|
الحرب الأمريكية على لبنان
عمار ديوب
الحوار المتمدن-العدد: 1637 - 2006 / 8 / 9 - 10:26
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
تشكل الحرب الإسرائيلية على لبنان حلقة ضمن مخطط أمريكي لاستيعاب المنطقة العربية باتجاه تحويلها نحو مشروع الشرق الأوسط الكبير عبر اتفاقيات دائمة بما يغير البنية الجغرافية السياسية للمنطقة لعقودٍ قادمة .. هذا المخطط جزء من العالم الدولي الجديد الذي بُدء العمل به مع التغيير العميق الذي حدث مع سقوط الاتحاد السوفييتي والتدخل اللاحق في يوغسلافيا وأفغانستان والعراق وغزة ولبنان وبالتالي إنهاء بقايا الحرب الباردة في المنطقة العربية ومحيطها وفرض الهيمنة الأمريكية على العالم . منع تدخل إسرائيل في الحرب ضد العراق سابقاً كان بسبب حساسية وضع إسرائيل ككيان مصطنع وغير مقبول تدخله ومحاولة تأمين غطاء غربي وعربي ضد العراق ، أما ومع تعثر المشروع الأمريكي في الدول التي غزتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق تحديداً فإن التخلص من مأزقها هو بمد المعركة إلى أماكن أخرى ، وهنا كان لدور إسرائيل كاستطالة استعمارية الثقل الأكبر والجاهزية العالية ، فإسرائيل تواجه مشكلة خاصة هي كونها الدولة الصهيونية المتغطرسة ويحكمها العقل السياسي المتطرف ويتزعمها سابقاً شارون ولاحقاً أولمرت وهؤلاء مع تحالفاتهم لايؤمنون أبداً بأية مفاوضات وبالتالي يحاولون حل قضاياهم إما عبر فك الارتباط من جانب واحد مع الفلسطينيين وبناء الجدار العازل وغيرها وإما عبر تصفية الحسابات عبر الحروب، فكانت الحرب ،إضافة لخوفها العميق من المشكلة الديموغرافية الفلسطينية وبالتالي هذا الكيان المصطنع يرى معركته مع العرب معركة وجود لاحدود وبالتالي فلا إسرائيل أية إسرائيل تقبل المساواة مع شعوب المنطقة والانخراط في اتفاقيات تنصف العرب ( لاحظ نهايات أوسلو ومدريد وغيرها ) وتحل قضية الصراع العربي الصهيوني من أساسه وحل مشكلة اللاجئين والقدس وبناء الدولة العلمانية الفلسطينية اليهودية ولا الشعوب العربية بعد نكساتها وتعمق مشكلاتها تقبل بالدولة الصهيونية ،فكيف إذا كانت دولة صهيونية وتسعى لتكون دولة إقليمية وعلى حساب العرب وهي تسعى فعلاً لذلك .. هذه الأجواء التاريخية والآنية هي ما هيئت وسهلت على إسرائيل تدميرها الممنهج لغزة الجريحة أولاً ولبنان المنكوب ثانياً حيث وبفعل هذا الدمار اللامحدود أرضاً وشعباً ومؤسسات وسلطة يتم العمل على تفعيل لعبة القتل الداخلية وتهميش كل الأطراف الداخلية ، فلا تستطيع سلطة فتح أو حماس بعد التدمير الشامل أن ترفع من شروط المفاوضات ولا تستطيع حكومة السنيورة أو حزب الله كذلك أيضاً مما يعني أن إسرائيل ككيان صهيوني سيربح جزئياً وسيخسر بذات الوقت وإذا ما ربحت الأطراف الداخلية جزئياً فإن إعادة إعمار هذه الدول ستكون عملية معقدة للغاية وقابلة للتفكك من جديد مع كل اختلاف مستقبلي بين الأطراف الداخلية أو بسبب خارجي.. ولكن السبب البنيوي للتحكم الخارجي والاحتلالات الاستعمارية هو استبدادية النظام العربي وفساده ونهبه وإفقاره للشعوب العربية وهذا ما سمح لأمريكا وإسرائيل وكذلك إيران بالتدخل في الشؤون العربية وتحويل القوى العربية أنظمة وقوى سياسية وعلاقات اقتصادية إلى قوى تابعة وملحقة بإحدى هذه الدول مما أفقدها استقلاليتها ليس بمعنى القانون الاقتصادي البنيوي الكولونيالي فقط بل وحتى بالمعنى السياسي وتكوين الدولة والسلطة السياسية وكذلك بالرؤية الفلسفية لأفاق التطور.. الكولونيالية تولد الاستبداد والاستبداد يعيد إنتاج الكولونيالية ويأتي بالاستعمار. والطائفية كنظام سياسي للبرجوازية التابعة والمهمشة تولد الضعف والتبعية، وانعدام تشكل وعي المواطنة والانتماء للدولة . وبغياب التصنيع