في حوار مع موقع عرب 48، اعتبر الرفيق أحمد سعدات الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خطة "خارطة الطريق" بمثابة "نموذجا لرؤية سياسية غير متوازنة تنحاز بالكامل الى مصالح اسرائيل كدولة احتلال" وقال ان اسرائيل فرضت هذه الخطة على المجتمع الدولي، وقامت الولايات المتحدة، حليفها الاساسي، بتوفير الغطاء والشرعية الدوليين لهذه الخطة.
وحول موضوع خروجه من سجن اريحا ، اعتبر الرفيق الأمين العام ان هذه المسألة متوقفة على حسابات السلطة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية الجديدة... "فاذا كانت ستترجم التزامتها تجاه المجتمع الفلسطيني والفصائل والقوى الوطنية، فإن هذا سيعني انها ستكون في الموقع الذي سيمكنها من اتخاذ قرار بهذا الشأن، ليس فيما يتعلق بقضيتي، فحسب، بل وبقضايا الرفاق الأخرين المعتقلين على خلفية مقاومتهم للاحتلال، اما اذا كانت ستظل مشدودة نحو التزامتها بالمطالب والأملاءات الاسرائيلية والامريكية فاعتقد انها لن تستيطع ان تخطو خطوة في هذا الاتجاه".
وفيما يلي النص الكامل للمقابلة التي اجرتها مراسلة موقع عرب 48 في غزة، الفت حداد، بمساعدة طرف ثالث قام بتحويل أسئلة "عرب48" الى المناضل سعد في سجنه، ونقل اجوبته عليها:
بعد تشكيل الحكومة الجديدة هل تعتقد ان فرصة خروجك من سجن اريحا باتت وشيكة ؟
المسالة تتوقف على حسابات السلطة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية الجديدة، فاذا كانت ستترجم التزامتها تجاه المجتمع الفلسطيني والفصائل والقوى الوطنية، فإن هذا سيعني انها ستكون في الموقع الذي سيمكنها من اتخاذ قرار بهذا الشأن، ليس فيما يتعلق بقضيتي، فحسب، بل وبقضايا الرفاق الأخرين المعتقلين على خلفية مقاومتهم للاحتلال، اما اذا كانت ستظل مشدودة نحو التزامتها بالمطالب والأملاءات الاسرائيلية والامريكية فاعتقد انها لن تستيطع ان تخطو خطوة في هذا الاتجاه. وستظل تلوك موضوع الحماية كغطاء لتبرير عجزها عن انهاء هذا الملف. وعموما انا لا اتوقع ان تجرؤ السلطة الفلسطينية والحكومة الجديدة على اتخاذ فرار بالافراج عنى او عن اى مناضل من المناضلين الستة ارتباطا لان تشكيلها وقيادتها من قبل السيد رئيس الوزراء قد جاء فى اطار الاستجابة لهذه المطالب والاملاءات.
ما هو موقفكم من الحكومة الفلسطينية الجديدة؟
اعتقد ان الحكومة بتركيبتها من حيث الجوهر، خير من يمثل المصلحة الطبقية الضيقة للبرجوازية الفلسطينية والشرائح الطبقية التى لا تجد مصلحتها باستمرار برنامج المقاومة الفلسطينية والانتفاضة ، فخيار المقاومة لم يكن خيارها كما عبر عن ذلك العديد من رموزها، وفى مقدمتهم رئيس الوزراء ابو مازن ، وكان صريحا وواضحا فى كل العبارات التى اعطت برنامج الحكومة درجة عالية من الوضوح ، لقد كانت المفاوضات والسير نحو المصالحة تشكل رؤيتها وقناعتها لدى توقيع اتفاق اوسلو الذى عبر فى حينه عن خيار سياسى طبقى وليس مجرد اجتهاد خاطئ ، وانشأت كيانها السياسى الذى نمت فى اطاره مصالحها الاقتصادية على الارض. وجاءت المقاومة وما فرضته من تداعيات لتهدد كل ما بنته من انجازات للمصلحة الخاصة ، وهذا يمثل اتجاها رئيسيا ناقما لحركتها السياسية بمعزل عن وجود هذا الوزير او ذاك الذى قد يشذ عن هذا الاتجاه.
