إعـداد : أ.د. وضحى علـي السويدي - جامعة قطر / مقدمة الى " ندوة المرأة والسياسة ودورها في التنمية " - المجلس الأعلى لشؤون الأسرة / الدوحة – قطر " الفترة من 21 – 23 أبريل 2002م "
الحمد لله.. والصلاة والسلام على أفضل خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين .. ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد.. بادئ ذي بدء أتوجه بجزيل الشكر وفائق التقدير والعرفان لصاحبة السمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند حرم حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى، رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأسرة على جهودها الرائعة واهتمامها اللا محدود لكافة الجوانب الهادفة لإبراز دور المرأة القطرية على كافة الأصعدة ومختلف المجالات وتحفيزها للمشاركة في الحياة العامة والمساهمة في نهضة مجتمعها وتنميته. ولا شك أن مبادراتها الكريمة لعقد مثل هذه اللقاءات الهامة والمثمرة لهي محل تقدير وامتنان من الجميع، والشكر موصول لسعادة الشيخة حصة بنت خليفة بن حمد آل ثاني نائب رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، ولسعادة الأمين العام وللجنة المنظمة لهذه الندوة التي أتت في التوقيت المناسب لها " المرأة والسياسة ودورها في التنمية " مثمنة الجهود الطيبة التي تقوم بها لجنة شؤون المرأة برئاسة السيدة الفاضلة منيرة بنت ناصر المسند، متمنية لهذه الجهود المباركة كل توفيق ونجاح - إن شاء الله- أمله أن نفيد ونستفيد من أوراق العمل والمناقشات الهادفة والفعاليات المصاحبة لهذه الندوة القيمة والتي تأتي ضمن احتفالات العالم قاطبة بيوم المرأة العالمي والذي يصادف الثامن من شهر مارس في كل عام، متمنية للمرأة العربية عامة والقطرية خاصة كل تقدم وازدهار في ظل راعي النهضة وقائد المسيرة صاحب السمو / الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه. والله ولي التوفيق.
مقدمـــة :
باتت قضية المرأة من القضايا المهمة التي تستحوذ على اهتمام إعلامي كبير خلال السنوات القليلة الماضية، والمناداة بمساواة المرأة مع الرجل هو حق أصيل إنسانياً واجتماعياً؛ فالإسلام قد أقر هذه الحقوق بالنسبة للمرأة، ولكن المشكلة في الخصوصية الإسلامية هي كيفية التعامل مع التراث والأعراف والتقاليد والتي تشمل في طياتها الجوانب الفقهية؛ فالنصوص العامة والقطعية في القرآن والسنة تقيم حق المساواة بين الرجل والمرأة باعتباره حقاً أصيلاً لا يمكن إنكاره، أما الانتقاص منه فلا يتلاءم مع نصوص الشريعة الإسلامية التي أقرت حقوق المرأة (1) (*) .
وعلى الرغم من أن مشاركة المرأة في الحياة السياسية أصبحت أمراً طبيعياً خاصة بعد مشاركتها على نطاق واسع في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية؛ فمن الناحية الاجتماعية تمثل المرأة نصف المجتمع، كما أنها تٌسهم في الاقتصاد الوطني لجميع الدول، وفي المجال السياسي فإن المرأة تمثل نحو نصف أعداد الناخبين في بعض الدول، ونصف من يوجه إليهم اهتمام الحكومات المختلفة في كل الدول.
كما أن معظم دول العالم قد أقرت الاتفاقيات الخاصة بعدم التمييز ضد المرأة في كافة الميادين، وأصبحت المرأة تتمتع بالمساواة القانونية في كثير من البلدان، إلا أن هذه المساواة لم تتحقق بعد في بعض البلدان الأقل نمواً، وبالرغم من وجود النصوص الدستورية والقانونية، إلا أنه من الملاحظ عند الممارسة وجود فجوة وتناقض بين الوضع القانوني للمرأة والوضع في الواقع سواء في الحياة السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، بل وفي محيط الأسرة؛ فعلى الرغم من تفوق المرأة في مجالات كثيرة من التعليم وحصول أعداد كبيرة على درجات علمية رفيعة وتمتعها بقدر كبير من الوعي، إلا أننا نجد أن نصيب المرأة في المراكز القيادية في العالم العربي لا يزال ضعيفاً، وأن وضع المرأة في العالم العربي يغلب عليه التهميش والبعد عن الساحة الرسمية للمشاركة السياسية؛ فهي بعيدة بصفة عامة عن المناصب القيادية التنفيذية والسلطتين التشريعية والقضائية ومواقع صنع القرار إلا فيما نذر. (2)
وتعتبر قضية المشاركة السياسية من أهم القضايا التي تواجهها المجتمعات بصفة عامة والمرأة بصفة خاصة، لأنها تتعلق بكافة جوانب الحياة؛ فالعمل السياسي ليس مجرد المشاركة في الانتخابات ودخول المجالس التشريعية "النيابية" ، وإنما ما يعنيه هذا من المشاركة في عملية التنمية بأبعادها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية، والبيئية، والسياسية، ذلك أن المشاركة في معناها الأعم هي المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بكافة مناحي الحياة، أي في تحديد مسيرة التنمية الشاملة، وهي عملية مستمرة يشارك فيها كل إنسان سواء أدرك ذلك أم لم يدركه، وهي ليست مجرد التمثيل النيابي، ولا تقتصر على عملية الانتخاب والترشيح بل هي كافة القرارات التي يتخذها الإنسان في رحلة حياته على طريق البحث والتفكير في القرارات المعبرة عن خياراته، والقيم التي يعكسها قولاً وسلوكاً (3) .
وتمثل انتخابات المجلس البلدي المركزي التي جرت بدولة قطر في 8 مارس 1999م وشاركت فيها المرأة القطرية بكل جدارة واقتدار حدثاً ديمقراطياً هاماً ونقلة نوعية باتجاه التحولات الديمقراطية التي باتت تشهدها دولة قطر في الآونة الأخيرة؛ فهذه الخطوة تعد ولا شك بداية لمشاركات أوسع وأكثر تقدماً لإحداث التغيرات الإيجابية والمتطلبات اللازمة لبناء الدولة الحديثة.
وفي إطار هذا التوجه الديمقراطي تتطرق الدراسة الحالية لتسليط الضوء على مشاركة المرأة القطرية في أول انتخابات تّجري في دولة قطر لأول مجلس بلدي مركزي منتخب من واقع دراسة حالة لتجربة شخصية خاضت هذه التجربة " ناخبة ومرشحة" وعايشتها لحظة بلحظة من خلال عدة محاور تتلخص فيما يلي :-
- المجتمع القطري والتجربة الديمقراطية.
- قانون الانتخابات والمرأة القطرية.
- ردود الأفعال حول مشاركة المرأة القطرية " ناخبة ومرشحة ".
