أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - حزب البعث ودوره في تغيب سلطة 14 تموز من خلال رفعه شعار (الوحدة الفورية الاندماجية) (4-5)















المزيد.....


حزب البعث ودوره في تغيب سلطة 14 تموز من خلال رفعه شعار (الوحدة الفورية الاندماجية) (4-5)


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 6975 - 2021 / 8 / 1 - 15:06
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


*** يكتب الروائي محمود سعيد "... أما الجريمة الثانية التي لم تستوفِ حقها من البحث فهي التآمر على العراق لإجباره على الوحدة، إذ تحول جميع من ادعى أنه من المفكرين "العباقرة" من كاتب عقلاني إلى كاتب معصوب العينين يؤمن ويدعو إلى ضم العراق فوراً. لم يطلب " قاسم العراق" كما كانت الدعاية المصرية أن تنعته غير التمهل، والتفكير والدراسة قبل الضم. لم يكن العراق يتوافر على مفكرين بوزن الموجودين في مصر، فهم صغار لم يستطيعوا أن يقنعوا الشعب المصري، لا بل شعب العراق بصحة موقف العراق، لذا انقسم العراقيون حتى سقطوا في وحول الرابع عشر من رمضان الأسود، وظلوا يخوضون في أوحاله وتطوراتها حتى الآن، لو درس المصريون هذه النقطة لتجنبت مصر تبديد ثروة هائلة يمكن أن تحقق تقدماً ورقياً لمصر والسودان هما بأمس الحاجة إليهما... عندما كان عبد الناصر يهدد إسرائيل كنا نصدقه، ولذلك آمن معظم العرب بانتصار مصر في أي حرب، وبخاصة إذا استعمل صاروخي القاهر والظافر، وبعد الهزيمة سأله صحفي إيطالي، عن سبب إذاعة أن الجيش المصري كان يتقدم ثلاثة أيام بينما يقول الواقع أنه سحق في اليوم الأول، قال عبد الناصر حتى هو كان قد صدق ذلك، وعندما سأله صحفي آخر لماذا لم يستعمل الصاروخين قال: أنه كان يظن أنهما صاروخان، لكنه اكتشف بعد الهزيمة أنهما أنبوبان فارغان. ". "... يبدو الشيخ راضي متجاذباً بين حركتين في مذكراته، حركة الذهاب الى الماضي، وحركة الأياب الى الحاضر، انه، بتعبير آخر متجاذب بين ذاكرة ماضيه، ومخيلة مستقبله، والحاضر يقف بينهما كنقطة توازن، وهو يحمل همومه، وسائل عبر ماضيه، في تصور معلن وصريح، أو مايزال مكتوماً، متفائلا أحياناً، أو حذراً ويائساً في أحيان كثيرة...ان الإعتذار نقطة ضعف، كونها دليل إنكسار وهزيمة، بينما يُعدّ الإعتراف بالخطأ أو تصحيحه والتراجع عنه، موقفاً شجاعاً متسامياً، يحتاجه المرء كفرد، وكذلك الجماعات السياسية، وأعني بها الفاعلة المؤثرة، أو تلك التي تمسك زمام السلطة سابقاً، أو الزمن الحاضر ، لعل هذا الوضع يُظهر أهمية الإلتفات إلى بلورة وعي نقدي بأخطاء الماضي. والحذر من النزوع إلى إدانة الآخر، وترك الساحة مهيأة أمام تبرئة الذات.
ان المراجعة تقتضي ايضاً، تجنب الماضي كمعيار أو مقياس مقدّس، لخلق أوهام جديدة، هي في الحقيقة محاولة لتعويض مواجهة الأخطاء وتحري أسباب الفشل والإخفاق لدى القوى السياسية جميعاً.
