محمد عبد الرضا شياع
الحوار المتمدن-العدد: 1643 - 2006 / 8 / 15 - 08:26
المحور:
مقابلات و حوارات
لوث غارثيا كاستنيون مستعربة إسبانية. درست الأدب العربي. وزارت وعملت في بعض المدن العربية. وفي كلّ مرة كانت تعود إلى بلادها إسبانيا وهي تحمل في جعبتها إنجازاً أو أكثر. درست القصة القصيرة في مصر ونالت عليها شهادة الدكتوراه. وعملت في بغداد وأنجزت كتابين أحدهما بعنوان"الخرجات في الموشحات الأندلسية" بالاشتراك مع الدكتور داود سلوم, صدر عن سلسلة الموسوعة الصغيرة العراقية. والثاني ترجمة مجموعة من القصص القصيرة العراقية إلى الإسبانية ونشرتها دار المأمون للترجمة في بغداد. وقد حضرت هذه الأيام إلى الرباط لمناقشة أطروحة دكتوراه الدولة في القصة القصيرة المغربية, في جامعة محمد الخامس-كلية الآداب بالرباط مساء2-6-1997 حيث تحصلت المستعربة الإسبانية على دكتوراه الدولة. وعلى هامش هذا الحضور كان لنا معها هذه المصاحبة الأدبية:
الدكتورة كاستنيون: كيف بدأت علاقتك بالأدب العربي ؟
ـ كانت البداية في جامعة القاهرة التي رشحت إليها لدراسة الفلسفة العربية الإسلامية والتصوف الإسلامي انطلاقاً من تخصصي الفلسفي، حيث كنت قد حصلت على البكالوريوس من جامعة مدريد. والماجستير في السوربون في بحث مقارن بين الفلسفة الوجودية في فرنسا والفلسفة الكاثوليكية في أسبانيا. لكنّ الذي حصل في القاهرة بعد اجتيازي مرحلة تعلم اللغة العربية، والتي أمدها سنتان في مدرسة الطلبة المسلمين المغتربين, أنّي واجهت صعوبة في دراسة الفلسفة والتصوف الإسلاميين، لأنّني كنت أصطدم بحاجز اللغة, خاصة وأنّ اللغة الصوفية تشتغل على معنى المعنى وأنا لم ألاقِ صعوبة في فك المعنى، فالتجأت لدراسة الأدب العربي لأنّني كنت أستهويه، وكنت أحس بسهولة دراسته مقارنة بدراسة الفلسفة والتصوف. فقرأت الأدب الكلاسيكي والحديث. ثم استقر رأيي على دراسة القصة القصيرة في مصر. فذهبت إلى مدريد وسجلت الموضوع هناك. ثم عدت إلى مصر لأجمع المادة خلال ثلاث سنوات وأعود إلى أسبانيا لمناقشتها في قسم اللغة العربية والإسلام في الجامعة المستقلة في مدريد, تحت إشراف المستعرب الجليل البروفيسور بيدرو مارتينث مونتابيثPedro Martinez Montavez.
ما النماذج التي قمت بدراستها في القصة القصيرة المصرية ؟
ـ درست قصص صنع الله إبراهيم, جمال الغيطاني, ويوسف القعيد.
وهل عملت في مجال اختصاصك الجديد ؟
ـ حصلت على دكتوراه الدولة أواخر عام1985 وعندها اتصلت بي وزارة التعليم العالي، وعرضت عليّ العمل في ألمانيا أو في النمسا كأستاذة في إحدى الجامعات. لكنّني رفضت الاختيارين معاً. وطلبت من المسؤول أن يوفر لي فرصة عمل في أحد البلدان العربية. وبعد ذلك اتصل بي الشخص نفسه وأخبرني بأنّ جامعة بغداد بحاجة إلى أستاذة للّغة الأسبانية فطرت فرحاً.. وقال لي: لكنّ المرتب أكثر في ألمانيا والنمسا. فقلت له: لا يهمني المال بقدر ما يهمني العمل في البلاد التي أحب, ومن المصادفات الجميلة أن أصل إلى بغداد ليلة رأس السنة, وكانت ليلة مبهجة حقاً حيث كنت أطلّ على أضواء بغداد الصافية التي تعانق في خاطري أطياف ألف ليلة وليلة.. كان كرنفالاً جميلاً ذلك العرس البغدادي, في ليلة, حقاً, ليلة أعياد.
كتبت بعض الدراسات عن الشعر العربي الحديث. كيف كانت البداية ؟ وكيف وجدت هذا الشعر؟
ـ اكتشفت الشعر العربي الحديث عبر قراءاتي لجيل الرواد وبالذات السياب ونازك الملائكة. وكنت أحس بالرعب, ولكنّه الرعب الجميل جداً, ذلك الذي توحي به قصائد السياب الذي ينادي بلاده من خلالها وهو يقف, غريباً, على ضفاف الخليج.. الغريب في الأمر كانت اللغة تصلني دون عناء ولا أدري كيف!
