|
تبلور سباسة تجفيف الانهار في العراق
أسامة البدران
كاتب ومؤلف وصحفي
(Osama Al-badran)
الحوار المتمدن-العدد: 6968 - 2021 / 7 / 24 - 19:12
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
قالت البصرة .. أنا البصرة معروفة لكم جيدا... أذا حضر غريب فأنبئوني... واذا ما ذهب عني سالما معافى فلوموني... 1872/ T.M Lycklama en Paris
ان الاعتماد على النصوص التوراتية في وصف أدنى الفرات بأنه جنة عدن الموصوفة في الكتاب المقدس قد يكون لأول وهلة وصفا مقنعا لغير ساكني هذه الارض التي طالما عانوا من ( الشرجي) ورداءة الطقس والملوثات الطبيعية وانبعاثات غاز الميثان من الاهوار والتي استبدلت في يومنا هذا بغازات وابخرة مصافي شركات النفط وابارها التي اصبحت تتوهج ليلا أكثر من توهج نجوم مجرة درب التبانة التي كانت تشع بشكلها الطبيعي لأخر مرة في البصرة في بدايات القرن العشرين .. حيث يذكر الفصل الثاني من سفر التكوين أن المثوى السعيد كانت ترويه أربعة أنهر ( دجلة والفرات وفيشون وحيمون) يقول القنصل الروسي في البصرة عام 1912 اداموف في وصفها ( أن السذج من الناس الذين يعتقدون أن العراق العربي يذكرنا شكله الخارجي ولو من بعيد بالحديقة الغناء التي عاش فيها اسلافنا..سيخيب املهم بمرارة لو رأوه رأي العين !!!)
وحقا أن هذا الوصف لأهوار العراق في أي زمن كان ينطلي على السذج فقط لكونهم لم يروه رأي العين كما فعل كاتب هذه الأسطر ( اسامة البدران ) في فترة من الثمانيات وحتى هذا اليوم الذي يتطور فيه الريف نحو المدنية دون أن ينسلخ عن القيم والعادات العشائرية ليكون مزيجا أسوء من الاثنين .. فأرض اهوار العراق تمثل المكان الوحيد الذي يمكن للعوائل المرتحلة و ( المعدان) ومربي الجاموس من التنقل والسكن والابتعاد قدر الإمكان عن أنظار الحكومات المعادية والمحتلة في طرق غير مأهولة سابقا وعهدا لبني البشر .. وكنت قد سكنت وتنقلت وعاينت وتعايشت مع هؤلاء لفترة لابأس بها لكي اتعرف على الطابع العام لشكل حياتهم والطابع الاجتماعي له بحيث لم تفارقني رائحه خبزهم ولذيذ لبنهم إلى هذا اليوم بل تركت في نفسي بصمة لايمكن حذفها من مخيلتي أبدا..
ويكمل القنصل قوله ( فالمسافر فقط الذي يأتي من سواحل الخليج العربي القاحلة التي تحرقها الشمس فتبدو كالملعونة إلى شط العرب الذي تحيطه غابات لانهاية لها من أشجار النخيل الدائمة الخضرة يمكن أن يعتقد للوهلة الأولى أنه في الجنة ) انتهى ..
ويصور لنا القنصل أن هذا المنظر للبساتين التي تحيط بضفاف شط العرب ليست سوى جدار أخضر لما خلفها من الطابع العام لجميع أراضي العراق العربي وهو المستنقعات والاهوار ورمال الصحراء ..
وفي هذا الجانب أيضا يتطرق القنصل إلى السبب الرئيسي لاختفاء أشجار الحور الفراتي والتي تطرقنا لها في موضوع ( باب الحوائج) الا وهو افتتاح شركات الملاحة النهرية لخطوط متتظمة ما بين بغداد والبصرة والتي استمرت بالتزود بالوقود ( الحطب) والذي يجهزها به بعقود خاصة ( الاعراب) القاطنين على الضفاف وبسبب القضاء على هذه الغابات المنتشرة على ضفاف الأنهر انحسرت أيضا المملكة الحيوانية التي كانت تميز شكل العراق الجيوغرافي والاحيائي .. ولكي يتخلص الاجانب من كل ما يعيقهم في تنفيذ مشروعهم التوسعي في إقليم( شنعار) التوراتي ومنطقة أدنى العراق فقد كان عليهم ابتكار طرق حديثة لتغيير شكل وطابع مناخ هذا الإقليم والذي لم يكن ملائما للاؤربيين المستشرقين في أي شكل من أشكاله.. وفي هذا الصدد يذكر القنصل (( أن تجفيف المستنقعات التي تتأخم المجرى الأدنى للفرات ودجلة وهو الإجراء الذي تضمنه مشروع السيد ولكوكس لدرء الفيضان السنوي لهذين النهرين هو قيمة حقيقية للبلاد لا في المعنى الاقتصادي فحسب وإنما من وجهة النظر الصحية في المنطقة أيضا ذلك أن العراق العربي هو في الوقت الحاضر ( 1912) بؤرة لكل انواع الملاريا التي تتخذ في القسم الجنوبي منه وفي منطقة البصرة طباع الوباء المحض . ويمكننا أن نتبين إلى أي مدى يكون المناخ قاتلا هناك بالنسبة للأجانب في المثل الذي أطلقه العرب ..) انتهى ...