ان الرؤية العلمية والعقلية تدرك ان الاحداث أياً كانت، هي نتاج تفاعل اسباب عديدة، وبالتالي فانها تفترض بما في ذلك ميدان العلاقات السياسية، ضرورة التنور بالسببية من أجل رؤية نتائجها المحتملة.
لقد أدرك محسن الشيخ راضي هذه الحقيقة متأخراً، وعبّر عنها بالقول: من الانصاف ان يكون الانسان أكثر صلابة بنقد ذاته، وفي نقد ما حدث في عام 1963، وأن يكون أكثر صلابة بإدانة الكثير من الممارسات اللاإنسانية التي إقترفتها ( بعض العناصر البعثية) المشبّعة بروح الثأر والإنتقام غير المبرر، ويواصل القول: الحق انني اشعر ان الكلمات مهما بلغت من قوة في التعبير لاتكفي لبيان رفضي لما قام به بعض البعثيين من سلوك مدّمر وكارثي تحملنا وزره ونتائجه جميعاً، نحن المشاركين في تلك الفترة المقيتة، لقد حقد علينا الشعب العراقي، كأفراد، وكحزب، وحقدت علينا القوى السياسية الاخرى، بما يوازي حقدنا عليهم، وربما أكثر، وبكل ثقة وقناعة أقول بأني أدين بقوة كل السلوكيات الوحشية التي لازمت احداث 63، وأستنكر بشدّة العنف الذي رافقها والدماء التي سالت، وأريقت تحت عنوانات واهية لاقيمة لها إزاء حياة الإنسان وكرامته... "
وعوداً إلى بدء ماله علاقة بالحزب البعث فقد "... فشل الحزب الشيوعي العراقي (وبقية الأحزاب المكونة لجبهة الاتحاد الوطني – الناصري) في مساعيه لإعادة الحياة إلى جبهة الاتحاد الوطني كي يجري العمل المشترك بتحقيق البرنامج الذي اعلنته هذه الأحزاب في عام 1957، لأسباب تتعلق بتعنت الأطراف القومية والتدخل الفض من قبل قادة الجمهورية العربية المتحدة تحت ذريعة الوحدة الإندماجية ظاهرياً، في حين كانت هناك أسباب أخرى لهذه الضغوط منها ما تعكس خشية هؤلاء الحكام من أن يسير العراق على خطى بناء سياسي قائم على التعددية السياسية والديمقراطية واحترام المكونات القومية في البلاد وهو ما كان يتعارض مع منهج الحكم في العربية المتحدة القائم على حل الأحزاب وتخوينها تحت شعار "الحزبية خيانة" وفرض نظام الحزب الواحد كتعبير عن الاستبداد السياسي واحتكار السلطة وتجاهل الحقوق القومية للمكونات القومية القاطنة في عدد من البلدان العربية... ". رغم الخطوات التي توصل إليها، كما سيأتي لاحقاً.
"... ويمكن القول أن الاحزاب السياسية تشترك جمعيها – المجازة وغير المجازة – في المسؤولية التاريخية عن فشل ثورة 14 تموز في بناء نظام سياسي جديد يستند إلى الديمقراطية والحياة البرلمانية السليمة، وهو الشعار الذي كانت تناضل تحت لوائه جبهة الاتحاد الوطني، لأنها لم تنسق موقفها عند بداية الاتصال بالضباط الاحرار، ولم تضع منهاجاً للعمل الوطني تلتزم به بعد الثورة، كما ان المصالح الذاتية والحزبية الضيقة لعبت دوراً في خضوع أغلب قادة هذه الأحزاب لسيطرة عبد الكريم قاسم ... ". وانتقادنا لهذ الرأي أن الاتجاهات القومية بمختلف تنظيماتها المتعددة سارت مع حزب البعث في رفع شعاره الوحدة الاندماجية الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة، كما مر بنا، الأمر الذي ادى إلى تفتيت جبهة الاتحاد الوطني والقيام بالأحتراب الداخلي فيما بينها واستخدام العنف المادي والمعنوي، والقوى القومانية التي تبنت الفكرة الانقلابية العسكرية ، وأول انقلاب قاده أحمد حسن البكر.
