عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1643 - 2006 / 8 / 15 - 09:29
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
هكذا هي الحرب , وحش أعمى لا يرى إلا الموت , ولا يسمع إلى هدير الدبابات , ولا يتلذذ إلا بأصوات المدافع , وهكذا هو الإرهاب المتصيد الأكثر نذالة ووحشية لقتل الأبرياء, ولوكان ذلك بالجملة , ليس المهم من يقتل , الأهم أنه يستمر في القتل , القتل مهنة المرضى , واللذين أصابهم سعار الدم , كل شيء مبرر , طالما أنه من أجل الأكاذيب التي اصطنعوها لخلق الفتنة الدائمة , فالحقد والكره هو ينبوع الشر الدائم , ولابد للشر أن يستمر في النمو لكي يستمر الموت , القتل ثم القتل هذا السيد المطلق الذي تجرد من كل القيم , ما خلا قيم الجزارة الآدمية ورفع راية الذبح والهوس في مجازر الولوغ في دماء البشر , لايهم إن كانوا أطفالاً , أو نساءاً , أو شيوخاً , لايهم إن كانوا آباءاً , أو أمهات , أو باعة متجولون , وغالباً صيده هؤلاء الفقراء الذين لا يملكون قوت يومهم , واللذين يتجمعون في الساحات العامة في بغداد وبقية المدن الأخرى بانتظار من يستخدمهم ولو بدريهمات , من أجل شراء كفاف يومهم , أو شراء دواءً, أو حليباً لأطفالهم , ولا يعلمون أن الإرهاب ينتظرهم بسياراته المفخخة , أو أحزمته الناسفة , فيعودون إلى أطفالهم بتوابيت الموت أو قطعاً متناثرة جمعت بأكياس صغيرة , هل فعلاً هذا الذي يجري هو بفعل البشر ؟ وهل الذي يجري يقومون به أناس , يشبهوننا في الخلق والخليقة ؟ والله إني في شك من ذلك , إن الذي يجري الآن في لبنان , هي حرب بين أعداء , حرب على الأرض والمفاهيم والقيم , حرب بين دولة إسرائيل , ودولة حزب الله , الخلاف بينهما معقد ومتناقض , وله أساس في احتلال دولة إسرائيل لأرض فلسطين , هذا ظاهراً على الأقل , والحرب بين لبنان وإسرائيل شغلت العالم , والكل يريد إنهاءها , أما الحرب الدائرة في لبنان , فهي حرب بين الأخوة الأعداء , وكأن لا أحد يريد إنهاءها , والكل له مصلحة في استمرارها , حرب إسرائيل ولبنان لها ( بكايات ) أي نساء يندبن عليها , أما حرب العراق فليس لها ( بكايات ) لذا يذهب الدم العراقي هدراً , الدم اللبناني طاهر وزكي , وكذلك الدم العراقي , ولكننا هنا نتحدث عن مسألة خطيرة دفع ثمنها لبنان قديماً في حروب الطوائف فيه , وأخيراً ونتمنى أن يكون آخراً , عرف اللبنانيون أن حروب الطوائف الكل يخسر فيها , لا أحد ينتصر فيها على أحد , أي لا تفنى الذئاب , ولا تفنى الغنم , فالمنتصر الوحيد فيها هو ملاك الموت , فالكنتونات , لا تخلق إلا الفتنة والشرور , وزعماء الطوائف , هم أكثر بغضاً وكراهية لطوائفهم , من الذي يدّعون أنهم يعادون , وهذا ما يجلب لهم ليس العار والدمار وحده , بل الاستعمار أيضاً , لأن القوى الخارجية المتربصة تستفيد من هكذا ظرف , لأنها أعطيت كل مبررات, أن هكذا شعوب غير قادرة أن تحكم نفسها بنفسها , ويظل السؤال هو هل نحن فعلاً قادرين أن نحكم أنفسنا ؟ وهل نحن ضمن هكذا مفاهيم – وطنيون حقاً ؟ وبالتالي ما هو مفهوم الوطنية ؟ وما هي حدودها ؟ وهل يتعارض التعصب الديني مع الوطنية ؟ أو ما هي نسبة ذلك وصحته ؟ وبالتالي ما هي المبررات التي نعطيها لأعدائنا لخرق وطنيتنا ؟ وهل الدين يتجاوز الوطنية إلى أبعد من ذلك بكثير ؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى دراسات معمقة ومعقدة ؟ ويظل السؤال ما هو المشروع الوطني الذي تطرحه الطوائف ؟ ثم ما هو الفرق بين الطوائف والمافيات ؟ أم أن المافيات لدينا ,جوهر نظامها وتنظيمها المفهوم الطائفي الذي يستند على الدين ؟ وخصوصياتها تتجاوز الداخل إلى الخارج , وبالتالي يضعف المفهوم الوطني , أو يصبح الوطن أسير الطائفة , كيف لطائفة أن تتعامل مع طائفة من جنسها من خارج حدود الوطن ؟ ثم ما علاقة الطائفية بالإرهاب ؟ فهل المسألة استئجار فقط أم إيجار ؟ نعود إلى العراق الذي يذبح من الوريد إلى الوريد , العراق الذي يذبح أهله , لقد جن العراق , لقد جن الشعب العراقي , أي تفسير أو تبرير لا يترك المنطق يستوعب الذي يجري في العراق , ومهما تكون الدوافع والأسباب لاتسمح لأهل العراق , أن يستبيحوا بلاد الرافدين , إذن هي الفتنة ومصالح الدول التي خارج حدود العراق, التي استباحت الدم العراقي , كل المفاهيم والقيم والأديان , جاءت لتصون دم الشعوب , والذي يهدر دم أخيه فهو مجنون أو مريض , فمن البداهة أن لا نترك لقوى الشر الاستعمارية, أو غيرها أن تدخل بيننا , إذا كنا فعلاً نريد العيش بأمان فالأسرة التي لاتحل مشاكلها بنفسها تُشمت الأعداء بها ؟ فالمرأة في العراق تقتل وتذبح , والطفل في العراق يقتل ويذبح , والشيخ في العراق يقتل ويذبح , والعامل في العراق يقتل ويذبح , والشرطي في العراق يقتل ويذبح , وشيخ الجامع في العراق يقتل ويذبح , والمسيحي في العراق يقتل ويذبح , والشيعي في العراق يقتل ويذبح , والكردي في العراق يقتل ويذبح , واليزيدي في العراق يقتل ويذبح , ليس من أحد لا يقتل أو يذبح في العراق , أمام سمع العالم وبصره , أبربكم أليس هذا العالم سوى عالم مجنون , أم أن جنون القتل أصبح هستيريا على نغمات الموت , أما آن لهذا الموت أن ينتهي ؟ لبنان هشمته الطوائف , وطمع به الطامعون , والعراق بدأت تهشمه الطوائف وطمع به الطامعون , المدنية والحضارة , والعلمانية والديمقراطية ليست وصفات جاهزة لنسقيهن لشعب العراق العظيم , ليبرأ من جنونه , ولكن دجلة والفرات ليسا عَصِيّين على شعب الرافدين العظيم 0 عندما أباد نظام صدام حسين الأكراد في مجزرة الأنفال البشعة سكت العراقيون , وعندما دمر نظام صدام حسين بعض قرى السنة سكت العراقيون , وعندما دمر نظام صدام حسين قرى الشيعة وأباد الأهوار , سكت العراقيون , عندما زج الطاغوت بعشرات الآلاف في السجون سكت العراقيون , وكذلك عندما أعدم الطاغوت الآلاف من خيرة كوادر العراق من كل الطوائف والملل, سكت العراقيون , وعندما جرت الحرب مع إيران سكت العراقيون , وعندما احتل نظام صدام حسين دولة الكويت سكت العراقيون , وعندما احتلت أمريكا العراق , هلل معظم العراقيين , ( طبعاً السكوت هنا بالمعنى المجازي ) العراقيون لم يفجروا حقدهم ضد نظام صدام حسين , وعندما زال الخوف عنهم , فجروا أحقادهم على بعضهم البعض , بعض الأطراف الخارجية تريد لهم أن يتقاتلوا , والبعض الآخر يحلو لها أن يستمروا في الاقتتال, لأنها لا تريد للعراق أن يكون موحداً وقوياً , والعراقيون يقعون في فخ الوهم , والعراقيون يقعون في مخالب مشاريع الكره , في لبنان وخلال شهر كامل من الحرب بين حزب الله وإسرائيل , قتلت إسرائيل –( 1145 ) لبنانياً بما فيهم مقاتلي حزب الله , وجرحت – ( 3628 ) جريحاً لبنانياً , هذا حتى تاريخ 13/8/2006 في العراق يقتل كل يوم بحدود ثلاثين عراقياً بعمليات انتحارية ويذبح العشرات , وتخطف وتقتل يومياً بحدود عشرة نساء ويجرح بحدود ( ثمانين جريحاً ) وبذلك يكون عدد القتلى من العراقيين منذ بدأ الحرب على لبنان على الشكل التالي – لنفترض أن في العراق يقتل / 100/ شخصاً في اليوم , بذلك يكون العدد خلال شهر هو : /3100/ قتيل وضعف هذا الرقم من الجرحى – طبعاً هذا الرقم: بشكل تقريبي , علماً انه أذاعت إحدى القنوات العراقية أن اللذين قتلوا خلال أسبوع واحد فقط هم : /1750/ قتيل , فمن هنا تكمن المأساة التي تحيط بالعراق فهل الحرب الدائرة بالعراق هي أشرس من الحرب الدائرة في لبنان , والتي حتماً المجتمع الدولي سوف يجد لها حلاً , أما القتل العراقي , فقد يطول بانتظار حلول يبدو أنها مستعصية , بين دول تتقاتل على المصالح , وبذلك يذهب دم العراقيين هدراً , والسؤال هو أما آن للعراقيين أن يعوا أن المؤامرة عليهم هي أكبر من انتماءاتهم الطائفية, وعليهم أن يكونوا أكثر توحيداً وإيماناً بالوطن الذي هو جوهر كل إنتماء , إن السلاح الوحيد الذي يفترض إن يتسلح به العراقيون هو سلاح الوطنية , فالوطنية فوق كل الانتماءات الدينية والحزبية 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