زاهر رفاعية
كاتب وناقد
(Zaher Refai)
الحوار المتمدن-العدد: 6950 - 2021 / 7 / 6 - 20:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أن يلعن بعض الشيوخ من فوق منابرهم بقيّة خلق الله ممن لا يوافقونهم الرأي والمعتقد ليل نهار فهذا مما يحسب لهم تعبّداً لله وتقرّباً منه. وأن يحرّض هؤلاء ضعاف النفوس وخفاف العقول من الحاضرين على قتل وأذية خلق الله في أموالهم وأنفسهم وعوائلهم تحت خديعة الجهاد فهذا من أحبّ الأعمال إلى الله. وأن يعادي هؤلاء العلم ومنجزاته ويأخذوا على عاتقهم نشر الجهل والتخلّف الحضاري والأخلاقي في المجتمع فهذا مما يطلقون عليه لقب الفضيلة والبر. أما أن يلقي أحد ما بمزحة حول الإسلام وشخصياته التاريخية كمحمد وصحبه أو حول القرآن وكتب الحديث فهذا يعتبر جريمة نكراء يستحق فاعلها السجن لسنوات وتستوجب دفع غرامة مالية باهظة.
لا يا سادة يا كرام لا نتحدّث هنا لا عن محاكم داعش ولا عن محاكم التفتيش في العصور الوسطى، بل نتحدّث عن قرار صادر في القرن الحادي والعشرين عن هيئة قضائيّة في دولة لها مقعد في الأمم المتحدة وسفارات في جميع دول العالم ومعترفة بميثاق حقوق الإنسان اسمها المملكة المغربيّة!
تعود تفاصيل الواقعة إلى عام 2019، حين أقدمت فتاة مغربية تبلغ من العمر 23 عاماً، على "تحريف" السورة القرآنية "الكوثر"، وفق الجريدة المغربية الإلكترونية "هسبرس"، ونشرت نصاً ساخراً على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تحت اسم "سورة الويسكي". وفق المصدر ذاته تحمل الفتاة المغربية الجنسيتين المغربية والإيطالية وقد شاركت المنشور في السنة المذكورة، عقب حصولها على شهادة الباكالوريا ومغادرتها المغرب من أجل متابعة دراستها بالخارج. إلا أن الشابة وبعد عودتها إلى المغرب في رحلة سياحية، تفاجأت بوجود مذكرة بحث وطنية بحقها منذ سنتين. فتمّ توقيفها والحكم عليها بالسجن ثلاث سنوات ونصف السنة، وتغريمها مبلغ 50 ألف درهم (5,500 دولار) بعد اعتقالها من قبل أمن مطار الرباط. وثبت القضاء المغربي على الفتاة تهمة المس بالمقدسات الدينية ونشر الإساء للعموم. https://www.dw.com/ar/a-58122853
بالله عليكم ما هي الأذية الموصوفة التي لحقت بإنسان واحد في هذا العالم جرّاء منشور هذه الفتاة في فيسبوك حتى تستحق السجن والغرامة؟ هل أصبحت مهمة القوانين في البلاد التي غزاها الهمج من أعراب الصحراء أن تلجم الأفواه وتسجن الناس إرضاء لمشاعر فئة من المواطنين على حساب حقوق الإنسان وحريّاته؟ ما الفرق بين القاضي الذي حكم على هذه الفتاة بهذا الحكم الجائر لا لشيء إلّا لأنها سخرت من معتقدات أبيه, وبين ذاك الداعشي السيّاف الذي يقطع رؤوس الناس لا لشيء إلا لأنهم لا يتفقون مع ما أورثه إياه أباه؟
إذا أردتم من الناس أن تحترم قوانين دولكم يا سادة فعليكم بإرساء القوانين التي تستحق الاحترام, لا القوانين التي تقضي على مستقبل الإنسان وحياته بسبب مزحة!
