|
الحدث التونسي اختبار اضافي لطبيعة الفئات المثقفة
صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 6984 - 2021 / 8 / 10 - 23:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بداية لابد من التنويه أن تناول الاحداث في بلدان ماعرفت بثورات الربيع بموجتيه الأولى والثانية ( تونس ، مصر ، سوريا ، اليمن ، ليبيا – السودان ، الجزائر ، لبنان ، العراق ) يعتبر امتدادا لمراجعة فعل ومآل هذه الثورات ، وتعبيرا عن الاهتمام البالغ لنتائج تلك العملية الثورية المشروعة التي مازالت مستمرة منذ نحو عقد من الزمن في كثير من البلدان ، وباشكال مختلفة من المقاومة ، والتظاهرات الاحتجاجية ،والنضال السياسي ، والجماهيري السلمي المدني ، ومرشحة ان تندلع في بلدان أخرى في المنطقة ، حتى تتحقق اهداف الشعوب بالخلاص من الاستبداد ، وانتزاع الحرية والكرامة ، وإعادة بناء النظم السياسية التي تستجيب لطموحاتها . وفي هذا السياق أرى ان النقاش الذي تحول منذ أسبوعين للأسف الى نوع من " الجدل البيزنطي " بين فئات مثقفة ، وكتاب ، واعلاميين ، بخصوص الحدث التونسي ،ماهو الا امتداد لنقطة البداية حول دور الإسلام السياسي في أسلمة ، وأخونة ، ثورات الربيع ، واخفاقه في مشروعه المدمر للمجتمع وفكرة تنظيم الدولة ، على أسس ديموقراطية حديثة ، ولكن بالفاظ وعبارات أخرى ، واللجوء الي استحضار أمثلة بعيدة عن واقع شعب تونس المتميز بين جميع اقرانه في المغرب والمشرق ، بالوعي ، والثقافة والمعرفة ، وتمتعه بنوع من التقاليد الديموقراطية والمساواة في الحقوق المدنية بين المرأة والرجل ، والتنظيم الاسري ، التي أرسى قواعدها الزعيم الحبيب بورقيبة منذ عقود ، حتى المؤسسة العسكرية والأمنية التونسية تختلف عن مثيلاتها ، وعرفت بالحيادية ، والابتعاد عن السياسة والتحزب العقائدي ، والمغامرات الانقلابية . لايمكن باي حال تناول الحدث التونسي بشكل موضوعي ، ومنهجية علمية ، من دون اعتبار أن الأهداف الحقيقية لثورات الربيع كانت وطنية ، من اجل التغيير الديموقراطي ، وتحقيق الحرية ، وإزالة الاستبداد ، وصولا الى إعادة بناء النظام السياسي العلماني وليس الديني ، على هدى مقولة ( الدين لله والوطن للجميع ) ، وان جماعات الإسلام السياسي حاولت التسلل ، والسيطرة على مقاليد تلك الثورات بدعم النظام الإقليمي الرسمي ، ( وتجربتنا السورية ماثلة امامنا ) ، ثم أخفقت في مخططها ،ولم تعترف بالفشل حتى اللحظة رغم سقوطها ، وانكشاف نياتها السيئة التآمرية . واستغلت الحالة التونسية التي كانت آخر قلاعها المتداعية بسبب تداعيات الأوضاع الاقتصادية ، وقلة الموارد ، واستشراف الفساد وظاهرة سرقة أموال الشعب ، ثم الازمة الصحية فيما بعد ، واستفحال الفساد الحزبي ، والإداري ، وحيادية المؤسسة العسكرية ، وطيبة الشعب التونسي ، لتحاول التشبث بالسلطة ، وممارسة – الألعاب – البهلوانية بالسياسة والتحالفات الإشكالية مع أقذر التيارات وأكثرها فسادا ، وجحودا وإرهابا ، وتنظيم خلايا وفرق للاغتيالات ، والتسلل الى المؤسسة الأمنية ووزارة الداخلية بغية تنفيذ مخططها في الوصول الى دولة دينية اخوانية ، واستخدام التضليل الإعلامي سبيلا للهيمنة ، والصراع مع المختلفين بل اكثر من ذلك أراد زعيم حزب النهضة الاخواني استثمار موقعه كرئيس لمجلس نواب الشعب لممارسة مهام السلطات التنفيذية ، وابرام الصفقات مع دول واطراف سياسية خارجية ، من وراء ظهر مؤسسات الدولة . المشهد التونسي الذي تعددت ، واختلفت حوله الرؤى ، والاجتهادات ، بين من اعتبر قرارات ، وإجراءات الرئيس خطوة استباقية ، وقائية ، بالاتجاه الصحيح ، ومحاولة لإنقاذ العملية الديمقراطية ، وحركة علنية شفافة مدروسة ، معززة بتصريحات شبه يومية امام وسائل الاعلام ، وفي اطار القانون العام للحيلولة دون نجاح الإسلام السياسي ، وقوى الردة ، وارباب الفساد في جر البلاد الى وضع لايحمد عقباه ، ومن ضمن أطراف هذه الرؤية غالبية الشعب التونسي ، والنقابات ، والفئات الشعبية ، والشباب ، ومنظمات المجتمع المدني ، والإعلاميين وارباب الفكر والثقافة ، الذين يطالبون ويتمنون بالوقت ذاته الإسراع في تشكيل الحكومة ، واجراء انتخابات نيابية جديدة ، وهذا امر مطمئن ، وعلى كل حريص صادق احترام الرأي العام التونسي في تقرير مصيره . هناك أيضا من