أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد حسين يونس - وكان فضله علي بلدى عظيما















المزيد.....


وكان فضله علي بلدى عظيما


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 6964 - 2021 / 7 / 20 - 14:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


.

يناير 1968 عدنا من الأسر الإسرائيلي .. إلي الكلية الحربية بالقاهرة .. في معسكر لإعادة الروح للقادة و الضباط المهزومين .. (شر هزيمة) .. و الذين خضعوا لحوارات طويلة مع العدو الإسرائيلي إستغرقت سبعة أشهر قام خلالها العدو بتشتيتهم .. و نشر الإحساس بالدونية بينهم.. و إفقادهم الثقة في نظام الحكم و توجهاته .. و في جدوى إشتراكية عبد الناصروديموقراطيته ..
و عمل علي تبخر الأمل .. في تحرير الأرض المحبوسة قبل عشر سنوات تستغرق في تدريب الضباط و الجنود و تعويض السلاح المفقود .
عندما كنت أراقب .. وجوه زملائي من العائدين .. بعد أن نجوا من ويلات حرب غير متكافئة .. بسبب سوء تقدير و عدم فهم وإنخفاض تدريب قيادتهم .. و تفوق قادة العدو عليهم و إرباكهم .. و إسقاطهم من الداخل .. و إستخدام نقاط ضعفهم (إى) الجهل بقوانين الحرب و القتال من حشد قوات و مناورة و تقدير القوى المتصارعة و إخفاء و تموية النوايا ..و التلاعب بالروح المعنوية ..
و كنت أتساءل كيف كنا سذجا بحيث إستغل العدو يأس القادة عندما رأوا الرأس الكبيرة تنهار بعد نصف ساعة من بداية القتال .. لضرب القوات ضربات موجعة .. و لماذا لم نصمد و لم نقاتل رغم ضرب الطيران علي الأرض .
كنت أرى ضباط جيش بلدى علي حقيقتهم بدون عنجهية و صلف و غرور .. رجال بسطاء (منا ) .. حزاني لسقوطهم و في نفس الوقت فرحين بنجاتهم .. مستسلمين لقدر عاقبهم علي ذنوب لم يرتكبوها ..و علي تخلف مجتمعي لم يتسببوا فيه أو في بعدة عن المعاصرة ..
لقد كان عليهم الطاعة فأطاعوا قادتهم المتعجرفين ليكونوا علاقات طبقية مذرية لم تشهد مثيل لها إلا جيوش العبودية والإقطاع .
في ذلك الوقت .. كتبت ورقة من ثلاث .. صفحات .. اقص فيها ما حدث لنا و أسبابه في رأى التي أرجعت أسبابة إلي فشل القيادة في إدارة المعركة لعجزها فنيا .. و لسيادة عدم الإنتماء للوطن بين الجنود و الضباط الذين يعيشون أتعس حياة في جيش بلدهم الطبقي الأرستقراطي يتهربون من الخدمة فيه .. بحيث تحول الضيق .. و عدم الثقة في القيادة .. و غياب هدف قومي للحرب .. إلي أسباب جعلت العديد منهم يتركون سلاحهم و يهربون .
هذة الورقة - التي فقدت بعد ذلك - لعدم توفر أساليب النسخ أو الحفظ الحديثة .. كتبت علي الألة الكاتبة من أصل و ثلاث صور ( بالكربون ) ..كان الأصدقاء و المعارف يقرأونها سرا .. ثم يعيدونها لصاحبها خوفا .. من الأجهزة البوليسية الطاغية .. القوية المتشعبة في المجتمع .
أحد الذين قرأوا هذه الورقة كان الرسام محمد حجي .. الرسام في رزو اليوسف .. فطوى النسخة .. و وضعها في جيبة .. و إختفي بها .
حجي كان من أعضاء التنظيم الطليعي ( عرفنا بعد ذلك ) و كان المسئول عنه محمود السعدني .. الكاتب خفيف الظل .. الذى أخذ الورقات .. و أوصلها .. للرئيس .. عبد الناصر .. شخصيا .
كنت لا أدرى .. أن الأمور تجرى علي هذا المنوال .. حتي عاد حجي و معه صديق عرفني علية .. و قال أنه مهتم جدا بالورقة التي كتبتها .
