عمرو إمام عمر
الحوار المتمدن-العدد: 6979 - 2021 / 8 / 5 - 11:37
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
من أكثر الأشياء المحيرة هى فكرة ”الديمقراطية“ ، فلا يوجد نظام سياسى عرفته البشرية خاصة منذ القرن الثامن عشر إلا و وصف نفسه بالديمقراطى ، فأصبحت تلك الكلمة هى الأداة الرئيسية لشرعنة أية سلطة سياسية حاكمة ، و اليوم استطيع القول أن كل دول العالم تصف نفسها بالديمقراطيات إلا أن هشاشة الترتيبات السياسية و تاريخ مؤسساتها تكشف مدى الزيف الذى تروجه تلك الأنظمة الحاكمة ؛ بعد تفكك الكتلة الشرقية الاشتراكية و هزيمة حركات التحرر الوطنى فى دول المستعمرات و إعلان إنتصار الكتلة الغربية الرأسمالية ، أصبح الشغل الشاغل لأجهزة الإعلام هو ترويج لفكرة أن الأنظمة الأستبدادية قد تهاوت و انتصر المعسكر الحر الديمقراطى ، لينتشر إعتقاد لدى العامة إننا نعيش بداية عصر الديمقراطية الكاملة ، ليطرح تساؤل لكن هل صحيح ستعيش البشرية عصر جديد من الديمقراطية الحق ؟ !.
إذا بحثنا عن اصل كلمة ديمقراطية سنجد إنها تتآلف من كلمتى Demos ، و هى تعنى الشعب ، و كلمة Kortos و تعنى الحكم ، أى حكم الشعب أو ”الحكم من قبل الشعب“ ، إلا أن هذا يبدوا فقط على الورق فتاريخ الديمقراطية معقد و فى غاية الغرابة ممتلئ بالتصورات المتضاربة ، فتعريف الديمقراطية كما صاغها الفلاسفة منذ القرن السابع عشر يقول الآتى ”أن الديمقراطية هى ذلك الترتيب المؤسسى الهادف للوصول إلى قرارات سياسية لتحقيق الخير العام و بجعل الشعب نفسه يقرر تلك المسائل عبر انتخاب أفراد يجتمعون لتنفيذ إرادته“ ، إذا فالديمقراطية الغرض منها أن يصل الشعب من خلال ممثليه إلى تحقيق الخير العام له من خلال الإرادة الشعبية و الحجج العقلية …
وهم الليبرالية ؟ !
منذ الثورات الأوروبية فى القرن السابع عشر التهب صراع فكرى ما بين الليبراليين و الاشتراكيين ، و يحلوا دائما لدعاة الليبرالية عندما يوجه لهم سؤال ”ما هى الليبرالية ؟“ بالقول إنها مذهب الحرية ، و للأسف الشديد إننا لا نرى تلك المرواغة العقيمة فقط من خلال الجدل السياسى ، و لكننا نلمسه بشكل واضح فى التنظير الأكاديمى فيقول المؤرخ الفرنسى موريس فلامون فى كتابه تاريخ الليبرالية ”الليبرالية … أكثر المذاهب قدما و شهرة ، و ربما أكثرها ظلما ، بالنظر إلى مآخذ البعض على المدنية الليبرالية و تنظيمها الإقتصادى ، و سبب ذلك راجع إلى أنها مذهب الحرية“1 ؛ لن نجد بين تلك الكلمات سوى ملاعيب زئبقية تخلوا من التحديد تجعلنا غارقين فى مفاهيم ملتبسة ، فلا يوجد بالخصوص تعريف واضح لمعنى الحرية ؛ إن الليبرالية من خلال مسارها التاريخى ترتكز على أولوية الفرد بوصفه كائنا حراً ، فمقولة الحرية هى دائماً المقولة المركزية التى يحرص الليبراليين على إبرازها ، فالليبرالية من الناحية الفكرية تعنى حرية الاعتقاد و التفكير و التعبير ، أما فى الجانب الإقتصادى تعنى حرية الملكية الشخصية و حرية الفعل الأقتصادى وفق قانون السوق ، و على المستوى السياسى تعنى حرية الرأى و تأسيس الأحزاب ، و من هنا نرى إن الحرية ليست مبدأ فى حد ذاته لكنها المرتكز الرئيسى كمعنى شامل لغيرها من المبادئ ، مع الأخذ فى الإعتبار إن لفظ الحرية ”فكرياً“ ليس محدد الدلالة و لا محدد الأبعاد …
نَبعت فكرة الليبرالية مع أنطلاق الثورات البورجوازية فى القرن السابع عشر التى قامت من أجل الدفاع عن طبقة ”صغار الملاك و التجار“ الصاعدة فى تلك الفترة ، و بحثا عن الإعتراف الكامل لها بكامل حقوقها خصوصا فى الملكية الخاصة مقابل الطبقة الارستقراطية الإقطاعية التى كانت مهيمنة على الحياة الأقتصادية و السياسية ، لذا فأصل الليبرالية أرتكز على قواعد تجارية حيث مبدأ الملكية الخاصة ، و ان تكون قواعد السوق ”المنافسة و الصراع“ هو الأساس الذى تتشكل منه سواء كان سياسياً أو أقتصادياً ليظهر المبدأ المعروف بالأقتصاد الحر و الذى تم التعبير عنه بمقولة ”دعه يعمل ، دعه يمر“ ، لذا عنت الليبرالية بألا تتدخل الدولة بأى شكل لتنظيم العملية الاقتصادية سوى بالحفاظ على قواعد السوق ، من هنا نلاحظ إن الليبرالية أعتنت بشكل خاص بمبدأ الحرية الفردية مضحية بمبدأ العدالة المجتمعية و تلك هى أزمة الليبرالية الحقيقية ، مثال على ذلك الأزمات التى تعانى منها أوروبا اليوم ليست إلا إنعكاس لأزمة نظام سياسى بنى للحفاظ على علاقات تربط ما بين رأس المال و المنظومة السياسية من جهة ، و بين المنظومة السياسية و الباقى عناصر المجتمع من جهة أخرى بحيث تبدوا العملية الآلية للمنظومة بأكملها إنها تنبع من اسفل أى من القاعدة الجماهيرية إلا أن الحقيقة مخالفة لذلك ، فالمحرك الأساسى للعملية السياسية هو رأس المال ، و ليس غريبا أننا لا نرى فقيرا واحدا يتم إنتخابه فى تلك المجالس المسماة بالبرلمانات ، بل ستجد أن جميعهم مليونيرات اللذين سيعملون بالتأكيد على رعاية مصالحهم و ليس مصالح الكادحين و المظلومين و المتعطلين فى الشوارع ، لذا فليس من الغريب أن نرى أحد أكبر علماء الأجتماع البريطانيين بول هيرست - Paul Hirst – فى حديث له عن النخب السياسية اليوم قائلاً ”إن مشكلتنا معهم لا تقتصر على التسلط و إسقاطهم المصلحة العامة من الإعتبار ، و لكن هذا القدر الهائل من القوة يدفعهم إلى الإستئثار بقدر هائل من الثروة ...“ ، من هنا ينبهنا هيرست إلى أن أى محاولة لوصف ما يحدث فى المؤسسات البرلمانية السياسية بالديمقراطية لن يكون بالأمر السهل ، لأنها فى تلك النقطة عليها أن تقف تتحدى قوة و ثروة طبقة اصحاب الأعمال ، و المديرين و المستشاريين ، و كبار المهنيين و الفنانيين و الرياضين و غيرهم ، ناهيك عن الشركات العبرة للقوميات و التى باتت أقوى من كل حكومات العالم …
الربيع العربى و الوهم الإعلامى
أما إذا تحدثنا عن ما يحدث فى بلادنا بعد عاصفة الربيع العربى ، يحاول دائماً الإعلام الغربى تصوير التجربة التونسية إنها التجربة الأمثل و التى يجب أن ننظر إليها ، لكن السؤال الأهم ماذا قدمت التجربة اللامعة للمواطن التونسى الفقير ، هل وفرت له الحياة الكريمة ، هل تغيرت أحوال المواطن عما كانت من قبل ، للاسف الشديد الحال أصبح أسواء بكثير ، فالمؤشرات تنبئ بأزمة كبيرة تهدد بتراجع الإنتاج و الخدمات و مزيد من البطالة و التدهور فى مستويات المعيشة ، كأننا نشاهد تكرار لنفس الأزمة اللبنانية ، فأزمة الديون وصلت إلى حد العجز عن سداد الأقساط و الفوائد ، و فالحكومة مطالبة بتسديد 4䀳 مليار دولار فقط لخدمة الدين ، و حتى تستطيع الحكومة تسديهم يجب عليها الحصول على قرض يقترب أو ييزيد قليلا عن ستة مليارات دولار لتمويل عجز الموازنة ، فالدين الخارجى وصل إلى مايزيد عن 100% من الناتج المحلى ، و أحتياطى البلاد من العملة الصعبة فى أدنى مستوياته يقدر بحوالى 7 مليار يورو فقط ، زد على ذلك الأزمة السياسية المشتعلة بين رئيس الجمهورية من جهة ، و حركة النهضة من جهة أخرى و هو أكبر حزب فى البرلمان و التى دأبت على تعجيز الحكومة و شل يدها فى إتخاذ القرارات على الرغم من عدم وجود خلاف حقيقى بين توجهات الحكومة الحالية و حركة النهضة فى الجانب الاقتصادى لكنه صراع سياسى ساذج يدفع ثمنه المواطن البسيط ، فلا الحكومة الممثلة فى رئيس الوزراء هشام المشيشى لديها رؤية اقتصادية تنموية شاملة ، و لا حتى حركة النهضة تمتلك برنامجا بديلا يخرج الدولة من أزمتها ...
إن الأوضاع الاقتصادية فى الشقيقة تونس ما كان يجب أن يصل إلى هذا الحد من التدنى و السوء لولا تلك الصراعات الساذجة بين نخب سياسية عاجزة ، فالسياحة متدهورة للغاية و نسبة الإشغال العامة فى الفنادق لا تزيد عن 36% خلال العام المنصرم ، بالإضافة إلى تراجع الإنتاج الزراعى و الصناعى و بالتالى تراجع الإيرادات الضريبية ، مما أدى إلى زيادة كبيرة فى الأسعار و عجز ضخم فى الموازنة العامة للدولة و إنخفاض فى إحتياطى العملة الصعبة ، مما يجعلنا نتسائل هذا الصراع السياسى المحتدم على ماذا ؟ !
ليطرح تساؤل هام … ماذا قدمت الديمقراطية للمواطن الفقير ؟
____________________________
1) Maurice Flamant - Histoire du libéralisme Page 3
#عمرو_إمام_عمر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