|
أوفيليا في آخر أيام حزنها
علي باشا
الحوار المتمدن-العدد: 1639 - 2006 / 8 / 11 - 08:00
المحور:
الادب والفن
1 أعدّتْ مسرحَ نومها قبل هطول المطر، وشاركت عطرها بعضاً من الحديث كانت تفيض من عينيها بشاراتٌ تحتضنها الغيوم .. وتحتكرها لنفسها قليلا قبل أن تذرفها دموعاً على أرصفة الحالمين.
أوفيليا، ماذا حلّ بالفصول ؟ لا تشعرُ أغصان اللوز في ساحة البيت ببرد الشتاء فأسامرُ طفولتي على ذاك السرير وأفتعلُ من ضجة أفكاري معزوفاتٍ قصيرة. أخبريني .. ماذا حلّ بالفصول .. لم أرَ الربيع يختالُ هذا العام بين شفتيكِ ولم أمزج بيديّ رغيف خبز من سنابلك الصفراء الطويلة.
على أحد جبال هذي المدينة لملمتُ يوما أجزائي وبعثرتها للطيور، رسمتُكِ كثيرا وأنت غائبة، فأين صوري من أناملك الحريريّة ؟
أهيَ ليلة ٌ صيفيّة ؟ فيا قمري أكملي عني القصيدة أتعبتني الحروف
أوفيليا، عرفتُ مع الخريف قصة حبّي الأولى واختزلتها في ضلوعه الحائرة فأسقطها مع وريقاته تذروها رياحٌ مسافرة!
2 من الغباء حقاً لو استرسلتُ في الكلام عني، لذا سأتركُ لها القلمَ والكحلَ لتعانق عيناها أمواجاً رماديّة وسأقفُ محايداً أرنو من بعيد غاباتِ الياسمين وهي تتراقصُ منتشيةً بعبقها وحزنها.
أوفيليا هذا المساء تعلن انتصار الأقراط الغجريّة وتـُـفتن بذبذبات قلبٍ يجاورها (فأيّة سماء هذه التي سأرحلُ إليها، وهي تسألني ألف مرّة : متى كان موتك الأخير ؟)
كلانا الآن يعترفُ للآخر بحاجته لنبيذ الآخر
لا تكابر، لا تتفاخر ..
قلبي بين كفيَّ يتجلـّى نحو الله من جديد
أوفيليا بلادها مذبوحة مثل بلادي .. وعلى صدرها قلادة من فرط قدسيّتها شرعت تدقّ نواقيس البحر في جسدي .. وتعيدني مع الثواني نحو المنارة.
تنأى، تقتربُ وتنأى أستدركها لائماً .. أرجوكِ لا تتذكري شيئا لا تتذكري شيئا.
3 هي الوحيدةُ التي حينَ فكّرتُ أن أكتبَ عنها، حين فكّرتُ أن أكتبَ لها اجتاحتني بغتةً أسرابٌ من اللازورد تنشطرُ ما بين ظنّي وبيني.
أوفيليا، تستفسرُني عن المنفى .. وعن طعمه، ولونه، وكيفية انحصاره في صليبها المتدلّي من الجيد .. طرابينا من النعناع والزعترْ
هل تعلمين أن المنفى طائرٌ وديعٌ ؟ ما يلبثُ أن يسكبَ الثلجَ في عروقنا حتى يدوّنَ يوميّاته خارج إطارات الألم والذكريات. *** أوفيليا صباحاً / أغنية وأنشودة مساءاً / أمنية وزغرودة الآنَ / عاصفة وبرودة *** - علّميني التصوّف أكثر في عينيكِ .. فمن المستحيل أن تأبى السماءُ مصافحةَ يديكِ، إذ تمدّينهما وتحترقُ في أنفاسكِ وتتبعثرْ *** شبّتْ عن طوقها أصواتُ الكمنجات .. وأضاءت لفراشة بيتها حلمَها الليليّ
أوفيليا، ترفضُ أن تـَـنسى بإرادتها وترفضُ أن تـُـنسى بإرادة القدرْ.
4 ألوان الطيف تنبثقُ من بياض وجنتيّ أوفيليا، وما عاد بوسعها سوى أن تربتَ على كتف زهرة بيلسان تسكنُ بيتها الريفيّ البسيط.
حين تمتزج خيوط السماءِ وقت الأصيل وينتهي تعدادُ الأشرعة اليوميّ .. يكون حدسُ أوفيليا أصخبَ من الناي في أوج هذيانه فتحضّر ما تبقى من شظايا جناحاتها للطيران .. وتتسلّل للأوتار الصوتية كنبرة غريبة عن ديارها.
مهنة أوفيليا، فضلاً عن كونها منبعاً ترتوي منه الآلهة .. أن تحتضنَ زرقة البحر كلّ مساء، وتقبّلَ جبينها إذا ما تداعت للتعب
ومهنتي في هذي اللحظات العارية .. أن أحرس حلمها من غربان الليل
ومهنة الليل .. أن يلقي على خلخالها شالاً وردياً يلّفه بسَكينة وصمت. *** ساءلتها عن الغموض الذي يلتحفُ محيّاها .. فبكتْ، ومن شدة عطشي لعقتُ دموعها في قلبي فيضاً من الأعاصير.
كان المشهد يتوالى أمامي وينمو شيئاً فشيئا : وضعتْ حقائبها على عتبة الريح دنت من ضفائرها الكثيفة أكثر همست كهمس الملائكة حروفا أشفَّ من الندى الأسود ثمّ طالعت رسالتها الأخيرة قبل أن تتركها على نافذة مجاورة .. رسمتْ ابتسامتها على وجه القمر وتغلغلتْ في الصدى كأجراس الكنائس.
5 أوفيليا في آخر أيام حزنها، كانت أشهى من الشعر وقوافيه المقيّدة .. وعناؤها الساكن في الغياب اللامرئيّ يحرّك صرخة الرياح كفكرةٍ تستقيل من منصبها الرفيع.
لم يبقَ سوى القليل، ضاقت الطرقُ في جوانحنا سمعتهُا تقول لمرآتها : " لا تبكي الآن.. انتظريني دقائق معدودة وسنبكي سويّةً " *** كانت أياماً سريعة تضاربت فيها الأحداث وعاثت الذكرى فساداً في قاع زجاجة فودكا فارغة فهناكَ حربٌ تدقّ طبولها وتعزف – هي التي لا تجيد العزف – على مزاميرها لتزعجَ الأطفال النيامْ في قصورٍ وفي خيامْ، وهنا شاعرٌ حزينْ يفركُ مصباحَ علاء الدينْ فتهديه الغيوم حوريّة عارية من البحر !
أوفيليا كانت تتقنُ الفنون التشكيليّة .. فنحتت من جسدي تمثالاً فوضويّاً ثلاثيَّ الأبعاد وخطفت البسمة من دبيب الغربة بسرعة ثمّ غابت ونسيت مثلي أن تتركَ تحت الوسادة دمعة .
نسيت أن تترك تحت الوسادة دمعة.
#علي_باشا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بيروت ظلال النوارس
-
أنتظر الشتاء وحدي
-
بشارة من السماء
-
حكاية الصباح
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|