ونلمس من هذا الكلام تبلور عدة حجج قام بترسيخها في محاكم الغرب علماء ومختصين معتمدة على تقارير لعينات ( عمدية) وليست عشوائية بل وغير مكتملة هذا كله من أجل إكمال سياسية التجفيف بحجة التخلص من الأمراض والأوبئة ( كورونا القرن الثامن عشر والتاسع عشر) والتي قلصت سكان البصرة بحسب الإحصائيات الرسمية للأدارة العثمانية من ( 35) الفا فيهم 6000 من اليهود والمسيح ونفس العدد من الفرس والباقي شيعة ومنهم اتراك يشغلون وظائف ادارية والعسكرية العليا إلى أن وصل عدد السكان في عام 1830 إلى(12) الفا فقط في حين تذكر وثيقة ( زويمير) أن البصرة وصل عدد سكانها في منتصف القرن الثامن عشر إلى(150) الفا .. وهذا اذا أخذنا بعين الاعتبار أن تفشي الطاعون كان في كل بلاد اوربا ولم يكن مقتصرا على البصرة ولكن هذه الإحصائيات تدل على وجود مجزرة حقيقية حصلت للسكان الاصليين للبصرة منذ أول يوم وطأت به الإدارة العثمانية أرضها
يكمل الكسندر في نفس الموضوع ( اما بالنسبة لمدينة البصرة نفسها فهناك إلى جانب المناخ الرديء وابخرة المستنقعات عامل أخر يساعد أيضا على تحويلها إلى بؤرة لجميع الأمراض ذلك هو انعدام المياه الصالحة للشرب فالواقع أن الفقراء يشربون من قناة العشار التي تجعلها نفايات المدينة قذرة جدا بسبب بعد المدينة عن شط العرب والبصريون الموسرون هم وحدهم الذين يتأتى لهم جلب المياه لاستخدامهم الخاص من شط العرب والذي لايمكن وصف مياهه هو أيضا بالنقاء ، بسبب مياه الجزر التي تجلب معها بالإضافة إلى مياه المستنقعات الراكدة القسم الاغلب من قاذورات المدينة عن طريق قناتي العشار والخندق )
ويكمل القنصل الروسي حديثه من خلال الاستدلال بآراء الدكتور بوريل رئيس محطة الحجر الصحي في البصرة (1890) ويقول عنه ( فقد وجد بعد تكرار التجربة خمسة مرات 68200 عصية في السنتمتر المكعب الواحد من ماء اخذه من الموضع الذي يأخذ منه السقاة المياه!!! وقد استطاع السيد بوريل أن يجد بين هذه العصيات عددا كبيرا من جراثيم تيفوس و دزانتري و ومكروب شبيه بالكوليرا وبحسب مذكرات السيد بوريل يقول للأسف أنه لم يستطع أن يكمل ابحاثه حول الشبه بين مكروب الكوليرا والعصيات التي وجدها في شط العرب ...ومع ذلك فأن هذه الحقيقة فائقة الأهمية وتفتح افاقا جديدة بالنسبة لقضية اوبئة الكوليرا فيما بين النهرين عموما وفي البصرة على وجه الخصوص )
اما بالنسبة لتطور وباء الطاعون فحسابات ريكوليوس تشير إلى اثنين وعشرين وباء للطاعون استشرت في هذه المنطقة من أصل أربعين وباء في بدايات القرن التاسع عشر ....انتهى
ان وجود هذه التقارير تدل دلالة واضحة على شكل ومنهج الاستعمار منذ بدايات القرن السادس عشر وحتى بدايات القرن العشرين أي قبل الحرب العالمية الاولى ومشروع العالم الجديد والذي كان واضحا جدا أنه يستهدف تغيير شكل وطابع المناخ بالإضافة إلى السكان الأصليين لأهل هذه الارض من خلال القاتل الصامت ( كوفيد ) القرن الثامن عشر واستخدام سياسة تجفيف الاهوار والمستنقعات ويبدو أن المخطط الرئيسي لهذا المشروع لا يهمه شكل ادواته وعماله سواء كانت الإدارة العثمانية أم الحكومة الملكية أم الجمهوريات القومجية وآخرها صدام الذي بموته بدأ مسلسل الأحزاب الدينية والتمويه الفكري والثقافي لبذرة احفاد أرض سومر جنة عدن التوارتية التي أطلقت لعنتها على بني الاحمر لتدنيسهم ترابها المقدس ومائها المطهر الفرات العذب
#أسامة_البدران (هاشتاغ)
Osama_Al-badran#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نهر النيل المقدس ينبع من بابلونيا ويصب في أور
-
كيبالتوا إيلي مركز كل مدينة سومرية
-
نين سينا - أبن سينا -Avicenna
-
الكتاب الأسود – THE BLACK BOOK
-
مغارة السردين
-
باغادي كييفا... والأمير جودي.. مسامير من رحم الواح سومر .. ف
...
-
خسف العقول .. ومقام الخمول.. مفارقات في وعي الشعوب مابين جيل
...
-
شرايين وعروق (العراق) المقطعة في نهاية العهد الحجري الرابع ع
...
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|