|
الأرض بتتكلم عبري ... دعوة عربية لحماية إسرائيل
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 1642 - 2006 / 8 / 14 - 10:28
المحور:
كتابات ساخرة
المرة الأولى التي صدَمَني فيها حديثٌ ظننته آنئذٍ خارجاً عن المألوف في قواعد كراهية العدو كانت رسما كاريكاتيريا للشاعر الراحل صلاح جاهين يصور فيه إسرائيلَ طفلا مُدَلّلا أمام أمها أمريكا وهي تقول لها: إسرائيل حلوة وشاطرة وحتشرب اللبن!
رغم أن صاحب الرباعيات هو صاحب الأغاني الوطنية التي جعلتنا نلتف حول الوطن، ولو لم يكتب جاهين غير قصيدته التي أبكتني عن طفلة مدرسة بحر البقر وينادي ضمير العالم لرؤية مشهد دمائها ( ده لطفلة كانت من أشطر تلاميذي ) لكان كافيا لتصنيفه عبقري الأغنية الوطنية.
ومع ذلك فلم استسغ في ذلك الوقت كلمة ( حلوة وشاطرة ) فهي تتسلل إلى النفس خُفية، وتخفف من كراهيتنا للاستعمار، ومن بغضنا للاحتلال.
رغم أنني درَّبْت نفسي على أن أجنح للعقلانية، وأن كل شيء قابل للحوار والأخذ والعطاء وتجديد الفكرة إلا أن ثلاثة أشياء لم تتغير قيد شعرة طوال أكثر من أربعة وثلاثين عاما هي عمر إقامتي في أوروبا: قناعتي ويقيني وإيماني بالاسلام ديناً، وبإنتمائي لعالم عربي رغم كل مساوئه وتخلفه وهزائمه ومعتقلاته وسجونه وطغاته إلا أن مشاعري العروبية القومية ظلت كما هي، وأتابع أخبار اليمن والكويت والمغرب والجزائر ومصر وسوريا ولبنان وغيرها كأنها كلَها وطني رغم أنني لا أستطيع السفر لنصف العالم العربي بسبب كتاباتي السياسية الحادة.
أما الشيء الثالث فهو علاقتي بالكيان الصهيوني، فلم يحدث مرة واحدة في حياتي أنْ أشتريت أيَّ شيء مصنوع في إسرائيل، وأعتبر نفسي مقاطعا لها ما دمتُ حياً. ولو اعترف العربُ كلهم بإسرائيل وتم انتخاب إسرائيلي أمينا عاما لجامعة الدول العربية فلن يتغير موقفي من الاحتلال ولست على استعداد لمحاورة ضميري وتقديم مبررات واهية حمقاء.
لا أعرف إن كنت أنا خارج الزمن العربي أم أن الزمن هو الذي تغير اسمه إلى العبري!
أتفهم أن يغضب المرء من حزب الله منطلقا من موقف مبدئي توصلت إليه قناعاته، وأن يخاف من الطائفية، وأن يقوم بتحميل ( السيد ) وميليشياته أسباب تدمير لبنان ( رغم أن القذائف والطائرات قادمة من فلسطين
المحتلة وعليها ختم جيش الدفاع الإسرائيلي ( !!)، وأتفهم أن تصل أي مقدمات لأي نتائج في تحليل الأمور وتبسيطها أو تعقيدها وفقا لقناعات العربي المهتم بما يحدث في لبنان.
فأنت تستطيع أن تحب لبنان واللبنانيين وتخاف عليهم بطريقتك الخاصة، وأن يصل غضبك ونقمتك إلى أن تلعن حزب الله علانية، أو يصل بك تحليل الوضع إلى أن تسجد لله شكرا لنصرة حزب الله.
ولكن أن يعلن المثقف العربي عن عزّامته ( نسبة إلى عزام عزام )، وأن يصرح بما لا يستطيع أن يفعله إيللي كوهين لو خرج من قبره لبعض الوقت لقراءة الصحف العربية ثم العودة مجددا للنوم الأبدي، فذلك مشهد من زمن أغبر وأكثر سوادا من ظلمات البحر في أعمق أعماقه.
يقول الكاتب خضير طاهر في صحيفة ( إيلاف ) الالكترونية بأن على كل عربي شريف أن يساند الأهداف النبيلة لإسرائيل في حربها ضد الارهاب، وأنها ليست عدوا للعرب والمسلمين، وأن كل مسلم يعرف الله ينبغي أن يشكره ويساند إسرائيل.
ويطلب من العرب دعم إسرائيل للقضاء على حماس وحزب الله والاخوان المسلمين والتنظيمات الشيعية في العراق والنظام الإيراني والسوري....
المقال الذي ذيّله الكاتب بمسلم عربي متدين لا يزال يتفاعل داخلي كما تتفاعل في الدم أشد السموم قتلا ، ولو قيل لي منذ عدة سنوات بأن صحيفة عربية إلكترونية يقرأها نصف مليون شخص في اليوم ، وينتمي ناشرها لبلاد الحرمين الشريفين ستنشر كثيرا من هذه المقالات ما صدقت هذا الخبر وربما ذهب بي الظن أنه خارج من مكتب رئيس الموساد ، قسم الاغتيالات والتصفيات.