خلال رحلة طويلة من الحوار مع هذا الصديق الذى ( نسيت إسمة الكودى طبعا ) .. تأكد من أرسله أن هذا التصرف جاء عفويا من ضابط عاني جسديا و فكريا .. و لم يكن خلفة .. تنظيم داخل القوات المسلحة كما تصور البعض .بحيث خفت علاقتي برجلهم .
ثم عندما إنقلب عليهم أنور السادات في 15 مايو .. جاء ليختبيء عندى لفترة .. قبل أن يهرب .. و قص بأن الرئيس كان مهتما بهذه الورقات .. و أنه قال بأنه إستقاد منها أكثر من تقارير هيئة الأركان .
إختفي بعد ذلك حجي .. و سافر إلي تونس أو ليبيا لا أذكر و عاش هناك يرسم .. و كتبت أنا قصة الحرب في كتاب ذهبت بنسخة منه إلي المخابرات الحربية لنشره و لكنها لم تجيزه .. فصبرت حتي ثمانينيات القرن الماضي و أعدت عرضة .. علي ( دار المستقبل العربي ) .. لينشر في ذلك العام .
و لكن هذا ليس موضوعنا ..
فأنا بعد نصف قرن .. من هذه الأحداث عندما أنظر خلفي بحياد و دون عواطف ارى أن القائد المهزوم كان أكثرنا ثباتا و ثقة في شعبة و قدراته .. و وضوح رؤية .
وأنه لولا تماسكة من 67 حتي 70 يوم وفاته .. لما كنا قادرين أن نخوض حرب تالية في 73 ..
لقد عرف عبد الناصر - و هو أمر غريب علي الضباط - أسباب الهزيمة الحقيقية و لم يسير خلف مارشات من سموها نكسة ..
و كان علي يقين أن نظام حكمة قد فشل في تحقيق التنمية و الرفاهية للشعب .. بل أفقد الناس ( بالخوف ) القدرة علي الصمود و خوض المعارك .
و عرف أن القيادة غير المثقفة بعلوم العصر الحربية .. و المشغولة بالقضايا المدنية .. و المتنافسة علي كراسي السلطة و الحكم و جمع الأموال .. قيادة فاشلة في الحرب و السلم ..
لذلك تخلص من القيادات الكرتونية .. ليضع أخرى.. أكثر علما و ثقافة منهم ( الشهيد عبد المنعم رياض ) ..و اقل طمعا في المناصب و الأوبهه .. و جعل الجيش لا هم له إلا التدريب علي المعركة المستقبلية .
وخرج علينا عبد الناصر ببيان 30 مارس 1968.
((والآن ونحن نتطلع إلى المستقبل، فإن اعتقادى الأكيد أن خير ما نستطيع أن نتسلح به لمواجهة مسئولياتنا المقبلة هو أن يكون فى يدنا برنامج عمل محدد، ندرسه معاً، ونقره معاً، وتتفق عليه إرادتنا جميعاً؛ برنامج عمل يكفل وصولنا إلى الأهداف القريبة لنضالنا، ويقرب منا يوم الوصول إلى الأهداف البعيدة لهذا النضال، برنامج عمل لا تختلف فيه الاجتهادات، ولا تتصارع الآراء ولا تتصادم القوى، برنامج عمل نمسك به فى أيدينا، وبعد أن يتحقق لقاء فكرنا عليه؛ ثم نمضى على طريق الكفاح الطويل وفى يدنا خريطة للأفق الفسيح أمامنا، وخطة عمل لتقدمنا على هذا الأفق، برنامج للتغيير يستجيب للآمال العريضة التى حركت جماهير شعبنا إلى وقفتها الخالدة يومى ٩ و١٠ يونيو، وهى الوقفة التى سأظل دائماً وإلى آخر لحظة فى العمر مؤمناً بأنها كانت بعثاً للثورة، وتجديداً لشبابها، وإلهاماً لا يخيب، وضوءاً لا يخبو أمام طريق المستقبل)).
لم يرهب العدو عبد الناصر بعد الهزيمة بغاراته علي المنشئات الهامة في البلد .. و لم يجبن عن خوض معارك حقيقية سميت بطريق الخطأ ( حرب إستنزاف ) إذ أنها كانت حرب إعادة الثقة لرجال مصر .. و إخراجهم من دوامة الشعور بالدونية .. و إعطاؤهم الفرص لمواجهة العدو .. في معارك محدودة .
