أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سلام عبود - رسالة الى صديق لبناني














المزيد.....

رسالة الى صديق لبناني


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 1643 - 2006 / 8 / 15 - 09:31
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


أخي الحبيب!
أصغيتُ الى دوي ّ صمتك بقدسية, أرجو أن تصغي الى ضجيج خرسي.

دفق كلماتك المتقاتلة, يعبر مثل شرارات هاربة من مصيدة النار, نحو فضاء متخثر الدم.
التباسات روحك تقفز من قطب الى قطب, من قيعان اليأس الى ذرى الأمل, من غرب الخيبة الى شرق التشبث بالحياة, من شمال اليقين الى جنوب العاطفة, من الجنون الى العقل, ومن سكينة الاستسلام الى عنفوان المكابرة.
ولأن كلماتك تشبه لبنان في التباساته واحتباساته, ولأن أقطاب التضاد على هذه الأرض الموحدة أرضية وبشرية خالصة, أرى في كلماتك رائحة الجذور والبذور, وأشم فيها ألوان الأعماق والأوراق. ففي اللحظة العصيبة, لحظة احتراق الفراشات, يتوحد الحرف بالتراب, تتوحد الأنفاس بالدماء, ويتوحد النقيض بالنقيض.
لكن الوحدة والتوحد الخالصين, الحرين, السرمديين, لن يمرا, عابرين الى أرواح أخرى, إلا عبر أنفاق العشق السرية, ومسالك الخوف على معنى الحياة.
كلماتك القافزة من قطب الى قطب, تعبر مثل شرارات حارقة, تضيء وجه الظلمة المستهينة بالحياة, وتترك وراءها ضوعا بشريا, هو ضوع الوجود الذي لن يزول, ضوع التشبث الجنوني بقدر البقاء, البقاء على قيد الحب.
كلماتك هي لبنان المتشبث بوجوده الأصيل حتى الرمق الأخير.
هي لبنان المتشبث بجنون الحياة حتى الفجر الأخير.
هي لبنان المتشبث بأمواهه ونيرانه, بصخوره وسمائه, ببحره وبره, بأرزه وأحجاره, بعشقه ونسائه, بعبثه ولهوه وصحوه, بشعره وكرامته وحماقات سياسته, بكنائسه ومساجده ومزاراته, بعدميته وواقعيته وغيبيته وعقلانيته, بليونته الفريدة واستعصائه الأكثر فرادة, بتنوع وحدته, المثير للحسد, وبوحدة خصوماته المغرية على التمادي.
أحب في كلماتك لبنان.
كما أحب في كلماتك فوضى العواطف, ووشايات الروح الغادرة.
أحب فيها حرائقها الخضر, المشتعلة فوق أصابع مرتعشة, تهتز, مأخوذة بجنون الموت.
أحب فيها صدقها القدري.
صدقها العاري, كعري الموت, صدقها الذي يوحدها بنقائضها, لفرط نقاوته وطهره.
أحب في كلماتك لبنان, لبنان أخي, وأبي, وأمي, ودمي المسفوح علنا, وحلمي العصيّ المميت.
لبنان الأضداد, لبنان الشيء ونقيضه, لبنان اللحظة الفريدة التي حمل الله فيها الطين, حينما كان مفتونا بمعجزاته العجيبة, عند بدء الخليقة.
لبنان الذي يغمسون أصابعهم في دمه فيرسمون له وجه المارد الفتي, الذي يهب المهزومين سحر اليقظة.
يغمسون أصابعهم في لحمه فيرسمونه صليبا يعلقون عليه تاريخ الهزائم.
يغمسون أصابعهم في لهوه وعبثه فيرسمونه وردة تنضو عن جسدها أوراقها الملونة, كلما مستها ريح الهيام, أو ريح المساء.
يغمسون أصابعهم في ألفته وصبره فيرسمون له وجه محمد والمسيح.
ففي سماء الطائرت المغيرة, حينما تطفئ الحياة أنوارها,
يفتك ليل البرابرة بألوان الروح.
ما أقبح قوس قزح مصورة بالأبيض والأسود!
وما أبهجها في سماء الألوان, في معارك الألوان, وفي نشوة الألوان, في صخب الألوان و شهواتها, في انفعالاتها وهدآتها.
كان في مقددور الله أن يغمض عينيه ويغمض ضميره معهما ويصنع لبنان الأبيض أو الأسود,
كان في مقدوره أن يجرد لبنان من لبنانيته,فيجرد قوس قزح من طيفها اللوني,
ينزع من شرقنا الأوسطي الفريد شرق أوسطيته,
كان يستطيع أن يصنع لبنان مسكونا بالطائرات المغيرة أبدا.
أو لبنان بلا سماء.
ويستطيع أن يصنع لبنان لا يخاف, أو لبنان الذي يبيع دمه للعابرين.
لبنان الذي لا يقلق, لبنان الذي لا يضعف, لبنان الذي لا ييأس, أو لبنان الذي لا يقهر.
كان يستطيع أن يرسم وجها أوحد للبنان, خالبا.
هو يستطيع ذلك, لكنه لن يخلق بهذا إلا لبنان خلّبا, لبنان كاذبا, لبنان الوهم.
حينما يفعل ذلك ينزع من قوس قزح الشرق سنديانتها الخضراء.
ينزع منها دم المحار.
ينزع منها زرقة سماء بيروت.
ينزع منها صفرة أقمار قانا.
وسماوية عيون الليطاني.
ينزع منها خوف الوردة, ووهج القبلة, ينزع منها فورة الروح, وعشق الدوري لسماء الحرية.
لبنان الذي أحبه في كلماتك هو لبنان المتناقض, لبنان المزروع في وجه السماء,
وهو السماء الشفيفة المحترقة بسعير القاذفات, وبسعار السياسة,
لبنان الهائم أبدا في جنونه الذهبي, جنون الارتحال المستديم في ملكوت البهاء, المجترَح بحد الحب.
ولأني من وطن أريد له أن يكون الممر السرّيّ الى سمائك الوادعة,
لأنني من وطن أغارت عليه الطائرات من جهاته السبع,
أغار عليه المغيرون حتى من جوفه, أقول لك, بكبرياء الجريح, الواقف في وجه الموت وجبروته:
لا تبتئس, لا تخف, ولا تكابر أيضا!
فليس بالسيف وحده ينكسر بريق الموت.
وليس بالخوف أيضا.
الخشية على الحياة,
حب الحياة حتى الرمق الأخير,
حب الحياة بالانتصار لها, وليس عليها, سيف أزلي آخر في مواجهة طغيان الموت.