الأساسي والسلطة الوطنية الديمقراطية فإن الاستعمار سيبقى اللاعب الأساسي وسيحتم التبعية واللالحاق وبذلك تتأمن ديمومة الاستعمار وتحقيق مصالح الخارج على حساب الداخل .. وإذا كان حزب الله قد بدأ بالمعركة والأصح بالعملية عبر خطف الجنديين فهي ليست المرة الأولى ولا شك أنه يعي ويعرف مستوى التفكك الداخلي اللبناني والطائفية ومشاريع الخارج ، فهو يجلس على طاولة الحوار الوطني ولكنه هو الوحيد المطلوب رأسه في لبنان وفق القرار 1559 وبالتالي لحزب الله سببه الداخلي في العملية ولكن بالمقابل فإن أمريكا وإسرائيل وحتى إيران وسوريا وبغطاء أوربي ديمقراطي!!لها مصالحها في العملية وهي تتدخل بشكل أو بأخر وتحاول – أمريكا ومعها إسرائيل - أبادت كل ما يشكل عرقلة لمشاريعهما في فلسطين أو العرق أو لبنان وهو ما يعني أن إسرائيل كانت تنتظر هذه العملية في لبنان كما في غزة لتبدأ عملية الموت والدمار ووهم الخروج من التأزم وبما يضغط على قوى الداخل للدخول في الحرب الأهلية أو الطائفية وتعميم مشروع الطائفية كشكل سياسي للمشروع الشرق أوسط الكبير الجديد . وبالتالي فإن خيارات حزب الله محدودة بسبب طبيعته الطائفية والشرط العربي المتخاذل ومع ذلك أقلها - وهنا المفارقة - تحوله إلى حزب سياسي وأكثرها أن يستمر في مقاومته ولكن عليه لتحقيق هذا أن يفهم أن المعركة ضد لبنان هي معركة أمريكية إنقاذية بإمتياز، وهو ما يفرض عليه أن يعيد حساباته الطائفية وأن يؤكد على وطنيته وبالتالي ضخامة المعركة تستدعي توسيع جبهة المقاومة لتشمل كل قوى المقاومة الوطنية تاريخياً من أحزاب شيوعية وقومية واشتراكية وغيرها وكذلك الطلب من العماد ميشيل عون وسليمان فرنجية وأرسلان وغيرهم إثبات تخوفهم على مستقبل لبنان وهو ما سيشكل لحزب الله إستراتيجية وطنية تنقذه من طائفيته وتبعيته للخارج وتعمق له وطنيته باتجاه الداخل . هذا التوسع يضعف أية تراجعات قد تقوم بها الحكومة اللبنانية في مفاوضاتها أو توجهاتها السياسية ويعطيها عناصر قوة ويشجع على تزايد الدعم للمقاومة في كل الأوساط اللبنانية كما أنه يظهر كحزب لبناني وليس كما تصوره وسائل الإعلام كحزب شبيه بتنظيم القاعدة وبالتالي يحوز على الرأي العام العالمي الذي بدأ يعلن تأييده للمقاومة ولبنان وإن ببطء وخجل. من جهة أخرى إسرائيل لن تتراجع بسهولة ولن تسمح لها أمريكا بذلك كما أنها لن تتقدم بسرعة كي لا تخسر كثيراً وستحاول تأليب الأطراف الداخلية وستستمر بإستراتيجية الدمار الشامل وبذلك تعتقد أنها ستفرض على العرب وفلسطين ولبنان دورها الإقليمي وضرورة تقبل ذلك بحكم قانون القوة وإلغاء مفهوم المقاومة وتحقيق الانتصار وتصفية الحسابات مع قوى المقاومة في العالم العربي.. في هذا الوضع تنقسم الدول العربية إلى منددة بحزب الله واعتبار عمليته غير مشروعة وغير محسوبة ولا بد من مد سلطة الدولة على كامل التراب اللبناني وإرسال الجيش إلى الجنوب لحماية الدولة الإسرائيلية أسوةً ببقية الجيوش العربية !! وبالمقابل سحب سلاح حزب الله وطبعاً تحميله كل نتائج الحرب . المشكلة أن هذه الرؤية هي نفس رؤية أمريكا وإسرائيل والمفارقة أن كثيراً من الأحزاب السياسية والسياسيين العرب ينحون هذا المنحى السطحي والساذج باسم العقلانية والديمقراطية أو عصر أمريكا العالمي وقريتها الكونية ؟؟!! وهناك دول تعتبر شريكة لحزب الله ومناصرة له وداعمة لعملياته دعماً عسكرياً وأمنياً ومالياً ولكنها كذلك في عقود سابقة فقط ولكنها الآن تنظر متفرجة على الدمار الهائل في لبنان والذي ولا شك لا يقتصر على لبنان بل وعلى حزب الله وعدم دخولها في الحرب هو بمثابة الموافقة على حرب إسرائيل ضد لبنان خاصةً إذا ما دققنا الانتباه لكل أنواع الصفقات لتحسين علاقاتها مع أمريكا التي ترفض الزواج وتصر على ممارسة البغاء .