- اللجنة النسائية التحضيرية لانتخابات المجلس البلدي المركزي.
- انتخابات المجلس البلدي المركزي والتجربة الشخصية، وتتضمن التركيز على النقاط التالية:
1- خطوات السير في التجربة الانتخابية.
2- البرنامج الانتخابي.
3- المرشحة ويوم الاقتراع.
4- المقترحات والتوصيات. •
وفيما يلي عرض لهذه المحاور بشيء من التوضيح الموجز.
** المجتمع القطري والتجربة الديمقراطية :
شهدت دولتنا الحبيبة قطر وهي على مشارف القرن الواحد والعشرين العديد من الخطوات الرائدة والتطورات الجذرية نحو تطبيق الديمقراطية كمنهج وأسلوب حضاري يتماشى مع رغبة شعبية صادقة، ومن هذه الخطوات المضيئة والجريئة على هذا الطريق والتي يجب الإشارة إليها والإشادة بها : إلغاء وزارة الإعلام، ورفع الرقابة عن الصحافة وبث قنـاة الجزيرة وتشكيل لجنة لصياغة الدستور والتي بدأت في إعداده تمهيداً لإجراء الانتخابات البرلمانية، ولعل من أهم هذه الخطوات حتى هذه اللحظة انتخابات المجلس البلدي المركزي التي رأت قيادة دولة قطر بما لديها من سعة أفق وإدراك لأهمية المرحلة القادمة إجراءها بهدف ترسيخ مفهوم المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وإعطاء مساحة أكبر من التعبير والممارسة الديمقراطية (4) .
ولا شك أن تجربة دولة قطر في مجال الديمقراطية من خلال الانتخابات لأول مجلس بلدي مركزي جاءت وليدة التجاوب والتلاحم بين الشعب وقيادته السياسية وبمبادرة من تلك القيادة الحكيمة ظهرت القيادة متقدمة على الشعب في وقت نجد فيه أن كثيراً من دول العالم تّطالب وتكافح لتنال أقل بكثير مما ناله الشعب القطري، وتعد تجربة دولة قطر في هذا المجال ناجحة بكل المقاييس لعدة أسباب موضوعية وذاتية؛ فالتوجه نحو الديمقراطية والمشاركة الشعبية وحقوق الإنسان أصبح هو روح العصر وديدن جميع الشعوب. كما وأن مستوى الوعي السياسي والقومي في المجتمع القطري يمثل عنصراً دافعاً وضمانة أكيدة ضد أي انتكاسة محتملة، ويكفي دليلاً على ذلك حجم التجاوب الكبير الذي ظهر في مرحلة التسجيل، وقد بلغت نسبة التسجيل بين النساء (45%) من إجمالي المسجلين في قيود الناخبين، إضافة إلى ذلك الزخم والنشاط الذي تضمنته الحملات الانتخابية، ومن ناحية أخرى فإن اقتناع القيادة الحكيمة بل وحماسها لإنجاح تجربة انتخابات المجلس البلدي المركزي في أول تجربة لهذه الانتخابات يعتبر عاملاً مهماً من عوامل إنجاحها، كما أن تجانس المجتمع القطري وتلاحم نسيجه الاجتماعي يمنع أي احتمال للصراعات الفئوية والعرقية التي تهدد عادة الديمقراطية ومسيرتها، ولابد من التأكيد على أن مسيرتنا الديمقراطية جاءت متدرجة وهادفة وليس بها أي شائبة وليست قفزاً فوق المراحل.
فقد بدأت المسيرة الديمقراطية بالتوعية العامة وإطلاق حرية التعبير ممثلة في إلغاء وزارة الإعلام، وإعطاء الصحافة حق حرية التعبير، ثم أجريت انتخابات الغرفة التجارية الصناعية القطرية، ثم أعطيت محطات التلفزيون والفضاء – من خلال قناة قطر الفضائية والجزيرة – حرية البث، ثم انتخابات المجلس البلدي المركزي.. وستعقبها إن شاء الله الانتخابات لأول برلمان منتخب في دولة قطر (5) . فقد أعلن في يوليو 1999م عن تشكيل لجنة لوضع دستور دائم لدولة قطر يكون من بنوده الأساسية تشكيل مجلس منتخب عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر وسيكرس حق المرأة في الترشيح والانتخاب (6) .
ولا شك أن كل خطوة من هذه الخطوات تعتبر مرحلة على طريق الديمقراطية الكاملة ومؤسساتها الدستورية والمدينة، وهكذا بدأنا في دولة قطر مسيرتنا بالتدرج، ونحن نؤمن بأن على الإنسان أن يحبو ويتعلم بعد ذلك المشي على قوائمه، ولا مجال للقفز على المراحل، وإني لعلى يقين بأننا - إن شاء الله - سنشهد قريباً دولة المؤسسات الدستورية التي نفخر ونفتخر بها على صعيد العالم أجمع.
إن تجربة دولتنا الحبيبة قطر في مجال الديمقراطية جاءت مستمدة من الواقع القطري والعربي والإسلامي، وقد استلهمت هذه التجربة خّطى من سبقها من دولنا الخليجية والعربية والإسلامية، والتي لها تجارب سابقة في هذا المضمار؛ فسارت على هديها في مجال البناء السياسي والديمقراطي على حد سواء، ومن هذا المنطلق فهي تجربة محلية، إقليمية، عربية، إسلامية، عالمية (7) . وتعتبر هذه الخطوة أولى اللبنات الهامة من أجل تكريس وتعميق مفاهيم المشاركة الشعبية وزيادة دور المواطن في تصريف شؤون حياته (8) .
* قانون الانتخابات والمرأة القطرية :
عندما أصدر صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر القانون رقم (12) لسنة 1998م بتنظيم المجلس البلدي المركزي، وقد تضمن سبعة وعشرين اختصاصاً للمجلس تمس جميع مجالات البلدية والبيئة والشؤون الزراعية والنظافة والمرافق العامة والخدمات وبعض مجالات الصحة العامة، وبشكل يستند أساساً على مهام الرقابة والاستشارة فيما يتعلق بتلك المهام وبالتعاون مع وزير الشؤون البلدية والزراعة مع النص على أن المجلس يعبر عن آرائه وقراراته في شكل توصيات تّعتمد من الوزير كما حدد القانون مدة العضوية بأربع سنوات مع جواز إعادة انتخاب من انتهت عضويته (9) .
ومع صدور هذا القانون الذي ينص على مبدأ الانتخاب كوسيلة لتشكيل المجلس يمكن القول أن الانتخابات البلدية التي جرت وفقاً لهذا القانون تكتسب أهمية كبيرة باعتبارها أول انتخابات يتوجه فيها المواطنون الذين تنطبق عليهم الشروط إلى صناديق الاقتراع المباشر لاختيار ممثليهم في المجلس البلدي، فضلاً عن مشاركة المرأة لأول مرة في هذه الانتخابات وممارسة حقها سواء في التصويت أو الترشيح لعضوية المجلس (10) .