ثم وضع خطة عمل لتحولات جذرية في سياستة .. و في علاقات القوى بالمجتمع ..و في إسلوب الحكم
أبرز هذه التحولات كما جاتءت ببيان 30 مارس
((أولاً: إننا استطعنا إعادة بناء القوات المسلحة، وكانت تلك بداية ضرورية وبغير بديل، إذ كنا نريد جداً وحقاً أن نصحح آثار النكسة، وأن نزيل العدوان، وأن نسترد ما ضاع منا فيه.
بغير إعادة بناء القوات المسلحة لم يكن أمامنا غير تقبل الهزيمة مهما كانت آمالنا، ومهما كان إيماننا؛ ذلك أن منطق هذا العصر - ولعله منطق كل العصور- أن الحق بغير القوة ضائع، وأن أمل السلام بغير إمكانية الدفاع عنه استسلام، وأن المبادئ بغير مقدرة على حمايتها أحلام مثالية مكانها السماء، وليس لها على الأرض مكان.))
اللة عليك يا ريس .. نعم .. كان علينا إعادة بناء القوات المسلحة بإسلوب عصرى .. بعيدا عن تهاويم العظمة و الغرور التي تتزايد مع تزايد النجوم علي الكتفين .
(( ثانياً: إننا استطعنا تحقيق مطلب الصمود الاقتصادى، فى وقت كانت الأشياء كلها تسير فى اتجاه معاكس لفرصة تحقيقه، ولقد ساعد على ذلك رضا الشعب بالمزيد من التضحيات، وساعد عليه موقف عربى أصيل فى مؤتمر الخرطوم، وساعد عليه أصدقاء لنا على اتساع العالم كله، وقفنا معهم فوقفوا معنا.
ولقد كان محتماً أن يسير مطلب الصمود الاقتصادى جنباً لجنب مع عملية إعادة بناء القوات المسلحة؛ فلم يكن فى استطاعتنا بغير اقتصاد سليم أن نوفر لاحتمال الحرب، ولا كان مجدياً أن نقف رابضين على خطوط النار بينما مقدرتنا على الإنتاج معطلة وراء الخطوط، وشبح الجوع يهددنا بأسرع من تهديد العدو لنا.))
و هذا هو الدرس الثاني .. إقتصاد يقف خلف القوات .. و ليست قوات تقود الإقتصاد و تنافس المدنيين .. و لكن للأسف لم نتعلم من الأستاذ .
(( ثالثاً: إننا استطعنا تصفية مراكز القوى التى ظهرت، وكان من طبيعة الأمور وطبيعة النفوس أن تظهر فى مراحل مختلفة من نضالنا.
إن العمل السياسى لا يقوم به الملائكة وإنما يقوم به البشر، والقيادة السياسية ليست سيفاً بتاراً قاطعاً، وإنما هى عملية موازنة وعملية اختيار بعد الموازنة، والموازنة دائماً بين احتمالات مختلفة، والاختيار فى كثير من الظروف بين مخاطر محسوبة.
ولقد تجاوزت الأمور حد ما يمكن قبوله بعد النكسة؛ لأن مراكز القوى وقفت فى طريق عملية التصحيح خوفاً من ضياع نفوذها، ومن انكشاف ما كان خافياً من تصرفاتها. وكان ذلك لو ترك وشأنه كفيلاً بتهديد جبهة الصمود الشعبى؛ ولذلك فلقد كان واجباً - بصرف النظر عن أى اعتبار- تصفية مراكز القوى، ولم تكن تلك بالمسألة السهلة إزاء المواقع التى كانت تحتلها مراكز القوى، وفى إطار الظروف الدقيقة التى كان يعيشها الوطن))
درس ثالث.. لم نتعلمة .. خلال نصف قرن تال .. فمراكز القوى التي ثار المصريون ضدها بعد عام 2011 ظلت متمسكة بمواقعها .. تحميها بكل الوسائل و الطرق حتي أعادت الأمور لما كانت عليه ثم إنطلقت تبتز و تفقر و تعطل كل القوى التي أدت في يوم ما للثورة مستخدمة الأمن و الجيش و السجن و المعتقل . و في نفس الوقت لقمة العيش التي أصبحت عزيزة علي الشرفاء ..و الفقراء

((رابعاً: إننا استطعنا - وهذه مسألة أخلاقية ومعنوية أعلق عليها قيمة كبيرة - أن نضع أمام الجماهير- بواسطة المحاكمات العلنية - صورة كاملة لانحرافات وأخطاء مرحلة سابقة. وكان رأيى أن هذه مسئولية يجب أن يتحملها نظامنا الثورى بأمانة وشجاعة، وكان رأيى أيضاً أن الضمير الوطنى الذى أحس بأن انحرافات وأخطاء قد وقعت من حقه ومن مصلحته أن يعرف الحقيقة، وأن يخلص وجدانه من أثقالها، وأن ينفض عن نفسه كل رواسب الماضى؛ لكى يدخل إلى المستقبل بصفحة نقية طاهرة. ومع كل العذاب الذى تحملته شخصياً وتحمله المواطنون معى خلال هذه العملية، فلقد بقى إيمانى بضرورتها كإيمانى بطب الجراحة يقطع لينظف، ويبتر لينقذ.))