ما هو رايكم فيما جاء في خطاب ابو مازن حول نزع اسلحة المقاومة الفلسطينية؟
حينما انطلقت انتفاضة الشعب الفلسطينى وتجذرت وخاضت جماهير شعبنا وطلائعها السياسية لواء المقاومة الشعبية المتنوعة فى اساليب نضالها، لم تأخذ إذناً من ابو مازن او أى احد آخر فى السلطة الفلسطينية، بل جاءت كاستجابة طبيعية للرد على التحدى الذى فرضته حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي انذاك، ايهود باراك، على شعبنا وتعبيراته السياسية والوطنية ، وعليه وبعد ما يقارب السنتان والنصف من عمر الانتفاضة وما قدمته جماهير شعبنا من شهداء وجرحى ومطاردين واسرى وجوع وحرمان، لا اعتقد انها تنتظر صدور مرسوم او قرار لوقفها او الاستمرار فيها ، واذا ما اخذنا بعين الاعتبار كافة جلسات الحوار الفصائلية فى الضفة الغربية وقطاع غزة وامتداداتها فى المدن الفلسطينية فقد خلصت جميعها الى ضرورة الاستمرار بالانتفاضة والمقاومة، ما دامت اراضى شعبنا محتلة وحقوقه الوطنية مصادرة. لهذا نقول ان من شأن عبارات او دعوات من هذا النوع ان تساهم فى نقل الصراع الى الداخل الفلسطينى ، واذا كنا نحترم قدسية السلاح الفلسطينى بما يعنيه ان فوهاته يجب ان تظل مصوبة نحو جنود الاحتلال ومستوطنيه فعلى الحكومة الجديدة ان تحترم قدسية الحق بالمقاومة ما دام الاحتلال جاثما على صدور شعبنا ، حتى تلتحم قدسية المقاومة مع قدسية السلاح الفلسطينى وحتى يجلو الاحتلال ويقيم الشعب سلطته الوطنية الديموقراطية ويعرف سيادته على اراضيه. ولا اعتقد ان موضوعا من هذا النوع يحتاج الى حوار.
هل تعتقد ان اسرائيل ستكون جادة فى التزاماتها للشعب الفلسطينى ؟
لم اسمع يوما ان اسرائيل اعترفت بان عليها التزمات اتجاه الشعب الفلسطينى ، وعلى العكس من ذلك فإن ما نسميه نحن او المجتمع الدولى التزامات تسميه اسرائيل "بوادر حسن نية" او "هبات" او "تنازلات مؤلمة" ، فاسرائيل تعتبر نفسها دولة فوق القانون الدولى وادارت ظهرها لكل قرارات الشرعية الدولية منذ قبولها عضوا فى مؤسستها الاولى ، ولاقت التشجيع من امريكا والاسناد والدعم لتحديها ارادة المجتمع الدولى وقراراته وقوانينه. ولا اعتقد ان دولة فى هذا الوضع المتميز يمكن ان تحترم اى التزامات تجاه شعبنا، ويتخذ المجتمع الدولى موقفا حازما من استهتارها ويسعى لإلزامها بقرارات الشرعية الدولية وثوابت القانون الدولى ، فقط فى هذه الحالة يمكن لاسرائيل ان تعترف بوجود التزامات عليها نحو شعبنا وان تعمل على احترامها.
ما هو رايكم بخطة خارطة الطريق؟ وهل تعتقد ان المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والاسرائيليى ستسفر عن شئ ؟
خارطة الطريق تشكل نموذجاً لرؤية سياسية غير متوازنة، تنحاز بالكامل الى مصالح اسرائيل كدولة احتلال. وقد فرضتها اسرائيل على المجتمع الدولى ووقامت حليف اسرائيل الأساسي، الولايات المتحدة الاميركية، بتسويغها ومنحها الشرعية. وان تعارضت مصالح اسرائيل جزئيا مع هذا البلد او ذاك فهى من حيث الجوهر : تقلب منطق الصراع فى المنطقة من صراع يخوضه شعبنا المحتل ضد احتلال استيطانى صهيونى الى حالة دفاع لدولة ضد " ارهاب " الشعب المحتل، وفى هذا تطاول على مواثيق الشرعية الدولية. وتأسيسا على ما سبق، فهى تضع المصالح الأمنية الاسرائيلية كمرجعية اولى سياسية للمفاوضات بديلا لقرارات الشرعية الدولية، وهى دعوة للتفاوض على قرارات الشرعية الدولية بديلا للمنطق الذى يجب فيه ان تدفع نحو تطبيق هذه القرارات التى مضى على بعضها اكثر من 55 عاما، كقرار 194 الخاص بقضية اللاجئين الفلسطينيين ، وهى تحمل فى اطارها مجموعة من الاجراءات العقابية ضد شعبنا، وصلت الى حدود التدخل فى شؤونه الداخلية " تحديد قيادته /شكل النظام السياسى الذى يحتاجه وربما تحدد غدا طبيعة الاجراءات الديموقراطية التى يحتاجها شعبنا لبناء مؤسساته التشريعية والتنفيذية .
واعتقد ان رؤية من هذا الطراز ، تقفز عن القراءة الموضوعية لحقيقة الصراع، لن تستطيع ان تشكل دفعا نحو ايجاد مخرج سياسى سلمى لصراع شعبنا مع الاحتلال، وستعيد انتاج نفس مأزق المفاوضات السابقة، وفق مرجعيات ونصوص اتفاق اوسلو . صحيح ان هذه الخطة تتحدث عن محددات ومخارج منطقية لنهاية الصراع لكنها لم تضع الآليات التى من شأنها ان تقود الى تحقيق عنوانها المتضمن تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، كما لا تجدد مضامين هذه الدولة بوضوح وتتركها رهنا بالمفاوضات الثنائية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، الامر الذى يضع هذه الخطة فى اطار محاولات الالتفاف على قرارات الشرعية الدولية وبشكل خاص القرار 1397 الخاص بالدولة الفلسطينية و194 المرتبط بحق العودة والذى يمثل جوهر قضية التحرر الوطنى لشعبنا.
