حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)
الحوار المتمدن-العدد: 6972 - 2021 / 7 / 28 - 20:14
المحور:
الادب والفن
كان ممكناً أن يشرب نصف النهر كاملاً. وكان سهلاً عليه أن يفعل ذلك. ذهب إلى سوق المدينة الشعبي، وبدأ ينادي على بضاعته:
- لدي سمك طازج شهي، لدي ضفادع، لدي حيّات ماء.
لدي كنوز لا تحصى، نقود معدنية، قطع ذهبية، أساور عقود، سلاحف، قنادس، دراجات، أطواق كلاب، مقصات أظافر...
تقدم طفل من صاحب البطن المنتفخ كالهضبة وسأله:
-عمّو هل لديك لعبة؟
مدَّ الرجل يده عبر فمه إلى داخل بطنه. وبحث طويلاً، ونقّب في ماء نصف النهر، حتى استطاع أخيراً أن يخرج لعبة ميكانو بلاستيكية قدمها للطفل، ثم أخرج نصف فتاة جميلة حية، كانت أخت الطفل التي غرقت العام الفائت. وقدمها هدية للطفل الذي غادر سعيداً.
تجمع حوله الأولاد والبنات، وصار يخرج لهم الألعاب. وحين تأكد الناس من صدق دعايته، تجمعوا بدورهم ، فبدأ الرجل في اخراج كل ما يطلبونه. ولم تمض ساعة، حتى اقتاده حراس الملك إلى القصر .
كان طلب الملك حازماً:
- هيا اذهبْ إلى مملكة الأعداء. ابتلعها كاملة، وأحضرها إلى مملكتي.
اعتذر الرجل من الملك بشدة، وأخبره أنه لا يستطيع ابتلاع سوى نصف الأشياء. نصف جبل مثلاً، نصف غابة أو نصف مملكة.
انصرف الرجل عائداً إلى النهر الذي شرب نصفه. وقف على ضفته، وفتح فمه وسمح لنصف النهر بالعودة إلى نصفه الآخر. ثم غادر إلى مملكة الأعداء ليحضر نصفها لمليكه. ثم توالت طلبات الملك، فابتلع لأجله نصف الأعداء، وابتلع نصف المعارضين، وابتلع نصف حقول الأناناس في مملكة اخرى. بسبب تولع الملكة بتلك الفاكهة.
ضاقت المملكة عن استيعاب ما أحضره الرجل الخارق. فصرفه الملك عن العمل.
ولم يسأله أحد عن سبب الحزن الذي يجول في عينيه!
وهو لم يُخْبر أحداً، أنه ابتلع ذات مرة حُبَّ مدينة كاملاً فماتت مدينته، بعد أن ضاق عليها التنفس في حجرة قلبه الصغيرة.
ولم يخبر أحداً أنه اتفق مع الموت على إعادة نصفها للحياة مقابل ثمن كان مقداره نصف عمره.
ولم يُخْبر أحداً أنه يواصل البحث عن نصف عمر حبيبته المفقود. ولم يخبر أحداً أن نصف عمره الباقي موشك على النفاد.
وحتى اللحظة لم يجرؤ أحدٌ على إخباره أيضاً أن حبيبته المدينة كانت جثة في قاع النهر قبل الحب وبعده
#حسان_الجودي (هاشتاغ)
Hassan_Al_Joudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