محاكمات علنية شعبية .. حقيقية .. و ليست مسرحيات تنتهي بالبراءة لأعتي المخربين و المجرمين التي شاهد فصولها الهزلية المصريون من 2011 حتي اليوم .

(( خامساً: إننا استطعنا أن نقوم بجهد سياسى واسع على جبهات عريضة؛ جبهات عربية وجبهات دولية، وتنوعت جهودنا وتعددت على هذه الجبهات بالاتصال المباشر مع الأصدقاء فى الدول الاشتراكية، وفى مقدمتها الاتحاد السوفيتى الذى أكدت لنا ظروف النكسة صداقته المخلصة وتعاونه الصادق ووقوفه الصلب فى جبهة الثورة العالمية المعادية للاستعمار، وكذلك مع الدول غير المنحازة، ومع الدول الآسيوية والإفريقية، ومع الدول الإسلامية، ومع كل الشعوب الراغبة فى سلام قائم على العدل، ومع كل الساسة العالميين الذين يستطيع بعد نظرهم أن يتجاوز نكسة عارضة فى تاريخ أمة كان لها دورها العظيم فى التاريخ، وسوف يكون لها الدور العظيم فى مصير الإنسانية.
إن هذه التحولات كلها قادها ودعمها إحساس عميق بالواجب لدى كثيرين من رجالنا فى كل مجالات المسئولية فى القوات المسلحة، ومن خبراء الاقتصاد والعاملين فى وحدات الإنتاج، ومن الملتزمين بأهداف النضال الشعبى والقادرين على خدمتها، ومن المشتغلين بالسياسة والفكر والدبلوماسية؛ كل هؤلاء ساهموا فى قيادة ودعم هذه التحولات التى تقارب المعجزة، والتى نستطيع بعدها أن نقول اليوم: الآن يصبح فى إمكاننا أن نتطلع إلى المستقبل.))
فلنر مع أى معسكر قادنا من جاء بعد عبد الناصر ( أمريكا بكل توحشها ، إسرائيل بكل خبثها، عرب شبة الجزيرة العربية بحقدهم علي مصر و المصريين ) .. و عندما تملأ الحبشة مرحلتها الثانية من السد المانع لماء النيل .. لا نجد بجوارنا ..أى منهم .. فمصر في رأى حلفاءها يجب ألا يقوم لها قائمة .. سياسية أو إقتصادية أو عسكرية أو علمية أو إنسانية .. فهي الخطر الأكبر الحالي و المستقبلي علي عروشهم و كنوزهم .

عبد الناصر بعد هزيمة 67 قاد تغييرات سياسة تعيد للشعب سلطاته .. و قصر دور الجيش علي تعلم فنون القتال .. و عدم الإندماج في مشاكل الوطن المدنية الطابع ..
لقد كان بيان 30 مارس كلمة السر لصمود القائد .. و من يقودهم .. و لبث الأمل من جديد في عقلاء الشعب
عبد الناصر لم يخش أمريكا .. و واجه إسرائيل .. و لم يحمل كفنه علي كتفية و يذهب لهم في عاصمتهم .. و لم ينحن أمام فيصل السعودية .. و قام بمجهود ذاتي بإعادة بناء الجيش المصرى ليصبح جيشا حقيقيا لا يهاب المعارك ..و لا ينشغل بغير دوره .. و لا يطمع في الحكم .. يطيع القيادة السياسية .. و ينفذ خططها
و لكنة للأسف مات بعد أن أكمل دورة ..و كان لم يبق إلا خوض معركة التحرير .
في يونيو 68 ..كان علي الجيش أن يكمن في مقراته .. و لا يخرج أفرادة للشارع .. لا يختلطون .. بالشعب حرصا علي بناءعلاقة حسنة بين الطرفين .. تتخطي فقد الثقة المصاحب للهزيمة ..و تاريخ الجور و التجبر و الفتونه و فردة الصدر التي زاولوها فيما يقال ( أسد علي و في الحروب نعامة )
لقد كان لدى الجنود و الضباط .. حالة من الإحساس بالذنب .. رغم أنهم لم يكونوا السبب في الهزيمة .
