|
مكونات اليهودية من وجهة نظر غربية
أمل فؤاد عبيد
الحوار المتمدن-العدد: 1640 - 2006 / 8 / 12 - 01:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأسلوب الوحيد الذي نستطيع أن نستعين به في بحث معنى اليهودية العلمانية هو محاولة فهم ما تعنيه اليهودية أولا .. ومن المفترض أن اليهودية لها ثلاثة مكونات كما يقول تشارلز س. ليبمان : هي مكون عرقي ومكون ثقافي ومكون ديني .. وهذه المكونات مترابطة بطبيعة الحال ولكن من الممكن التمييز بينها لأغراض التحليل .. والمكون العرقي وهو الأسهل فهما .. وهو يشمل على الاهتمامات والالتزامات الخاصة التي يشعر بها أحد اليهود تجاه الآخر .. بفضل أن هذا الآخر يهودي .. والرابطة العرقية رابطة شبيهة بالرابطة العائلية وتقوم على أساس الشعور بأن اليهود مترابطون من ناحية علم الأحياء ( بيولوجيا ) على نحو ما .. وكون الروابط القائمة على علم الأحياء أسطورية .. وأن اليهود كثيرين يدركون كنهها الأسطوري .. أمر لا يعتد به .. ماداموا يتصرفون كما لو كانت الأسطورة تعبر عن حقيقة .. والمكون الثقافي .. هو الأشد صعوبة في الفهم .. لأن الثقافة أو معنى الثقافة .. هو الأمر الأشد استعصاء .. ومعظمنا لديه تصور معقول لما تعنيه الثقافة .. فلا توجد مشكلة في فهم كل منا للآخر عندما نستخدم هذا الاصطلاح في أقوالنا اليومية .. برغم أن هذا الاصطلاح يستخدم بمعنيين مختلفين .. فنحن نتحدث عن الثقافة ونعني بها شخصا مثقفا .. شخصا متعلما مهذبا مطلعا على شؤون الفت والموسيقى والأدب .. ولكن من ناحية ثانية نحن نتحدث عن ثقافات مختلف المجتمعات أو مختلف طبقات المجتمع .. ونعني بها شيئا آخر .. وهذا الشئ الآخر هو الذي نلاقي أو نجد صعوبة كبيرة في تحديده .. حتى وإن كانت لدينا فكرة لا بأس عما تعنيه كلمة " ثقافة " وعندما أعلن المفكر الأيديولوجي السوفييتي الرئيس شيف ميخائيل سوسلوف موضحا أن التعبير الأدبي اليهودي لم يعد ضروريا لأنه " لا جدوى من إحياء ثقافة ميتة " فإن المصطلح " ثقافة " كان واضحا وهو واضح أيضا في الخطاب الذي وجهته للرئيس زالمان شازار مجموعة من يهود المنسك الذي أوضحوا رغبتهم في العيش في إسرائيل " تلبية للأمنية الإنسانية الطبيعية " .. وأيضا العيش في صلة وثيقة بالثقافة القومية اليهودية .. وفي أن يطلع المرء أبناءه على هذه الثقافة التي نحن مجردون منها الآن .. والوضوح النسبي لهذا المصطلح لأغراض المناقشة لم يحل مشكلة التعريف الرسمي له .. والحقيقة التي اكتشفت من خلالها كتابات علماء الاجتماع وعلماء الأنثروبولوجيا أو علم طبائع البشر ووصف الإنسان في هذا الموضوع يثير من الحيرة أكثر مما يفيد .. ولكن هناك تعريف حديث قدمه مستر تشارلز س . ليبمان ويراه مختلفا عن التعريفات الحديثة الأخرى في أنه لا يحيد كثيرا جدا عن تصورنا المعقول لما تعنيه الثقافة . ويرى تشارلز في تعريف كريستوفر كلاوسين للثقافة أنها تشير إلى أسلوب لحياة مجتمع متميز كما يشير إلى ذلك .. تقاليده وعاداته ومعتقداته .. وهو ( الإجمالي المنهجي للسلوك الذي ينتقل بالتعلم من الآباء إلى الأبناء ) كما لخصته مارجريت ميد عام 1959 ويجب أن يضاف أيضا أن نواتج الثقافة التي هي جزء من " أسلوب الحياة رمزية كانت أو مادية " .. والذي ورد في كتاب مدرسي في علم