|
أنقذوا إسرائيل
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1638 - 2006 / 8 / 10 - 10:35
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لا أعلم، بالضبط، ما هو السبب المفجع، والمبكي، الذي حدا بدموع السيد فؤاد السنيورة لكي تنهمر مدراراً، وهي التي ظلت حبيسة، ومتمنعة كل ما مضى من الوقت، برغم وحشية القصف الذي طال كل مكان في لبنان. فهل كانت بسبب التئام اجتماعه، ولقائه مع أحبابه من أركان، وأعمدة، وخلاّن النظام العربي المترهل الذين أصبحوا كشهود الزور، ومخاتير الأحياء الذين تنحصر مهامهم القومية في إصدار شهادات الوفاة، وتقارير الختان؟ أم هل سالت تلك الدموع العزيزة على ضحايا، وأطفال قانا الثانية؟ أم لعل هذا الفيضان المفاجئ هو بسبب الصمود البطولي الأخاذ لفرسان حزب الله الأبطال؟ أم بسبب عدم قدرته على تحديد مجمل الأرباح التي سيجنيها من إعادة إعمار بيروت، وهو "السوليديري" النافذ؟ أم لا على هذا، ولا ذاك، بل لأن الحذاء، الذي يرتديه، كان "ضيقا" على قدميه، تماماً مثل ما حصل مع فناننا الشعبي المحبوب، عادل إمام في مسرحيته الشهيرة "شاهد ماشفش حاجة"؟
فبعد نحو شهر كامل على بدء هذه المواجهة، التي تحولت لحرب استنزاف حقيقية تأكل من هيبة إسرائيل بقدر ما تنال من قدراتها العسكرية، وبدأت كفتها بالميلان لصالح حزب الله، وتصديه الأسطوري المبارك، والبارع للقتلة، والسفلة من رعاع أوروبا ومتوحشيها القساة، تداعى وزراء الخارجية العرب للاجتماع، ليس لتقديم الدعم والمؤازرة والأموال للمقاومة، وللبنان، ومعاذ الله، وألف كلا ّوحاشا لله، ولكن لحفظ ماء وجه إسرائيل، ولإيجاد مخرج مشرف لها من ورطتها الحزبواللاوية، التي لم تكن، وكالعادة، نزهة ممتعة، على الإطلاق، لجنود الاحتلال في نزالاتهم غير المتكافئة مع جيوش العروش، حماة المصالح والامتيازات.
إسرائيل التي بدت، حتى الآن، عاجزة تماماً عن تحقيق أي هدف عسكري، ما خلا الفتك بالأطفال، وتدمير البنايات المأهولة بالسكان المدنيين، والأبرياء. وفي الحقيقة لم يكن ذاك الاجتماع بريئاً، أو ينطوي على نية صادقة تماماً، وكان العامل الإسرائيلي موجوداً فيه بقوة، وغايته القصوى، أخذ زمام المبادرة، وسحب البساط من تحت أقدام حزب الله، وسلبه ذاك النصر العسكري المؤزر الذي حققه في مقارعة الغزاة، والالتفاف على أي إنجاز وتفريغه من مضمونه. صحيح، أن هناك تدميراً هائلاً لحق بالبنية التحتية اللبنانية، جراء القصف الهمجي الغاشم والهائل للمدنيين الأبرياء، ولكن هذا لا يصنع، ولا يمكن أن يعتبر نصراً في الموازين العسكرية بأية حال، فإن تدمير وإحراق لندن، مثلاً، في بداية الحرب العالمية الثانية، لم يعنِ، البتة، نصراً حاسماً للألمان.
وفي المحصلة النهائية، إن المعركة ليست معركة "كم جسر وبناء يهدم"، ولكنها معركة كرامة، و"لوي" ذراع بين فرقاء ألداء، وتقرير مصير، لمنطقة برمتها، ولأجيال قادمة، ربما، وهذا ما كشفته، لاحقاً، أسرار هذه الحرب، وسير تطوراتها. فاعتبارات النصر الفعلية، وحسب المقاييس العسكرية، هو حيث تقف الدبابات فقط، وتتجلى بمدى قدرتها على المحافظة على هذا المكان. فطالما أن الدبابات الإسرائيلية، تتساقط كالذباب، ولا تثبت على حال، فمن الصعب جداً الحديث عن أي إنجاز عسكري ملموس في صالح جيش الاحتلال، ناهيك عن بقاء البنية العسكرية للمقاومة على حالها، استشهاداً بتصريحات جنود الاحتلال، الفارين من الميدان، بأنهم كانوا يقاتلون ضد "أشباح". وعلى العكس من ذلك، فلقد سطرت المقاومة الباسلة أروع ملاحم البطولة، والتضحية، والفداء، أمام جيش جرار، مسلح بأحدث التكنولوجية العسكرية الأمريكية، لا يلوم أحد إسرائيل في امتلاكها، واستخدامها، وهي، بالمآل، ليست إيرانية، مما يعتبرها البعض "رجساً من عمل الشيطان". هذه الازدواجية الأخلاقية الدونية الساقطة التي يمارسها بعض من غلمان الكتّاب، حيث يبرزون السلاح الإيراني كشرِّ مستطير، يتصدى من خلاله رجال حزب الله لآلة الموت الإسرائيلية، في حين يعطون الأذن الطرشاء، والعين العوراء، لترسانات الموت الأمريكية، التقليدية، وغير التقليدية، التي تُتخم بها المستودعات الإسرائيلية.
