|
لماذا سؤال الهوية ؟! المقالة الثانية
فتجى سيد فرج
الحوار المتمدن-العدد: 1643 - 2006 / 8 / 15 - 09:07
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لماذا سؤال الهوية ؟! ( المقالة الثانية ) قضيــة الاستيعاب يقول د. سويف "تجمع المراجع التاريخية والعلمية على أن الإطار الحضاري لمجتمعنا المصري الموحد كان قائما بالفعل عندما قامت الوحدة الثانية وهي الوحدة المقرونة باسم مينا (حوالي 3300 أو3200 ق.م). وكان هذا الإطار في هذا الماضي البعيد على درجة عالية من الاستقرار ووضوح المعالم الداخلية وفرها له اختراع الكتابة. واستمر هذا المجتمع محصنا داخل حدوده دون أن ترد عليه روافد ذات وزن حتى تاريخ مجيء الهكسوس حوالي القرن الخامس عشر ق.م، ومعني ذلك أن هذا المجتمع أتيحت له فرصة 17 أو18 قرنا يتعهد فيها أشكال حياته بالصورة الملائمة لما يتم بداخله من التفاعلات وما يتراكم من آثار هذه التفاعلات إلي أن بلغت منظومات الإطار الحضاري المصري درجة عالية من الصلابة والإفصاح. ومن ثم أصبحت مؤهلة لاستيعاب معظم ما يرد إليها من تأثيرات من خارجها والمقصود بالاستيعاب هنا هو إعادة تشكيل التأثيرات الواردة بحيث تصبح هذه التأثيرات وكأنها جزء لا يتجزأ من مكونات هذه المنظومة. منظومة الحضارة المصرية" ويتفق أغلب العلماء والمفكرين مع ما وصل إليه د. سويف خاصة قضية الاستيعاب التي تتردد عند علماء التاريخ والاجتماع وعلم النفس وغيرهم، والبعض يعتبرها أحد مميزات الحضارة المصرية ويؤكدون على قدرتها الفائقة على هضم وتمثيل كافة التأثيرات الواردة ولكننا نري أن قضية الاستيعاب تمثل جوهر إشكالية الهوية ومن ثم فإنها تحتاج إلي قدر كبير من الحوار وسوف نحاول مناقشتها باستعراض الوقائع والأحداث عبر التاريخ وذلك من خلال المحاور والأبعاد الآتية: - مقدار التأثيرات الواردة وطرقها وأساليبها في محاولة محو مقومات الحضارة المصرية .
- مدي اختلاف هذه التأثيرات عن منظومة الحضارة المصرية . - طول فترة هذه التأثيرات وما أحدثته في الهوية المصرية . أولا: أساليـــب الغـزاة فــي محاولـة محـو مقومـات الحضـــارة المصريــــــة ظلت المقومات الأساسية للحضارة المصرية قوية وفاعلة فيما عدا بعض فترات الاضمحلال التي انحلت وتدهورت فيها بعض هذه المقومات حين تعرضت الوحدة القومية للضياع وسقطت الدولة المركزية وتعددت العواصم والملوك خلال فترات قصيرة من التاريخ الفرعوني ولكن سريعا ما كانت تستعيد تماسكها وعودة الازدهار لمقوماتها واستمرت مصر دولة مستقلة تحت حكم آسرات مصرية خالصة حتى قرابة القرن العاشر ق.م. ولكن منذ أوائل الألف الأول قبل الميلاد شهدت مصر تطورات سريعة متلاحقة وبدأت عوامل الضعف منذ الأسرة العشرين بمواجهة ألوان من الخطر الداخلي يتمثل في الفتن والحروب الأهلية وانحلال القوي العسكرية بدخول المرتزقة إلي الجيش المصري. وكان ذلك بفعل تفسخ العقيدة الدينية وسيطرة الكهنة على كثير من مناصب الدولة. وقد أدي ذلك إلي سهولة خضوع البلاد للاحتلال الآشوري والفارسي فالإغريقي والروماني ومن ثم الاستكانة وعدم مقاومة الغزو العربي ويقول شوقي جلال في مقدمته لكتاب- التراث المسروق- الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة- "جميع الغزاة في تعاقبهم ناصبوا الثقافة المصرية العداء القاتل. ابتداء من الفرس الذين عمدوا إلي تدمير ونهب ثروات مصر المادية والروحية انهم لم يستنزفوا خيراتها الاقتصادية وحسب، بل عاشوا في أرضها فسادا، ودمروا بيوت ومؤسسات الثقافة فيها. فلم تكن معابد مصر المنتشرة في ربوعها مجرد أماكن عبادة. بل كانت أماكن للعلم ومؤسسات للثقافة والفنون، كانت خزانة للوعي العلمي والاجتماعي تصاغ في داخلها رؤية المجتمع وإطاره الفكري والوجداني ولهذا كانت مستهدفة دائما من جميع الغزاة." ولم يكن الكهنة في مجموعهم مجرد رجال دين يلقون المواعظ، بل كانوا بدرجاتهم المختلفة رجال علوم دنيا ودين وصناع فكر ومعرفة وثقافة وفنون. وما نقله "ديودر الصقلي" الذي عاش في الإسكندرية في القرن الأولي قبل الميلاد شهادة على ما فعله الفرس حيث يقول "أن الفرس بقيادة قمبيز أشعلوا النيران في كل ما معابد مصر وحملوا معهم كل الكنوز إلي أسيا، واقتادوا قسرا عمالا مصريين لبناء القصور الشهيرة وبعض المدن في مديا" وكان الحدث الأكبر الذي قطع الحبل السري الواصل بين ثقافة المجتمع كمؤسسة وبين أبناء المجتمع حين أصدر كل من الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس في القرن الرابع الميلادي ومن