ومن هنا سخافة عبارة رئيس إيران أنه إذا ضربت سوريا لن تقف إيران مكتوفة اليد، ونضيف إن ضعف موقف سوريا يدفعها لأن تهدد بأسلوب العروس ليلة الزفاف بفتح جبهة الجولان والدخول للحرب إذا وصلت القوات الإسرائيلية إلى حدود سوريا ؟!!.. الحقيقة أن المعنى الواقعي لوصول إسرائيل إلى حدود سوريا هو تدمير للعمق الإقليمي لسوريا وإيران في لبنان وتهميشهما معاً وخاصة سوريا وهذا يعني أن سوريا وإيران تتخذ حزب الله كأداة إقليمية وإيديولوجية وعندما ستتفاقم المشكلة ستحاول إيران حل مشكلتها النووية على حساب تدمير سوريا لاحقاً وهو ما سيكون نتيجة للحرب الحالية إذا ما توسعت أو نشأت حرب لاحقة جديدة وهو ما سيكون.. في هذه الأجواء تشكل الديمقراطية- كمطلب قديم لقوى المعارضة السورية _ كنظام سياسي الحلقة المركزية في برنامج المقاومة للمشاريع الاستعمارية ، الديمقراطية التي تنبذ الطائفية والاحتلال ولا تنبني عليها، وتسمح بوضع خطة مقاومة متعددة الأوجه عسكرية وسياسية واقتصادية وبما يسمح باسترجاع كامل الأراضي المحتلة ودحر الاحتلال والتخلص من علاقات التبعية والبدء بحركة استنهاض تنموي مستدامة للعالم العربي ، فلا كرامة لأمةٍ أرضها محتلة ، وشعوبها تذبح كالنعاج ، وأنظمتها قمعية وفقرائها يتزايدون .. هذا يعني أن عناصر قوة الأمة ودحر الاحتلال مرتبطة بأمة الشعوب العربية المغيبة بقوة القمع وبنهوضها واستقلالها عن سياسات الأنظمة وعبر تشكيل الوعي الديمقراطي الوطني العلماني وصولاً لتجسيد الحريات العامة وبناء الأنظمة الديمقراطية المواطنية ذات البعد التنموي .. غير ذلك هو الواقع الذي يتردى كل يوم حيث تتضاعف مشكلاته من احتلالٍ قديم إلى إحتلالٍ جديد ومن تبعيةٍ اقتصاديةٍ إلى تبعيةٍ سياسيةٍ ومن شبه مقاومةٍ إلى شعوب تجتاحها الحروب الأهلية والاحتلالات الخارجية..
#عمار_ديوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علاقة الحرب بالطائفية
-
المقاومة الوطنية مقابل الاحتلال الإسرائيلي
-
مشكلة التداخل بين الأحزاب السياسية ومنظمات حقوق الإنسان في س
...
-
العلمانية جزء من مشروع ديمقراطي علماني قومي
-
بوش قاطع طريق
-
أية خطوة تاريخية كبرى
-
الانفلات الأمني وضرورة الديمقراطية التشاركية
-
الوطنية السورية في زمن العولمة الأمريكية
-
مهمات الماركسيين السوريين في اللحظة الراهنة
-
مفهوم الإنسان عند ماركس
-
مناهضة العولمة حركات اجتماعية أم أحزاب سياسية
-
التيار العلماني في سوريا
-
سوريا بين اتجاهين
-
قراءة في كتاب تجديد العقل النهضوي
-
التيار الوطني الديمقراطي الاجتماعي
-
الديموقراطية لا الليبرالية ،الجدل لا الوضعية
-
الوطن بين السلطة السورية ونخبة الخارج
-
خدام سوريا واللحظة الراهنة
-
شيخ العقل والسياسة السورية
-
علاقة المشروع الاستعماري ببعض أوجه العلاقة السورية اللبنانية
المزيد.....
-
مصر.. حكم بالسجن المشدد 3 سنوات على سعد الصغير في -حيازة موا
...
-
100 بالمئة.. المركزي المصري يعلن أرقام -تحويلات الخارج-
-
رحلة غوص تتحول إلى كارثة.. غرق مركب سياحي في البحر الأحمر يح
...
-
مصدر خاص: 4 إصابات جراء استهداف حافلة عسكرية بعبوة ناسفة في
...
-
-حزب الله- يدمر منزلا تحصنت داخله قوة إسرائيلية في بلدة البي
...
-
-أسوشيتد برس- و-رويترز- تزعمان اطلاعهما على بقايا صاروخ -أور
...
-
رئيس اللجنة العسكرية لـ-الناتو-: تأخير وصول الأسلحة إلى أوكر
...
-
CNN: نتنياهو وافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. بوصع
...
-
-الغارديان-: قتل إسرائيل 3 صحفيين في لبنان قد يشكل جريمة حرب
...
-
الدفاع والأمن القومي المصري يكشف سبب قانون لجوء الأجانب الجد
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|