الاجتماع حيث صدر في وقت مبكر أن الثقافة هي : " نظام للمعايير المكتسبة اجتماعيا والتي تنتقل اجتماعيا للحكم والاعتقاد والسلوك .. كما أنها النواتج الرمزية لأنماط السلوك المترتبة على ذلك " وما ينقص هذا التعريف هو الإشارة بشكل محدد إلى القيود التي تفرضها الثقافة على الفرد .. ولكن هذا لا ينبغي أن يزعجنا من أجل أغراض الدراسة الراهنة . وعندما يلم المرء بالتعريف الذي سبقت الإشارة إليه الثقافة .. فإنه يستطيع مناقشة الثقافة اليهودية والثقافات الفرعية اليهودية في مختلف العصور والأماكن .. فالثقافة ليست بالكائن الساكن .. إنها تتحول وتكتسب رموزها قيما مختلفة .. ولكن ما يميز الثقافة الحية التي تعي ذاتها هو أن الكثير من المتغيرات التي تطرأ عليها يفرضها الارتداد في الزمن .. بحيث يظل من الممكن خيط الثقافة و " السنة " هي ثقافة الماضي كما تؤول في الحاضر .. أما الرابطة العرقية مركز مهم من مراكز الثقافة اليهودية ولكنها توسع معنى الرابطة العرقية اليهودية .. كما تم فهمها .. لكي تصنف تحت عنوان الثقافة اليهودية .. بدلا من الزعم .. أن أنواع هذه الثقافة يمكن تمييزها من الناحية التحليلية .. وقد يجد المرء يهود مثل الأعداد الكبيرة الموجودة في الولايات المتحدة ليس لهم أدنى رابطة بالثقافة اليهودية .. ولكنهم يحتفظون , مع ذلك , بروابط عرقية قوية .. ومن الممكن استخلاص الحقيقة التي لا يمكن استبعادها وهي أن الرابطة العرقية هي القاسم المشترك بين اليهود أو القاسم المشترك الأدنى في الثقافة اليهودية .. وأن ما يجد المرء لدى هؤلاء اليهود هو شكل هزيل من أشكال الثقافة اليهودية .. ومن الملاحظ أن علامة القاسم المشترك بين اليهود أو الثقافة اليهودية ممكن أن تنطوي على روابط بيولوجية مشتركة كما يزعم اليهود ذاتهم .. وأن هذا يميزها بوضوح تام عن الثقافة .. فإن هذه الروابط هي مزعومة أو أسطورية .. وهي مشتقة من تعريفات الثقافة .. ويرى مستر تشارلز بضرورة دفع هذه الحجج ويرى الأكثر فائدة هو فصل الثقافة عن الرابطة العرقية .. بدلا من سقوط الرابطة العرقية في الثقافة .. والأمر الأكثر أهمية من أجل الحجة التي يقدمها .. هو التفرقة بين الثقافة اليهودية من حيث هي موضوع للفهم .. فغير اليهودي قد يكون أكثر إلماما بالثقافة اليهودية وأكثر قدرة على معرفتها من اليهودي والمشاركة في هذه الثقافة . وتعرف الثقافة من حيث هي عملية من العمليات " مجمل أسلوب حياة مجتمع متميز " ومن حيث إنتاجها الأدبي والموسيقي والفني .. ولكن هذين التعريفين يمكن أن يكون كل منهما بعيدا عن الآخر .. وأريد أن أبين أن الثقافة العلمانية اليهودية اليوم تمر بمأزق في إسرائيل .. والحقيقة أن جانبا من جمهور الثقافة اليهودية العلمانية في إسرائيل قد يكون إسرائيليين لا يشتركون في الثقافة اليهودية إلا مشاركة هامشية .. ويوجد من الناحية الأخرى يهود مثل المقيمين في إسرائيل لا يعرفون إلا القليل عن الثقافة اليهودية .. ولكن حكمهم ومعتقداتهم وسلوكهم أمكور رسخ فيها أسلوب الحياة اليهودية الذي ليس دينا بالضرورة .. وهذا يقودنا إلى المكون الثالث لليهودية .. وهو الدين اليهودي . إن الدين اليهودي على ما هو مفهوم .. هو مجموعة المعتقدات والطقوس التي تتعلق بالتابع الديني المتعالي .. أي الله .. والتفرقة بين الدين والثقافة هي في بعض الجوانب تحكمية تماما .. وفي استطاعة المرء تعريف الدين بأنه ثقافة .. ويستطيع المرء أن يزعم على الضد من هذا التعريف أن قوة دفع الثقافة اليهودية المعاصرة هي التفرقة بين الدين والثقافة العلمانية .. والحجة القائلة أن " السنة اليهودية " كانت منذ بدايتها " إبداعا ثقافيا تاريخيا .. لا نظير له " وهي ليست بـ " سنة الوحي الإلهي بمعناه التقليدي " من جهة نجد أن هذه الحجة موجودة في قلب الجهود المبذولة لإنشاء ثقافة يهودية علمانية .. بدءا من أوائل القرن التاسع عشر .. ومن الناحية الأخرى ولدت اليهودية الإصلاحية في كل محاولة لتأكيد أن اليهودية كونت دينا .. لا ينفصل عن مكوناته القومية فحسب .. بل أيضا عن " كل مكوناته الثقافية تقريبا .. " ولكن من الممكن الاستمرار في الزعم أن الدين هو الثقافة .. وأن ما يفعل أنصار الثقافة اليهودية العلمانية واليهودية الإصلاحية هو حقا تحديد مضمون الثقافة اليهودية .. والسبب الذي دفع تشارلز إلى التفرقة بين الدين والثقافة هو وجود جانب مهم وهو أن " الدين من حيث هو ثقافة " لا يقدم إلينا إلا فهما جزئيا للدين .. واعتبار الدين ثقافة هي رؤية مراقب .. سواء كان هذا المراقب من معتنقي هذا الدين أو من غير معتنقيه .. وهذه النظرة تساعد في وصف الدين وتحليله عن بعد .. ولكن هذا غير كاف .. من ناحية مذهب الظواهر أو الفينومينولوجيا .. فنحن بحاجة إلى النظر إلى الدين من وجهة نظر معتنق الدين .. أو عندما يمارس الدين وهي عبارة خرقاء ولكنها تبرز المعنى .. وعندما يؤدي معتنق الدين أحد الفرائض بطريقة فيها وعي بذاته .. أو عندما يصلي بطريقة واعية وليس التعود طبعا .. أو عندما يمر بنوع أو بآخر من التجارب الدينية ولا يحدث شيء من ذلك في السنة اليهودية بالطبع بشكل اعتيادي وبغير شيء من المشقة .. عندئذ يتجلى الله لمعتنق الدين .. وتكون العملية دينية بشكل خالص .. بحيث يكون وصفها بأنها عملية ثقافية يكون أمرا مخادعا . إذا تحدثنا عن اليهودية العلمانية نقول أن الدين اليهودي يمكن أن يكون متميزا عن الثقافة اليهودية والرابطة العرقية اليهودية .. يصبح واضحا أن اليهودية العلمانية ممكنة .. وهي تعني عددا من الأشياء ولننظر إلى كل منها واحدا بعد الآخر .. فاليهودية العلمانية يمكن أن تعني اليهودية العرقية والثقافية بغير أي شكل من أشكال الدين .. سواء الدين من حيث هو ثقافة أو " ممارسة الدين " وهذا ممكن من الناحية النظرية .. ولكن من العسير تصوره عمليا .. لأن التداخل بين الدين والثقافة في اليهودية شديد الجلاء .. وإزالة جميع عناصر الدين من الثقافة اليهودية يعني فصلها عن " سنتها " .. فالثقافة بحكم تعريفها نفسه .. يجب أن تمتد جذورها في الماضي .. ويقول شوايد : " سر حيوية الثقافة هو استمرارها التاريخي واتصالها .. وتنشأ الثقافة في اتصالها العضوي من مصادرها .. وتوجد الذات القومية بالمحافظة على الوعي القومي العلماني من جيل إلى جيل .. وإزالة كل آثار الدين قد لا يترك للناس إلا بقية من ثقافة .. برغم أنه ليس واضحا على الإطلاق إن كان ما تبقى سيصبح يهوديا معترفا به .. ولعل هذا ما عناه بعض الناس يوما باصطلاح " الثقافة العبرية " ولكن من العسير على أن نتصور أي ثقافة تكون ذات مغزى ولكن جذورها