اعتبر ان ماجرى بمثابة ( انقلاب عسكري على الديموقراطية التونسية التي ارساها حزب النهضة !) وبين هؤلاء جميع أحزاب وحركات الإسلام السياسي ، والاخوان المسلمين بتونس والمنطقة ، وفئات وافراد من المثقفين " اليسراويين الفوضويين " وبينهم من يريد الحفاظ على مصادر الرزق إرضاء لانظمة معينة ، مع افراد قلائل من أصحاب النوايا الحسنة ، لديها حساسية مفرطة تجاه كل حاكم ، علما ان الرئيس التونسي رجل مدني ، لا حزبي ، ولا ينتمي الى المؤسسة العسكرية . وما يلفت النظر فيي هذا السياق موقف الدكتور عزمي بشارة كاكثر مثقف عربي تابع ثورات الربيع وكتب عنها ، من منظوره الخاص الذي قد نختلف او نتفق معه ، ، والذي تغير الى نقيضه في غضون أسبوعين فبعد مقالته النارية المنشورة في ( العربي الجديد ) التي كانت بغاية القسوة ، تضمنت كيل الاتهامات على غرار " الانقلاب ، والفردية ، والعزلة ، والطموح الشخصي " للرئيس الذي ينحدر من الطبقات الشعبية ، ونجح في الانتخابات الرئاسية باعلى الأصوات من التونسيين مباشرة ، ولم يكن ينتمي الى أي حزب ، وكان أستاذا للقانون الدستوري لنحو ثلاثين عاما . واليوم فاجأنا الدكتور بشارة ، بتغريدة تسجل عشرة أخطاء لحزب النهضة ، وكل من قرأها توصل الى نتيجة مفادها أن المسؤوليه الكبرى في ما آلت اليه أحوال البلد تقع على عاتق هذا الحزب ، وحسب فهمي فانني اعتبر – التغريدة – نوعا من مراجعة الموقف ، وتصحيحا للموقف الناشئ من المقالة الذي اعتبره البعض متسرعة، ولم يكن ليحصل – التناقض – لو تضمنت المقالة فحوى التغريدة منذ البداية ، في كل الأحوال تونس وتجربتها تهمنا ، لانها كانت مهد ثورات الربيع ، ولابد من متابعتها ، والاجتهاد حولها . هناك نماذج عديدة من الكتابات – الرخيصة – حول الحدث التونسي ، لاترقى الى مستوى مواقف فكرية مدروسة ، او رؤى سياسية تحظى بالاحترام ، ومن بينها كمثال ماكتبه احد أغبياء " سياسيي الصدفة " من ( أكرادنا ) يقارن بين الرئيس التونسي – قيس سعيد – ورئيس الحكومة العراقية - الكاظمي – وبين تونس والعراق ، وهما بلدان يختلفان جذريا من حيث التعددية القومية ، والمسالة الطائفية ، والتكوين الاجتماعي ، وهناك بالمقابل كتابات ، واجتهادات ، وتقييمات تعتمد المنهج العلمي ، الموضوعي ، وما احوجنا اليوم الى مثلها .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نصف قرن ونيف على كونفراس الخامس من آب
-
إشكالية الدعم الخارجي للحركات التغييرية - بزاف - نموذجا
-
- سلطات الامر الواقع - صناعة - أسدية -
-
تعقيبا على - هاشتاك - مظلوم عبدي من يعتر
...
-
الامازيغ في صراع نظامي المغرب والجزائر
-
خيارات الكرد السوريين بعد مؤتمر روما
-
الأردن والكرد على ضوء زيارة رئيس الإقليم لعمان
-
نقاش هادئ في مسألة ساخنة
-
من شروط الحوار المثمر داخل الحركة الكردية السورية
-
مناقشة الخيار الديموقراطي البديل في اعادة بناء الحركة الكردي
...
-
معرفة الماضي ، تنير الحاضر ، وتحصن المستقبل
-
الكرد السورييون الى أين
-
قضية للنقاش ( 192 ) في تعريف : - أطراف الحوار -، -حرية العمل
...
-
الساعون الى تشويه الذاكرة التاريخية لكرد سوريا
-
الكرد في الذاكرة السورية
-
مراجعة نقدية في تشخيص أسباب امتداد مرا
...
-
قراءة لشهادة رياض حجاب حول – ب ك ك –
-
خمسة قضايا استراتيجية في لقاء رئيس إقليم كردستان
-
في أسباب الحرص على سلامة إقليم كردستان
-
في استشراف آفاق النهوض في الحالة الكردية السورية
المزيد.....
-
مقتل يحيى السنوار.. ما عليك معرفته من التعرّف عليه عبر سجل ا
...
-
قبرص: حريق في بافوس يتسبب في تدمير جزء من مبنى تاريخي يعود إ
...
-
الحزن يعم بوينس آيرس: عشاق باين من فرقة -ون دايركشن- يودعون
...
-
أبرز 4 أهداف في -الضوء الأحمر- ضمن قائمة الضربة الانتقامية ا
...
-
الولايات المتحدة تفرض عقوبات جديدة ضد شبكة -لتمويل- الحوثيين
...
-
برلماني أوروبي: الدعم لنظام كييف قد ينخفض إذا فاز ترامب
-
بعد اغتيال السنوار.. الجيش الإسرائيلي يحدد هدفه التالي
-
نتفليكس تتوقع مضاعفة أرباحها بعد إضافة 5 ملايين مشترك جديد
-
حقيقة فيديو حريق في ثاني أكبر مصفاة نفط إسرائيلية
-
قارنت ردة فعله بصدام حسين.. إيران تعلق على مقتل يحيى السنوار
...
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|