|
هل الكذب مفتاح الفرج ؟
عماد نصر ذكرى
الحوار المتمدن-العدد: 6966 - 2021 / 7 / 22 - 18:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الكذب -فى المجتماعات الغربية - جريمة أخلاقية تتعارض مع القيم والعادات والتقاليد، توصم فاعلها بالخزى والعار و تجعله منبوذا ومحتقراَ من الجميع فاقداَ للمصداقية التى يصعب وربما يستحيل استعادتها. ولكن فى بلادنا -المتدينة بطبعها - الكذب أصبح عادة و ربما عبادة تمارسها الغالبية فى خشوع وتقوى وعفوية يندر أن نجد لها مثيلاَ وأخشى ألا نستطيع لها تبديلاَ. يحتوى القرآن والسنة على مايحرم الكذب فقد جاء فى سورة غافر (28) " إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب" ونبى الإسلام يقول :- كن صادقاَ فالصدق يؤدى الى الصلاح والصلاح يؤدى الى الجنة واحذر الكذب فالكذب يؤدى الى الضلال والضلال يؤدى الى النار. لكن الباب يبقى موارباَ تحسباَ للظروف التى قد تستلزم تعديل تكتيكى فالضرورات تبيح المحظورات. يروى البخارى ومسلم أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط قالت : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ليس الكذاب الذى يصلح بين الناس فينمى خيراَ أو يقول خيراَ" و فى رواية أخرى : "ولم يسمعه يرخص فى شئ ممايقول الناس إلا فى ثلاث : تعنى الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. وأنا أوافق على الكذب فى الحرب لأنه عامل حاسم فى تحقيق النصر شريطة أن تكون الحرب دفاعية أو هجومية لإسترداد أرض محتلة لا لنهب ممتلكات الغير بإعتبارها غنائم واغتصاب أوسبى النساء وبيعهن فى سوق الجوارى. و بالطبع الكذب الذى يحقق غاية نبيلة كالإصلاح بين الناس أمر مطلوب ومحمود. لكن الكذب بين الجنسين كارثة تؤدى الى وصول العلاقات إلى حتفها ولوبعد حين. وهو آفة متفشية بين المتزوجين فى بلادنا بشكل وبائى لانجده فى المجتمعات الغربية التى يذوق فيها الرجل عسيلة المرأة و تذوق هى أيضاَ عسيلته خارج مؤسسة الزواج. فهذه العلاقات يسودها الصدق والإحترام والحرية المسئولة فى أغلب الأحوال. يبرر نبى الاسلام الكذب أيضا إن أنكر مسلم دينه تحت وطأة الإضطهاد. فحين جاءه عمار بن ياسر متألماَ يعانى من تأنيب الضمير لأنه أنكر إسلامه خوفاَ من تعذيب خصوم نبى الإسلام له ، سأله رسول المسلمين : كيف تجد قلبك فرد عليه عمار: مطمئن بالايمان . فأراح محمد ضميره وأزاح همه وأزال كربه قائلا له ببساطة شديدة (إن عادوا فعد).( فتح البارى شرح صحيح البخارى باب الإكراه ) بل أنه تلا فى هذا الموقف قرأناً يقول فيه: من كفر بالله من بعد ايمانه إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان (النحل 106) كما نطالع فى فى كتاب اسباب النزول لأبى الحسن الواحدى النيسابورى . وهذه الحيلة لم يلجأ لها بلال الحبشى العبد سيد رأيه وقراره الذى ألقى جلادوه بحجر فوق جسده العارى وضربوه بالسوط وجعلوا فى عنقه حبلاَ وأخذوا يطوفون به طرق وشعب مكة صائحين فيه أن يذكر بالخير اللات والعزى فيجيبهم بكبرياء وثبات وشموخ : أحد أحد حتى إبتعه أبو بكر الصديق و عتقه. وعلى ما يبدو أن عمار بن ياسر قد خجل من نفسه وجبنه وهو يرى جلد وتحمل و صلابة بلال فقال : كل قد قال ما أراد إلا بلال (تاريخ الطبرى الجزء الثالث ) . و أقابل مسيحيين مصريين يلجأون للكذب واللف والدوران لأسباب تافهة مبررين ذلك بمنطق حكمة الحيات عملاَ بما جاء فى إنجيل متى إصحاح 10 (16) : "كونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام". أنا أعذر الإنسان الذى ينحنى ويلين و يخور أمام القوة الظالمة الباطشة (أنا أيضاَ قد أكون هذا الإنسان أحياناَ) لكنى لا أقبل تشجيع الناس على السير على هذا النهج. قالتاريخ يحكى لنا عن أبطال ضحوا بحياتهم فى سبيل ما يؤمنون به .فالنبيل سقراط رفض طلب تلاميذه بمساعدته على الهروب من سجنه و تقدم بشجاعة منقطعة النذير ليتجرع كأس السم بعد أن حكمت عليه أثينا بالموت و اعتبرته مزدريا لإلهتها و مفسدا للشباب لأنه دعاهم للتساؤل و رفض الأجابات الجاهزة المعلبة . والفيلسوف اٌللإيطالى جوردانو برونو (1548 - 1600) تشبت برأيه المؤيد لكوبرنيكس فى كون الأرض كوكبا يدور حول الشمس فحكمت عليه الكنيسة الكاثوليكية التى كانت تعتبر هذا الرأى هرطقة و بدعة و ضلالة بالحرق لأن كل ضلالة فى النار . و المتصوف العظيم الحلاج ( 858- 922) لم ينكر إيمانه بوحدة الوجود لينجو من الموت مصلوباَ تنفيذاَ لحكم الخليفة العباسى المقتدر بالله بل أنه ظل يردد الى النفس الأخير أنه ليس فى الجبة إلا الله. وهناك مئات المفكرين ساروا على درب سقراط و برونو والحلاج ورفضوا اللجوء الى التكتيك والمخرج الإسلامى . وهؤلاء يدفعون ضريبة الدم التى دفعها النبيل الصلب فرج فودة ليكون العالم أجمل وأعدل وأنبل. و فى مصرنا ينقصنا أمثال هؤلاء لتتحرر الأجيال القادمة من هيمنة الساسة وطغيان بطاركة النصوص و ينعم أبناؤنا وأحفادنا بالحرية والمساواة التى تليق ببشر يعيشون فى القرن الواحد والعشرين . لكن الأمر لايبدو سهلاّ فعلينا أن نتحرر من ثقافة " إذا ابتليتم فإستتروا" و التقية - وهى ليست إختراعاّ شيعياّ كما رأينا - و فقه المعاريض ونكفر بإيماننا المتوارث الراسخ أن الكذب مفتاح الفرج.
المراجع : القرأن البخارى و مسلم أسباب النزول لأبى الحسن الواحدى النيسابورى تاريخ الطبرى ( الجزء الثالث ) انجيل متى
#عماد_نصر_ذكرى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قلة حيلة
-
هل يعقل ان يكون الجهل هو الحل ؟
-
البكاء بين الاشلاء
المزيد.....
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
-
الضربات الجوية الأمريكية في بونتلاند الصومالية قضت على -قادة
...
-
سوريا.. وفد من وزارة الدفاع يبحث مع الزعيم الروحي لطائفة الم
...
-
كيفية استقبال قناة طيور الجنة على النايل سات وعرب سات 2025
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|