وتعاني الأحزاب العراقية في حينها، بدأ من تأسيس أول حزب بعد تشكيل الدولة العراقية، أي منذ عام 1922 حيث تشكل الحزب الوطني العراقي وحزب النهضة، وبصورة عامة فإن الاحزاب السياسية بإعتبارها تعاني من "... الضعف التاريخي للقوى السياسية العراقية هو الوجه الآخر لامتداد الزمن التوتاليتاري والدكتاتوري في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية. وكان يمكن توقع هذه الحالة في ظل التأمل العميق للتجارب الشبيهة، غير أن الواقع يكشف عن أن الأحزاب السياسية العراقية الحالية لم تعر لهذه القضية اهتماما جديا. وأغرب ما في الأمر، أنها أكثر من أي قوى أخرى أخذت في التنافس الحامي من اجل جعل الفساد أسلوبا للنشاط الاجتماعي والسياسي. وهو أمر مرتبط من جهة بالفراغ الهائل الذي أحدثه الانقلاب الحاد والمفاجئ في النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي،وكذلك بانعدام حصانتها وضعف استعدادها لمواجهة نفسها على حقيقتها بعد أن وجدت نفسها بين ليلة وضحاها على سدة الحكم ... بمعنى تداخل الضعف الاجتماعي والسياسي للمجتمع وأحزابه السياسية... "، وبخاصة في المرحلة الحالية، حيث هناك اكثر من مئتان حزب سياسي، بعضها دكاكين والاخرى مصالح نفعية، وهناك للواجهة السياسية / الاجتماعية.
كما ينتبها خلل بنيوي في تبنى الظاهرة الانقلابية، إذ ساهمت أغلب الاحزاب السياسية، بصورة نسبية، فيما بعد تموز من هذه الظاهرة، وليس كما يدعي دكتورنا جعفر عباس حميدي "... أما القوميون العرب فقد أدركوا منذ البداية عدم جدية الحكومة في أحترام الحياة الحزبية... ". لأنهم غارقين بالفعل الانقلابي، ويعرف التاريخ السياسي لثورة 14 تموز أن من أول الذين قادوا أول فعل الانقلابي هو عبد السلام عارف وهم بالأحرى لا يؤمنون بالحياة الحزبية، كما أن مثلهم الأعلى، والتجربة أكبر مصداق: نظام عبد الناصر، الذي ألغى الحزبية في مصر وسوريا آبان الوحدة ، أو/و أن حزب البعث الذي تمسك بالسلطة لمدة ثلاثة عقود ونيف ولم يؤمن بالتداول السلمي للسلطة.
ويوضح التاريخ السياسي لثورة 14 تموز، قبيل سفر كامل الجادرجي إلى القاهرة لمناقشة موضوعة الاتفاق بين احزاب جبهة الاتحاد الوطني، بصدد أي الاختياريين الوحدة الاندماجية الفورية أو الاتحاد الفيدرالي، فقد جرى "... بعد أن ازداد الخلاف بين قادة الثورة وكذلك بين القوى السياسية في العراق حول العلاقة مع الجمهورية العربية المتحدة عقد اجتماع في دار كامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي حضره عدد من أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي وجرى بحث موضوع الوحدة أو الاتحاد مع الجمهورية وأيهما يجب أن يتبنى، وقد انتهى الحديث إلى تبني الاتحاد، ولذلك سافر الجادرجي إلى القاهرة في يوم 14 أيلول 1958، لبحث موضوع الخلاف الرئيسي، وهو علاقة مع الجمهورية العربية المتحدة، وعرض موضوع الاتحاد بينهما وبين العراق فوراً وإلا فأن الخلافات الناشئة بين أطراف الحركة الوطنية ستمزق البلاد ولن يعود بالامكان تحقيق أي شكل من اشكال الوحدة أو الاتحاد فيما بعد، وعند اجتماع الجادرجي بعبد الناصر قال له عبد الناصر( أحنا مفيش في جدول أعملنا أي كلام عن والوحدة أو الاتحاد. وأن فيه قوى جديدة طلعت بعد ثورة يوليو/ تموز أساسها قوة الجيش، وحدوا بلدك ولا تدخلوا في حرب أهلية وأنا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن استحثكم إلى الوحدة أو الاتحاد... ولذلك فإن اجتماع الجادرجي مع عبد الناصر لم يسفر عن نتائج عملية لأن الرئيس عبد الناصر، كان يبدي غير ما يخفي، في أعماقه، كما يقول محمد حديد- كان يبغي الوحدة الفورية ولكنه في الظاهر كان يصرح أن اختيار الوحدة أو الاتحاد، أمرٌ متروك للعراقيين... ".