هل عانيت من تعلم اللغة العربية ؟
ـ تعلم اللغة العربية, بالنسبة لي كان بمثابة الكابوس, إنّه إبحار صعب ومرير. ولو كنت أعرف صعوبة الإبحار في هذا الموج لما قبلت المغامرة, ولبقيت أعشق هذا البحر اللغوي الزاخر من بعيد. كنت أناجي نفسي: صبراً يا لوث. ستنتهي الصعوبة هذا العام. ولكن اكتشفت أنّ الأمر مازال صعباً, بل يزداد صعوبة كلما توغلت في الإبحار. بيد أنّ للمغامرة لذتها.
من عرفت من الشعراء العرب المعاصرين غير السياب ونازك الملائكة ؟
ـ عندما كنت أقرأ للسياب ولنازك كنت غير مكترثة بالبياتي, وهو من الرواد أيضاً, لأنّني ظننته سياسياً أكثر مما هو شاعر حيث عاش في الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية, وعندما قادتني إليه الصدفة وجدتني مخطئة لأنّه شاعر بامتياز.. وفي مصر تعرفت على صلاح عبد الصبور؛ كان جميلاً في "الناس في بلادي", الشاعر يصبح شاعراً عندما يكتشف الوحدة النفسية التي يعيشها. فمعظم الشعراء يعيشون في عزلة نفسية، وعبد الصبور هو المكتشف الحقيقي لهذه العزلة. لكنّني لا أدري هل الشعر يوصل إلى العزلة أم أنّ العزلة توصل إلى الشعر.
ماذا تعتقدين ؟
ـ أعتقد أنّ الشعر يوصل إلى العزلة، لأنّ عين الشاعر الشعرية هي التي توصله إلى دواخل الناس..
وهل يوجد غير هؤلاء الشعراء من أثّر فيك ؟
ـ نعم, كثيرون, مثلاً أمل دنقل, عبد المعطي حجازي, أدونيس, ولكن الذي أدهشني هو الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر, وللحديث عنه ينبغي أن أمتلك لغته الشعرية، وإلا فالكلام يظل قاصراً ولا يصل إلى حدود الوصف.. كما قرأت عدة دواوين لحسن توفيق وقرأت كتابه النقدي "شعر بدر شاكر السياب: دراسة فنية وفكرية"..
كيف بدأت فكرة مشروع كتاب "الخرجات في الموشحات الأندلسية" مع الدكتور داود سلوم ؟
ـ كنت أستاذة في شعبة اللغة والأدب الأسبانيين في كلية الآداب- بجامعة بغداد, وكنت أتردد على قسم اللغة العربية أكثر من اللغة الأسبانية. وتعرفت على أساتذة اللغة العربية، وذات يوم اقترح عليّ الدكتور سلوم إنجاز هذا المؤلف، فعملنا سوياً وتم إنجازه. وكنت أتردد كثيراً على اتحاد الأدباء العراقيين، فطرحت فكرة نشره على الأديب موسى كريدي ضمن سلسلة الموسوعة الصغيرة العراقية التي كان يشرف عليها، فرحّب بالفكرة ونشر الكتاب.
رحم الله موسى كريدي.
ـ ماذا ؟! هل توفي موسى كريدي ؟!!
نعم.
ـ يا للحزن - كيف يموت هذا الجميل.. كان يقول الفلاسفة الوجوديون: "أنا موجود، الموت غير موجود. الموت موجود، أنا غير موجود" . ولكن رغم الموت ورغم الفلاسفة موسى كريدي موجود. كيف ننسى طيبته, كرمه. يا عيني عليه كما يقول العراقيون.
ما الأثر الذي تركته المدن العربية في نفسك ؟
ـ أنا لا أستطيع أن أعيش أكثر من شهرين في أسبانيا. يحفّزني الحنين بداخلي إلى المدن العربية. فالقاهرة بأحيائها الشعبية، وبغداد بمؤتمراتها الأدبية، تأخذني إليها دائماً، وكذلك المدن المغربية بتقاليدها وطقوسها الجميلة.
وهل أستطيع أن أنسى البصرة، أم أهوار الجنوب العراقي، حيث الطيبة والكرم. أم أنسى جمال شمال العراق وشلالاته الهادرة. كل هذه التفاصيل تعيش معي.
حضرت مرة إلى بغداد في مهرجان المربد مع الوفد المصري واستقبلنا في المطار الروائي عبد الأمير معلة. وقال لي يا لوث: بهذه الشعبية وبهذه اللهجة المصرية كان عليك أن تكوني رئيسة للوفد.. بهذه الأجواء أعيش في المدن العربية، وأحياناً أقول: يا أبي ليتك كنت عربياً، لتخفف عني معاناة اللغة العربية على أقل تقدير.