توجد بأكملها في الحاضر .. ومن المهم أن نعلم أن قلة من اليهود العلمانيين يصفون أنفسهم بأنهم إنسانيون .. ويبحثون عن طقوس ومراسم تكون بديلا عن الدين اليهودي .. ويسعى بعض هؤلاء الإنسانيين إلى إسباغ معنى إنساني علماني على الرموز اليهودية التقليدية .. " وهذا مشروع اشتركت فيه الصهيونية منذ سنواتها الأولى بدرجات متفاوتة من النجاح .. ولكن عددا قليلا منهم يرغب في إزالة هذه الرموز إزالة تامة . ويوجد تعريف لليهودية العلمانية عملي بدرجة أكبر .. وجذاب ويحافظ على المكونات الدينية .. ولكنه يؤكد على أن الدين باعتباره ثقافة .. وهو يقضي بإيجاد علاقة بالله .. ويبدو لمستر تشارلز أن هذا ما يميز أسلوب التنوير اليهودي والحركات غير الدينية التي نشأت من التنوير .. ومنها الصهيونية بطبيعة الحال .. وبعبارة أخرى يرى تشارلز : " تحافظ اليهودية العلمانية من هذا النوع على مكون ديني .. وهي تعترف بأن الدين شكل الجانب الرئيسي لمضمون الثقافة اليهودية في الماضي .. إن لم يكن قد شكل هذا المضمون بأكمله " ويمكن القول بأن عجز الثقافة الدينية عن توفير إطار معنوي يمكن تصديقه لتفسير حالة اليهود في أوروبا الشرقية مثلا .. ومن ثم عجزها عن التحرك تحركا فعالا دفاعا عن المصالح العرقية اليهودية .. كان دافعا رئيسيا لنشوء اليهودية العلمانية في شكلها القومي المعاصر .. وقد بذلت جهود كثيرة وكبيرة في فترة " البيشوف " أو " الجالية اليهودية في فلسطين " والسنوات الأولى للدولة .. لإيجاد سلسلة من الطقوس والمراسم التي أكدت الدين اليهودي بإعادة تفسيره من الناحيتين الاجتماعية والقومية .. وأهم الجهود في هذا المجال أو هذا الاتجاه بذلتها مختلف الكيبوتزات ولكن كل هذا لم يحقق إلا نجاحا محدودا .. ولا يثير الدهشة .. إن هذا الشكل من أشكال اليهودية العلمانية شديد الاستعداد لتقديم احترامه للدين .. ويعرقله إصرار اليهود المتدينين على تعريف اليهودية تعريفا يقتصر فقط على الناحية الدينية .. وفرض التعريفات لليهودية عمليا ونظريا .. على جميع اليهود الآخرين .. وتوجد طريقة ثالثة لوصف اليهودية العلمانية .. وهي طريقة يمكن أن تقبل التعريف الثاني .. ولكنها تؤكد الجانب الشعبي للثقافة .. وتؤكد معنى الثقافة من حيث هي مجمل طريقة حياة مجتمع ما .. وتقاليده وعاداته ومعتقداته .. وهذه هي الثقافة التي تميز الغالبية العظمى لليهود الإسرائيليين.. طبقا لدراسة حديثة أجراها معهد لويس جوتمان عن المعتقدات الدينية والمواقف والسلوك لليهود الإسرائيليين . أما الإمكانات التي تنطوي عليها اليهودية العلمانية .. يرى تشارلز أن حدثيتها تكمن في قدرتها على تكوين رؤية قومية .. وأنها تمثل وسيلة رئيسية ينتقل بها التراث الثقافي للماضي إلى الجيل الراهن .. والفرض الذي وضعه هو أن الكثير من هذا يتم عن طريق وسط الدولة أو بمساندتها عن طريق سياساتها العامة .. وأيضا رموزها ومراسمها .. وحتى أيضا عطلاتها القومية ونظام التعليم فيها والمساندة والوضع المالي الذين توفرهما للنشاط الثقافي الذي يتفق مع أهدافها . ومن المعتقد أن اليهودية العلمانية وثقافتها بصفة خاصة .. يهددها خطر أن تعصف بها الثقافة الدينية ذات الصبغة اليهودية ( لدى أقلية من اليهود الإسرائيليين ) والثقافة المحايدة ( لدى الأغلبية ) . وتبدي روث جافيسون وجهة نظر مماثلة في مقالة بالغة الأهمية .. " أن خصوم ( الهالاخاة ) الذين يعتنقون فكرة أن تكون إسرائيل دولة قومية يهودية .. هو الواجب الذين يشرحون المضمون الخاص للقومية اليهودية .. وهم الذين يجب أن ينقلوا هذه الإجابة إلى الجيل الجديد من الإسرائيليين لم يصلوا إلى هنا بفضل ( الثورة الصهيونية ) بل نتيجة صراع شديد يتعلق بوجودهم مع هويتهم الشخصية , وإذا لم يحصلوا على جواب.. فيمكننا أن نتوقع تطورين محتملين : أن يملأ الفراغ مضمون ديني يهودي , بكل ما فيه من مبادئ انفصالية , أو أن يكون جميع اليهود الإسرائيليين شعبا يتحدث العبرية " ولدى بعضهم تكون العبرية ركيكة مليئة بالعيوب " ولكن لا تنقصهم أي وجهة نظر خاصة بهم تفضي إلى ثقافة يهودية قومية . وإذا فهمت ( بضم الفاء ) اليهودية العلمانية بغير مكونها الديني .. فإنها تفقد الثقافة بالفعل .. وكل ما يتبقى هو المكون العرقي .. وفي الحالة التي لا يحتمل حدوثها لاستمرار الرابطة العرقية اليهودية في العالم المعاصر بغير دين أو ثقافة.. فالأمر الأرجح هو أن تنحط لتصبح نوعا من أنواع العنصرية . والتعريف الثاني لليهودية العلمانية انطوى على اعتراف بدور الإصلاحي للدين في الثقافة اليهودية ولكنه انطوى على رفض أهمية الدين للفرد .. فالدين يعتبر ثقافة بغير " ممارسة الدين " ويعترف بأن الدين قوة حاسمة في تشكيل ثقافة الماضي لليهودية .. ومن المعروف أن الدين اليهودي والرموز الدينية ومنتجات الإنسان الدينية وحتى الكثير من القيم الدينية ومنتجات التشكيلات الدينية في ديانتنا هي جزء من تراثنا ونحن ندمجها في ثقافتنا السياسية ونضفي عليها طابعا علمانيا .. وهذا شكل مثالي أيضا لليهودية العلمانية وبشكل ديمقراطي للحكومة .. وهو وصف لمجتمعنا الراهن .. من بعض النواحي .. ولكنه أمر مخادع ومزيف لأن المجتمع الإسرائيلي لا يسير في هذا الاتجاه . أما بالنسبة للدين المدني في إسرائيل .. فإن الرموز الدينية تستخدم في إنشاء نظام من الأساطير والطقوس يضفي صفة شرعية على النظام الاجتماعي ويؤدي إلى اندماج السكان اليهود وحشدهم .. برغم أن الرموز الدينية نفسها تطرأ عليها تحولات وتغيرات في القيم .. ولا يؤدي الله دورا في شبه الدين هذا .. وربما لا يكون الدين المدني قد أشبع الاحتياجات الروحية للفرد في سعيه إلى إيجاد معنى لحياته الشخصية على الأقل .. ومن الناحية الأخرى وجد الأفراد الذين اندمجت هويتهم الشخصية في الهوية الجماعية ارتياحا شخصيا في الدين المدني .. وفي دراسة أجراها تشارلز عن حرب لبنان الأخيرة أكد على أن الدين المدني قادر على الإثارة وله من السلطة ما يكفي .. ويرى المحللون أن التدهور لم يصب الدين المدني فقط .. وإنما أصاب أيضا الالتزام القومي .. وينعكس ذلك بشكل جيد في مقالة وردت في جريدة هآرتس الإسرائيلية للكاتب جيديون ساميت يقول :" وضع المعلقون على الهوية منذ بعض الوقت .. أصبعهم على اتخاذ القرار بأن المجتمع اتخذ الأوضاع السوية بصورة متزايدة .. ولاحظوا الميل المتزايد للانتقال من الشعارات القومية إلى الفردية البسيطة .. إلى نشوة الحياة ومادونا وسندويشات بيج ماك .. ليست إلا الهامش الخارجي لعملية بعيدة المدى ليس أساسها النفوذ الأمريكي .. بل ازدياد الميل نحو الغرب خاصة