وبتعبير آخر أكثر موضوعيةً مقارنة بالمصدر السابق، يقول عزيز سباهي: "... وإزاء اشتداد الصراع نشط الحزب الشيوعي والحزب الوطني الديمقراطي للعمل من أجل إحياء (جبهة الاتحاد الوطني) وعقد الطرفان اجتماعاً في دار كامل الجدادرجي لبحث موضوع الوحدة والاتحاد الفيدرالي، وأيهما ينبغي أن تتبناها القوى الديمقراطية. وانتهيا إلى الاتفاق على الاتحاد الفيدرالي، وعلى هذا الاساس سافر الجادرجي إلى القاهرة في يوم 14 أيلول وإلتقى بجمال عبد الناصر. لكن الرئيس المصري تهرب من إعطاء جواب حاسم حول عرض الجادرجي بعقد إتحاد فيدرالي بين الدولتين، وأدعى أنه لا يمكن أن يحث على الوحدة أو الاتحاد. بينما كانت صحف القاهرة وإذاعة صوت العرب تحرض على العمل من أجل الوحدة الفورية... ".
"... وينقل آرنولد سمث من السفارة البريطانية في القاهرة عن عبد الناصر من مقابلة له يوم 15آيار 1959 قوله: ان الجادرجي ألح عليه لتشكيل أتحاد فيدرالي يضم العراق ومصر وسورية وقد بدا له هذا أمراً غير عملي وقال له مشيراً إلى اعتراضين يراهما أساسيين:
- اولهما أن الانتخابات الديمقراطية قد تجلب أغلبية من (الجبهة الوطنية) المؤيدة للشيوعيين في العراق (جبهة الاتحاد الوطني) وأغلبية بعثية في سورية وأغلبية مناصرة للغرب في مصر... وسوف يكون مستحيلاً (برأي عبد الناصر) لأية حكومة فيدرالية ان تمسك بزمام ثلاثة إجزاء سوية في مثل هذه الظروف.
- والأمر الثاني فأنه يرى أن السياسيين العراقيين غير قادرين على الاعتراف بأن الجيش العراقي مستعد للتنازل عما حققه بعد الثورة الناجحة ليقوم بتسلم أوامره من الساسة المدنيين. وقد عمل المصريون على عزل الجادرجي أثناء أقامته في القاهرة وتجاهلته الصحف المصرية عدا جريدة المساء التي تمكنت من خرق الحصار المفروض عليه وذلك بنشرها خبر مقابلته للرئيس عبد الناصر وكان رئيس تحرير الجريدة خالد محي الدين... ".
