|
الحجر الأسود 04/05
محيي هادي
الحوار المتمدن-العدد: 1639 - 2006 / 8 / 11 - 04:40
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
حر مكة كتب ابن بطوطة أنه عهد زيارته مكة التقى بـأبي العباس أحمد بن محمد مرزوق الذي كان كثير العبادة والصوم والصلاة، صابراً محتسباً، وكان ربما جاور بمكة المعظمة، رأيته بها في سنة ثمانٍ وعشرين، وهو أكثر الناس طوافاً وكنت أعجب من ملازمته الطواف مع شدة الحر بالمطاف، والمطاف مفروش بالحجارة السود: وتصير بحر الشمس كأنها الصفائح المحماة. ولقد رأيت السقائين يصبون الماء عليها فما يجاوز الموضع الذي يصب فيه إلا ويلتهب الموضع من حينه. وأكثر الطائفين في ذلك الوقت يلبسون الجوارب وكان أبو العباس بن مرزوق يطوف حافي القدمين، ورأيته يوماً يطوف، فأحببت أن أطوف معه فوصلت المطاف، وأردت استلام الحجر الأسود، فلحقني لهب تلك الحجارة، وأردت الرجوع بعد تقبيل الحجر، فما وصلته إلا بعد جهد عظيم، ورجعت فلم أطف ورجعت أجعل نجادي على الأرض وأمشي عليه، حتى بلغت الرواق.
و كتب ابن الجوزي في (المنتظم) أن النبي اسماعيل قد شكا ربه حر مكة، فأوحى إليه الله: أني أفتح لك باباً من الجنة في الحِجر يجري عليك من الروح إلى يوم القيامة. و في ذلك الموضع توفي. و لابد هنا من كتابة ما ذكره ابن الجوزي عن أن اسماعيل كان أول من تكلم العربية و هويومئذ ابن ثلاث عشرة سنة، و قبلها كان كلام الناس هو العبرانية.
حب و إعجاب حول الحجر الأسود
ذكر أبو الفرج الإصفهاني في كتابه (الأغاني) أن أبا الأسود الدؤلي كان قد حج ومعه امرأته التي كان لها جمال يُجلب الأنظارً. فبينما هي تطوف بالبيت إذ عرض لها شاعر قريش الماجن عمر بن أبي ربيعة، فأتت أبا الأسود فأخبرته، فأتاه أبو الأسود فعاتبه. فقال له عمر: ما فعلت شيئاً. فلما عادت إلى المسجد عاد فكلمها، فأخبرت أبا الأسود، فأتاه في المسجد وهو مع قومٍ جالسٌ فقال له:
و إني ليثنيني عن الجهل و الخنا و عن شتم أقوام خلائق أربع حياءٌ و إسلامٌ و بقيا و أنني كريم ُو مثلي قد يضر و ينفع فشتان ما بيني و بينك إنني على كل حالٍ أستقيم و تظلعُ
فقال له عمر: لست أعود يا عم لكلامها بعد هذا اليوم. ثم عاود فكلمها، فأتت أبا الأسود فأخبرته، فجاء إليه فقال له:
أنت الفتى و ابن الفتى و أخو الفتى و سيدنا لولا خلائق أربع نكولٌ عن الجلى و قربٌ من الخنا و بخلٌ عن الجدوى و أنك تُبع
ثم خرجت وخرج معها أبو الأسود مشتملاً على سيف. فلما رآهما عمر أعرض عنها، فتمثل أبو الأسود:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له و تتقي صولة المستأسد الحامي
و كتب أبو الفرج أيضا فذكر أن فندٌ مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قال: حجت رقية بنت عبد الواحد بن أبي سعد العامرية، فكنت آتيها وأحدثها فتستظرف حديثي وتضحك مني؛ فطافت ليلةً بالبيت ثم أهوت لتستلم الركن الأسود وقبلته، وقد طفت مع عبيد الله بن قيس الرقيات، فصادف فراغنا فراغها ولم أشعر بها، فأهوى ابن قيس يستلم الركن الأسود ويقبله، فصادفها قد سبقت إليه، فنفحته بردنها فارتدع؛ وقال لي: من هذه؟ فقلت: أو لا تعرفها هذه رقية بنت عبد الواحد بن أبي سعد؛ فعند ذلك قال:
من عذيري ممن يضن بمبذو لٍ لغيري علي عند الطواف
يريد أنها تقبل الحجر الأسود وتضن عنه بقبلتها. وقال في ذلك:
حدثوني هل على رجلٍ عاشقٍ في قتله حرج
