|
الثقافة والهوية في تطور وتبدل دائميين (1من3)
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 6971 - 2021 / 7 / 27 - 21:27
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الثقافة وطبيعة نظام الحكم أضاءت منجزات الفلسفة والعلوم التجريبية في مجتمعات المسلمين العصر الوسيط ، فاضت منجزاتها على اوروبا المستشرفة نهضتها العلمية والفكرية والاجتماعية. اطفئت انوار العلم والفكر العقلاني في الشرق ليمضي مكبا على وجهه الكالح في سيرورة تدهور مضطرد. وجد المستشرقون ، طلائع السيطرة الامبريالية الشرق على حالة التدهور والتفكك ؛ وبتدبير كيدي طبعوا المجتمعات بالتخلف الأزلي وابتدعوا استعصائها على قيم الحضارة الإنسانية. استندت فرية المستشرقين العنصرية على فرضية تفوق العرق الأبيض ومركزيته الحضارية، لتبرير سيطرته الاستعمارية. هذا بينما الثقافي عضوية اجتماعية تتطور وتتحدث باضطراد ، وقد تنتكس وتخبو مع تردي الأوضاع الاجتماعية كما حدث للمجتمعات العربية – الإسلامية تحت عبء الاستبداد السياسي والفكري. الثقافة والبيئة لدى الاستعراض التاريخي لمسيرة الثقافة العربية – الإسلامية منذ ظهور الإسلام ، يتبين لنا تبدل الثقافة والهوية بالبيئة، وبالذات بطبيعة انظام الحكم، حيث تعكس التفاعلات الداخلية للحياة الاجتماعية. بوفاة الرسول مضى الخليفتان أبو بكر وعمر على خطاه في توخي العدالة وتقبل النقد. حرص الخليفتان على الالتزام بالمقاصـد الكليـة للشـريعة، ومحورها العدل بين الناس، كل الناس سواسية كأسنان المشط. قال أبو بكر في خطبة قبول البيعة " أطيعوني ما اطعت الله فيكم ، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم". ورحب عمر بمن يهديه اخطاءه، وحمد الله أن وجد في الأمة من يقوم اعوجاجه. حمّل نفسه مسئولية دابة لو تعثرت في الطريق بالعراق. ظهرت الفتن لما حاد اللاحقون عن جادة الحق . ظهرت ثقافة الحكام ونخب الحاشية في جانب وثقافة الشعب الطامح الى العدالة والحرية والمساواة في جانب مضاد. لم تكن المواجهة بارزة في جميع الأزمن؛كانت تحتدم فيثورات مسلحة لتنتكس وتخبو ، او تبرز في أعمال فقهية أو كتابات اجتماعية. طرح معاوية الجبرية تنفي حرية البشر في تقرير مصائرهم. "لو ارا د الله غير هذا لفعل"، يعني أيلولة الحكم إليه بدل علي . زاد عليه تابعه زياد بن أبيه بما وطد قاعدة الحكم الأبوي الاستبدادي، يرفض المشاركة. "أننا أصبحنا لكم سادة وعنكم ذادة نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا ونذود عنكم بفيئ الله الذي فوضنا ، فلنــا عليكــم الطاعــة فيمــا أحببنــا.". قاعدة استقرت قرونا متلاحقة حتى زماننا هذا؛ حتى لقد باتت القدر للمجتمعات العربية كافة وهويتها الملازمة. احتكر الخلفاء والسلاطين وحاشياتهم في العصر الوسيط المال العام وفرضوا الحرمان على الجمهور . ومن ثم ظهر في الأدب فئة المحرومين وفعل الحرمان ظاهرة تنطويعلى إغفال الغيرة على المقاصد الكلية للشريعة. أخرج فقه العصر الوسيط التلاعب بالمال العام من حد السرقة ؛ طبيعة الحكم المطلق مجافاة العدل ومنطق العقل ، كي يدخل الرعية في طاعته بلا إرادة وبعيدا عن العقلانية. بات الحكم الاستبدادي الأبوي في مجتمعات العرب تفويضا الاهيا والمال النفطي هبة الله يتصرف به الحكام كيفما يشاءون . هذه الثقافة ، وإن هيمنت وطبعت المجتمعات بطابعها ، واكبهاعرق نفيس من العقلانية وطلب العدالة ودعوات المساواة بأنماط ونماذج متنوعة. لم تمض الحياة العربية في تعرجاتها في استبداد مطلق؛ بل خالطت الاستبداد وتصدت