أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سرحان - لحن اقبل الليل : لقاء الغروب المشرق!















المزيد.....

لحن اقبل الليل : لقاء الغروب المشرق!


محمد سرحان

الحوار المتمدن-العدد: 6969 - 2021 / 7 / 25 - 02:03
المحور: الادب والفن
    


أقبل الليل " لقاء الغروب" المشرق!
______________________

(١)

قبل ان يلوِّح العام ١٩٦٩ ذراعيه مودعا عقد الستينات ، استدارت العيون ليلة (الرابع من ديسمبر) صوب مسرح قصر النيل، حيث جلس الكبرياء الكلثومي - بسمو يتجاوز الكلمات - ليصدح ب " اقبل الليل".

ذلك اللحن الذي صنعت انغامه - من بدايتها إلي نهايتها - دماغ عبقرية.... دماغ رياض السنباطي !

هذه الاغنية لثلاثي الامس : ( رامي - السنباطي - ام كلثوم) - الثلاثي الذي سيصنع بتراثه أجمل الذكريات التي لا تصدق لاجيال المستمعين التالية، اجيالنا نحن!

" اقبل الليل" ناقوس الغروب، ظهرت وكأنما السماء قد ربطت ولادتها بشتاء ذلك العام... .
وإن كان في هذا من دلالة، فلعله يتسق وفكرتها الاساس وهي تصوير خريف العمر الفني الذي وصل اليه ذلكم العملاق الثلاثي، إذ لا عجب بعد هذا العمر الا تطارد عقولهم ذكريات الامس الدابر، واصغرهم قد نيف على السبعين يومها!

إنها اللقاء الاول بعد ( حيرت قلبي معاك ١٩٦١)، وبذلك تكون قد غسلت صدأ الفراق الفني بين هذا العملاق الثلاثي. إلا أنها بالمقابل ستكون اخر ما ستسمعه الاذن مما ستنتجه عبقريتهم في اجتماعهم سويا.

وهذه الاغنية رغم جبروت عبقريتها إلا انها تتمتع بحضور اذاعي وشعبي باهت!

وبالمناسبة، استميح القارئ الكريم لابدي بعض الملاحظات :
أولها : أني لست افهم عدم المودة الذي يقابل به هذا العمل ، فهو برغم قيمته الفنية - باعتباره أجود ما ابدعته شيخوخة هذا الثالوث الابداعي - لم يستطع ان يتغلب على قلة اكتراث الكثيرين به.

ومن طريف ما لا أنسىاه في غابر الايام أن ثمة صديقا - وهو من أشد الكلثوميين هوسا - اخبرني أنه عند مبتدأ سماعه للاغنية اخذ يتذرع بالصبر حتى انهت ام كلثوم تحفتها، زاعما ان رائحة الكآبة تفوح من هذه الاغنية، وبكلمات أكثر لطفا قال : إنه لحن للنخبة! .

ثانيها : ثمة امر لا يقل غرابة فيما يتصل حتى بمستمع الامس، وهو التقدم البطئ - آنذاك - لشهرة " اقبل الليل" ، فجمهور ذلك العهد لم يزل متبرما بها اول الأمر ، لدرجة ان ذاكرته لن تبذل جهدا عسيرا في نسيانه.. ولكن مؤقتا!

بيد أن اقبل الليل ثأرت لكرامتها، و أعيد لاحقا الاعتبار لها على خريطة الاذاعات ، ولم يبق لسان في العالم العربي لم يضج بالثناء على ما ابدعته قريحتا رامي والسنباطي، نظما وتلحينا، بله ام كلثوم شدوا .

ومهما يكن من امر فإن هذا العمل الرائع المعقد سيظل برأيي ( نصبا تذكاريا فنيا) خلد النهاية الرائعة لرواية اسمها ( رامي - سومه - السنباطي) .

[ ورابعهم العبقرية!]

في هذا العمل الخالد لا يوجد أحد بمفرده :

*** فعلى مستوى ( رامي) ***

إن جهد رامي في سبك هذه الحلي الرائعة المرصعة بالزمرد ستجعل ما بعدها من عبقرياته -بالنسبة له - هبة مجانية من السماء !

لقد بلغ فيها ذروة القوة الشعرية، وحاز نبالة معرفة اسرار النظم، وأكثر من هذا أنه حقق شروط المتعة الشعرية ، و لن يحقق كل تلك المعجزات الا شاعر عظيم بوزن رامي.