وبصدور هذا القانون الذي أعطى المرأة القطرية حق الترشيح والانتخاب تجد المرأة القطرية نفسها أمام مكرمة أميرية برهن من خلالها قائد المسيرة وراعي النهضة التنموية في كافة مجالاتها على حس تاريخي بأهمية التحولات الديمقراطية، ولا شك أن هذه الدعوة الكريمة للمرأة القطرية بالمشاركة " ترشيحاً وانتخاباً " لأول مجلس بلدي مركزي منتخب في دولة قطر تّعد نقله نوعية هامة ليس على صعيد توسيع قاعدة المشاركة الشعبية فحسب، ولكن أيضا على صعيد إعطاء المرأة القطرية حقها الذي تستحقه كعضو فاعل وعنصر هام من عناصر التنمية في المجتمع القطري؛ فالقرار السياسي الذي منح المرأة القطرية هذا الحق والذي نص عليه صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر في خطابه التاريخي أثناء افتتاحه الدورة السادسة والعشرين لمجلس الشورى حينما أكد في خطابه قائلاً : " إن طريق المستقبل يحتاج إلى رؤيتنا جميعاً لرسم أهدافه وتحديد خطواته والاتفاق على أولوياته كما يتطلب منا العمل معاً بحيث يؤدي كل منا دوره في تنفيذ مراحله، ولن يأت ذلك إلا بتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وتنفيذه، ولا شك أن تشكيل المجلس البلدي المركزي بالانتخاب المباشر وإعطاء المرأة القطرية حق العضوية والانتخاب يّعد خطوة كبيرة نحو تعزيز دور المشاركة الشعبية في ممارسة العمل التنفيذي والتشريعي على حد سواء" (11) .
واعتقد أنه حينما تأتي هذه المكرمة للمرأة القطرية نتيجة لوعي القيادة وليست نتيجة لمطالبة شعبية؛ فإن فيها من التقدير والإعزاز والثقة بالمرأة الشيء الكثير، وأن هذا القرار اختصر سنوات معاناة كانت لتمتد إلى أن يشاء الله من الجهد والسعي المضني لإقناع الرجل بأحقية المرأة وكفاءتها في إدارة المناصب القيادية والمشاركة في الحياة السياسية (12) .
وتفاعلت المرأة القطرية مع هذه التجربة الرائدة " ناخبة ومرشحة " وشكلت نسبة النساء المقيدات في جداول الناخبين نحو (45%) من جملة أعداد الناخبين، كما شكلت نسبة المرشحات (3%) من جملة أعداد المرشحين. هذا وقد بلغت نسبة النساء المقترعات من مجمل النساء الناخبات نحو (4ر77%) مقابل حوالي (5ر81%) للرجال، وقرابة (80%) للمجموع الكلي، وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بعديد من الدول المتقدمة والنامية (13) . مما يؤكد قدرة المرأة القطرية على التفاعل مع القضايا التي تخصها في المجتمع .
* ردود الأفعال حول مشاركة المرأة القطرية في انتخابات المجلس البلدي المركزي "ناخبة ومرشحة " :
ومن منطلق حداثة التجربة في مجال المشاركة السياسية بالنسبة للمرأة القطرية؛ فقد أخذ هذا الموضوع حيزاً كبيراً من الاهتمام بين مؤيد ومتحفظ ومعارض على كافة الأصعدة والمستويات واختلفت وجهات النظر وتباينت ردود الأفعال حول مشاركة المرأة في هذه الانتخابات " ناخبة ومرشحة" ، ولكن يمكن إجمال هذه الآراء وبلورتها ضمن ثلاث اتجاهات :
1- الاتجاه الأول : متحمس ويرغب في نجاح التجربة ويؤيد وجود المرأة القطرية في المجلس البلدي ويرى أن مشاركتها حق مكتسب واختبار جيد لقدراتها وكفاءتها في خدمة مجتمعها ووطنها ويمثل هذا الاتجاه الطبقة المثقفة " رجالاً ونساءً ".
2- الاتجاه الثاني : متحمس ويفضل التعيين وليس الانتخاب ويؤيدون مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية بصفة عامة، ولكنهم يرون ضرورة أن يكون تحديد المناصب القيادية بواسطة الاختيار والتعيين وليس عن طريق الانتخاب.
3- الاتجاه الثالث : معارض لمشاركة المرأة بشدة، ولأصحاب هذا الاتجاه رأي صريح في هذا المجال، وهم يرون أن المرأة القطرية عاشت في بيئة محافظة تؤدي دورها الأسري في حدود الشرع والدين والقيم والعادات والتقاليد التي نشأت عليها دينياً وثقافياً، ومع هذا يمكن القول أنها شاركت وبرزت كامرأة متعلمة عاملة وربة أسرة ناجحة محافظة ومحتشمة في حدود العادات والتقاليد المتوارثة (14) .
وفي هذا الصدد أشار أحد الباحثين في تقرير له حول الانتخابات القطرية قائلاً : " أن الدعوة لمشاركة المرأة القطرية " ترشيحاً وانتخاباً " قوبلت برفض مجموعة من الأصوليين الذين تقدموا برأيهم هذا من خلال مذكرة لمجلس الشورى القطري الأمر الذي جعل من قضية مشاركة المرأة تحتل المرتبة الأولى في سلم القضايا الانتخابية حتى أنها غطت – إلى حد ما – على إنجاز كون هذه الانتخابات هي الأولى في دولة قطر (15) .
وترى الباحثة أن منظومة القيم والتقاليد الاجتماعية والتي تتلاقى مع خصائص الثقافة السياسية في مجتمعاتنا الخليجية تلعب دوراً مهماً ومؤثراً على مدى قبول المجتمع المشاركة السياسية للمرأة في هذه المجتمعات؛ فمنظومة القيم والتقاليد لهذه المجتمعات والتي تتلاقى وتفسيرات وتأويلات معينة لأحكام الشريعة الإسلامية تخلق قيوداً على قبول المجتمع أو سماحة بقدر من المشاركة السياسية للمرأة في دول الخليج (16) . وهذا ما لمسناه من خلال تجربتنا الشخصية في هذا المجال.
وكذلك عملية التنشئة الاجتماعية والتي تحمل في طياتها مجموعة القيم والعادات والقوانين والموروثات الثقافية التي تقوم بها عدة مؤسسات في مقدمتها الأسرة، حيث يبدأ منها التفاعل الاجتماعي وتعلم الأنماط المناسبة للأعمال المختلفة للإناث والذكور بما يعنيه ذلك من تكريس نظام قيم يسود خلال سنوات الطفولة ترسخ سمات معينة للرجل وأخرى مختلفة للمرأة، مما يؤدي في النهاية إلى النظرة الدونية لقدرات المرأة من جانب المجتمع (17) .