الفريق محمد فوزى قائد الجيش أصدر تعليماته.. بان يجلس كل ضابط مع جنوده .. و يتلو عليهم دروس التوجيه المعنوى ..المعنية بالأمر .
جلست مع أفراد سريتي .. للحديث .. و إذا بالزملاء يرسلون لي جنودهم .. ثم جنود من الكتائب المجاورة .. حتي إمتلأ المكان و كان هنجر واسع .. بالجنود و الصف ضباط .. و شباب الضباط ..
لقد كان الوضع غريبا .. أغلبهم من المهندسين أو خريجي الجامعات .. و الجميع متعلم .. لقد تغير البنية الثقافية للجيش الجديد ..
و دار بيننا حوار العقلاء .. لقد رفضوا الخطاب الرسمي .. و إنتقدوه بشدة .. و لم يبق أمامنا إلا أن نتداول حديث منفتح يتطرق إلي كل مناحي الحياة .. بدأ بسعر اللحوم .. و إنتهي بالمحاكمات الهذيلة لكبار الضباط و مشاركتهم في الإضرابات التي حدثت بسببها . . لقد تحدثوا عن ما قاموا به بحماس زائد و بفخر .. بل بمحاولة مقارنه جيلهم بجيلنا .
لقد كانت روح جديد ة تطعم أبناء القوات المسلحة .. الإعتزاز بالنفس .. التناول العاقل غير المملي من أعلي للأمور .. إحترام القيادة مع عدم تقديسها .. مناقشة الصواب و الخطأ بصورة علمية عقلانية ..
نعود لخطاب 30 مارس لنفهم السبب في التغير
((الجانب الأول: حشد كل قوانا العسكرية والاقتصادية والفكرية على خطوطنا مع العدو؛ لتحرير الأرض وتحقيق النصر.
الجانب الثانى: تعبئة كل جماهيرنا بما لها من إمكانيات وطاقات كامنة؛ من أجل واجبات التحرير والنصر، ومن أجل آمال ما بعد التحرير والنصر)).
و إستمر اللقاء بدلا من 45 دقيقة لثلاث ساعات .. تعلمت فيها ..أن الصدق و المباشرة و إحترام الأخر هو الوسيلة الوحيد لإقناع الأحرار .., أن الحوار حتي في الجيش .. خير من الأوامر العلوية المملاة من القائد التي لا يزاولها إلا أمة من العبيد .
ماذا حدث لي بعد ذلك ليس موضوعنا .. و إن كان أخف ما جرى أنه تم نقلي لمكان أخر بعيدا عن مسرح جريمة تبادل الرأى .
الجيش المصرى .. في الفترة بين 68 و 73 .. قام بعمل عشرات التجارب علي عبور القناة في الخطاطبة ..بحيث عندما جد الجد .. كان كل جندى .. و ليس الضابط فقط .. قد قام بالتجربة عشرة مرات .. لذلك .. كان الأداء مذهلا ..
هذا التفوق هو عمل عبد الناصر و من إختارهم من القادة المهمومين بتطوير القوات و تحسين الأداء .. و البعد عن ما يشتت أهدافها .
لا أريد الحديث عن ما حدث بعد وفاة الرئيس ..و إن كنت أعرف أنه ( أى الرئيس ) لم يحظ بالفرصة المناسبة .. لإحراز النصر .. و مع ذلك فيكفيه أنه لم يستسلم للعدو التقليدى للمصريين .. أمريكا و إسرائيل و عرب شبة الجزيرة.. و لم يلن أو يخضع .
ما السبب في قوة عبد الناصر رغم هزيمة جيشة .. فلنعود لخططه التيدجاءت باليبيانه السابق الإشارة إلية و الاتي كان يزمع إكمالها .. بعد إستفتاء الشعب عليها ..
أرجو من القارىء الكريم أن نراجع معا .. بتأمل .. و صدق .. ما قاله الرئيس عبد الناصر عن الدولة الحديثة و التنمية الشاملة .. و نقارنها بما يجرى اليوم من تصور خاطيء بان التنمية هي شق طرق و كبارى .. و مونوريل و مدن جديدة قبيحة تعبرعن مدى الإحساس بالدونية الذى تولد لدى المصريين الذين إعتبروا دول الخليج و ناطحات سحابها نموذجا يهتدى به .