إنك تقف مشدوها في محاولة تفسير هذه الخصوبة التي تميز بها خيال رامي العجوز!، إنه يشير بأصبعيه الى جمجمته : "كل شيء هنا! "

بالمناسبة الفلسفة لن تفشل في الظهور عند رامي، إنه يستخدم الفلسفة كسماد يروي به ابياته....

لقد جاءت سطوره - المطلية بألوان الرمزية - تركيبة رائعة من الصور البليغة ، مما جعل قوافيه - نهاية الامر - قد أعطت اشكال هذا الخريف الفني وصفا رائعا.... ( يبدو ان ظل "رباعيات الخيام" ما زال يطارد رامي في هذه القصيدة)

تأمل معي مثلا :
- ( لست أدري من أنا)
- ( يا هدى الحيران، أين أنت الان بل اين انا؟!)
- ( أواه يا ليل قد طال بي سهري وساءلتني النجوم عن خبري)

ترى كم انفق من وقت في صياغة تلك الصور وهو يصور الحركة اليائسة لجفن لذلك العاشق وهي ترنو الى افق النهاية الذي بات قاب قوسين او ادنى :
( اقبل الليل يا حبيبي)
لاحظ ما تحمله كلمة " الليل" من رمزية لدنو النهاية.
اضف الى ذلك ما يكتنف المطلع من شحوب وهو يصور الغسق الذي بدأ ينحدر من افق السماء!

** على مستوى ( السنباطي) **
السنباطي يضع أي نص - مهما بلغ شأو عظمته - تحت رحمة عوده!
لقد اوعز لريشته ان تخلق انغاما أكثر فتنة ، ونضح لحنه بمستويات متقدمة من العبقرية ..
إن تلك التعابير الموسيقية الأخاذة تنم انه شرع يلحن القصيدة بحماسة ونهم.

باختصار : تولى وظيفة واحدة هي : "صنع الجمال ".

** بالنسبة أم كلثوم **
إن نضج صوتها وروعته في الاغنية قد دافع عن نفسه بأفضل ما يستطيع!

(٢)

[ السنباطي الطاغية]

على مقام الكرد (وهو المقام الاكثر رواجا في تاريخ السنباطي الملحن) يفتتح رياض مقدمتة القصيرة بمأدبة رائعة من جمل هذا المقام المملوءة بالخيال، مع ملاحظة الحضور الهادئ للاورغ للمرة الاولى.

لعب صولو الاورغ العازف سابقا د. جمال سلامة ( شقيق فاروق سلامة عازف الاكورديون الشهير) ومن ثم الملحن والمؤلف الموسيقي لاحقا .
[ يمكنك سماعه في مقدمة مسلسل احلام الفتى الطائر لعادل امام]

رياض اعد العقول لتأملات حزينة بما تشيعه مهارة مقام الكرد من لواعج الشجن، الامر الذي يدفعك إلى الظن أن هذه المقدمة ما هي الا تمهيد يقذفك إلى بوابة الآخرة!
او يرسم لك صورة رجل ناظراه يتأملان اصيل الشمس وهو يرحل بما بقي من ذكريات.

(سيتذكر الكثيرون صفير شفتي سيد سالم على الناي في جملة هي غاية في الصوفية .. وسيمارس سيد سالم مجده المنفرد في هذا الصولو الصوفي)

ومن المهم الاشارة الى ان هذا اللحن جعل من رياض السنباطي ١٩٦٩ يختلف عن رياض السنباطي ما قبل ذلك، ولعل ادخال الالة الغربية كما اشرنا سابقا أبلغ دليل على ذلك.

(٣)

[ العبقرية في كل مكان]

رياض يمتلك مسحوقا للعبقرية يختلف عن أي عبقري آخر؛ إن عبقريته ستشغل الاذهان في كل مكان من الاغنية ..
وهذا ما يتفق و القانون السنباطي :
" كل شيء تحت رحمة موسيقاي!"

هل تريد أن تعرف كيف ذلك عزيزي؟

تأمل معي عندما تشرع ام كلثوم في غناء الشطرة الاولى في المذهب ( أقبل الليل يا حبيبي)

لاحظ كيف جعل الكمنجات تلهث محاكية زحف خيوط الليل وهي تلتهم بشراهة أصيل الشمس، ومن ثم تحيله أثرا بعد عين .
لازمة يبدو انه فكر فيها طويلا!