ولعل ما يؤكد ذلك نتائج الدراسة التي أجراها أحد الباحثين القطريين حول الانتخابات البلدية في دولة قطر 1999م، حيث أسفرت نتائج هذه الدراسة عن أن نسبة كبيرة من أفراد العينة ترى أنه لا يحق للمرأة المشاركة في الحياة السياسية " ناخبة أو مرشحة " وأرجع الباحث ذلك إلى طبيعة العادات والتقاليد التي مازالت تمجد الذكورة (18) . وفي هذا السياق فإن القيم والعادات والتقاليد السائدة تمثل أحد العوامل الحاكمة لدور المرأة في الحياة السياسية بالرغم من الاعتراف القانوني لها بهذا الحق (19) ؛ فالموروثات الثقافية التي أرست صورة نمطية للمرأة أسهمت بدورها في تشكيلها لأساليب التنشئة الاجتماعية وأكدها بعض أصحاب الفكر ووسائل الاتصال المختلفة لحصر المرأة في أدوار محددة لا يجوز الخروج منها.
لقد أثبت علم النفس الحديث أن المرأة تملك ما يملكه الرجل من قدرات، إلا أن الظروف فرضت على المرأة القيام بأدوار تقليدية بسيطة لا تحتاج كلها إلى مهارات عقلية كبيرة، ومن ثم تقلص دورها في المشاركة في إدارة شؤون الحياة والإسهام في حل ما يواجهه من مشكلات، وقد ترتب على ذلك ضعف مشاركة المرأة في هذه الميادين.
ولعل ما طرحه عدد من النواب في مجلس الأمة الكويتي عند مناقشة مشروع قانون ممارسة المرأة الكويتية للحقوق السياسية ورفضهم له، وكذلك نتائج انتخابات المجلس البلدي المركزي بدولة قطر تأكيد على حصر المرأة في الأدوار التقليدية التي كانت ومازالت تمارسها(20) .
في هذا الصدد يشير " باقر النجار" في دراسة له عن المرأة في الخليج العربي وتحولات الحداثة العسيرة قائلا : " إن اختراق تحدي الحداثة بالنسبة للمرأة والمجتمع الخليجي يتطلب هو الآخر اختراقاً للذات التقليدية للمرأة ولمنظومة قيم المجتمع وبعض موروثاته الاجتماعية؛ فالحداثة لا تبنى من فوق وإنما هي ذات تبنى من الداخل، وقد يعجز المجتمع عن تحقيق ذلك إذا لم نبدأ نحن بتحقيق التحول في ذاتنا؛ فقد يكون السبق لدولة هنا أو رئيس هناك في أخذ المبادرة لتحقيق نصر سياسي للمرأة أو المجتمع هناك، إلا أن كل ذلك سيبقى يمثل تحولات فوقية قد لا تصل إلى قاع المجتمع وعصب علاقاته الاجتماعية والسياسية والثقافية، وسيبقى الأمر محكوماً بقدرة أفراد المجتمع نساؤه ورجاله على تمثل هذا التحول في ذاتهم وانعكاس ذلك في علاقتهم بالآخرين من أفراد مجتمعهم (21) .
* اللجنة النسائية التحضيرية لانتخابات المجلس البلدي المركزي :
نظراً لأهمية التوعية للمرأة القطرية " ناخبة ومرشحة" بالعمل الانتخابي بادرت سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند حرم صاحب السمو أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني رائدة العمل النسائي بدولة قطر بتشكيل لجنة نسائية تحضيرية في أبريل 1998م أي بعد صدور القرار الأميري الذي أعطى المرأة القطرية حق " الترشيح والانتخاب" لأول مجلس بلدي مركزي منتخب بتشكيل لجنة برئاسة الشيخة عائشة بنت خليفة بن حمد آل ثاني وعضوية أربعة عشرة شخصية نسائية من مختلف القطاعات، وكان من أبرز أهداف هذه اللجنة ما يلي :
1- التوعية بأهمية مشاركة المرأة في انتخابات المجلس البلدي المركزي من خلال القيام بحملة مكثفة لتوعية الناخبات وإشعارهن بأهمية أصواتهن ومسؤولياتهن تجاه الوطن.
2- إكساب المرأة القطرية مهارات العمل الانتخابي وتوعية من لديها الرغبة في ترشيح نفسها بما يناط بعملية الترشيح من مهام ومسؤوليات.
3- استضافة العديد من الشخصيات المحلية والخليجية والعربية والدولية لإلقاء العديد من المحاضرات والندوات وعرض التجارب الخاصة بهن والإفادة منها.
4- الإعداد للبرامج الهادفة للمرشحات من قبل بعض المدربين الدوليين وتنظيم العديد من الفعاليات والحلقات النقاشية لعرض برامجهن الانتخابية.
هذا وقد قامت اللجنة مشكورة بالعمل على التوعية الشاملة لتفاصيل مرسوم انتخابات المجلس البلدي رقم (12) لسنة 1998م، وكذلك المرسوم رقم (17) لسنة 1998م والخاص بنظام انتخاب أعضاء المجلس البلدي والتعريف بمكونات المجلس البلدي، والذي يتكون من (29) عضواً يمثلون المدن والقرى والمناطق المختلفة بالدولة وينتخبون مباشرة وفقاً لنظام يصدر به مرسوم، ويحدد المرسوم الشروط الواجب توافرها في كل من " الناخب والمرشح" وإجراءات عمليتي الترشيح والانتخاب (22) .
كما قامت اللجنة بالتعاون مع المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية وهي مؤسسة أمريكية غير ربحية في الفترة من " 5 – 13 من شهر ديسمبر 1998م " بتنظيم برنامج تدريبي خاص للمرشحات اللواتي رشحن أنفسهن للمجلس، وذلك بمقر اللجنة في معهد الشقب للبنات، ولقد التحقت بهذا البرنامج التدريبي وتعرفت من خلاله على كيفية التخطيط للحملات الانتخابية، وكيفية توجيه الرسائل الانتخابية، وكذلك التخطيط للبرنامج الانتخابي إلى غير ذلك من الأمور التي تتطلبها عملية " الترشيح والانتخاب".
وفي السياق نفسه بادرت كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة قطر بإقامة ندوة حول الانتخابات البلدية في الفترة من " 26 – 27 مايو 1998م " حضرها العديد من المهتمين بهذا الحدث بمن فيهم اللجنة النسائية التحضيرية، كما حرصت على المشاركة في هذه الندوة القيمة التي استهدفت جمع المختصين وأعداد الرأي العام المحلي لتلك المناسبة، وخلصت الندوة لعدد من التوصيات أهمها ما يلي :
1- انطلاقاً من أهمية المجلس البلدي في خدمة المجتمع، توصي الندوة بمنحه الصلاحيات التشريعية والرقابية التي تمكنه من القيام بمهامه وإنجاز رسالته.
