|
من وحي التقاليد الامازيغية بمنطقة سوس بين المعاني و الرموز الجزء الاول
المهدي مالك
الحوار المتمدن-العدد: 1642 - 2006 / 8 / 14 - 07:53
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يشرفني ان اتطرق ضمن عدة مقالات الى تقاليدنا العريقة في سوس كمنطقة تتميز بتاريخها المشرق و علمها المتنور و رجالاتها العظماء في مختلف الميادين و اذكر بعضهم مثل عبد الله بن ياسين المؤسس للدولة المرابطية و يوسف بن تاشفين الذي فتح الاندلس للمرة الثانية من اجل نصرة الاسلام ببعده الديني و الاخلاقي و هناك المهدي بن تومرت المؤسس الروحي للدولة الموحدية و الذي اجتهد كثيرا و عمل على ترسيخ ديننا الحبيب في وجداننا كشعب متعدد الروافد الثقافية و اللغوية و هناك الحاج بلعيد الذي سيبقى رمزا للتقاليد المحافظة و الغناء الجميل و هناك المرحوم الاستاذ المناضل علي صدقي ازايكو الذي بدا نضاله الامازيغي الطويل في زمن كان فيه من ينادي او يدافع عن هويتنا الامازيغية بمثابة احياء المشروع الاستعماري و سيبقى ازايكو رمزا لنضالنا الامازيغي و هناك اخرين . و انني سأسافر معكم عبر ذكرياتي الشخصية بهدف التعرف على تقاليدنا الامازيغية التي ستأخذكم الى اصالتنا كشعب امن بعقيدته الاسلامية و عمل على جعلها تتناسب مع خصوصياتنا المميزة و يتجلى ذلك في عاداتنا و تقاليدنا المحافظة. و عندما كنت صغيرا كنا نعيش في مدينة الدار البيضاء بحكم عمل ابي الحبيب هناك و كنا نسافر في فصل الصيف لكل عام الى قرية اسك التي تتواجد في منطقة ايموزار اداوتنان المعروفة بشلالاتها الجميلة و بعسلها الحر و معروفة كذلك بتاريخها المشرق كمنطقة لم تدخل في اطار النظام المخزني الا في سنة 1930 أي السنة التي دخلها الاستعمار الفرنسي و سيدي ابراهيم او علي هو الذي اسس باداوتنان ما يسمى الان بالنظام الديمقراطي . و منطقة ايموزار معروفة كذلك بجوها البارد في فصل الشتاء و حرارتها في فصل الصيف و معظم سكانها يعملون اليوم في الفلاحة و تربية الماشية او في السياحة الجبلية التي تتميز بها هذه المنطقة الفاتنة بمناظرها الطبيعية و بعضهم الاخر فضلوا العمل في بعض المدن المغربية كالدار البيضاء و الرباط و اكادير او خارج الوطن كفرنسا خصوصا . و بعد هذه اللمحة القصيرة عن منطقة ايموزار اداوتنان سأسبح معكم في بحور ذكرياتي الوجدانية كانسان معاق نشئ في اسرة منحدرة من تلك المنطقة و الذي اكتشف مجموعة من تقاليدنا الجميلة منذ كنت صغيرا و كما اشرت باننا كنا نسافر الى دوار اسك أي القرن باللغة العربية قصد زيارة العائلة و سنذهب اولا الى بيت جدي الذي مات رحمه الله منذ زمن طويل و تسكن في ذلك البيت انذاك جدتي الحبيبة و المكافحة من اجل أولادها و من اجل الحياة و هي خير مثال للمراة الامازيغية في عقد الستينات حيث قاومت الفقر بعد وفاة جدي و كما استطاعت ان تربي اولادها لوحدها و تعمل في الحقول في نفس الوقت . و يسكن في بيت جدي المتوفى حاليا عمي حماد المحترم و اولاده. و اذكر في بدايات عقد التسعينات كان الناس في البادية بشكل عام لا يتوفرون على الطاقة الكهربائية بل كانوا يستعملون الطاقة الشمسية و على المستوى الثقافي فالناس لديهم ثقافتهم الشعبية التي تعترف بوجود كائنات خارقة كالجن و يؤمنون بالخرافات و الشعوذة و ينظرون الى المعاق كانه شيء غريب و خارق للعادة و هذا يدخل ضمن تقاليدنا المتخلفة . و نرجع الى ذكرياتي الجميلة بعد قضاء بعض الايام عند عائلة ابي التي رحبت بنا احسن الترحيب و كنا نجلس امام عمي الحبيب و هو يعد الشاي بطريقة تقليدية بمعنى انه يجلب معه من المطبخ المواد الاساسية لتحضير هذا الشاي او اتاي بلغتنا الامازيغية و الشاي عندنا هو مشروب شعبي نشربه في الفطور او بعد العصر و يرمز الشاي في ثقافتنا الامازيغية الى الفرح و الجلسة العائلية التي يسودها جوا من المرح في ظل الاحترام و الوقار المهمان