هذه الفتاة كان يجب أن تكون فخر بلادها, طالبة متفوّقة مجتهدة تدرس في أوروبا وينتظر منها أن تخدم بلادها بعلمها بعد أن تعود, ثم بعد أن عادت اكتشفت أن أعظم خدمة يمكن أن يقدمها الإنسان لنفسه هي أن يبتعد عن بلاد التجار المعربدين على قولة نيتشة لأن الإنسان لم يوجد في هذا العالم ليكون صيّاد حشرات.
الذين سجنوا هذه الفتاة هم أنفسهم من يزعقون في الغرب مطالبين بمزيد من الحريات للمسلمين والمسلمات هناك, حريّتهم بماذا؟ أراك تسأل.
حريتهم في سلب الناس حرياتهم التي ولدتهم بها أمهاتهم. حريتهم في قطع لسان من ينتقدهم ويكشف عورات أخلاقهم. حريتهم في النفاق وإظهار الوجه المناسب في البلد المناسب. حرّيتهم في التبرؤ من داعش والاقتداء بها في ذات الوقت. حريتهم في التضييق على الناس في معيشتهم وأرزاقهم إكراماً لأقوام عاشوا في الصحراء قبل مئات السنين. ولكن هيهات هيهات فقد فاتكم القطار. فاتكم القطار لأن عوراتكم الأخلاقية باتت مفضوحة وأصبح العالم قرية صغيرة ولن تسير الدنيا للوراء كما تحلمون.
لو أردنا أن نتكلّم عن الإعجاز يا سادة لوجدناه في سورة الويسكي لا في سورة الكوثر, فعلى الأقل سورة الويسكي تأمر بإقامة الأجواء الطيبة حول الكأس ولا تشتم الإنسان وتعيره لما قسم الله له من الأولاد كما في سورة الكوثر. كما أن الفتاة في سورة الويسكي لا تشتم أقاربها وتنتقص من قدرهم وقدر زوجاتهم بسبب فقرهم وعملهم الشاق كما في سورة المسد. ولا تلعن أمما وشعوباً من أولهم لآخرهم فقط لأنهم يؤمنون بما شاءوا لأنفسهم أن يؤمنوا به كما في سورة الفاتحة والبقرة. سورة الويسكي لا تحرّض على قتل الناس ونقض المواثيق وسلبهم ديارهم كما في سورة التوبة. إلّا أنّ الاعجاز الأكبر لسورة الويسكي هو في أنها فضحت كذب ونفاق القائمين على الدول الذين يتبرؤون من داعش خوفاً من العقوبات الاقتصادية والعسكرية العالميّة بل يسعون لإحياء التراث الأمازيغي كرسالة انفتاح وتعددية في المجتمع ولكنهم في ذات الوقت يبلطجون ويدعدشون بإسلامهم وتطرّفهم على مواطنيهم كالدواعش بل وأكثر. أيا حبذا والله لو كان القرآن كله كسورة الويسكي ولم يفسد عقولكم وأخلاقكم بفضائل التضييق على الناس وتجهيلهم.
أتريدون القول أن الله قد أغضبه قول الفتاة, أمّا هذه فوالله لأعجب ما يسمع المرء منكم. أفرب الكون وخالق الخلق العظيم الكامل بل خالق الكمال كما صملختم آذاننا ثم يكون عنده جهاز عصبي مرتبط بدماغه يستفزه إذا ما نطق امرؤ بما لا يعجبه؟! ... ثم هب أن الأمر كذلك, افتركتم لله شيئاً يفعله أيها العباد؟ ألا تدركون أنكم قد نصبتم أنفسكم مكان الله فوق عباده حتى لم يبق لله شيئاً يفعله بعدكم.