2- أكدت الندوة على أهمية توعية المواطن وتبصيره بواجباته، وحثه على ممارسة حقوقه المدنية في العملية الانتخابية، وذلك من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة، والتنسيق مع الأجهزة المهنية في الدولة والمؤسسات الأهلية والخاصة.
3- تدعيم حق المرأة في الانتخاب والترشيح بوضع القواعد والإجراءات المنظمة له، وحض المرأة وهي تمارس حقها الانتخابي على الحفاظ على قيمها الإسلامية، وتحفيز الرجل لتأييد هذا التوجه وتدعيمه قولاً وعملاً، وتعاون الطرفين على إنجاح العملية الانتخابية، وتوجيه أعمال المجلس المنتخب لتكريس الديمقراطية، وذك من منطلق الشورى التي نص عليها ديننا الإسلامي الحنيف (23) .
كما تابعت اللجنة النسائية التحضيرية جهودها المشكورة على مدى شهور عدة للعمل على نشر الوعي الانتخابي في المؤسسات التعليمية سواء في الجامعة أو المدارس في المراحل التعليمية المختلفة، وكذلك توعية النساء العاملات وربات البيوت.
ولعل من أبرز الفعاليات التي قامت بها مشكورة اللجنة النسائية التحضيرية الندوة التي نظمت مساء يوم الأحد الموافق 31/1/1999م تحت رعاية وحضور سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند مع ضيفة البلاد الكبيرة آنذاك سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك حرم صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيسة الاتحاد النسائي العام بدولة الإمارات والتي خّصصت لعرض البرامج الانتخابية لأربع من المرشحات، وقد كان لي شرف المشاركة في هذه الندوة لعرض البرنامج الانتخابي الخاص بالدائرة التي رشحت نفسي بها.
كما حرصت اللجنة النسائية التحضيرية على ترتيب العديد من اللقاءات بين المرشحات والوفود النيابية والبرلمانية الخليجية والعربية والأجنبية التي استقبلتها البلاد في تلك الفترة.
* انتخابات المجلس البلدي المركزي والتجربة الشخصية :
تقديراً مني للحكمة الثاقبة التي انطوي عليها قرار صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر اتخذت قرار المشاركة لترشيح نفسي لخوض هذه الانتخابات لرغبتي الأكيدة في إثراء أول تجربة ديمقراطية في البلاد مساهمة ومشاركة مني في بناء نهج الحداثة الذي أرسى دعائمه سمو الأمير المفدى حفظه الله في المجتمع القطري منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد 1995م؛ فباشرت بالاستعداد لهذه الخطوة الجريئة في مجتمع تقليدي محافظ تحكمه العادات والأعراف والتقاليد قبل كل شيء، وكنت سعيدة بهذه المشاركة في أول عملية ديمقراطية يشهدها المجتمع القطري.
* 1- خطوات السير في التجربة :
أما عن خطوات السير في التجربة الانتخابية فقد تمت وفقا لما يلي :
في 3 أكتوبر 1998م أصدرت اللجنة العليا للإشراف على انتخابات المجلس البلدي المركزي بياناً بالدعوة لقيد الناخبين في كافة الدوائر الانتخابية وحددت اللجنة يوم السبت 3 أكتوبر 1998م بدء قبول قيد الناخبين خلال فترة تنتهي في 22/10/1998م، وذلك من الساعة الرابعة عصراً وحتى الساعة الثامنة ليلاً ، كما تم تخصيص فترة أخرى تالية مدتها عشرون يوماً لطلبات الحذف والإضافة في جداول الناخبين.. وقد قمت بتسجيل اسمي في جداول قيد الناخبين في الدائرة (16) مريخ محل إقامتي، وتعتبر هذه الدائرة من الضواحي الغربية لمدينة الدوحة، وتشمل ثلاث مناطق " السودان، الأمير، مريخ" ، وكانت البداية الفعلية للعملية الانتخابية مع صدور بيان وزارة الداخلية بالدعوة لقيد المرشحين اعتباراً من يوم السبت الموافق 5 ديسمبر 1998م؛ ففي ذلك اليوم ومن الساعة الرابعة عصراً وحتى الثامنة مساءً وعلى مدى أسبوعين بدأ الراغبون في ترشيح أنفسهم من الجنسين بتسجيل أسمائهم لدى اللجان المختصة كلاً في دائرته الانتخابية المقيد ضمن كشوف الناخبين فيها، وكنت من أوائل من سجل من المرشحين في دائرتي، والتي ترشح فيها (15) من الرجال وكنت المرأة الوحيدة بينهم.
ومنذ بدء الدعوة للتسجيل في قيود الناخبين قمت بتحرك واسع النطاق في المناطق التي تشمل الدائرة التي رشحت نفسي بها لحفز وتشجيع وتوعية المواطنين من الجنسين للمشاركة في هذا الحدث الوطني الهام والذي لفت أنظار العالم، وكان علامة واضحة على التغيير الذي يشهده المجتمع القطري، ولم يقتصر الأمر على الأقارب والمعارف والجيران بل قمت مع الأخت الفاضلة " الشيخة منى بنت سحيم بن حمد آل ثاني" مديرة الحملة الخاصة بي، ومجموعة من الأخوات الفاضلات عضوات الفريق المشكل للحملة بزيارة لبعض الأسر في المناطق المختلفة بالدائرة لحثهم على المشاركة وتوضيح أهمية هذا الحدث وشرح الخطوات والإجراءات اللازمة لذلك، والتعريف بالبرنامج الانتخابي الذي يلبي احتياجاتهم في مناطق الدائرة الثلاث.
كما قمت بالمشاركة في العديد من الندوات والفعاليات مثل :
- المشاركة في الدورة التدريبية التي نظمها مركز قطر لدراسات استشراف المستقبل بالتعاون مع مركز التمييز في الإدارة والاسـتشارات حول "متطلبات ومستلزمات العمل الانتخابي" في 28 أكتوبر 1998م والتي حاضر فيها د. ناصر الصانع عضو مجلس الأمة الكويتي.
- المشاركة في البرنامج التدريبي والذي نظمته اللجنة النسائية التحضيرية بالتعاون مع المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية الفترة من 5-13 ديسمبر 1998م.
- المشاركة في الندوة التي نظمت تحت رعاية رئيسة اللجنة النسائية التحضيرية لجمعية الهلال الأحمر القطري لعرض البرامج الانتخابية لبعض المرشحات فبراير 1999م.
- إقامة العديد من الندوات والمحاضرات ببعض المدارس الابتدائية والإعدادية في الفترة من أكتوبر 1998م وحتى مارس 1999م.
- زيارة للمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة بمستشفى الرميلة، ديسمبر 1998م.