بعده جوستنيان في القرن السادس الميلادي مرسوما بإغلاق المعابد المصرية وتحريم تعاليمها، وتجريم العبادة أو تلقي العلم فيها وتسريح المؤمنين والقضاء على هذا النظام الثقافي الاجتماعي. كان هذان القراران بمثابة المحاولة الرسمية السافرة لإلغاء الذاتية الثقافية المصرية لتبقي مجردة من كل مقومات البقاء والتطور في استقلال. ومن الفاعلية الاجتماعية المتميزة. كما كان هذان القراران إيذانا بأن يقوم المسيحيون المتعصبون بتدمير المعابد المصرية، واضطهاد الكهنة والعلماء المصريين. وجاء الغزو العربي الذي كان وقعه أشد بحيث نجد فجوة كبري تفصل بين حاضر مصر وماضيها. وكأن الحضارة المصرية لم يكن لها وجود. وأصبحت مصر جزء من العالم العربي الإسلامي. وبالتدريج بدأ العنصر المصري يفقد هويته وملامحه. يحدث أننا ما نكاد نبلغ القرن الثامن الميلادي حتى نجد مصر وقد تحولت تماما إلي مجتمع عربي وكتابات "ابن عبد الحكم" تتناول التاريخ المصري على أساس أنها سامية عربية منذ كانت الخليقة وليس في تاريخها الطويل ما يستحق الذكر. ولعل ذلك ما جعل جمال حمدان يري أن "انقلاب التعريب إنما يشكل انقطاعا هاما للغاية في الناحية اللامادية أي في الحياة الثقافية والروحية للشعب المصري". كما يري محمد العزب موسي أن "مصر بعد الفتح العربي دخلت مرحلة جديدة تماما لا يمكن أن تعد امتداد طبيعيا لما سلف. ولم يقتصر التغيير الذي حدث على الشكل والمظهر فقط بل مس صميم الجوهر والموضوع. فلم يكن العرب مجرد فاتحين هدفهم الاستيلاء والاستيطان بل كانوا حملة رسالة تغير النفوس من الداخل لذا فإن تعريب مصر كان أقوي الأسباب في انقطاعها عن تاريخها القديم"(7)، ويؤكد حسين فوزى ذلك حين يقول "أن الحقيقة الواقعة وما نراه من إحساس المصريين يعروبهم تدل على انفصال كامل بين مصر الإسلامية وما سبقها، فالمصري المسلم أصبح ينظر الإسلام كأساس لحضارته وتعتبر العصور السابقة له وكأنها تاريخ شعب آخر انتهي أمره" ثانيـا: اختلاف التأثيـــــرات الـــواردة عـــن منظومـــة الحضـــارة المصريـــة لكل جماعة بشرية سمات ثقافية ذات خصوصية نابعة من واقع الظروف الجغرافية والبيئية وطبيعة التكوين الاجتماعي والاقتصادي الخاص بالعملية الإنتاجية وشكل التنظيم والعلاقات الاجتماعية. وتظل هذه السمات فاعلة ومؤثرة خلال مراحل التطور التاريخي لهذا المجتمع. ولاشك أن التكوين الثقافي لبعض الشعوب التي غزت مصر كان يختلف عن طبيعة المنظومة الحضارية المصرية بشكل أو بآخر . وسوف نناقش بعض أوجه الاختلاف هذه .
#فتجى_سيد_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا سؤال الهوية ؟ المقالة الأولى
-
الفكر الغربى وسوسيولوجيا الفشل المقالة الثانية النهضة المست
...
-
التنوع الثقافى الخلاق
-
الفكر العربى وسوسيولوجيا الفشل - المقالة الأولى
-
المسرح فى مصر الفرعونية المقالة الأولى
-
علوم جديدة... وتعليم مغاير
-
لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 8 من 8
-
لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 7 من 8
-
لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 6 من 8
-
لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 5 من 8
-
لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟4-8
-
لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 3 من 8
-
لماذا توقف العلم في الحضارة العربية ؟1 من 8
-
حاضر الثقافة في مصر
-
المسرح في مصر الفرعونية 2
-
المسرح في مصر الفرعونية 3
-
المسرح في مصر الفرعونية
-
المسرح في مصر الفرعونية 4
-
المسرح في مصر الفرعونية 5
-
المسرح في مصر الفرعونية 6
المزيد.....
-
مسؤول أمريكي: مؤشرات أولية على احتمال إسقاط طائرة أذربيجان ب
...
-
قناة عبرية تنشر تفصيلا جديدا قد لا يخطر على البال حول عملية
...
-
حكومة البشير في سوريا ما بعد الأسد.. من هم الوزراء وماذا نعر
...
-
موزمبيق: اشتباكات عنيفة بعد فرار 6000 سجين من سجن شديد الحرا
...
-
باكو تنطلق من فرضية صاروخ روسي أسقط طائرتها في كازاخستان
-
بعد هيمنة نظام الأسد عليه: لبنان يتطلع لعلاقات أفضل مع سوريا
...
-
هل إسرائيل قادرة على تدمير قدرات الحوثيين الصاروخية؟
-
نيويورك تايمز: أوروبا غير قادرة على فرض عقوبات صارمة على روس
...
-
إيران تعلق على اتهامها بالوقوف وراء الأحداث والاحتجاجات الأخ
...
-
هروب 6 آلاف سجين في موزمبيق وسط أعمال عنف عقب الانتخابات
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|