له نزعات للمساواة والعدالة وتحكيم العقل. هكذا وصل التراث الثقافي العصر الحديث. فتك خلفاء بني امية بالمعارضين للجبرية ممن ناهضوا الحكم الأموي ، وبحد السيف أفنوا مناوئيهم في الحكم؛ بلغت قسوة الحكم ذروتها في معركة الجماجم قتل فيها المئات من حفظة القرآن. في تلك الأثناء نشط علم الكلام، فقه نادى بالعدالة امتثالا لعدالة الخالق. لم يناوئ الحكم الأموي فمضى بحرية يجادل ويساجل. يتعمد أعداء تحرر المجتمعات العربية تزييف التاريخ وطمس حقببة من ازدهار الفقه العقلانيمهد للفلسفة العربية الإسلامية. مائتا عام بعد وفاة الرسول تطور فقه إسلامي مستوحى من الفهم العقلاني للشريعة والأيات القرآنية. تتابع علماء الكلام يبدعون بحرية حتى العام 232هجرية ، حينما تصدى الخليفة العباسي، المتوكل ، لعقلانية الفقه وحظر المناظرة بين الفقهاء. قبل ذلك الانقلاب اســتعان عبــد الله بـن عبـاس بالتشـبيه في فهـم وتفسـير بعـض الآيات. ومـن بعـده الفـراء (ت209 ) ّ ألـف كتـاب معانـي القـرآن. وأدخــل االجاحظ تعبيــر المجــاز للاســتدلال علــى المتشابه من الأيات القرآنية. والمتشابه أيات يشتبه فيرمغزاها ومضمونها ، وتشمل قسما كبيرا من آيات القرأن الكريم. كما أن آيات تجسد الإله بصور إنسانية وهو" ليس كمثله شيء". بالمجاز يمكن فهم "يدالله فوق أيديم "، و"إذ قال الله" و" استوى على الكرسي" ألخ. ألخ. رأى أبــو علــى الجبائــي وابنــه هاشــم أنــه لا يوجـد في القـرآن مـا لا يوافـق طريقـة العقـل، والشـريعة مؤكـدة لمـا في العقـول ومتفقـة معه . الله خلـق الإنسـان لنفعـه ، ثـم جعـل التكليـف وسـيلة للنفـع وزوده بـكل الوسـائل التـي تعينـه علـى أداء مـا كلفـه بـه. وبـذا يأتـي الفعـل علـى وجـه الاختيـار النـاتج عـن العلـم بأحوالـه وهـذا هـو منـاط الثـواب والعقـاب . بالتدريج استتب الأمر للحكم المطلق والجور السياسي.العصر الوسيط لم يتوصل الى المساواة ، وما قضى على التهميش ونظام السخرة وعدالة الحكم وعلاقة االأخوة بين البشر . الدين رابط اساس بين الشعوب ، وهو غطاء الحكم وغطاءء الثورات ضد السلطوية. دال حكم الأمويين وتسلم العباسيون. لم يتعلموا الدرس، واستعلوا على الجمهور ومارسوا الفتك بالمعارضة . حقبة استتب الأمن في أرجاء الامبراطورية ونشطت التجارة والحرفة ووالزراعة، وانتعش العلم والعلماء والمترجمون في عهدي هارون الرشيد والمامون، حيث أنفقا بسخاء على المبدعين من شعراء ومترجمين وفقهاء وعلماء في الفلك والرياضيات والطب والكيمياء والفلسفة. . ظهر في عهد المنصور عبـد الله بـن المقفـع، نهـض بوجـه الاسـتبداد تحت رايـة العقـل والعلـم والعدالـة ُ الاجتماعيــة. أبــرز ّ أفــكاره في تحدي الاستبداد ضمنهــا كتابــه "كليلــة ودمنــة". الكتــاب ّ بسـجالالته حمـل قضيـة العصـر وأجمـل خلاصـة الثقافـة العربيـة – الإنسـانية في حقبـة ّ اجتماعيــة تاريخيــة متميــزة، قريبة من عهد النبوة(106-142هجريـة /724- 759 ّ م)، اتسمت بالخروج على سيرة الرسول وأصحابه الخلفاء من بعده ومناقضة لدعوة الدين الحنيف.