- إقامة مهرجان خاص بأطفال الدائرة " 16 " احتفالاً بعيد الفطر المبارك بنادي السد الرياضي، ديسمبر 1998م.
- إقامة ندوة خاصة عن البرنامج الانتخابي تحت رعاية رئيسة اللجنة النسائية التحضيرية بتاريخ 8 فبراير 1999م باستاد خليفة الاولمبي.
- المشاركة في العديد من اللقاءات والحوارات الصحفية في عدد من الجرائد والمجلات المحلية والعربية والدولية.
- المشاركة في عدد من البرامج الإذاعية لعدد من المحطات المحلية، الخليجية، العربية، والدولية.
- المشاركة في الندوة التي نظمت تحت رعاية وحضور سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند حرم صاحب السمو أمير دولة قطر في 31 يناير 1999م.
- المشاركة في جميع الفعاليات والندوات واللقاءات التي نظمتها اللجنة النسائية التحضيرية لانتخابات المجلس البلدي المركزي منذ تشكيلها وحتى يوم الاقتراح في 8 مارس 1999م.
ونظراً لأهمية الحدث فقد شهدت العاصمة القطرية زيارة العديد من الشخصيات السياسية والإعلامية الرسمية وغير الرسمية من مختلف دول العالم خلال الأيام القليلة التي سبقت يوم الاقتراع مثل :
- السيدة أليسا جيشكوبيك رئيسة مجلس الشيوخ البولندي.
- السيدة فائزة رفسنجاني من جمهورية إيران الإسلامية.
- السيد أحمد السعدون رئيس مجلس الأمة الكويتي آنذاك، وعدد من النواب بمجلس الأمة الكويتي.
- السيدة نائلة معوض عضو البرلمان اللبناني.
- وفد الحزب الديمقراطي الأمريكي.
- وفد الحزب الجمهوري الأمريكي.
- وفد الاتحاد الأوروبي.
- عضوات مجلس الشورى العماني.
- عضوات من مجلس الدولة العماني.
وقد تشرفت بزيارة هذه الشخصيات لي في المنزل " المقر الانتخابي"، وتحدثت معهم حول أهمية هذا الحدث بالنسبة للمرأة القطرية.. وضرورة أن تتفاعل مع هذه المكرمة الأميرية بصرف النظر عن النتائج؛ فقد فازت المرأة القطرية مرتين، مرة بمنحها الحق في المشاركة " ناخبة ومرشحة"، ومرة أخرى بخوضها لهذه التجربة الرائدة، والتي حصل من خلالها كل مواطن على حقه في المشاركة السياسية، كما سعدت بزيارة العديد من سفراء الدول العربية والأجنبية مثل :
- سعادة السفيرة اليزابيث ميكون السفيرة السابقة للولايات المتحدة بالدوحة.
- سعادة السفير محمد البلاجي السفير السابق للجمهورية التونسية.
- السيدة هوزومي اش ملحق الشؤون الإعلامية والثقافية السابق بسفارة اليابان.
- السيدة ميكا سوزوكي المساعدة الخاصة لسفارة اليابان بأبو ظبي.
إضافة إلى الوفود الصحفية العربية والأجنبية في مختلف دول العالم : الخليجية – العربية – الأوروبية – الأمريكية، والذين باركوا للمرأة القطرية هذا الحق وشجعوها على خوض هذه التجربة الرائدة.
* 2- البرنامج الانتخابي (*) :
منذ أن عقدت العزم على الترشيح لدخول هذه الانتخابات بادرت بالإطلاع على احتياجات الدائرة وما ينقصها من خدمات لأضمنها البرنامج الانتخابي - رغم علمي بالاحتياجات التي تتطلبها الدائرة - فقد حرصت على استطلاع رأي العديد من أبناء الدائرة بمناطقها الثلاث، ثم باشرت عمل البرنامج الانتخابي (**) والذي حمل شعار "معاً من أجل البناء والنماء والتطور"، وارتكزت فكرته الأساسية على الدعم والتعاون بين وزارة الشؤون البلدية والزراعة من جهة وبين المواطنين والمقيمين في المناطق الثلاث بالدائرة من جهة أخرى، ومن هذا المنطلق اشتمل البرنامج على مجموعة من المقترحات والمشاريع التي تعود بالنفع والفائدة على المواطن والمقيم وتركزت هذه المقترحات والمشاريع على الأمور التالية :
1- النظافة العامة والصحة.
2- الشوارع والطرقات.
3 - استثمار الأراضي والمساحات الفارغة بالدائرة.
4- خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة.
5- مساعدة العاطلين عن العمل بالدائرة على إيجاد العمل المناسب لهم.
6- الاتصال بالجمعيات الخيرية.
7- إعادة تأهيل المطاعم.
8 - إنشاء جمعية تعاونية استهلاكية.
9- توظيف طاقات الشباب في العطل الرسمية.
10- الاهتمام بالمرافق العامة والعمل على توفيرها.
11- إقامة لقاءات واجتماعات دورية مع المجلس البلدي والمواطنين.
12- اتباع رزنامة عمل.
هذا وقد تم التعريف بالبرنامج الانتخابي في أكثر من ندوة وأكثر من فعالية، وتم إيصاله لأكبر عدد ممكن من أبناء الدائرة، كما تم تخصيص موقع له على شبكة الإنترنت، إضافة إلى الاستعانة بوسائل الإعلام المختلفة من مسموعة ومقروءة ومرئية، وقد حفلت الحملة الانتخابية بالعديد من المظاهر الدعائية بحكم حداثة التجربة، لعل أبرزها كان الاتصال المباشر بالناخبين والناخبات لما له من دور مؤثر للتعريف بشخصية المرشحة وبرنامجها الانتخابي، وقد سعدت بما قمت به في هذه الحملة بالتعاون مع مجموعة الأخوة والأخوات في اللجان المختلفة، والذين تطوعوا للعمل معي تقديراً ومساهمة منهم لنجاح هذه التجربة الرائدة.
وبصدد الحملات الانتخابية يشير أحد الباحثين في تقرير له عن الانتخابات القطرية قائلا: " حفلت التجربة الانتخابية بمجموعة من المظاهر الانتخابية والمستجدات السياسية التي شكلت بحكم حداثة التجربة قدراً من السخونة والجدل العام حول قضايا بعينها، يجيء في مقدمتها قضية مشاركة المرأة في الانتخابات، حيث أعطاها قانون المجلس البلدي حق التنافس على مقاعد المجلس البالغ عددها (29) مقعداً ، بما يعني خوضها لمعركة انتخابية مفتوحة في مجتمع تقليدي لم يستوعب بعد فكرة ممارسة المرأة لدور سياسي أو عام في الحياة القطرية" (24) .