● لماذا اخترت المنهج الواقعي لدراسة القصة القصيرة المغربية دون سواه من المناهج الأدبية الحديثة ؟ أم كانت لديك غاية معينة لا يمكن البحث عنها إلا من خلال هذا المنهج ؟
ـ النّص هو الذي يفرض المنهج، ولم تكن لديّ غاية مبيتة سلفاً. فالنصوص التي درستها هي نصوص واقعية. من هنا جاء عنوان البحث :"الواقعية في القصة القصيرة المغربية". وبالمناسبة ولدت فكرة هذا البحث في بغداد حيث التقيت الدكتور عباس الجراري هناك في أحد المؤتمرات، وطرحت عليه الفكرة، فوافق، وعندما جئت إلى المغرب عام1988 سجّلت البحث الذي أخذ مني كل هذه السنوات.
● باعتبارك أسبانية مهتمة بالأدب العربي والحديث منه على وجه الخصوص, بماذا تفسرين الاهتمام المتزايد للأديب العربي المعاصر بالأدب الأسباني عامة، وبفيديريكو غارثيا لوركا خاصة ؟
ـ علاقة الأدب الأسباني بالأدب العربي عميقة الجذور. وكتابة لوركا مغروسة جداً في هذه الجذور. أنا شخصياً أعتقد أنّ لوركا بشعره وبموته أصبح مثل المسيح المنتظر, كانت عنده رسالة وقتل قبل أن تكتمل رسالته، لذلك ظلّ خالداً حيث ينشد الناس اكتمال هذه الرسالة.. فمن يقرأ شعر لوركا يحس أنّ شعره حقيقي, غير مصطنع. شعره مثل الدم لا يبدو أنّه مخلوط بالماء.. لوركا فيه الروح الأسبانية الخالصة التي تنطوي على نوع من التراجيديا في نفسه، والتي تجعله يتحدى القدر.
● بين الحين والآخر يعبّر الأدب الأسباني عن ذاته, ويحمل لواء هذا التعبير أديب يظلّ صدى أعماله يرن في الأعماق متحدياً كلّ الأزمنة وكلّ المذاهب والتيارات الأدبية فلا يمكن نسيان خوان رويث Juan Ruiz, لوبيه دي بيكا Lope de Vega, انطونيو ماجادو Antonio Machado,غارثيا لوركا Lorca Garcia, رفائيل ألبرتي Rafael Alberti, ترى من يحمل هذا اللواء الآن ؟
ـ الزمن الآن ليس زمن الشعر, العالم يعيش في سرعة مهولة، والإنسان منشغل بالآلة؛ بالكومبيوتر، وعند الفراغ يريد أن يستريح، والشعر ليس للراحة، وإنّما الشعر لقضية توقظ في الإنسان الهواجس والأحاسيس. الإنسان يريد أن يهرب من هذه اليقظة، ويرغب بالاسترسال في النوم حتى لا يشعره أحد بالقلق. وإذا ما أراد أن يتسلى فبإمكانه أن يجد ذلك في قصة بوليسية أو ما شاكل ذلك..
لكنّ الرواية والشعر في أمريكا اللاتينية متقدمان. ومثلما تعلمين أنّ أدب أمريكا اللاتينية هو امتداد للأدب الأسباني ؟
ـ هذا صحيح. أدب أمريكا اللاتينية متقدم على كل الأدب الأوروبي - لأنّ الأوروبي يريد بعد العمل أن يخلد إلى الراحة, ليس لديه قضية ساخنة، أما في أمريكا اللاتينية فلا تزال قضاياهم ساخنة، ومن هنا تتقد جذوة الإبداع.
الأستاذة كاستنيون: إذا طلبت منك أن تحددي اسم شاعر عربي معاصر واحد فقط فمن تختارين ؟
ـ هذا اختيار صعب. ولكن إذا كان لابد منه أختار السياب.
وروائي عربي ؟
ـ أختار الروائية حنان الشيخ.
قصيدة عربية قديمة أو حديثة قرأتها وظلت كلماتها تتردد في خاطرك ؟
ـ خضراء, خضراء إنني أحبك خضراء للوركا ترد في قصيدة الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر "زيارة السيدة السومرية" التي ترجمتها إلى اللغة الأسبانية. أعجبتني كثيراً هذه المفردات اللوركية في صياغتها العربية.
ما أجمل كتاب قرأته في حياتك ؟
ـ مائة عام من العزلة.
هل تحبين العزلة ؟
ـ لابد منها للتأمل.
الوحدة ؟
ـ شيء رائع يخشاه الناس دون سبب.
الغربة ؟
ـ لم أحس بها أبداً.
الصحراء العربية ؟
ـ بحري المفضل، لكنّني لا أحتمل حرارتها. كم أتمنى لو كان العالم العربي في سيبيريا، لأنّني أحب المنطقة العربية، لكنّ حرارتها هي التي تطردني منها.
لقد تحدثنا قبل قليل عن أدب أمريكا اللاتينية وقلنا أنّه امتداد للأدب الأسباني. أما أنا فامتدادي في الأرض العربية لذلك ستجدني, بعد شهور, هنا أو هناك في بلد عربي لا أستطيع أن أسميه لك الآن.
* نشر الحوار في صحيفة الراية ( قطر ) السبت 12 يوليو 1997.
#محمد_عبد_الرضا_شياع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