ويعني هذا الأمر أن عبد الناصر لم يؤمن بنظام ديمقراطي وعتلته الانتخابات بإعتبارها الوسيلة الوحيدة في الانظمة الديمقراطية الذي يختار الشعب مندوبهم إلى مجلس النواب. ولكن مع ذلك أثمرت اللقاءات بين أطراف هذه الكتلة (جبهة الاتحاد الوطني) على تبني ميثاقاً جديداً للعمل الجبهوي حل محل الميثاق السابق المبرم في العهد الملكي من عام 1957. ويتلخص في النقاط التالية: "... ثم قدم كل حزب مشروعه حول ميثاق عمل مشترك طرحت للبحث والمناقشة. وفي 19 تشرين الثاني 1958 تم التوصل إلى صيغة ميثاق جديد محل ميثاق سنة 1957 وقعه كل من كامل الجادرجي ومحمد حديد عن الحزب الوطني الديمقراطي ومحمد مهدي كبة وصديق شنشل عن حزب الاستقلال وفؤاد الركابي عن حزب البعث العربي الاشتراكي وعامر عبد الله عن الحزب الشيوعي، جاء فيه: لما كانت جبهة الإتحاد الوطني تقر أن العرب أمة واحدة فرقها الاستعمار واعاق توحيدها. وان العراق جزء من الامة العربية فانها تعمل على اعلاء شأن القومية العربية وتسعى بوجه خاص من أجل تحديد أفضل وامتن شكل من اشكال الإرتباط بالجمهورية العربية المتحدة على أن يجري ذلك بالوسائل الديمقراطية المألوفة. تعتبر الجبهة ان الكيان العراقي يقوم على اساس التعاون بين المواطنين كافة باحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم ويعتبر العرب والاكراد شركاء في هذا الوطن وتقر حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية وتسعى من أجل تطبيق ذلك.
- تعمل الجبهة على صيانة استقلال العراق من كل تدخل اجنبي وتبنيه سياسة عربية متحررة وانتهاجه سياسة الحياد الإيجابي وإبعاده عن التكتلات والأحلاف العسكرية والأجنبية ومتابعة السير في اقامة وتوسيع علاقات التعاون الدولي المتكافئ طبقاً لمبادئ مؤتمر باندونغ والتعايش السلمي على أساس المصالح المتبادلة وحق الشعوب في الحرية وتقرير المصير والعمل على توطيد السلام في العالم.
- دعم الثورة والجمهورية لتحقيق أهدافها لبلوغ حياة ديمقراطية سليمة تعطي للأحزاب السياسية حق العمل السياسي بصورة علنية.
- توجيه الإقتصاد الوطني نحو اعمار البلاد وتصنيعها بإقامة الصناعات الكبيرة وتشجيع الصناعات الوطنية والأهلية والعمل على تطبيق الإصلاح الزراعي ونشر الرخاء العام.
وقد أنضم الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى ميثاق الذي وقعه إبراهيم أحمد... وعلى الرغم من توقيع هذا الميثاق فان الاحزاب اخذت تعمل بصورة منفردة لعقد الاتفاقيات الحزبية، فالاحزاب القومية دعت لتشكيل (الاتحاد القومي مستبعدة الحزب الشيوعي والحزب الوطني الديمقراطي.( أقرأ هنا الخروج عن ميثاق الجبهة المذكور- الناصري)، والحزب الشيوعي وقع هو الآخر ميثاق للتعاون مع الحزب الديمقراطي الموحد لكردستان في العاشر من تشرين الثاني 1958، دعيا فيه إلى احترام كل طرف الكيان السياسي والمبادئ العقائدية للطرف الآخر وحقه في نشر مبادئه...) ".