* 3- المرشحة ويوم الاقتراع :
سجل يوم الاثنين الموافق الثامن من مارس 1999م حدثاً بارزاً ومهماً في تاريخ دولة قطر ، حيث توجه حوالي 18 ألف مواطن ومواطنة إلى صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء المجلس البلدي في ظل منافسة حقيقة بين (225) مرشحاً بينهم ست نساء للحصول على (29) مقعداً، وحرصت على التواجد منذ السابعة والنصف من صباح ذلك اليوم، وكانت خبرة مباشرة وثرية عايشتها عن قرب، وحفل ذلك اليوم بحضور العديد من الشخصيات البارزة التي التقيت بها بمقر الدائرة في يوم الاقتراع، مثل عضوات مجلس الشيوخ الأمريكي، ورئيس مجلس الأمة الكويتي آنذاك السيد أحمد السعدون وعدد من النواب بمجلس الأمة الكويتي، إضافة إلى العديد من الصحفيين والصحفيات والمراقبين الدوليين لهذه العملية، وقد أفرزت العملية الانتخابية في دائرتي فوز أحد المرشحين المنافسين لي بفارق بسيط من الأصوات، حيث حصلت على الترتيب الثاني وبنسبة قدرها (5ر34%) من مجموع أصوات الناخبين، وباركت حينها للمرشح الفائز في الدائرة وتمنيت له التوفيق في مهمته المقبلة.
وافخر بأنني ساهمت في هذه التجربة الرائدة وبذلت أقصى ما أستطيع لإثراء أول تجربة انتخابية تجري في بلدي الحبيب قطر.
وتألمت لعدم تمكني من الحصول على مقعد في المجلس البلدي لتحقيق رغبة من وثقوا بي ومنحوني أصواتهم لتحقيق احتياجاتهم ومتطلباتهم في الدائرة، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهتي السفن وإني لعلى يقين بأنني أديت واجباً وطنياً كان على المرأة القطرية القيام بـه وأفتخر بأنني قمت بهذا الواجب وأديته على أتم وجه، وتقبلت النتيجة رغم حزن الكثيرين الذين غمروني "رجالاً ونساءً " بمشاعرهم الطيبة، ودعمهم لي منذ عزمت على ترشيح نفسي، "ولكن تبقى إرادة الله فوق إرادة الجميع".
واحب أن أؤكد بأنها ليست بالعملية السهلة ولا بالأمر اليسير في مجتمع تحكمه العديد من العادات والتقاليد والموروثات الاجتماعية، ولكنها عملية تحتاج إلى صبر ومثابرة وقوة شخصية وحضور دائم وفاعل في الوقت نفسه، إضافة إلى الخبرة في التعامل مع كافة الشرائح في المجتمع، والحماس لخدمة الوطن من خلال خدمة أبناء الدائرة وتلبية احتياجاتهم والوفاء بمتطلباتهم.
وبشكل عام فإن العملية الانتخابية أفرزت العديد من الجوانب الإيجابية والتي يمكن رصد عدد منها فيما يلي :
1- أنها تميزت بالإقبال الجماهيري واتساع نطاق المشاركة السياسية، حيث بلغ عدد المقترعين (17532) ناخباً من العدد الكلي للمقيدين في الانتخاب الذي بلغ (21995) أي بنسبة (7ر79%)، وقد بلغت نسبة الناخبات (45%) أي عشرة آلاف سيدة.
2- رغم عدم فوز أي من المرشحات، إلا أنه يحسب لبعض الخسارة بفارق عدد قليل من الأصوات واستمرارهن في المعركة الانتخابية حتى نهايتها.
3- لم تشهد العملية الانتخابية أي مظاهر عنف باستثناء الحديث عن تعرض بعض اللافتات والملصقات للتلف.
4-النظر لتجربة انتخابات المجلس البلدي كبروفة أو كخطوة أولى سيتلوها خطوات أخرى على طريق توسـيع قاعدة المشاركة الشعبية بوضع دستور دائم للبلاد وتشكيل برلمان منتخب (25) .
هذا وقد اهتمت الصحافة الخارجية من خلال مراسليها بهذا الحدث الهام واعتبرته حدثاً تاريخياً وبداية لعملية الديمقراطية، وأكدت على الدور الذي قامت به المرأة وصنعت الحدث في مجرياته " ترشيحاً وانتخاباً ". كما اهتمت الاتحادات والجمعيات النسائية بالدول الخليجية المجاورة لتجربة المرأة القطرية في هذا المجال؛ فنظمت لجنة قضايا المرأة بدولة الكويت الشقيقة ندوة خاصة عن تجربة المرأة القطرية في هذه الانتخابات بتاريخ 20 يونيو 1999م ودعيت للتحدث في هذه الندوة التي حضرها العديد من المهتمين بالشأن السياسي والشأن العام، وكذلك العديد من المهتمين بقضايا المرأة من الساسة والمثقفين والدبلوماسيين، إضافة إلى أعضاء من المجلس البلدي بدولة الكويت الشقيقة. كما تلقيت العديد من الرسائل والمكالمات الهاتفية من مختلف إنحاء العالم، من جمعيات وهيئات ومنظمات نسائية تبارك للمرأة القطرية خوضها لغمار هذه التجربة الرائدة.
وفي السياق نفسه نظمت جمعية أوال النسائية بمملكة البحرين في 17 مارس 2002م ندوة خاصة حول " مشاركة المرأة القطرية في المجالس البلدية" دعيت للتحدث فيها لعرض تجربتي الشخصية في هذا المجال، وقد حظيت الندوة بحضور عدد من الشخصيات والقيادات النسائية في المجلس الأعلى للمرأة والجمعيات المختلفة، إضافة إلى المهتمين بالشأن السياسي والشأن العام من مختلف القطاعات بمملكة البحرين. ونأمل أن يكون للمرأة القطرية حضوراً أكثر فاعلية في الانتخابات البرلمانية المقبلة إن شاء الله.
* 4- مقترحات وتوصيات :
نظراً لأهمية الدور الذي تقوم به المرأة القطرية كعنصر رئيس من عناصر التنمية، وفي ضوء الأدبيات التي تطرقت لموضوع المشاركة السياسية للمرأة، ومن منطلق تجربتي الشخصية في هذا المجال، اقترح مجموعة من التوصيات التي يمكن أن تشكل ضمانة لمشاركة المرأة في الحياة السياسية مستقبلا مثل :
- العمل الجاد على اتخاذ جميع الوسائل التي من شأنها تشجيع المرأة على المشاركة السياسية وإزالة العوائق التي تستند إلى موروثات ثقافية أو دينية أو تاريخية أو قانونية أمامها لضمان انخراطها في الحياة السياسية.
- تفعيل مؤسسات المجتمع المدني من خلال تسهيل إنشاء الجمعيات الأهلية النسائية وتشجيعها مادياً ومعنوياً لتمكين المرأة من إيصال صوتها للجميع.
- قيام المؤسسات والمراكز البحثية بإجراء الدراسات حول التغيرات السياسية في المجتمع القطري للإفادة من نتائجها في تعزيز دور المرأة السياسي ولا سيما الاستفادة من تجربة مشاركة المرأة في انتخابات المجلس البلدي.