ما هو رايكم بتشكيلة الحكومة الجديدة وما هو موقفكم من خلو هذه الحكومة من ممثلى الفصائل الفلسطينية المختلفة ؟
اعتقد ان الاطار العام لهذه الحكومة ووظيفتها حدد سلفا من قبل الولايات المتحدة، واعتقد ان الحقائب الاساسية التى ترتبط بجوهر الوظيفة الامنية لهذه التشكيلة لم يكن الاخ ابو مازن مخيرا بها ، وما دون ذلك فقد جاءت تشكيلة الحكومة مراعية لتوازنات قيادة حركة فتح الشخصية والاقليمية وشكلت اطارا لاحتوائها ، واذا كانت بعض الفصائل الفلسطينية قد اعتذرت عن المشاركة ومنها الجبهة الشعبية، كتعبير عن رؤيتها بان تشكيل الحكومة لا يشق الاتجاه لاخراج الشعب الفلسطينى من المآزق الذى يعيشه ، لكن مراعاة توازنات حزب السلطة قد جعل فصائل فلسطينية تعرب عن استعدادها للمشاركة فى هذه الحكومة حيث اجريت انتخابات دااخلية لهذه الفصائل واختارت من يمثلها.
هل هناك احتمال ان يحدث تغيير فى موقف الجبهة فى حال دعيت الى حوار مع ابو مازن او اذا لمست تغييرا ايجابيا على الارض خلال المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والاسرائيلى؟
مع اننا لا نعول على اي حوار مع حكومة الاخ ابو مازن بعد ان اعطى لنفسه ولحكومته الحق فى البت فى كافة قضايا النقاش ، ولم يبق للحوار سوى موضوعا واحدا، وهو كيف ندير تناقضنا الداخلى فى التباين الجوهرى حول الرؤية السياسية التى ترسم اتجاه الحركة لشعبنا ، مع ذلك نحن واقيعون ونتعامل مع السياسة كعلم ونتعاطى مع تناقضاتها وافرازاتها على الارض ، ولن نخشى الاقرار بخطئنا اذا لمسنا ان اية نتائج ايجابية تدفع نحو تحقيق اهداف شعبنا الوطنية فما ننشده هو تحقيق اهداف شعبنا اولا واخيرا ، ونحن حزب لجماهيرنا وليس لذاته او لقيادته ولا نتعاطى مع السياسة كقوالب جامدة ومقدمة.
هل تعتقد ان عملية تل ابيب التي نفذت بتاريخ 30-4 جاءت كما يصفها البعض بمثابة "صفعة قوية" وجهت لابو مازن وحكومته ام انها ستكون بداية تهدئة الفصائل الفلسطينية ؟
ان السياسة التى تحكم علاقة فصائل شعبنا السياسية مع بعضها البعض لا تعتمد على تبادل الصفعات بقدر ما تحتكم الى منطق الحوار ، وعليه لا اعتقد ان عمية تل ابيب او مستوطنة الون موريه استهدفت صفع احد سوى الاحتلال ، كما اجزم انها جاءت ردا على جرائم الاحتلال المتواصلة ضد شعبنا الفلسطينى والتى باتت سياسة يومية للاحتلال وتتصاعد يوما بعد يوم.
برايك فى حال اقدمت حكومة ابو مازن على نزع سلاح المقاومة هل ستكون هذه بداية " اقتتال داخلى" خاصة فى ظل تصريحات لمسؤولين اسرائيليين قالوا فيها " ان اسرائيل لن تتمكن من الحصول على ما تريده الا فى حال حدوث اقتتال داخلى فلسطينى ؟
نأمل اولا ان لا تصل علاقة السلطة بالحركة الوطنية الفلسطينية الى مستوى فرض الرأى والموقف، والعلاقة السائدة حاليا يحكمها الحوار وعندما تتخطى العلاقة هذه الحدود يكون لكل حادث حديث ، من جهة اخرى لا اعتقد ان مستوى النضج الذى بلغته اطارات الحركة الوطنية يمكن ان تؤثر عليه رغبات اسرائيلية لدى هذا المسؤول او ذاك المعلق الصحفى، فموضوع الاقتتال الداخلى وتوتير الساحة الداخلية خطا احمر يحرص كل من فى السلطة وفصائل الحركة الوطنية والاسلامية على عدم تخطيه.
وعموما فان كافة قضايا الخلاف كانت على الدوام تجد لها الحركة الوطنية اطارات للحل عبر الحوار واعتقد ان هذا الموضوع البالغ فى حساسيته وتاثيره على مجمل المجتمع الفلسطينى خاصة فى ظل هذه اللحظة الحرجة من تاريخ شعبنا سيجرى توفير الاطار المناسب للحل .
نشرت المقابلة على موقع عرب 48
4/5/2003