تصبح سلوكاً "مؤسَسّياً" ، وتتحول الى "بُنية" ، إلاّ بعد العام 2003 . فبسبب زيادة عدد الموظفّين لدى الدولة من مليون موظّف في عام 2003 الى أكثر من خمسة ملايين موظّف(وأجير يومي) في عام 2021 ، أصبحت ظاهرة "العلاليك" ظاهرة "ريعيّة" صِرفة ، وأصبحتْ لها طقوسها ومراسيمها "المُبارَكة" ، و توقيتاتها "المُقدّسة" ، كما أصبح لها "مُنَظّمونَ" مُجاهِدون ، و "عُمّال" بواسل. ولو تفَضَلْتُمْ ووقفتم صباحاً عند مداخل المؤسّسات والدوائر الحكومية ، لرأيتم كمّاً هائلاً من "العلاليك" المُحمّلة بجميع أصناف المأكولات ، وهي تتمايل و تتدلّى بغنَجٍ و دَلال في أيدي الموظفّات "المُكتَنِزات" ، والموظفيّنَ "المُتَكَرِّشين" ، وجميعهم ماضونَ في طريقهم القصير إلى "اللاشيء" .. مُدجّجينَ بكافّة انواع الأطعمة ، وأطباقها التقليدية "المُستحدَثة" ، وما بعد المُستحدَثَةِ أيضاً. و عند هذه المرحلة المفصليّة من "التاريخ الوظيفي" في العراق بدأت أوزان الموظفّين(والموظّفات خصوصاً) بالزيادة . ومع السمنة المفرطة لعموم الموظفّين ، وعدم وجود إمكانية لحرق السعرات الحرارية الفائضة ، بسبب عدم وجود عمل أصلاً ، وتدنّي الانتاجية الى معدلات مخيفة( حيث لا يزيد معدل وقت العمل الفعلي للموظّف عن 20 دقيقة في يوم العمل الواحد ، مقابل 5 ساعات و 80 دقيقة أكل و "قِشْبَة" و "علاليك") .. أصبح الموظفّون يأكلونَ في الدائرة ، ويمارسون "الريجيم" في البيت . وهَنا اصبحت العلاقة بين زيادة عدد العلاليك و زيادة وزن الموظفّين من جهة ، وانتاجيتهم من جهة اخرى ، علاقة عكسية ، لا تحتاج الى "دوال" رياضيّة بهدف إثبات فرضياتها الرئيسة . وعندما حلّتْ "نعمة" كورونا على الموظفّين ، إختفَت "العلاليك – الدوائريّة" مع إغلاق "الدوائر – المطاعم" ، وأصبحت "الإنتاجية" دون الصفر ، وأستمرّ "الموظّفون الحكوميّون" في تناول ما لذّ وطاب من محتويات "العلاليك الريعيّة" ، التي أصبحت هذه المرّة تتهادى من المولات ، والسوبرماركات ، و "الدليفيريّات" ، وصولاً إلى البيوت العامرة بالريع النفطيّ. و في الجانب "التخطيطي – التنموي (على الصعيد "الداخلي) فقد أعلن كُتّاب "الورقة البيضاء" (يساندهم ، ويشدُّ أزرهم في ذلك كبار "الخبراء" والإقتصاديّين "الوطنيّين") على أنّ شعارها الرئيس هو " لا "علاليك" مع غياب الإنتاجية ، ولا إنتاجية بوجود العلاليك" .. وأعربوا عن تصميمهم الذي لا هوادة فيه بأن لا يسمحوا أبداً بتحويل "ظاهرة" العلاليك إلى "بُنية" مؤسسيّة راسخة ، وأنّ "البرنامج التنفيذي" للورقة (الذي سيقرّه مجلس الوزراء قريبا) سيحتوي على "حُزمة" من السياسات ، والإجراءات ، والتدخلاّت ، التي ستكون فاعلة وحاسمة بهذا الصدد. أمّا على الصعيد الخارجي ، فإن خبراء المنظمات الإقتصاديّة الدولية كانوا قد حذّروا العراق سلَفاً بأنّهُ لن يحصل على سنتٍ واحد (كقروض أو مساعدات إنمائيّة) ، ولن ينعم بأي تسهيلات مصرفيّة ، ولن يحظى بأي "جدارة ائتمانيّة" مالم يضع حدّا لسطوة ونفوذ "العلاليك الريعيّة" ، وإذا لم يقم بتطبيق "اصلاحات" حقيقية وقاسيّة ، للحدّ من الأثر المدمّر لهذه السلوكيّات على الإنتاجية ما دون "الصفريّة" ، في "الدوائر" الحكوميّة. أمّا أكثر التطورات خطورةً في تفشّي ظاهرة "العلاليك" هذه ، فهو شيوع استخدامها من قِبل "الأعداء" و "جيوشهم الألكترونيّة" بهدف الإساءة للعملية السياسية – الديموقراطيّة – الرائدة في العراق "الجديد" . فهؤلاء الأعداء يدّعونَ بأنّ الدولة العاجزة عن السيطرة على "علاليك" موظّفيها ، هي دولة فاشلة ، و ليست دولة إنتاجيّة وكفاءة ومؤسّسات . هؤلاء "الأعداء" يؤكّدونَ (و بكلّ صلافة) ، أنّ "دولة" العراق – الديموقراطية – التعدّدية – الإتّحادية ، قد تحوّلَتْ بفعل ضعفها وقلّة حيلتها الى دولة "علاليك" فقط .. أو دولة "لَفّات" فقط .. أو دولة "لَفّات" داخل "علاليك" في أحسن الأحوال .. ولا شيء آخر .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الولايات المتحدة الأمريكية والعراق:من الولد الصغير،إلى الرجل
...
-
العراق والولايات المتحدة الأمريكية: الأب المؤسِّس، والولد ال
...
-
دودةُ القَزِّ، تجُرُّ أذيالها، فوقَ روحي
-
همومٌ وطنيّةٌ جدّاً
-
عن اللُقاح ، و العُقمِ في السبعين ، والموتِ في الثانيةِ والس
...
-
إمّا دولة أو لا دولة .. هذا كُلُّ شيء
-
قتلى الأسواق الموحِلة
-
عندما لا تعرفُ هيَ من أنتَ .. وأنتَ لا تعرِفُ ما هيَ
-
ما الذي يجب أن تفعلهُ الحكومة-الثامنة- في العراق؟
-
البدايات المتشابهة والنتائج غير المتشابهة لثورات تموز: (فرنس
...
-
لبدايات المتشابهة والنتائج غير المتشابهة لثورات تموز: (فرنسا
...
-
أنا الذي يشبهني الهَمُّ و توجِعني روحي
-
العراقيّون - الإيطاليّون و كأس أمم اوروبا !!!
-
مثلُ نوحٍ وإبنهِ قبلَ الطوفان
-
إذا سمَحَ لنا القتلةُ بذلك
-
أنا يشبهُ الهديلَ حنيني
-
انطباعات أوليّة عن حدود الأثر والإستجابة في التعامل مع ارتفا
...
-
أنا مثلُ تروتسكي
-
ديموقراطيّةُ الثعالب الذكيّة والدجاج الساذج
-
كثيرٌ جدّاً من الأسى .. في قليلٍ جدّاً منَ الحُبّ
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|