و كان أبو الفرج قد كتب كذلك عن حادثة أخرى حدثت في الكعبة و ذلك أن هشام بن عبد الملك قد حج في خلافة الوليد أخيه، ومعه رؤساء أهل الشام، فجهد أن يستلم الحجر فلم يقدر من ازدحام الناس، فنصب له منبر فجلس عليه ينظر إلى الناس، وأقبل علي بن الحسين،زين العابدين، وهو احسن الناس وجهاً، وأنظفهم ثوباً، وأطيبهم رائحة، فطاف بالبيت، فلما بلغ الحجر الأسود تنحى الناس كلهم وأخلوا له الحجر ليستلمه، هيبة وإجلالاً له، فغاظ ذلك هشاماً وبلغ منه، فقال رجل لهشام: من هذا أصلح الله الأمير؟ قال: لا أعرفه، وكان به عارفاً، ولكنه خاف أن يرغب فيه أهل الشام ويسمعوا منه. فقال الفرزدق وكان لذلك كله حاضراً: أنا أعرفه، فسَلني يا شامي. قال: ومن هو؟ قال:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأتـه والبيت يعرفه والحل والـحـرم هذا ابن خير عباد اللـه كـلـهـم هذا التقي النقي الطاهر العـلـم إذا رأته قريش قـال قـائلـهـا إلى مكارم هذا ينتهـي الـكـرم يكاد يمسكه عـرفـان راحـتـه ركن الحطيم إذا ما جاء يستـلـم فليس قولك مَـن هـذا بـضـائره العرب تعرف من أنكرت والعجم أي الخلائق ليست في رقابـهـم لأولـية هـذا أولـه نـعـــم من يعرف الله يعـرف أولـية ذا فالدين من بيت هذا نالـه الأمـم
فحبسه هشام فقال الفرزدق:
أيحبسني بين المدينة والـتـي إليها قلوب الناس يهوي منيبها يقلب أساً لم يكـن رأس سـيدٍ وعيناً له حولاء باد عيوبهـا
ووجه إليه علي بن الحسين عشرة آلاف درهم وقال: اعذر أبا فراس، فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به. فردها وقال: ما قلت ما كان إلا لله، وما كنت لأرزأ عليه شيئاً. فقال له علي: قد رأى الله مكانك فشكرك، ولكنا أهل بيت إذا أنفذنا شيئاً ما نرجع فيه. فأقسم عليه فقبلها.
و المعروف عن علي بن الحسين، هذا، هو أحد الناجين من مذبحة كربلاء، و هو الجد الأعلى للحسينيين، قبل الحسين. و كتب المسعودي في (مروج الذهب) أن خالدأ القسري، الوالي الأموي، أحْدَثَ بمكة أحداثاً: منها أنه أدار الصفوف حول الكعبة، وقد كَاَن قبل ذلك صفوف الناس في الصلاة بخلاف ذلك، وبلغه قول الشاعر: يا حبذا الموسم من موقف و حبذا الكعبة من مسجد و حبذا التي تزاحمننا عند استلام الحجر الاسود
فقال خالد: أما إنهن لا يزاحمنك بعدها أبداً، ثم أمر بالتفريق بين الرجال والنساء في الطواف.
أما ياقوت الحموي فكتب في (معجم الأدباء) بيتي الشعر:
حللت شادن في وقاري عيون الأنام به تعقد غدا وجهه كعبة للجمال ولي قلبه الحجر الاسود
و كتب المقري في (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) عن بيت شعر للشاعر ابي خفاجة: محبته ديني و مثواه كعبتي و رؤيته حجي و ذكره قرآني
و لا يخلو كتاب ألف ليلة و ليلة من ذكر حوادث وقعت بالقرب من الحجر الأسود: ففي حكاية الحشاش مع حريم بعض الأكابر يحكى لنا: أنه كان أوان الحج والناس في الطواف، فبينما المطاف مزدحم بالناس إذا بإنسان متعلق بأستار الكعبة وهو يقول من صميم قلبه: أسألك يا الله أنها تغضب على زوجها وأجامعها. فسمعه جماعة من الحجاج فقبضوا عليه وأتوا به إلى أمير الحجاج بعد أن أشبعوه ضربا.
نوادر و طرائف
كتب داود الانطاكي في (تزيين الاسواق في أخبار العشاق): حكى الاصمعي عن أبي نواس، قال رأى غلاما (أمردا) بمكة فعلقه و قال لاقبلنه عند الحجر الاسود، قلت اتق الله في ذلك، قال لابد منه، فدنا و قبله حين أراد أن يلثم الحجر و أنا أنظره، فلما عنفته قال إن الله رحيم و أنشد:
و عاشقين التف خدّاهما عند التثام الحجر الاسود فاشتفيا من غير أن يأثما كأنما كانا على موعد لولا دفاع الناس إياهما لما استفاقا آخر المشهد ظلنا كلانا ساتر وجهه مما يلي جانبه باليد تفعل في المسجد ما لم يكن يفعله الابرار في المسجد
إن داود الانطاكي كتب البيتين الأولين أما الابيات الثلاثة الأخيرة فقد نقلتها من الموسوعة الشعرية.