وفي غير مكان، كان هناك أكثر من مؤتمر، ومبعوث، واجتماع، وكله من أجل الطفل الإسرائيلي المدلل، ربيب الإمبريالية، والاستعمار. كما التأم مجلس الأمن بكامل طاقمه، مساء أمس، وكل ذلك برغبة إسرائيلية كامنة وغير معلنة، بآن، وكلها تصب في خانة الهرب من الورطة، والخروج بمظهر المنتصر، من هذه المواجهة. وإذا تمعنا في الجعبة الإسرائيلية الذاهبة إلى طاولة المفاوضات، لرأيناها خاوية تماماً، وإنها لا تنطوي على أية إنجازات عسكرية حقيقية يمكن أن يعول عليها في صياغة أية قرارات تصب في مصلحتها.
يبدو أن المواجة ستطول، والهدف لن يتحقق بسهولة، وأن الثمن سيكون باهظاً جداً، وأكثر بكثير مما تخيله جنرالات الاحتلال، والعجز العسكري الفاضح الذي تبديه إسرائيل في عمليتها العسكرية، وتـَغَيّر أهداف العدوان من حين لحين، ومن يوم لآخر، يـُظهر أن هناك أزمة حقيقية يعيشها هذا الجيش المغتصب. ومن هنا، لم يكن هناك من بدّ، سوى بتحريك الخيوط الدبلوماسية، بعد أن عجزت "الحبال" العسكرية الغليظة، على إحكام الطوق على عنق المقاومة، وإجبارها على التراجع والخضوع. وكان لجوء إسرائيل لمجلس الأمن مفاجئاً، بعد أن كانت قد تعهدت، وأخذت على عاتقها، تحقيق الأهداف عسكرياً، لا دبلوماسيا، وعدم إيلاء هذا العامل الأخير أية أهمية. وإذا علمنا تماماً أن النظام الرسمي العربي، لا يتحرك بمعظمه، بدون إيماءة، أو موافقة، وإيحاء، أو غض طرف أمريكي، فسنعلم، تماماً، الأبعاد الكامنة وراء هذا الخطوة العربية الأخيرة. إن إطالة أمد الحرب، هي، وبلا شك، لصالح حزب الله الفنان البارع في حرب العصابات، واصطياد جنود الاحتلال كالذباب، في الوقت الذي تخسر فيه إسرائيل الكثير، وليس أقله عامل الأمن، وانحسار تأييد رأيها العام الذي بدأ يتيقن من عبثية هذا القرار، ولا جدواه. لقد بدت إسرائيل، في هذه المواجهة الأخيرة كأضحوكة سياسية، و"كراكوز"، ومهرج عسكري يستهدف الأطفال، والنساء، والعمال الزراعيين، ويأسر الرعاة، وعاجز عن التقدم، ولو خطوة واحدة إلى الأمام، في الميدان. في الوقت الذي ما زالت فيه "أمطار الصيف"، وحمم النار الحزبواللاوية تتساقط بكثافة فوق كل المستعمرات الصهيونية.
نعم صدقت النبوءة. فلقد كانت مغامرة غير محسوبة، بكل المقاييس. وربما هي واحدة من المرات القلائل، التي تصدق فيها النبوءات، في هذه الأيام. لكن تبقى الأسئلة الأكثر إلحاحاً، وأهمية من قبل من هو الذي تورط فعلاً؟ ومن هم المغامرون الحقيقيون في هذه الحرب؟ ومن هو الذي لم يحسب، فعلاً، عواقب منازلة الرجال المؤمنين الأبطال؟
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسرائيل تصنع الرأي العام العربي
-
حاخامات بغترة وعقال
-
العَرَبُ الحَاقَِدة: آخِرُ سُلالاتِ العُرْبان
-
حرب لبنان: سقوط الذرائع الواهية
-
لَحْنُ الغَرام
-
طبخة الشيف رايس
-
من يضمن أمن إسرائيل؟
-
إنّ حِزبَ الله هُم الغَالِبون
-
حُبّاً بِعليّ، ونِكايَة بمُعاوية
-
اللّهُمّ اخْذلْ مَنْ خَذَلَهْ
-
اغزوهم قبل أن يغزوكم
-
متى سَتُرَفْرِفْ هذه الأَعْلام؟
-
الدّمُ الحَرَام
-
مُنتخب فرنسا:عندما يَصْنعُ المُهاجِرون الأمْجادَ
-
عبيرالعراق:اغتصاب الأموات
-
نساء العرب وخيبة الآمال
-
نهاية التاريخ العربي
-
المونديال وهزيمة الذات
-
الديمقراطية العلمانية
-
غربة الفكر العظيم
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|