ابن لمقفع أحـد عمالقـة الفكـر النقـدي، امتلـك الجـرأة والثقـة بالنفـس وشـمولية النظـرة، وتصـدى لطغيـان الحكـم، نشـأ في زمـن احتلـت فيه قيمـة العـدل موقعـا ّ محوريـا في علـم الـكلام المزدهـر يفسـر القـرآن بمنطـق العقـل ويطـور الفقـه بتطويـر فقـه اللغـة، وعـاءَ القـرآن. هيمنـت الفتـاوى بصـدد مسـئولية الإنسـان عـن أفعالـه واسـتحقاقه ّ الثـواب أو العقـاب عـدلاً مـن عند الله. والإنسـان سـما بالعدل قيمـة عقلانية واجبة الوجود؛ مـن كبريـات الإجـرام أن تعتـرض العواطـف– ّ الشـنآن- طريـق العـدل: "ولايجرمنكـم شـنآن ّ قـوم علـى أن ال تعدلـوا اعدلـوا هـو أقـرب للتقـوى". سـاجل ابـن المقفـع مـن نبـع الإسلام، ّ كمـا فهمـه كفارسـي ّ مانـوي تحـول إلـى الديـن الجديـد. أوجـب علـى العلـم والثقافـة التصـدي للحكـم الجائـر. بلسـان الحكيـم بيدبـا لتلاميـذه وضـع ّ ميثـاق الثقافـة عبئـا عليهـا ووسـاما لهـا علـى تتالـي العصور:«اعلمـوا أنـي أطلـت الفكـرفي دبشـليم ومـا هـو عليـه مـن الخـروج عـن العـدل ولـزوم الشـر ورداءة السـيرة وسـوء العشـرة ّ مـع الرعيـة، ونحـن مـا نـروض أنفسـنا لمثـل هـذه الأمـور إذا ظهـرت مـن الملـوك، إلا ّ لنردهـم إلـى فعـل الخيـر ولـزوم العـدل. ومتـى أغفلنـا ذلـك وأهملنـاه لـزم وقـوع المكـروه بنـا وبلـوغ المحظــورات إلينــا، إذا كنــا في أنفــس الجهــال أجهــل منهــم، وفي العيــون منهــم أقــل منهــم . ليـس الـرأي عنـدي الجلاء عـن الوطـن؛ ولا يسـعنا في حكمتنـا إبقـاءه علـى مـا هـو عليـه من سوء السيـرة وقبح الطريقة. ولا يمكننـا مجاهدتـه بغيـر ألسـنتنا«. انتقد في طيات الكتاب اختلالات في السلوك والمعاملات تبين الهاوية التي دفع اليها جور الحكام واستبدادهم مجتمعات المسلمين .كتاب "كليلة ودمنة" لم يعقبه سوى كتا ب عبد الرحمن الكواكبي في مطلع القرن العشرين "طبائع الاستبداد". عوقب المفكر الإنساني على جرأته وسلم الى والي البصرة الذي عذبه حتى الموت. تطورعلم الكلام في الاتجاه المعتزلي ، حيث هيمن بانضمام الخليفة المأمون اليه وسلم أقطابه مهام الحكم، ولكنه في نفس الوقت رعى ظلم الزنوج في مزارع الجنوب العراقي ، حيث تمردوا على الحكم وأشغلوا الدولة مدة خمس عشرة سنة. بلغت عقلانية المعتزلة ذروتها زمن المامون وأخويه المعتصم والواثق، وامتدت الى القاضي عبد الجبار في كنف البويهيين. غير أن انقلاب المتوكل أجهز على المقاصد الكلية للشريعة، وأخضع الحكم لمنطق الإقطاع في تبخيس الجمهور وحرمانه. برز التميز الاجتماعي داخل المجتمع وفقدت أريستوقراطية المجتمع كل تطلع للتقدم والتطور الإيجابي. .شرع المجتمع العربي - الإسلامي مسيرته النكوصية بمسوغ الرجوع الى السلف برزت سلفية العصر الوسيط سيرورة قهر وهدر اجتماعيين واكبهما تفسخ المجتمعات وتشظيها نتيجة تغييب العقلانية حتى مشارف العصر الحديث. هيمنت نحلتا الأشعرية والصوفية تتنافسان وتتصارعان .
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حاضر يستحضر الماضي .. وأخيرا
-
حاضر يستحضر الماضي -6
-
حاضر يستحضر الماضي-5
-
حاضر يستحضر الماضي-4
-
حاضر يستحضر الماضي-3
-
حاضر يستحضر الماضي
-
الحاضر يبعث الماضي لأداء الشهادة
-
الصهيونية تفقد بالتدريج احترام شعوب العالم
-
منظمة التحرير متبوع ام تابع؟ -2
-
منظمة التحرير الفلسطينية ..تابعة أم متبوعة؟
-
و حدة العمل الفلسطيني تتوطد عبر التركيز على تحطيم الأبارتهاي
...
-
إسرائيل إحدى مكونات الامبراطورية العالمية
-
الصهاينة تعاونوا مع النازية وأسهموا في صناعة الهولوكوست
-
المقاومة الفلسطينية .. آفاق واعدة وحقول ألغام
-
ليس من حق الأبارتهايد الدفاع عن النفس
-
يمكن ، بل يجب شكم النزعة العدوانية الإسرائيلية
-
مع أدب السجون في فلسطين- سردية الخرزة لمنذرمفلح
-
ماذا يحمل قطار المصالحات حين يعبر الأراضي الفلسطينية؟
-
لماذا وقعت على بيان القدس حول اللاسامية
-
بيان القدس حول اللاسامية
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|