وعلاوة على ذلك "...بعد عودة الجادرجي جرت محاولات لإحياء جبهة الاتحاد الوطني، وأثمرت المساعي عن عقد اجتماع مشترك للأطراف الأربعة والمكونة للجبهة المذكورة. ويروي عامر عبد الله: "... في خريف 1958 وصل إلى بغداد من القاهرة، السيد فائق السامرائي ( سفير العراق يومذاك في القاهرة) فطلب من حزبنا والاحزاب الوطنية الأخرى إجراء لقاء مشترك، وقد تم هذا اللقاء عصرا ًفي حديقة داره في (شارع طه) ببغداد، بحضور الشيخ محمد مهدي كبة وصديق شنشل(عن حزب الاستقلال) والمرحوم كامل الجادرجي ومحمد حديد(عن الحزب الوطني الديمقراطي) والسيد فؤاد الركابي وأحد زملائه القياديين (عن حزب البعث)، وكنت أمثل (الحزب الشيوعي العراقي) في هذا اللقاء مع رفيق آخر. افتتح فائق السامرائي الحديث بأن ذكر أنه التقى الرئيس جمال عبد الناصر في عشية قدومه إلى العراق وبحث معه مسألة العلاقة بين ومصر، فأعرب عبد الناصر عن استعداده لقبول أية علاقة مع الجمهورية العربية المتحدة تتفق عليها الأحزاب السياسية في العراق ويوافق عليها عبد الكريم قاسم. فأعرب قادة الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال عن إلتزامهم بمبدأ (الاتحاد) الذي نص عليه البرنامج المشترك اللذين كانا قد قررا قبل ذلك الاتحاد في (حزب المؤتمر الوطني). ومن جانبي أكدت على موقف حزينا.
إن ثلاثة من الاحزاب السياسية الرئيسية في العراق- ففضلاً عن الحزب الديمقراطي الكردستاني الكردي- ، تتخذا موقعاً واحداً من مشروع الاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة، ولم يبقَ إلا أن يتخذ حزب البعث موقفاً مماثلا كي نخرج بمشروع مشترك نعرضه على عبد الكريم قاسم( الذي لن يعارضه بالتأكيد) ثم نسافر جميعاً إلى القاهرة لعرضه على عبد الناصر (الذي لم يعارضه هو الآخر ما دام قد أعرب عن موافقته المسبقة كما أكد فائق السامرائي) وأضفت أننا بذلك سنحسم في آن واحد مسألتين على جانب كبير من الأهمية والخطورة.
أولهما: مسألة الرابطة الاتحادية مع الجمهورية العربية المتحدة ؛
وثانيهما: تقويم ومعافاة العلاقة بين القاهرة وبغداد التي اتخذت صورة خصومة تنذر بأوخم العواقب بالنسبة للبدين الشقيقين... تجهت الأنظار بعد ذلك إلى فؤاد الركابي الذي شعر بالحرج الشديد واكتفى بالوعد بأنه سيعرض هذا الأمر على قيادة حزبه.
وبذلك انتهى اللقاء بخيبة أمل بدت واضحة للجميع. بعد سنوات، أي في عام 1965، ألتقيت بفؤاد الركابي الذي أكد في معرض استذكاره لهذه الواقعة، بأنه كان وآخرين من قيادة حزبه قد توصلوا هم أيضاً، إلى أن افضل ما كان يمكن فعله بعد أنتصار ثورة 14 تموز. هو إقامة رابطة اتحادية مع الجمهورية العربية المتحدة بإعتبارها الرابطة والوحيدة والمناسبة، وأنهم عرضوا هذه الفكرة على ميشيل عفلق لدى زيارته للعراق بعد ثورة تموز، فرفضها بشدة وعنف، ودعا من التقى بهم إلى العمل من أجل وحدة اندماجية (حتى لو أقتضى الأمر ربع قرن من الكفاح ضد الشيوعيين) حسب ما ذكر لي فؤاد الركابي نصاً... ".
