|
غابة الكلام - قصة قصيرة
رقية كنعان
شاعرة وكاتبة
(Ruqaia Kanaan)
الحوار المتمدن-العدد: 6940 - 2021 / 6 / 26 - 11:26
المحور:
الادب والفن
غابة الكلام قصة رقية كنعان-الأردن
خصخصة ، كان أول تعبير يستفز معلومات أحمد المراهقة، المدرسة تتحدث عن الخصخصة والعولمة وأمور لا يعرف ما هي في درس التاريخ، "التاريخ لا ينتظر من يفهمه ويمضي"، قالت مدرسة التاريخ الحسناء اليوم وهي تتصنع شيئا من الحكمة وتتلصص على الساعة بتلهف انتظارا لنهاية الحصة مطيلة النظر في الشباك المردود جانبه والذي يؤدي وظيفة إضافية لم يكلفه أحد بها كمرآة.
التاريخ لا ينتظر أحدا ويغير الأبطال بسرعة، التاريخ يصور له كسيناريو لمسلسل لا ينتهي بأبطال جدد في كل حلقة، ومنتج يفتقر إلى الرؤية الكافية عدا ذاك الإصرار المميت على ضرورة التعلم من التاريخ مدعوما بإنتاج سخي وتغطية إعلامية مميزة، هكذا تخيل وهو يجسد المسرحية دراميا بقدر معلوماته المتيسرة من هذا البرنامج التلفزيوني أو ذاك، مدرس الدين هو الآخر غرق في كان الرسول وكان الصحابة وغالبا ما كان يتنصل من أي أسئلة تنحرف عن مسار الفعل الناقص، مدرس الجغرافيا غاص في التنهدات : كان لنا تاريخ وكان لنا جغرافيا، الحقيقة أن ذلك لم يغب عن ذهن مقرر التربية فقد كان المنهاج يسمى الثقافة والتربية الاجتماعية ويقسم إلى تخصصين، الجغرافيا تمضي مع التاريخ إذن!، ولكن لم هذا التمني بهذه الحرقة ما دام المدرس لم يطأ بقديمه أرض إسبانيا، هل لأننا اعتدنا الحنين عبر التاريخ؟ ولم يعرف أحمد ولم يعرف لم يهرب الجميع من الأسئلة بينما يعشقون الشرح بكثير من المغالاة!
حرب المصطلحات النفسية بدأت تهاجمه شيئا شيئا وكثيرا ما سأل عن معنى دون أن يجاب عليه بحيث بدت له المصطلحات "غير مصطلح عليها"، كثير من مقولاته الفلسفية بخصوص التاريخ ليست من بنات أفكاره إلا أن أنه انتقى بنتا تبناها كما قال لنفسه مازحا على تعبير بنات الأفكار وأعلن أنه سيفكر في ابن أفكار يوما ما.
اليوم أيضا سمع مصطلحا من حسام نقلا عن أبيه المصرفي: غسيل أموال، والكلمة كان لها وقع خاص، لم ينم وهو يفكر كيف تغسل الأموال وما الذي يحيل أموالا قذرة إلى أخرى نظيفة، بأي شامبو تشطف وبأي مسحوق تبيض؟ يا لهذا الحسام الذي لم يزد على أن حشا رأسه بلغز جديد متحذلقا، لم تفارقه التخيلات حتى وأمه تضع في يده قطعة النقد المعتادة مصروف يومه، إذا بدت له قطعة النقد متسخة بشيء ما قد يكون عرق جسد أبيه المتصبب طيلة النهار، قبل أن يكمل تلوث الجو بأن يفرغ توتر أعصابه في أمه المغلوبة على أمرها معظم الأوقات عدا بعض الاستثناءات التي تثور فيها كلبؤة لا يعرف من أين تستجمع قواها ولا كيف تملك كل هذه القدرة على التحول ؟
التحول، هل من مصطلح يعبر عن هذه الحالة الأقرب للمرأة التي غدت بقدرة قادر من رمز لمخلوق ضعيف بعيد إلى شريكة صف واحد تتمتع بكل ما له من حقوق وأكثر قربا من المدرسين والمدرسات على حد سواء، تحول تم بهدوء في مدرسته الجديدة رغم توقعه وحسام لكثير من الحكايا ثبت كم هي صدئة عندما أشرقت عليها شمس السنة الدراسية الجديدة مع مصطلح جديد هو الآخر:التمكين، ومع قدرة فتيات تمكّنّ دون أن ينتظرن ذلك التمكين!.
- ماما، ماذا يعني تمكين المرأة؟ ولكن اللبؤة لم تكن مستعدة لعبث الأطفال في نزوة غضب لا يعرف ما الذي أثارها، يا لأولئك الكبار لا تعرف متى يجيبون بهدوء ومتى يثورون!
شعرت به يختبرها أكثر من أنه يسأل مستفهما فأمرته بالخلود للنوم، سحب نفسه إلى غرفته يجبرها على النوم حسب القوانين الأسرية لمن هم في عمره، ولكنه ببساطة لم يكن نعسانا لأن للأطفال طاقة قصوى يفجرها اللعب المتواصل وشقاوة التجربة، تسلل متثاقلا إلى السرير على وقع "الناس بدأت بأكل بعضها البعض" ضمن حوار التظلم المعتاد الذي لم يحتج أن يضع أذنه على الباب ليلتقط أجزاء منه، لم يلتقط كامل الحوار فاللبؤة في حضورها الصارم ماهرة في تصريف الأمور، و لكن جملتها تلك بقيت عالقة في ذهنه، كيف يكون هذا الأكل وبدت له فكرة مخيفة جدا أقسى من كل ما تابعه من أفلام حروب كارتونية أو درامية حتى اللحظة، لكنه شد الغطاء على جسده الفتي ونام.