و كتب السمعاني في (الأنساب) أن أبا مضر الرباطي قال: سأل رجل ونحن ببغداد امرأة عن اسمها، فقالت: اسمي مكة، قال: أفتأذنين لي أن أقبل الحجر الأسود؟ قالت: نعم، وكرامة بالزاد والراحلة. أما ابن الجوزي فقد كتب في (الأذكياء) ان الجاحظ قال: رأيت امرأة جميلة فقلت: ما اسمك؟ قالت: مكة. فقلت: أتأذنين لي أن أقبل الحجر الأسود منك؟ قالت: لا إلا بالزاد والراحلة. و قال مؤلف هذا الكتاب: وقد رويت لنا هذه الحكاية على وجه آخر. قال الجاحظ: رأيت جارية بسوق النخاسين ببغداد ينادي عليها وعلى خدها خال فدعوت بها وجعلت أقلبها فقلت: لها ما اسمك؟ قالت مكة. فقلت: الله أكبر قَـرُب الحج أتأذنين أقبل الحجر الأسود؟ قالت له: إليك عني ألم تسمع قول الله تعالى لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس.
و كتب المحبي في (انفحة الريحانة) بيتا شعر لأحد الشعراء في تشبيه الحجر الأسود و هما: الحجر الأسود شبهته خلا بخد البنت زاهٍ سناه أو أنه بعض موالي بني الـ عباس بوابٌ لباب الإله
و كتب الآبي في (نثر الدر) أن شخصا قال لقينة كانت إلى جانبه في مجلس: أشتهي أن أضع يدي عليه. قالت: إذا كان العتمة. قال: يا ستي؛ إذا كان العتمة وأطفئ السراج يكون الزحام عليه أكثر من الزحام على الحجر الأسود.
و في( بداية المجتهد و نهاية المقتصد) ذكر ابن رشد أن سبب نزول آية الأعراف (31): "يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد.." هو أن المرأة كانت تطوف بالبيت عريانة و تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله و ما بدا منه فلا أحله
و قد ذكر ابن اسحاق في (السيرة النبوية) عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لم يكن أحد يطوف بالكعبة عليه ثبات إلا الحمس، وكان بقية الناس، الرجال والنساء، يطوفون عراة، إلا أن تحتسب عليهم الحمس فيعطون الرجل أو المرأة الثوب يلبسه.
و ذكر الواحدي في (أسباب نزول القرآن) أن: الحمس كانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام. و كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة لم يدخل حائطاً ولا بيتاً ولا داراً من بابه، فإن كان من أهل المدن نقب نقباً في ظهر بيته منه يدخل ويخرج، أو يتخذ سلماً فيصعد فيه، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يدخل من الباب حتى يحل من إحرامه ويرون ذلك ذماً إلا أن يكون من الحمس، وهم قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وخثعم وبنو عامر بن صعصعة وبنو النضر بن معاوية سموا حمساً لشدتهم في دينهم.
و في (السيرة النبوية) عن سعيد بن أبي بردة الأشعري عن عبد الله بن عمر أنه قال لأبيه أبي بردة: اتدري ما كان قومك يقولون في الجاهلية إذا طافوا بالبيت؟ قال: وما كانوا يقولون؟ قال: كانوا يقولون: أ اللهم هذا واحد إن تمـا تمه الله وقـد أتـمـا إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألمـا
يتبع 05/05
لقراءة القسم الأول http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=71670 و لقراءة القسم الثاني http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=71880 و لقراءة القسم الثالث http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=72221
#محيي_هادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العشائر
-
الحجر الأسود في كتب التراث 03 /05
-
الحجر الأسود في كتب التراث 02/05
-
قانا و مدننا العراقية
-
الحجر الأسود في كتب التراث 01/05
-
تجار الحروب و وعاظها
-
وعدُ الشيخ الرفيق
-
تعليم الحقد ضد الآخرين في مدارس الوهابيين
-
إلى أمّي
-
مجتمع الشرف
-
حكومة إنقاذ أم انقلاب و ارهاب؟
-
وطني
-
أوغاد من منبع الارهاب الوهابي
-
تأثير التاريخ في مجتمعاتنا
-
من الذي يسيء إلى النبي محمد؟
-
شيخُ الأزهر الأعور
-
بعثٌ يرتدُّ و يرتدُّ
-
متى ستنال المرأة العراقية حقها في المساواة؟
-
إلى كمال سيد قادر
-
النفط و الشفط
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|