ويروي محمد حديد الموضوع بالشكل التالي: "... لم تمر أسابيع قليلة على الانتهاء من قمع حركة الشواف، حتى بدأت تظهر انعكاسات ذلك الحدث على التيارات السياسية سواء في اليمين أو اليسار من العمل السياسي العلني والسري، يرافقها اللجوء إلى العنف في فض النزاعات السياسية. وخلال هذه المعمعة أخبرني كامل الجادرجي أنه فوتح، بإعتباره رئيسا للحزب الوطني الديمقراطي، من بعض قادة الحزب الشيوعي حول ضرورة تأليف جبهة وطنية من الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي وديمقراطيين مستقلين لتمثيل التيار السياسي المعتدل من وسط يسار العمل السياسي لأجل ضمان سير العمل السياسي على نحو هادئ ومنسْق. وقد دعا كامل الجادرجي القادة البارزين في الحزب الوطني الديمقراطي إلى اجتماع تم فيه تداول هذا الاقتراح، فحبذ جميع الحاضرين البدء بالمحادثات مع ممثلي الحزب الشيوعي، مع تأكيد ضرورة تمسك الحزب الوطني الديمقراطي بكيانه ومبادئه ومنهجه الديمقراطي، وتجنب أية محاولة لطمس ذلك وطغيان الشعارات والمبادئ الشيوعية في العمل الجبهوي. وبناءً على ذلك بدأت الاجتماعات بين ممثلي الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي في دار كامل الجادرجي للبحث في الأسس التي يجب أن تقام عليها الجبهة المقترحة وأسلوب العمل الذي يجب لأن يتْبع فيها... وتركزت المباحات أول الأمر على تقييم طبيعة المرحلة السياسية التي يمر بها العراق، والمواقف التي يجب اتخذها في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه المرحلة.
وتركزت أيضاً على شكل التنظيم وطريقة اتخاذ القرار في أطار الجبهة. ومع أن بضعة اجتماعات عقدت لمواصلة البحث في تلك الأمور، فقد كان التقدم في الوصول إلى حل مشترك بطيئاً. لأن الحزب الشيوعي كان قد أتخذ لنفسه، في ذلك الحين، شعار تمثيل طبقة العمال والفلاحين محتكرا هذا الحق لنفسه، وهو شعار لا ينطبق على الواقع، إذ لم يكن لأي حزب شيوعي في العالم أن يدعي بأنه يمثْل وحده، طبقة العمال والفلاحين، عدا الاحزاب الشيوعية في الدولة الاشتراكية التي كانت تحكم بدعم من الاتحاد السوفياتي. كذلك كان الحزب الشيوعي، في ذلك الحين، يدعو في صحفه، إلى تجاوز السياسة التي تمر بها الجمهورية العراقية، وهي مرحلة التحرر الوطني والديمقراطية البرجوازية. فكان هذان الشعاران، مع ما يرافقهما من عنف في العمل السياسي يثيران مخاوف الديمقراطين من أتخاذ الجبهة الوطنية المقترحة وسيلة لأنفراد الحزب الشيوعي بقيادتها وعملها...سألته ماذا يجب أن يكون موقف الحزب خلال فترة غيابه (الجادرجي- الناصري) من موضوع الجبهة التي كانت المفاوضات تدور حولها، فأخبرني أنه ما زال باقياً على الرأي الذي أبداه خلال تلك المفاوضات، وهو ان يكون للحزب الوطني الديمقراطي دور قيادي لا يقل عن دور الحزب الشيوعي. وبعد سفره عقد اجتماعان أو ثلاثة... بسبب الاحتكاكات بين منتسبي الحزب الوطني الديمقراطي ومنتسبي الحزب الشيوعي العراقي في بعض أنحاء العراق كالنجف والصويرة والبصرة وغيرها مما سياتي ذكره لا حقاً ولم تستأنف المفاوضات حتى بعد عودة كامل الجادرجي من الاتحاد السوفيتي في نهاية الصيف... ".

الهوامش:
1 - محمود سعيد، عبد الناصر الأسطورة، تاريخ النشر في الفيسبوك 15/2/2021.