في الحلم رأي الناس يأكلون بعضا في منظر مقزز فم الواحد تطبق على أي جزء يطوله من جسد الآخر في حلقة متصلة من الأجساد، ولا يدرى إن كان العاض على فريسته يحس بغرز أسنان غيره فيه!، استيقظ مذعورا لكنه لم يجرؤ على استحضار الحلم ثانية بروايته وبقي منكمشا على ذاته يحتل جزءا صغيرا من مساحة السرير ويكاد يلصق ركبتيه برأسه. من هو الآكل القادم ؟ ومتى يكون هو المأكول ؟
عندما دخلت أمه صباحاً لتوقظه لم يتمالك نفسه من أن يتخيلها ولو للحظات بأنياب دراكولية قبل أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قرأ سورة الفاتحة والمعوذات، وظل يحمد الله أنه لم يحصل ورأى أمه في وضع افتراس، ماذا عن الأب؟ تساءل أحمد وفضل أن يعود للنوم بعيدا عن شراسة الهواجس ونام بسهولة مع التعب وطمأنينة النور.
تبا لها من ليلة جلبت له كل القلق المبني من قش الكلمات!، ليته يفهم سر اللغة وسر تلك الكلمات التي تعجن بلا مهارة وتخبز مصطلحا نيئا غير قابل للهضم أو الابتلاع، الحلم عاود انعكاس الواقع رغم النور، أباه كان يضرب أمه في الحلم، والأحلام كثيراً ما تراوغ رائيها، هكذا علمته أمه، فموت عزيز في الحلم ما هو إلا بشارة بطول عمره، والفرح نذير شؤم ولا يدري من أين أتت هذه التفاسير إلا أنه اعتادها وأخذها كحقيقة مسلم بها لأنه رغم استغرابه وتطاول استفهاماته قد تشرب احترام الكبار.
اليوم جمعة وما من داع للاستيقاظ المبكر وهو على أية حال لم ترحمه الكلمات ولم ينم هانئا، لكن ضوء الشمس المتسرب من شق النافذة ناداه هيا للعب يا أحمد، تسلق ضوء النهار بعينه واكتشف كم يحب ضوء الفجر، لكن الكدر كان هناك والحلم يقول أن أمه ستضرب أباه، نظر إلى والده بريبة ولكنه طيلة الإفطار حدق في أمه منتظرا ثورتها المباغتة دون جدوى فاليوم بعكس الأمس تبدو وقد انحسرت العواصف التي لم يكد يلتقط مرورها مساءا.
انتهره الأب على سهومه بود وهو يسأله كيفك أنت يا أحمد –وبسمة طاغية من الرضا تملأ وجهه، علاوة جديدة للوالد أدت إلى انفراج أساريره، أبوه ينضح بالطيبة والمحبة على عكس نزقه في الأيام الماضية التي يبدو أنها كانت أيام عمل عصيبة، الأم مرهقة هذه المرة تحت تأثير حمل جديد، لم تشاركهم الفرحة كما يجب! المصطلح المعبر عن تلك الحالة لم يهتد إليه بسهولة أو صعوبة فالمصطلحات لا يهتدى إليها بقدر ما تتعلم!، كما لم يدرك لم تأجل فرح أبيه حتى صباح اليوم ما دام يعرف خبر الترقية منذ الأمس.
الشمس تمرح باستهتار، هي لا تحب درس المصطلحات المتقافزة كوحوش صغيرة أو ديناصورات منقرضة يحار المرء في حفظ أسماء لا يميزها ولكنه يميز بسهولة أنها من فصيلة الزواحف، الشمس لا تحب الزواحف، هكذا قرر دون أن يرتكز على حقيقة علمية أو يفكر بالبحث عنها.
في الحلم تتوه المصطلحات وتعود إلى هيئتها الأولى أطياف شاردة لم يجرؤ أحد على تلوينها إلا وهو في حالة صحو، الأحلام بلا ألوان فلم توصف أحلامه بالوردية كلما تحدث عن فكرة بدت لغيره ساذجة ؟ ماذا يعني أن يرغب في مشاهدة الحلقة الأخيرة من مسلسل الأخبار؟!
ولم ضحك أبوه كما لم يضحك منذ شهور على هذا السؤال؟! - على نيّاتك يا أحمد - وهل هناك من هو ليس على نيّاته ؟ حاول التمسك ببعض الثقة وأضاف بتحد طفولي: أليس أفضل من أن أكون على نيات غيري! ابتسمت الأم لجوابه، احتقن وجه الأب، وانطلق الشبل الصغير في غابة الكلمات.
#رقية_كنعان (هاشتاغ)
Ruqaia_Kanaan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أغنية لوردة بيضاء
-
الفاكهة الحرام
-
تشرين بغداد
-
فخاخ الصبر
-
رقية كنعان تعبر الروبيكون
-
سمّها أنت - نادين غورديمر
-
بيت الأشباح لفرجينيا وولف بترجمة رقية كنعان
-
أشيلوس
-
ريموت كنترول
-
نبوءات أسد بابل
-
الأفعى – قصة قصيرة للكاتب الأمريكي جون شتاينبك
-
بيت الأشباح -قصة فرجينيا وولف
-
وصايا جان دارك لجان دارك
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|