- تعميق الحوار بين كافة شرائح المجتمع رجالاً ونساءً من خلال التوعية بأهمية زيادة مشاركة المرأة في العمل السياسي مع احتفاظها بشخصيتها في ظل ما رسمه لها دينها الحنيف وقيمها الإسلامية الأصيلة، وتبرز هنا بصفة أساسية التوعية الدينية المستنيرة حتى يكون ذلك أدعى للقبول والاستجابة لتعزيز المسيرة الديمقراطية.
- تخصيص مقاعد للمرأة في المجالس البلدية والنيابية وإدخال نظام الكوتا ولو لمرحلة إنتقالية لإزالة العقبات التي تقف أمام المرأة للوصول إلى هذه المجالس (26) .
- وضع استراتيجية إعلامية تتحدد فيها محاور التثقيف والتوعية لرفع مكانة المرأة وتهيئة المجتمع بكافة شرائحه لقبول الدور الجديد للمرأة كقيادية ناجحة ورائدة واعية في مجالات العمل الرسمي والقطاعات غير الحكومية. ويقترح أن يكون ميدان عمل الاستراتيجية على النحو التالي :
1- من خلال الأجهزة الإعلامية " الإذاعة والتلفزيون " محاضرات وندوات وحلقات نقاشية ومناظرات.. الخ.
2- الصحافة : تخصيص صفحات دائمة أو أعمدة ثابتة تركز على دراسات المرأة ونشاطاتها المختلفة في شتى المجالات.
3- عقد الندوات والحلقات النقاشية التي تتناول رفع مكانة المرأة وإزالة كافة أشكال التمييز ضدها.
4- العمل على تعزيز مكانة المرأة في المناهج الدراسية بما يؤمن عرض شخصيتها بشكل يرفع من مكانتها ويحفز الأجيال على احترامها والدفاع عن قضاياها.
** مراجــع الدراسـة:
1- سماء سليمان : المشاركة السياسية للمرأة الخليجية "الواقع والتحديات واستراتيجيات التفعيل". مجلة مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، العدد (26)، 2001م، ص 12.
2- محمد عبد اللاه : الدور السياسي للمرأة في ظل التغيرات المعاصرة. المنتدى الثاني لمؤتمر قمة العربية حول المرأة والسياسة، تونس، 31 مايو – 1 يونيو 2001م، ص 7.
3 - محمد عبد اللاه : مرجع سابق، ص 3.
4- إبراهيم الهيدوس : أول بيت للديمقراطية في قطر. الدوحة قطر، دار الشرق، الطبعة الأولى، ص 9.
5- وضحى السويدي : المرأة القطرية والتجربة الديمقراطية. ورقة عمل مقدمة لندوة المرأة القطرية والانتخابات البلدية والتي نظمتها لجنة قضايا المرأة بدولة الكويت، الفترة من 20-22 يونيو 1999م، ص 1-2.
6- يوسف عبيدان : دور المرأة في المشاركة السياسية. المنتدى الثقافي لطالبات جامعة قطر، جريدة الراية، العدد (6927)، 25 أبريل 2001م، ص 8.
7- وضحى السويدي : مرجع سابق. ص 2.
8- محمد المقاطع : أهمية المجالس البلدية في تعزيز مفاهيم المواطنة. محاضرة ألقيت ضمن الفعاليات التي نظمتها اللجنة النسائية التحضرية لانتخابات المجلس البلدي، الدوحة – قطر، ص 17.
9- الجريدة الرسمية : دولة قطر ، العدد التاسع، 7 سبتمبر 1998م، ص1.
10- أمية أبو السعود : الانتخابات البلدية والتطور الديمقراطي في دولة قطر. مجلة مركز الوثائق والدراسات الإنسانية، العدد الثاني عشر، الدوحة – قطر، 2000م، ص 12.
11– من خطاب صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر في افتتاحه الدورة السادسة والعشرين لمجلس الشورى في 30/11/1997م.
12- وضحى السويدي : مرجع سابق. ص 3.
13- التقرير الإحصائي الوطني عن المرأة والرجل في دولة قطر. المجلس الأعلى لشؤون الأسرة والأمانة العامة لمجلس التخطيط، دولة قطر، يونيو 2001م، ص 31.
14- بدرية العماري : المجلس البلدي المركزي بدولة قطر ودور المرأة. دار الشرق، الدوحة- قطر، الطبعة الأولى، 1998م، ص 209 –230.
15- أيمن السيد عبد الوهاب : الانتخابات القطرية خطوة على طريق الديمقراطية. مجلة السياسة الدولية، العدد 136، أبريل 1999م، ص174.
16- وضحى السويدي : التحديات التي تواجه المرأة الخليجية من المشاركة السياسية. مؤتمر المستقبل السياسي للمرأة بدولة مجلس التعاون الخليجي، لجنة احتفالية المرأة، الكويت، الفترة من 22-24 ديسمبر 2001م، ص7.
17- آمنة العطية : المرأة والوظيفة العامة في دول مجلس التعاون الخليجي مع التركيز على حالة دولة قطر 1985 – 1995م. ماجستير غير منشورة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2000م، ص157.
18- محمد الهاجري : البناء الاجتماعي والسلوك الانتخابي في المجتمع القطري. دراسة ميدانية للانتخابات البلدية 1999م. ماجستير غير منشورة، الجامعة الأردنية، 2001م، ص 99.
19- يوسف عبيدان : مشاركة المرأة القطرية في الحياة السياسية : رصد للواقع. تقرير مقدم لمشروع الاستراتيجية الوطنية لتقدم المرأة في دولة قطر، المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، أكتوبر 2001م.
20- وضحى السويدي : التحديات التي تواجه المرأة الخليجية من المشاركة السياسية. مرجع سابق، ص 8.
21- باقر النجار : المرأة في الخليج العربي وتحولات الحداثة العسيرة. المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 2000م، ص 142.
22- وضحى السويدي : المرأة القطرية والتجربة الديمقراطية. مرجع سابق، ص 5.
23- جامعة قطر : كلية الإدارة والاقتصاد ندوة الانتخابات البلدية، الفترة من 26-27 مايو 1998م، التقرير الختامي.
24- أيمن السيد عبد الوهاب : مرجع سابق، ص 174.
25- أيمن السيد عبد الوهاب : المرجع السابق، ص 175.
26- وضحى السويدي : التحديات التي تواجه المرأة الخليجية من المشاركة السياسية. مرجع سابق، ص 14.
(*) يشير الرقم بين القوسين إلى رقم المرجع في قائمة المراجع.
(*) يصاحب الحديث عن هذا العنصر عرض الفيلم الخاص بالبرنامج الانتخابي.
(**) ملحق رقم (1) البرنامج الانتخابي.