((أيها الإخوة المواطنون:
لكى يكون هناك ضوء كاف على طريقنا فإننى أريد من الآن أن أضع أمامكم تصورى لبعض المهام الرئيسية فى المرحلة القادمة من نضالنا:
- تأكيد وتثبيت دور قوى الشعب العاملة وتحالفها وقياداتها فى تحقيق سيطرتها بالديمقراطية على العمل الوطنى فى كافة مجالاته.
- دعيم عملية بناء الدولة الحديثة فى مصر، والدولة الحديثة لا تقوم - بعد الديمقراطية - إلا استناداً على العلم والتكنولوجيا؛ ولذلك فإنه من المحتم إنشاء المجالس المتخصصة على المستوى القومى سياسياً وفنياً؛ لكى تساعد على الحكم، وإلى جانب مجلس الدفاع القومى؛ فإنه لابد من مجلس اقتصادى قومى؛ يضم شعباً للصناعة، والزراعة، والمال، والعلوم، والتكنولوجيا، ولابد من مجلس اجتماعى قومى؛ يضم شُعباً للتعليم والصحة وغيرها مما يتصل بالخدمات المختلفة، ولابد أيضاً من مجلس ثقافى قومى؛ يضم شعباً للفنون وللآداب وللإعلام.
- إعطاء التنمية الشاملة دفعة أكبر فى الصناعة والزراعة لتحقيق رفع مستوى الإنتاج والعمالة الكاملة، مع الضغط على أهمية إدارة المشروعات العامة إدارة اقتصادية وعلمية.
- العمل على تدعيم القيم الروحية والخلقية، والاهتمام بالشباب وإتاحة الفرصة أمامه للتجربة.
- إطلاق القوى الخلاقة للحركة النقابية سواء فى نقابات العمال أو نقابات المهنيين.
- تعميق التلاحم بين جماهير الشعب وبين القوات المسلحة.
- توجيه جهد مركز نحو عمليات البحث عن البترول؛ لما أكدته الشواهد العملية من احتمالات بترولية واسعة فى مصر، ولما يستطيع البترول أن يعطيه لجهد التنمية الشاملة من إمكانيات ضخمة.
- توفير الحافز الفردى؛ تكريماً لقيمة العمل من ناحية، واحتفاظاً للوطن بطاقاته البشرية القادرة، وإفساح فرصة الأمل أمامها.
- تحقيق وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب.
- ضمان حماية الثورة فى ظل سيادة القانون، ولعله يكون مناسباً أن تقوم اللجنة المركزية بتشكيل لجنة خاصة، ويكون لهذه اللجنة حق نظر كل الإجراءات التى ترى السلطة اتخاذها لدواعى الأمن الوطنى فى الظروف الراهنة.))
و غادرنا الزعيم قبل أن نستفيد .. من دروس الهزيمة و نطور إمكانيات شعبنا .. ونتحول إلي دولة عصرية .. و تركنا كالأيتام في مأدبة اللئام التي أقامها من خلفه .. من لصوص و جبابرة .



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكارثية سيادة الفريق ( كامل الوزيرى )
- يوم تحول الحلم لكابوس 3 يوليو 2013
- كن جريئا في إعمال عقلك ( مراد وهبة )
- قراءة في كتاب لتوماس مونرو
- الخنوع و الفتونه وجهان لعملة واحدة
- الطغيان (الشرقي) .. و العمران .
- ثمان سنوات مرت علي بيان 3 يوليو 2013 .
- تسلط الجيش علي الشعب.. فهزم
- المشكلة أننا لا نلعب .. بجد
- من ناصر للسيسي خراب و سقوط .
- الشدة السيساوية .. قادمة لا محال
- لا كرامة لمتنبيء بين قومه
- الإنسحاب من التواجد في مجتمع فاشل
- أكاذيب و دجل في أخبار الكهان
- أسئلة و أجوبة عن الكون(2 )
- أسئلة و أجوبة عن الكون
- تأملات مصرية.. في قضايا مصيرية .(( جزء 3من 3 ))
- تأملات مصرية.. في قضايا مصيرية .(( 2 / 3 ))
- تأملات مصرية.. في قضايا مصيرية .(( جزء 1 من 3 ))
- عندما حكمنا الاطفال.. لمدة قرنين .


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد حسين يونس - وكان فضله علي بلدى عظيما