في أواسط الشباب .. ومن الخطأ أن يعزى هذا إلى هوية أجنبية .. والأمر على الضد من ذلك .. فاللغة الجديدة تشتمل على أشكال جديدة للاستهلاك الثقافي والنشاط في أوقات الفراغ .. وهي أشكال أصبحت فوق القومية .. ويحدث هذا أيضا في الأفلام والموسيقى الشعبية والرحلات خارج البلاد والثياب .. بل وأسلوب الحياة الحديث .. " .. نجد أن ماقاله ساميت يسلط الضوء على مشكلة اليهودية العلمانية .. فاليهودية العلمانية تواجه منافسة في جبهتين .. إحداهما الجبهة الدينية ولكن المشكلة الأكثر إلحاحا في الوقت الراهن هي المنافسة مع الثقافة الغربية الحديثة . ولكن يقول شوايد على أن الهدف الأساسي لمن أوجدوا الثقافة اليهودية العلمانية .. خاصة الثقافة التي يصفها بأنها ثقافة عبرية .. هو المحافظة على الاتصال التاريخي بالماضي اليهودي .. في الوقت الذي تتحول فيه الهوية الثقافية لليهود الجدد إلى أشكال أوروبية حديثة .. ومن الناحية الأخرى من المرئي أن الثقافة العلمانية اليهودية قد نجحت في استيعاب الأشكال التقليدية وبالمثل الأشكال الأوروبية الحديثة في ثقافة محلية .. كما ويشير ساميت إلى أن الثقافة المهيمنة على كثير من اليهود الإسرائيليين ليست هي اليهودية العلمانية .. بل هي هجين ما لثقافة ما بعد الحداثة .. المشتركة في الغرب بأسره .. والتي يشعر معها بالرضا . لا يمكن أن توجد يهودية علمانية ليس لها أصل في " السنة اليهودية " ولا توجد " سنة يهودية " تنكر جذورها الدينية .. وفي ظل هذه الفروض : ما لذي تنطوي عليه اليهودية العلمانية في إسرائيل من إمكانيات ؟ الحكم في هذا الأمر لم يعرف بعد .. والأدلة مختلطة والانطباع الذي تكون لدى تشارلز هو أن ازدياد تجاهل السنة اليهودية واللامبالاة تجاهها لدى الصفوة الإسرائيلية .. ومن السهل لوم المؤسسة الدينية نفسها على هذه الحال التي وصلت إليها الأمور كما يقول تشارلز .. ومن السهل أيضا الزعم أن الصفوة المتدينة قد اختصت نفسها باليهودية وهي تفسر النصوص التقليدية والقيم التقليدية بطريقة أحادية الجانب ..وتغلب الجنس وتتسم بخوف مرضي من الأجانب .. كما يقول تشارلز ويرى أيضا أنه تم إغفال أو رفض قيم في " السنة اليهودية " كان يمكن أن تكون منارات للرؤى والسلوك الأخلاقي لجميع الإسرائيليين .. ولكنه بدلا من ذلك تسامحت مع السلوك الذي لا يمكن أن يوصف إلا بأنه " تدنيس لاسم الرب " وهو التعبير الذي ترجع إليه هذه الصفوة . كما أن اليهودية العلمانية تختلف عن الدين في أنها لا تولد في قلب المؤمنين بها ما يولده الدين من التزام وحماس وثقة .. ولا يتعرض إلى الضرر قدر كبير من الحياة الشخصية لليهود العلمانيين يدفع إلى بث الحيوية فيهم في الصراعات الدائرة حول طبيعة اليهودية .. وفي الوقت ذاته قد يوافق الكثير على أن قدرا كبيرا معرض إلى الضرر على المستوى العام .. فإن الاهتمامات الأيديولوجية لم تعد تولد الجهود التي كانت تولدها يوما ما . كما أ، سلبية العلمانيين اليهود في ما يتعلق بالقضايا العامة تجعلهم عاجزين في وجه الجمهور المتدين النشط من ناحية والضغوط التي تمارس لاستيعاب ثقافة ما بعد الحداثة التي تشمل العالم كله من ناحية أخرى .. ولكن توجد روح جماعية في داخل اليهود الإسرائيليين ربما تكون أكثر قوة من الروح الجماعية الموجودة في