أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - إيميل إلى مارتا 2














المزيد.....

إيميل إلى مارتا 2


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6938 - 2021 / 6 / 24 - 14:35
المحور: الادب والفن
    


ما أسأم أن يكون المرء وحيداً في مدينة تضج بالحياة والناس، في مدينة لا أصدقاء له فيها، في مدينة لا يفهم ثقافتها ولا يتقن لغتها. ما أجمل أن يقف وحيداً في مدينة غريبة على ناصية قناة نهرية وأمامه زورق راس مليء بالكتب "عالم على الماء"، مكتبة عائمة، وعلى ظهر الزورق شاب يجيد العزف على قيثارته وحوله توزّع الناس، شباب وصبايا، رجال ونساء وأطفال، استلقى معظمهم على المرج المقابل وراحوا يتناولون أطعمتهم الخفيفية التي أحضروها معهم ويحتسون خمرهم وماءهم بسلام.

ما أبشع أن يجلس الإنسان في حفلةٍ لا يُجيد فيها لا الرقص ولا الغناء، لا الشرب ولا العناق. ما أبشع أن يعزف الواحد للناس ألحاناً ممتعة دون أن يفهموها أو يشعروا بها أو يدفعوا له عربون الاستماع. ما أبشع أن يكتب الواحد للناس كتباً جيدة دون أن تُباع أو تُقرأ، مثله في هذه الحالة مثل من يعزف على ضفة نهر دون أن يحصل على أجره، مثله مثل كتّاب كثر سكنوا ضاحية "هامبستيت" اللندنية وأبدعوا كتباً جيدة وبقيت فوق الرفوف دون أن يبيعوا شيئاً منها. المنطقة المحيطة ببلدة "هامبستيت" الثقافية ـ حيث المقاهي الأنيقة والمطاعم وصالات العرض الفني والحركة الهادئة ـ موبوءة باليهود والأقليات. اليهود في كل مكان رغم أعدادهم القليلة وفقراء العالم في كل زاوية أيضاً. هناك في "هامبستيت" زرت متحف الطبيب النفسي سيغموند فرويد، حيث كانت محطته الأخيرة ومنزله ومنزل ابنته آنا سابقاً.

ملاحظة: لقد أرسلت لك كملحق مع الإيميل بعض الصور التي اِلتقطتها لمنزل فرويد.

وأنا أستكشف الشوارع والناس شعرت بضغط ملعون، جلست في مقهى "كوستا" لتناول فنجان قهوة، في الحقيقة لم تكن القهوة هدفي، بل حاجتي لاستخدام دورة المياه، القهوة طقس لا ينبغي تناولها في هذا المقهى. البحث عن مكان لقضاء حاجة بيولوجية هو أحد الأمور المزعجة في لندن. البول والبراز من أهم المفرزات التي يستثمرها سكان لندن لجني الثروة، أسعار اِستخدام المراحيض ليست منخفضة أبداً سواء للقيام بعمليات الطرح الخفيفة أم الثقيلة.

الخمّارة في لندن توحّد الناس، الصغير والكبير، الغني والفقير، الأكاديمي والعامل، المرأة والرجل. طقوسها مائزة هنا، تلج مجموعة صغيرة باب الخمّارة، يقترب أحدهم من البار، يطلب كأس بيرة لنفسه ولرفاق مجموعته ثم يحاسب البارمان عن الجميع، لا أحد يدفع البخشيش كما الأمر في ألمانيا وغيرها من بلدان، بعد نهاية يوم عمل طويل ترين الإنكليز واقفين أمام خمّاراتهم المفضّلة آخذين بالتحدّث والتدخين واحتساء البيرة غالية الثمن.

ونحن نتناول البيرة في إحدى الخمّارات رحت أحكي للزملاء كيف تسبح في مخيلتي مئات الصور مما شاهدته وسمعته خلال الساعات الآخيرة في لندن، وكيف أني آن أعود للنوم في غرفة الأوتيل أُصاب بالأرق كأنني طفل كان في رحلةٍ برفقة والديه، طفل يُعيد اِستذكار وإنتاج ما شاهده، يُعيد بناء الصور والأصوات والخبرات التي تشكّلت لديه خلال النهار.

كانت مفاجأتي كبيرة حين قالت "غريت" إحدى زميلاتنا المعروفة لنا بتوجهاتها اليسارية والتي اعتادت زيارة لندن بسبب إقامة ابنتها هنا لغرض الدراسة: لم ترَ لندن بعد يا إبراهيم. لندن الحقيقية تكمن في الضواحي لا في المركز حيث نجلس الآن. إذا أردت التعَرُّف على المدن الهامة عليك أولاً أن تتأمَّل ضواحيها المظلمة، أو أن تقرأ كتابها السوداويين. في ضواحي "فيمبلي" و"إيدجوي" و"كولينديل" وغيرها يتغير المناخ السكاني، يختفي الإنكليز، هناك سترى أطفالاً يلعبون وعائلات ومساكن بالية غير ما تراه هنا في المدينة، ستشم روائح طبخاتهم عن قرب وستسمع شتائمهم المقذعة. ثم تابعت القول: نجحت لندن أَيْم نجاح في إحضار وتجنيد بعض المساكين من مجتمعات العالم الثالث ومن مستعمراتها السابقة أيضاً، لتشكّل بهم ومنهم طبقة العبيد الحديثة ذات الطابع الحضاري، الطبقة الحزينة الفقيرة التي يتوّجب عليها وبكامل الرضا والشكر خدمة البُنى التحتيّة في المجتمع البريطاني. لا قيمة إنسانية حقيقية تُذكر لمن يعيش في أوروبا الغربية قادماً من القارات البعيدة، قيمته تأتي فقط مما يمنحه النظام الرأسمالي له من فتات كي يبقى خادماً أميناً. ترونهم، هؤلاء العبيد، وهم يكدحون ليل نهار ـ دون أن تتطور آفاقهم المعرفية ـ في سبيل أن يساهموا في تضخيم رأس المال. ومن غيرهم في لندن سينهض بأعباء أعمال التنظيف والطبخ والصيانة والحراسة والبيع في المحلات الرديئة وتعبيد الطرقات وسياقة الآلاف من سيارات الأجرة وقيادة الباصات الحمراء والقطارات التي تعمل تحت الأرض وفوقها، ومن غيرهم سيخدم المئات من محطات المترو ومحطات القطارات السريعة والمطارات العالمية.
يتبع



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيميل إلى مارتا 1
- الأزرق
- أنشودة محمد
- عن الدولة وشوربة العدس
- نوابض ضجر
- بريد أنثوي من بلد البطاطا 3
- بريد أنثوي من بلد البطاطا 2
- بريد أنثوي من بلد البطاطا 1
- كشك الأفاعي
- نهاية شلعوط
- لغز الحقيبة البنية
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -26-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -25-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -24-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -23-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -22-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -21-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -20-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -19-
- شفرات حلاقة صالحة للتدوير -18-


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - إيميل إلى مارتا 2