"عولمة الحروب وا لنهب " احتلال العراق وبعض نتائجه
انتهت الحرب الامبريالية الانجلو- امريكية على العراق سريعاَ ، بالرغم من مقاومة شعبية شرسة في بداياتها. وانهار النظام الدكتاتوري الكريه مع فرار طاقمه وسقوط بغداد بسهولة ملتبسة تشبه عملية "استلام وتسليم". واكتمل هكذا الاحتلال الامريكي للعراق ، مع تقسيم ادارته الميدانية لثلاث مناطق، لفرض الاحتلال، بين القوات الامريكية وبين حلفائها الذين شاركوها الحرب.
وكان اول تباشير "تحرير العراق وديمقراطيته" التي بشرت بها الحرب الامبريالية للادارة الامريكية الليبرالية الجديدة هي انتشار الفوضى والسطو والنهب لثروات العراق التاريخية والثقافية والمادية . وربما اعطى هذا مثالاَ لما سيكون عليه العراق تحت الاحتلال. وبدأت تنضح من اعماق المجتمع العراقي الممزق والمفتت بالحصار والحروب اصطفافات اجتماعية وسياسية "عشائرية وطائفية .." عوضاَ عن التعبيرات الديمقراطية المدنية الحديثة ، التي ستأخذ وقتاَ قبل ان تتجلى ، ليس بفضل الاحتلال الامبريالي بل في مواجهته.
وخبا الاحتجاج الشعبي في المنطقة العربية ، وازدادت خيبات الامل والارتباك العام. ولعب فيها دور هام واقعَ غياب حوامل اجتماعية وسياسية فاعلة ، اضافة الى الدور الاعلامي المّموه و"المفرّغ" للشحنات الوجدانية للجماهير قامت به – وما تزال- بعض الفضائيات العربية وبالاخص قناة الجزيرة القطرية . فقد تحولت هذه الامارة الى مجرد قاعدة عسكرية للامبريالية الامريكية تنطلق منها العمليات العسكرية من جهة ، بينماتتكفل "الجزيرة" بابتداع "الوقائع" وتنفيس مشاعر "الكره" والاحتجاج رمزياَ ولفظياَ بافتعال "معارك وبطولات" كلامية واستعراضية لايهم مدى علاقتها بالواقع او تمثيلها له(اشبه بمسرح العرائس، ولكن على صعيد واسع الانتشار) ، ويكفي الناس الارتماء امام الشاشة لاستحسان "هذا الكلام" او" استهجان" الاخر ، عوضاَ عن النزول للشارع او المشاركة المتواصلة في النضالات اليومية والعامة.لقد لعبت، وستلعب، هذه الفضائيات دوراَ سلبيا في التأثير على الرأي العام ، خصوصاَ امام غياب هيئات اجتماعية وسياسية جماهيرية، وغياب حكومات،أ و ممارسات، ديمقراطية. ولانلغي ، بالتاكيد، دورها في تعليم احترام الرأي والرأي الاخر. انها(أي قطر) قد تحولت الى اهم قاعدة عسكرية للامبريالية بسلاحين : الاول ،حربي. والثاني، ايديولوجي واعلامي .
والحال ، فقد دشنت الامبريالية الامريكية "دمقرطتها"! للعراق باحتلاله وازاحتها للنظام الدكتاتوري، عبر خطوة رمزية هامة وذات مدلول هو تعيينها لحاكم "دكتاتور عسكري امريكي" هو الجنرال جي غارنر، وهو من طاقم المحافظين جداَ من اليمين الجمهوري المتشدد. هذا "الجنرال الدكتاتور" تصل به "الديمقراطية" الى درجة انه يرى " ان عملية احتلال العراق هي نموذج للاستراتيجية التي يجب ان تتبناها الولايات المتحدة . فلو ان الولايات المتحدة نفذتها خلال حربها في فيتنام باحتلال فيتنام الشمالية لاختلفت تماماَ نتيجة هذه الحرب !!!" وهو يدعو الى توسيع "النموذج العراقي". هذه " الدكتاتورية العسكرية" للامبريالية مؤقتة، وفق التصريحات الرسمية للادارة الامريكية . مؤقتة بانتظار اقامتها لنظام عميل شبيه بنظام قرضاي في افغانستان ، هذه هي الصيغة الحقيقية و الرسمية" للديمقراطية " الامبريالية الامريكية المنشودة !.
قد يكون المسعى الامريكي في المرحلة القريبة القادمة هو الباس احتلالها للعراق لباس "الشرعية الدولية" عبر اشراك الامم المتحدة ، بشكل او باخر، في عملية "بناء العراق" ، او بمعنى اخر دعوة الاخرين لدفع فاتورة الدمار الذي سببتها الحرب الامبريالية نفسها. ولأ ن الولايات المتحدة ، بالرغم من جبروت قوتها، اضعف عسكرياَ واقتصادياَ من ان تتحمل وحدها عبء كلفة احتلال بلد كالعراق، فان ادخال الامم المتحدة في اللعبة قد توفر لها لاحقاَ " قوة حفظ سلام وامن دولية" تخفف من تكلفة الاحتلال عليها. واخيراَ فان غطاء دولي قد يساعد الادارة الامريكية في مواجهة ارادة الشعب العراقي لمقاومة الاحتلال الامريكي في حال ديمومته.