لا يا سادة , القضية هي أبسط من كل هذا التعقيد الفلسفي اللاهوتي السالف الذكر. الأمر ببساطة هو في أن القاضي قد استفزته سورة الويسكي بشخصه لأنها سخرت من معتقده هو, وعليه فقد حاد عن حياديّته وضرب بشرفه المهني عرض الحائط إرضاءً لربّه ونبيّه وجلباب أبيه. القضية تتلخص في المغرب كما في سائر بلاد العرب في أن الدستور يتكئ على النص الديني دون أن يكسره, والأمر ليس انتصاراً للدين ولا لرب العالمين, بل بسط سيطرة السلطة على أنفاس الشعب باسم الدين والله.
هل تقدّم المغرب العربي اقتصادياً وعسكرياً وعلميّاً بعد أن سجنتم الفتاة يا حضرة القاضي؟ هل انخفضت نسبة البطالة بين شباب المغرب؟ هل تراجعت نسبة تعاطي المواد المخدرة بين الشباب؟ هل تقدمت الصحة هل تراجعت الهجرة؟ لم يحصل شيء على الإطلاق ذو نفع للأمة من وراء حكم المحكمة هذا ومع ذلك فقد قبض القاضي مرتبه من أموال الشعب وهو مرتاح الضمير بل سعيداً بإرضاء ذاته وخالقه! روح ارضي خالقك بالمسجد يا اخي لا ترضيه في البرلمانات والمحاكم وعلى حساب الشعب.
معجبتكش سورة الويسكي .. بسيطة خد سورة النبيذ...
إنا أعطيناك النبيذ.. فاشرب منه ولا تستعيذ .. إنّه لكأس أحمر لذيذ.
قبل أن أختم أودّ الإشارة إلى أنني لا أبتغ من هذا المقال لا التوصية بشرب الكحول ولا كيل المديح له فالكحول مضر بالصحة وينصح بالابتعاد عنه. الأمر مزاح بمزاح وممارسة لحرية التعبير والمعتقد .. فحرية التعبير ببساطة هي أن يكون لك الحق أن تعتقد ما تشاء وتجهر به وأن يكون للآخرين الحق في اعتناقه أو مسح مؤخراتهم به.
في الختام:
إن ضيق الوطن بشبابه وتفضيلهم الموت غرقاً على البقاء فيه يرجع أوّل ما يرجع إلى اللجام الذي ألجم به ولاة الأمر في بلداننا المجتمع فيه. فكل ما تفعله هناك بغض النظر إن مسّ إنسان آخر منه أذى أم لا قد يمسي حراماً أو عاراً أو عيباً أو هباباً إذا ما أزعج من بيده سلطة عليك حتى لو كان بواب العمارة فما بالك أن يكون قاض في محكمة!
أشاكتكم الفتاة بمزاحها يا حضرة القاضي وقررتم الانتقام منها لا لشيء إلّا لأنكم تستطيعون, ذلك أنها تحمل جنسية دولتكم وعليه اتكأتم للقانون الدولي في حرية اعتقالها وتجاهلتم أن معظم السياح الذين يأتون للمغرب ممن لا يحملون جنسيته هم ممن لا يعترفون لا بقرآنكم ولا بنبيكم ولو أتقنوا العربية وفهموا القرآن لأنفوا مصافحة المتطرفين من أمثالكم؟ طيب خلاص أخلوا سبيل الفتاة واطردوها من الأرض التي حكمكم الله في رقاب أهلها ودعوها تذهب لإيطاليا حيث يقاس الإنسان بنفعه للعالمين لا باحترام رفات الأجداد. أي لا أنتم ترحمون الناس ولا تدعونهم لرحمة خالقهم!
كان يقال: من خرج من داره قلّ مقداره... أما أنا فأقول: والله ما يلقى الشريف بينكم لنفسه مقدار.
أترككم مع بعض المقالات التي كتبتها في موقع الحوار المتمدن تشرح علاقة المسلم بحرية التعبير, لنذكر علّها تنفع الذكرى:
ردّاً على إيّاد الشامي:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=696732
حريّة التعبير تشمل حرق الكتب أيضاً
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=691083
#زاهر_رفاعية (هاشتاغ)
Zaher_Refai#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