على امتداد بقية المقاطع لم يدع موضعا في أي مقام لم يضربه بريشته

[ مقام أثر كرد]

تعال معي لتتأمل في المقطع الثاني كيف جنح لتصوير دموع رامي التي تذرفها مآقيه في :
( يا بعيد الدار عن عيني ومن قلبي قريبا)

استخدم رياض مقاما مهجورا وهو ( أثر كرد) ، وربما هو أشهر المقامات التي قلاها الملحنون وصدفوا عنها .

رياض عزز من سمعة هذا المقام ، وجعل الحفناوي وبقية الفرقة يواكبون حنجرة ام كلثوم وهي تتفنن على هذا المقام الشجي .

لقد حطم خياله الفذ كبرياء (الاثر كرد) ليجئ مطواعا عند استحضاره قائلا : " لبيك وسعديك. لتتحكم كما شئت !"

لقد جعلت ريشة رياض جمل ( الاثر كرد) الرائعة تمارس العابها الساحرة في هذا الكوبليه الرائع ، و مضت تشارك قوافي رامي البكاء والالم!

رياض يجبر الايدي في النهاية ان تقوم بواجب التصفيق علي هذا الجهد الموسيقي الفذ.

[ البياتي : مسيل للدموع! ]

( تقبل الدنيا على أهل الهوى... الخ)

بأوتار قانون سريعة كالبرق على مقام البيات ، ستتوفر بعض اللحظات الحزينة للغاية.
و هنا عادة ما يتستغرق الاستماع بضع دقائق ، لذا اجلس عزيزي بشكل مريح وأحضر منديلًا

( عزف الصولو محمد عبده صالح اخطبوط القانون وقلب فرقة ام كلثوم النابض.. اصابعه تفعل اشياء لا يفعلها السحر نفسه)
*****

[ الراست ]

(اواه يا ليل... طال بي سهري)

من الراست المحبب - الذي قال فيه رياض كل شيئ - لحن مقطع ( أواه يا ليل)
والراست مقام " ادرياليني" يثير الحماسة، وهو على علاقة لطيفة دوما مع اذن المستمع العربي.

[ النهاوند]

(ما زلت في وحدتي أسامرها...)
هذا المقطع من النهاوند، يطارد أذنيك من البداية الى النهاية في جو حميمي.
عود رياض في هذا الكوبليه يقول :" هنا كل ما تود معرفته عن سحر النهاوند".

بالمناسبة مقام النهاوند مشهور بتخفيف " النشاط الكهربائي" لاعصاب المستمع، ويستخدم غالبا عندما يتعلق الكلام حول إثارة الشجن.

[الهزام]

( يا قلبي لو طاب لي زماني)
من مقام الهزام، احد مفاخر عائلة مقام السيكا الذي يعتمد على الفكرة الايقاعية السريعة، هذا هو الكوبليه الذي يردد فيه لسان رياض : "كن أكثر إثارة " .
بالمناسبة عازف الايقاع هنا لن يتفادى مشاعر رياض الراقصة.. سيكون على قبضتيه الكفاح كثيرا في هذا المقطع!

الخلاصة :
عند رياض ليس هناك من مقارم خارج الخدمة... وهي مخلصة له كاخلاص زاهد لصومعته!

(٤)

في خريطة هذه الاغنية كل مكان تستمع إليه هناك شيء تستمتع به.
لذا عندما تجلس وتستمع إليها وانت ترتشف فنجان الشاي الخاص بك ، تذكر أن كل هذه الجمال قد صنعه شخص واحد... شخص رياض السنباطي!

بقي ان تتأمل معي ( روح المقاتلة) لدى عازفي الفرقة وهم يرسمون باوتارهم أحاسيس رياض السنباطي.

وإني ازعم انه ليس هناك من عازف لم يفقد نصف قواه في اتقان هذا اللحن، والمران على هذه التركيبة الرائعة من خيال السنباطي....
وليس أدل على ذلك من عاصفة التصفيق التي قابلته به الايدي، مبرزة العلامة الواضحة للقيام بواجبات الثناء على جهد رياض!

(٥)

عود رياض السنباطي صنع مؤثرات للقاء الوداع الاخير جعلت كل مشاهد الوداع المؤثرة ( سينمائيا او روائيا) بوزن عنكبوت يطفو على الماء!
https://www.facebook.com/100242702274501/posts/127177616247676/



#محمد_سرحان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شبيحة الدعوة والتحرش
- أدوات التيار العلماني في مواجهة التيار الإسلامي في مصر (1)
- بشاعة


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سرحان - لحن اقبل الليل : لقاء الغروب المشرق!