ونحن نعتقد ان التهديدات والضغوط الامريكية على سورية تأتي في هذا السياق. أي سياق ترتيبات الامبريالية الامريكية لادارة احتلالها للعراق. اذ بدأت هذه التهديدات قبل انتهاء الحرب ، تحديداَ لأن الولايات المتحدة ادركت ولمست انهيار فرضية الترحيب الشعبي العراقي بقواتها . مما يعني زيادة تعقيد ومخاطر احتلالها للعراق على القصير والمتوسط. والتهديدات الامريكية على سورية لها عدة اهداف ، منها : تحجيم ، ان لم يكن منع، قدرة سورية على التدخل او دعم مقاومة الشعب العراقي الراهنة والمستقبلية ، اولاَ. الاستفادة من دينامية الحرب نفسها لفرض "تأقلم" النظام السوري مع الاستراتيجية الامريكية الجديدة في المنطقة، ثانياَ. فرض تفعيل عملية التسوية السلمية مع اسرائيل ، لصالح وبشروط الاخيرة ، ثالثاَ. اعتقاد الادارة الامريكية ان تفعيل التسوية له مردود ايجابي في "اراحة وتسهيل" احتلالها للعراق ووضع يدها على ثرواته النفطية، وقدرتها على اعادة رسم المنطقة، رابعاَ.
وكائناَ ماكان شكل ووتيرة "التأقلم" السياسي والاستراتيجي بل والثقافي للتوافق مع الاستراتيجية الامريكية الجديدة، فان "التأقلم" الحكومي مع السياسات الليبرالية الجديدة قد خطى خطوات كبيرة داخلياَ سوف تتصاعد مع المعطيات الجديدة.
وتكشف الحرب الامبريالية على العراق حقيقة مكررة وهي ان العولمة الليبرالية الجديدة المتوحشة ليست مجرد نظام عالمي لاليات السوق المنفلتة من أي ضابط او منظم. بل انها عولمة عسكرية شرسة تضع العالم وشعوبه في حالة حرب مستمرة على حساب الغالبية العظمى من السكان المأجورين والمستغلين والمهمشين والمضطهدين ، ولصالح فئات ضيقة من الرأسماليين.
كما كشفت عربياَ ، انهيار النظام الرسمي العربي، وتقلصت الجامعة العربية الى نوع من "خرقة بالية". وانفضح ، وبشكل مأساوي، تقلص – بل افتقاد- الانظمة لاي هامش من الاستقلالية عن الامبريالية الامريكية. وتطفو على السطح مجدداَ قضية ارتباط الاستقلال الوطني والسيادة الشعبية بمشاركة المواطنين المباشرة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. والحاجة لبناء بدائل جماهيرية مناهضة للعولمة الرأسمالية والامبريالية ، ديمقراطية وتعددية، تضع في المقدمة مصالح ومطالب شرائح الغالبيةالمستغلة والمضطهدة والمهمشة في الكرامة والديمقراطية والمشاركة في تقرير شؤون حياتها . هذا الفضاء مايزال شاغراَ الى حد كبير، تاركاَ الباب لمماحكات وفنتازيات "المتعولمين" و"المتلبرلين" من الديقراطيين الجدد المستوزرين من دعاة"حكومات الوحدة الوطنية" ، بغياب اصلاحات ديمقراطية وفقدان اية تمثيلية لهم نابعة عن التعبيرالحر للمواطنين.
اصبح مناهضة العولمة الرأسمالية المتوحشة(متوحشة اقتصادياَ واجتماعياَ وسياسياَ وثقافياَ وعسكرياَ) يتطلب وضع استراتيجية عالمية، لم تتحق بعد رغم انجازات ملتقى بورتو اليغري الهامة. ولكن بدأت تتجلى بداياتها ، التي تتطلب التقاء القوى(الاجتماعية والسياسية) المناهضة للعولمة الليبرالية الجديدة على الصعد المحلية والاقليمية وبالاخص العالمية. وصار مؤكداَ ان تناميها داخل – أي في قلب – الامبراطورية، ونعني الولايات المتحدة ، هو شرط ضروري لمقاومتها.
ونحن نتفق تماماَ مع شعار " لا لحربهم ولا لسلاهم" الذي طرحه مناهضو العولمة في الولايات المتحدة.
لا للحروب الامبريالية ولا لسلامها . لا لغطاء الامم المتحدة لها. ونعم للتضامن العالمي في مقاومة العولمة الرأسمالية المتوحشة. ونعم لحق الشعوب والمواطنين في تقرير مصيرهم وادارة شؤون حياتهم مباشرة. هذه مطالب عالمية لنضالات تجمع الملايين من البشر، من اجل عالم افضل و ممكن.