أخوك
سلام عبود



#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الواقعيون العرب:من نظرية المؤامرة الى نظرية المغامرة
- العودة الى آل ازيرج
- سنلتقي خلف منعطف النهر :::الى أخي كمال سبتي
- من الثورة الغادرة الى الثورة المغدورة
- من أجل مشروع ثقافي عراقي بديل.. جدل ثقافي ساخن على قبر يوسف ...
- لماذا يخشى السياسيّون العراقيون جدولة رحيل قوات الاحتلال؟
- جماليات فن التعذيب
- بريد الأنبياء الى أجمل الشهيدات:أطوار بهجت
- ما بعد جائزة نوبل للأدب, أزمة الذات الثقافية العربية
- الرابحون والخاسرون في معركة حرية التعبير - حول نشر صور الرسو ...
- عولمة الشر وتفكيك الديكتاتورية
- غرائز مسلّحة - ملاحظات على مقالة: أي نزار قباني يسلسلون ورسا ...
- أول حرب جنسية في التاريخ
- ارحلوا ايها الكلاب
- من كتب روايات صدام حسين؟ صدام يلقي خطابا على نفسه والذاكرة ت ...
- قراءة في روايات صدام حسين..دكتاتور كبير وقارئ كبير
- حكومة ننسحب, ما ننسحبشي!
- الله ساخرا!
- شكر المحتل, وشكر صدام ! ؟
- مزاد علني في الهواء الطلق


المزيد.....




- سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي: ...
- أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال ...
- -أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
- متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
- الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
- الصعود النووي للصين
- الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف ...
- -وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب ...
- تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سلام عبود - رسالة الى صديق لبناني