أي بلد ديمقراطي غربي .. فإسرائيل بلد صغير .. وهذا يعني أن دائرة الصداقة أو المعرفة على الأقل تشمل نسبة كبيرة من المجتمع . وليكن الاهتمام من ناحية أخرى النظر في البديل غير الديني لليهودية العلمانية .. من المعروف أن الثقافة هي مجمل طريقة حياة مجتمع ما .. وتقاليده وعاداته ومعتقداته . ويرى المفكرون الغربيون أن يكون البديل من الثقافة اليهودية هو تجريد الثقافة الإسرائيلية من يهوديتها .. وذلك لتستوعب قيم الثقافة الغربية الحديثة بتركيزها على استقلال الفرد والمذهب الفردي ومذهب الكليات وبذلك تقوض اليهودية من حيث هي دين ومن حيث هي ثقافة قومية .. ويرى كل من كريستوفر لاتش وفيليب ريف أن في قلب كل ثقافة توجد " محرمات " ويقولان أن : " إن الثقافة هي مجموعة من المطالب الأخلاقية .. وهي محركات محفورة بعمق وقد نقشت في الشخصيات المتفوقة الجديرة بالاحترام والثقة .. وهذا هو السبب في أنه من الأمور المعقولة وصف الولايات المتحدة اليوم بأنها مجتمع بلا ثقافة فهي مجتمع ليس فيه شيء مقدس .. ولذلك لا يوجد أي شيء محظور " . وقد يتعرض أحد علماء طبائع البشر ووصف الإنسان قائلا أن المجتمع الذي بلا ثقافة هو تعبير متناقض .. ولكن ريف يعترض على الطريقة التي يقصر بها علماء الاجتماع معنى الثقافة على " طريقة الحياة " , فالثقافة كما يقول ريف : " هي طريقة للحياة تساندها الإرادة لإدانة ومعاقبة الذين يقفون في وجه الوصايا والسنن .. و ( طريقة حياة ) ليست كافية .. فطريقة حياة الناس يجب أن تكون راسخة في ( نظام مقدس ) أي في تصور للكون .. وهو في النهاية تصور ديني يبلغنا بما لا ينبغي عمله " . ويلاحظ لاتش أنه بينما يترتب على هذا التعريف إدانة شاملة لما يسميه الطريقة الأمريكية للحياة .. وما نسميه نحن بالثقافة الغربية .. فإنه يتضمن أيضا شعاعا من الأمل .. لأنه : إذا كانت الثقافة تستند إلى الرغبة في التحريم .. فإن الثقافة التي " تغفر " مثل ثقافتنا لا يمكن أن توقع استمرارها على قيد الحياة إلى اجل غير مسمى .. فسوف يكون على الصفوة التي تغفر لدينا أن تعيد اكتشاف مبدأ التقييد . وقد يكون المشروع الحديث قد انطلق في مساره .. وفكرة أن الناس لا يحبون أن يخضعوا لأية قوة غير قوتهم .. هي فكرة لم تفقد الثقة بها .. ولكنها أخذت تفقد قدرتها على الإيحاء برؤى قوية المفعول للتقدم .. والميزة الكبرى للحياة في إسرائيل هي في أن الفرصة استعادة السنة اليهودية العلمانية في تناول اليد دائما كما يقول تشارلز .. على الضد من الحياة في " جولاه أو شتات " . والكتابات والمقالات التي دبجها الذين شكلوا اليهودية العلمانية الحديثة والمعرفة التي يتمتع بها الذين وجدوا أصداءها في الماضي البعيد .. قد لا يكون صداها قويا مثلما كان يوما ما .. ولكنها متاحة للجمهور الإسرائيلي .. ويجب أن تجد طريقة لربط هذا النوع من الإنتاج الثقافي وبمشاغل واهتمامات جمهور إسرائيلي .. ويجب أن نجد طريقة لربط هذا النوع أيضا بالوعي الذاتي بشأن طبيعة اهتماماتهم اليهودية ومعناها . إعداد أمل فؤاد عبيد
#أمل_فؤاد_عبيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- إدارة الأفكار وإرادة المعرفة - الرهان المعرفي عند علي حرب
المزيد.....
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|