هل أعيد حساباتي من جديد للتأكد من أنني أعيش في زمن خارج الزمن الحقيقي، وأن النجمة السداسية أقرب إلينا من حبل الوريد؟
كابوس أم حلم مزعج أم حقيقة لا تستطيع أوهامي أن تتفهمها وتستوعبها؟
تذكرت فيلم بئر الحرمان عندما ذهب البطل إلى السفارة الاسرئيلية في روما باحثا عن عمل، فلما سألَته الموظفةُ عن طبيعة العمل الذي يطمح إليه قال: أريد أن أعمل جاسوسا لاسرائيل!
يجنح بي خيالي لأشياء تبدو اليوم غيرَ واقعية، وأخشى أن تتحقق بعد زمن وجيز وسط ضحكات وقهقهات من تخلفنا وعدم فهمنا لمستجدات الأمور وواقع العالم الجديد.
فتعلن قناة فضائية عربية عن حاجة أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية لمهندسين عرب لفك بعض الشفرات القديمة، أو البحث عن متطوعين يحملون أي جنسية عربية للسير بين الالغام، فإذا انفجر لغم موظف الموت فيتم تعويض أهله.
أو تنشر صحيفة قومية عربية خبرا عن وفد من الموساد سيزور العاصمة لتجنيد جواسيس ضد الجماعات المتمردة التي لم تقدم ولاءها بعد للدولة العبرية.
الكاتب الذي نشر مقاله لم يكتبه من فراغ، ولم يغامر باعلان انحيازه لقوات الاحتلال، ولم يتجاوز خطوطا حمراء لكنه ابن زمنه، وكان يعرف وهو يخط سمومه ويطعن قومه ويبحث عن عمل لدى الموساد أن العقل العربي المهزوم يستطيع الآن امتصاص كل أنواع وصنوف الظلم كأنها تنزل عليه بردا وسلاما، ويقرأ عن اغتصاب العراقيين من قوات الاحتلال الأمريكية في أبو غريب ، ثم يستكمل مشاهدة مسرحية كوميدية، وأن يسمع عربيا يبتهل إلى الله تعالى بالدعاء أن ينصر إسرائيلَ على العرب، وأن يبرر إبادة الفلسطينيين واللبنانيين، ثم يلتهم ساندويتش هامبورجر من ماكدونالدز.
الكاتب العربي المسلم المتدين في ( إيلاف ) يطالبنا أن نساند الأهداف النبيلة للاحتلال الصهيوني، وأن نشكر الله تعالى على أن بعث إلينا أولمرت ليحقق السلامَ والرفاهية والأمن. أحيانا يفقدك اللامنطق بوصلةَ الوصول إلى المنطق، وتكتشف أن ما تعلمته طوال عمرك لن ينفع في تحريك ذرة واحدة في عقل محاورك، وأنك لو عرضت عليه تاريخَ الكيان الصهيوني واعتداءاته وما يحدث في معتقلاته واحتقاره لكل القرارات الدولية، وتعرض مشهد ذبح الأسرى المصريين في سيناء، وحياة عشرة آلاف سجين فلسطيني بما فيهم النساء والأطفال، والتاريخ الوقح الدموي للكيان العبري، فلن يؤثر في عقل الكاتب العربي المتدين المسلم. دعوة الكاتب لا علاقة لها مطلقا بالغزو الاسرائيلي للبنان أو بكراهيته لحزب الله أو بدعوته لضرب إيران وسوريا وحماس والاخوان المسلمين، لكنها روح إيلي كوهين دَبّتْ فجأة في نفس أحد أبناء عالمنا العربي المنكوب، فعرض على العرب أن يعملوا جميعا جواسيس لاسرائيل لتحقق أهدافها النبيلة.
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيها اللبنانيون: نلطم وجوهنا دفاعا عنكم
-
الرئيس السوري يصاب بالصمم .. القيادة السورية تصاب بالشلل
-
تأجيل الانتفاضة المصرية ... حكاية لم تنته بعد
-
لماذا يعادي المسلمون العقل ؟
-
الحوار الأخير بين رئيس يحتضر و ... رئيس يرث
-
أمريكا تطبع قُبلة على جبين العقيد
-
الله يخرب بيتك يا ريس
-
حوار بين حر سجين و ... سجين حر
-
رسالة مفتوحة إلى نشطاء ( كفاية ) .. الانتفاضة أو الطوفان
-
رسالة إلى محمد الشرقاوي .. أحزانك أشرف من أفراحنا !
-
إبليس يتنازل للعراقيين عن المهمات القذرة
-
سيدي الرئيس ... أرجو أن تبصق في وجوهنا
-
أيها المصريون.. نعم أنا نذل، وسنغتصبكم فردا .. فردا
-
الرئيس مبارك: نعم أنا جبان، فماذا أنتم فاعلون؟
-
سيدي الرئيس ... أنت جبان
-
نفوضكم أيها القضاة بتولي حكم مصر إلى حين
-
مقطع من يوميات كلب
-
أيها المصريون، هذا الرجل مجنون ... هذا الرجل نيرون
-
مباحث أمن الدولة والمخابرات المصرية وانتفاضة 23 يوليو 2006
-
دعوة القضاة لدعم الانتفاضة المصرية في 23 يوليو 2006
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|