في مجتمعنا الحبيب الذي حافظ على خصوصياته الثقافية و الدينية كما سنرى بعد حين و سنواصل هذه الرحلة الجميلة مع ذكرياتي العزيزة و سنذهب الان الى عائلة امي التي كانت تسكن في ذلك الوقت في اسك بمكان يسمى ازغار في منزل قرب المسجد و جدي العزيز هو امام و خطيب في ذلك المسجد و الامام او لفقيه في لغتنا له مقام محترم عند مجتمعنا المتدين و يتخرج الامام من المدارس العتيقة التي تتميز بها منطقة سوس و هذه الاخيرة ساهمت و تساهم في الحفاظ على هويتنا الاسلامية من خلال تعليم القران العظيم و الحديث النبوي الشريف و اللغة العربية باعتبارها لغة القران و انني استغرب حقيقة من اتهامات الحركة الوطنية تجاه كياننا الامازيغي بانه اراد القضاء على ديننا الاسلامي الحبيب و الذي نعتبره شيئا مقدسا و احد المكونات الاساسية لهويتنا المغربية . و كان بيت جدي كبيرا و واسعا و تسكن فيه جدتي و ابناءها من الأنات و الذكور و كان بيت جدي له مدخل الى المسجد و كنت اذهب مع خالي محمد اليه و كنت احب ذلك المكان المبارك و اشعر فيه بالراحة و الهدوء و الامان و كنت صغيرا الذي بدا يدرك بعض العبادات كالصلاة و الاستماع الى القران الكريم. و هناك تقليدا اصيلا الا و هو قراءة الحزب الراتب الذي يعتبر من اجتهادات اسلافنا الذين كانوا مثالا للاجتهاد الديني و الاخذ بعين الاعتبار الخصوصية الامازيغية في الشان الديني و يتم قراءته بعد صلاة المغرب جاهرا في البادية . و كنت في بيت جدي استمع للحزب الراتب بعد صلاة المغرب بكل الوضوح و كنت اشعر بالسلام لانه القران الكريم الذي هو دواء القلوب و النفوس المؤمنة التي تحتاج دائما الى تجديد الايمان بالله و رسوله الاكرم . و اننا كبشر نحتاج دائما الى الاستحضار و التامل في ذكرياتنا التي تحمل حمولة وجدانية و تحمل كذلك العديد من القيم و المبادئ . و تلك هي مجرد تاملات شخصية لهذا المعاق الذي يسترجع ذكرياته المتواضعة و مازلت احتفظ بالكثير من تلك الاخيرة التي تجعلني افرح احيانا و ابكي احيانا اخرى و كما تجعلني هذه الاخيرة اتذوق هويتي الامازيغية و التي أعطتني الشيء الكثير و علمتني العديد من الاسس و المبادئ كالتشبث بتقاليدنا المجتمعية مثل الوقار و الشرف و التدين الصحيح الذي يجعلك بعيدا عن التكفير و قتل الابرياء الذين لا يعرفون الا الكفاح من اجل ضمان الكرامة و العيش الكريم و الذين لا يعرفون اين تسير السياسة الدولية . و خلاصة القول انني اريد ان اساهم بدوري في التعريف بخصوصياتنا المتميزة الى العالم عبر هذا الموقع الرائع و العالمي بامتياز و انني سأواصل هذا السفر المفيد مع ذكرياتي في مقالاتي القادمة.
#المهدي_مالك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فاطمة تاباعمرانت جوهرة الغناء الامازيغي ببعده الهادف
-
السينما الامازيغية بين سؤال الهوية و قضايا المجتمع الامازيغي
...
-
مقال حول الذكرى الستينية لوفاة الحاج بلعيد
-
السينما الامازيغية بين سؤال الهوية و قضايا المجتمع الامازيغي
...
-
وجهة نظري الشحصية حول مسالة العلمانية و الحركة الثقافية الام
...
-
السينما الامازيغية بين سؤال الهوية و قضايا المجتمع الامازيغي
...
-
في بحور تاملاتي الشخصية
-
المعاق و التخلف
-
معاني الاحتفال باليوم الوطني للشخص المعاق
-
قراءتي الشخصية لازمة الرسومات المسيئة لمقام رسولنا الاكرم ص
-
تاهيل الحقل الديني في المغرب بين السؤال الثقافي و تطلعات الم
...
-
تاهيل الحقل الديني في المغرب بين السؤال الثقافي و تطلعات الم
...
-
الاسلام بين التطرف و الوسطية
-
التخلف الايديولوجي 2
-
زمن التخلف الايديولوجي 1
-
المدرسة المغربية بين التقاليد و التجديد
-
الخطاب الديني بين هموم المرحلة
-
الذكرى الرابعة لانشاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية قراءة
...
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|