- جمال العتابي، من قراءتنا لمذكرات محسن الشيخ راضي، الحلقة الثانية، المدى تاريخ النشر25 آيار 2021
2 - عادل حبه، أخطاء جسيمة ارتكبها الشهيد عبد الكريم مهدت لكارثة 8 شباط عام 1963، المنشور في الحوار المتمدن بتاريخ 6/2/2019. http://www.ahewar.org
3 - د. جعفر عباس حميدي، التطورات السياسية، في العراق 1958-1968، دراسة وثائقية في ضوء تقارير الأمنية الخاصة، بيت الحكمة، بغداد 2010. ص. 25،
4 - د. ميثم الجنابي، فلسفة النفي العقلاني للراديكالية السياسية، الحوار المتمدن في يوم 15/7/2020.
5 - د. جعفر عباس حميدي ، التطورات السياسية، ص. 24، مصدر سابق،.
6 للمزيد عن هذه المؤامرات راجع كتابنا عبد الكريم قاسم في يومه الأخير.ج. 1، ط.2 في ثلاثة أجزاء، دار الحصاد، دمشق 2015.
7 - مجموعة مؤلفين، تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري، 1958-1968، ج.1، ص.323. ، في عشرة أجزاء، ط.2 ، دار الحكمة، بغداد 2005 .
8 - عزيز سباهي، عقود من تاريخ ، الجزء الثاني، ص. 347، مصدر سابق.
9 - المصدر السابق، ص.324.
10 - تأريخ الوزارات في العهد الجمهوري، الجزء الأول، ص, 503، مصدر سابق
11 - مستل من عزيز سباهي، عقود من تاريخ، الجزء الثاني، ص.347، مصدر سابق.
12- محمد حديد، مذكراتي، ص.381، مصدر سابقاً



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزب البعث ودوره في تغيب سلطة 14 تموز من خلال رفعه شعار (الوح ...
- حزب البعث ودوره في تغيب سلطة 14 تموز من خلال رفعه شعار (الوح ...
- حزب البعث ودوره في تغيب سلطة 14 تموز من خلال رفعه شعار (الوح ...
- حتى لا تتسربل ثورة 14 تموز 1958 بالنسيان! (3- 3)
- حتى لا تتسربل ثورة 14 تموز 1958 بالنسيان! (2- 3)
- حتى لا تتسربل ثورة 14 تموز 1958 بالنسيان! (1-3) ***
- هياكلية الأمن العامة والاستخبارات العسكرية في الجمهورية الأو ...
- أحمد محمد يحيى/ وزير الداخلية الجمهورية الأولى:(2-2)
- أحمد محمد يحيى/ وزير الداخلية الجمهورية الأولى:(1-2)
- القاعدة الاجتماعية لسلطة 14 تموز مقارنة بالعهد الملكي : (6-6 ...
- القاعدة الاجتماعية لسلطة 14 تموز مقارنة بالعهد الملكي: (5-6)
- - القاعدة الاجتماعية لسلطة 14 تموز مقارنة بالعهد الملكي: (4- ...
- القاعدة الاجتماعية لسلطة 14 تموز مقارنة بالعهد الملكي: (3-6)
- - القاعدة الاجتماعية لسلطة 14 تموز مقارنة بالعهد الملكي: (2- ...
- لقاعدة الاجتماعية لسلطة 14 تموز مقارنة بالعهد الملكي: (2-6)
- القاعدة الاجتماعية لسلطة 14 تموز مقارنة بالعهد الملكي : (1-6 ...
- الصفات الاساسية في إدارة الزعيم قاسم للصراع الطبقي في العراق ...
- من تاريخية صراع الهوية في العراق المعاصر (5- 5):
- من تاريخية صراع الهوية في العراق المعاصر (4- 5):
- من تاريخية صراع الهوية في العراق المعاصر (3- 5):


المزيد.....




- مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا ...
- وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار ...
- انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة ...
- هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟ ...
- حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان ...
- زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
- صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني ...
- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف ...
- الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل ...
- غلق أشهر مطعم في مصر


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - حزب البعث ودوره في تغيب سلطة 14 تموز من خلال رفعه شعار (الوحدة الفورية الاندماجية) (4-5)