أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميادة العاني - قراءة اولية في .. معطف غوغول














المزيد.....

قراءة اولية في .. معطف غوغول


ميادة العاني

الحوار المتمدن-العدد: 1637 - 2006 / 8 / 9 - 10:25
المحور: الادب والفن
    


( كلنا خرجنا من معطف غوغول )
فيودور ديستويفسكي

قرن مضى والاخر انقضى منه اكثر من نصفه ومعطف اكاكي اكاكيفيتش لم يبلى ... ولم تخلو جيوبه من الانسانية المعبأ بها على مر تلك الحقبة من الازمنة المتعاقبة

منذ ذلك الحين والانسان يتوارث الظلم وتتعاقب على كاهله قلوب رثة مزقها حقد الانسان على الانسان والتعامل الفوقي والطبقي حتى اصبح صفة سائدة , سرعان ما اخذت في التفشي والانحدار نحو وديان من السواد الذي يملأ بني البشر .

هذا ما جسدة الروائي والكاتب الكبير نيكولاي غوغول في روايته الشهيرة ( المعطف ).

ان قراءة اولية لهذه القصة تفرض على القارئ نوعا من مشاعر الضيق والكبت وانعدام الحيلة إزاء مايجري من احداث تميل الى الواقعية بكافة مفرداتها وتفصيلاتها لما تعكسه من متناقضات حسية تجري على نسق واحد في التضاد , فمرة نجدنا نركن الى العطف ازاء هذا الاكاكي الخاضع الخانع والذي لازمه بؤسه منذ الولادة وكأنما ولدت معه وختمت بالبائس على جبينه لدرجة ان عانى الاهل في ايجاد مسمى مناسب له الا ان الامور كانت تسير باتجاه مغاير لما يطمحون اليه فسمي على اسم ابيه اضطرارا .

ومرة تجد الاحساس يحذو نحو السخط ازاء سلبيته المفرطة تجاه ضغوطات الحياة ومجريات الامور لدرجة تمنحك الحق في التشفي الا ان طيبته كانسان وهدوءه يجبرك على التأني في الحكم .

توضح القصة مكامن القوة المتمثلةبالسلطوية العارمة للافراد والخضوع التام غير المبرر للاغلبية , وتتمثل هذه السلطة .. وكما هو سائد حتى يومنا هذا .. بالامساك بطرف العصا والسيطرة على دخل اتلفرد وذلك تكون ارجحة العصا حرة بيد من يمتلكها .

قبل التركيز على مفردات وتراكيب هذه القصة , نجد ان لهذا الكاتب ولهذه القصة بالذات معطفا تربى تحت كنفه جيلا من شخصيات الادب الراقي الروسي منه والغربي امثال ( هيجو .. ديستويفسكي ..تولستوي.. وغيرهم ) اسماء لمعت نجوما في سماء الفن والادب . لما تميزت به من فنية وحسية متكاملة قلمن نجدها بذات التوازن في مثيلاتها .. وتتميز بالتفرد والتنامي وكانها كتلة بشرية اجتمع فيها المجتمع الانساني برمته في مجموعة من الكلمات التي اختزلته بجزالتها .. ونجدها تتناسب مع كل العصور والازمنة وتحاكي القراء بشتى مستويات الوعي والادراك فيتذوقها القارئ العادي ويتعلم منها الاديب .

وهذا ماجسدته عبارة الروائي ديستويفسكس التي استهلت هذه القراءة ليختزل ويعطي صورة جلية عن خط البناء المتصاعد والحبكة المتراصة لهذه القصة ..
اضف الى ذلك ماتحمله هذه القصة من بعد انساني يترامى من خلال ما استطاع الكاتب ان يصفه بجدارة القادر على تحسس القلوب .. حين ركز على اختلاجات موظف الدرجة التاسعة ومدى فرحته بمعطفه الجديد الذي بدا بعيد المنال حتى عن سماء مخيلته .في قوله :

(( كان اكاكي اكاكيفيتش يسير في اشد مشاعره ابتهاجا واحتفالا . وكان يحس في كل ثانية من الدقيقة ان على كتفيه معطفه الجديد .. وضحك بسخرية عدة مرات خلسة , من فرط سروره الداخلي .. ففي الواقع فائدتان : الاولى كونه دافئا والاخرى كونه جيدا )) .

واستطاع ان يجعل القارئ يعيش في اجواء روحية مع اكاكي اكاكيفيتش ومع كل الفقراء على شاكلته والتي تحلم بالدفء ولقمة العيش .
وبنفس المستوى من التاثير يصور لنا هذه المشاعر ولكن بشكل مغاير حين يصف احباطات هذا الانسان حين تتم سرقة هذا المعطف ( الحلم ) :

((احس كيف نزع المعطف منه ..وجهت اليه ركلة وقع على اثرها في الثلج على ظهره ولم يحس بشئ اكثر من هذا .. وبعد بضع دقائق صحا على نفسه واستوى على قدميه. ولكن لم يعد احد موجودا لقد احس ان الجو بارد وان المعطف غير موجود فجفل يصرخ .. ولكن بدا ان الصوت لايبلغ اطراف الساحة فانهد يركض مستميتا دون ان يكف عن الصراخ ))

ولكونه من ذوي الحاجة الى اصحاب اليد الطولى .. فقد طرق ابوابا ماكان يجرؤ على المرور امامها حتى وصل الى تلك الشخصية الهامة ( الجنرال فارلامونيتش )الذي بدوره بدد له كل حلم باسترداد معطفه الذي مضغ جوعه صياما شهورا طويلة ليوفر جزءا من ثمنه الذي اضاف اليه كل ما ادخره ليتم ثمنا لحلم لم يدم اكثر من سويعات معدودة .

وليزرع خوفه وارتعابه في نفس تلك الشخصية الهامة الثمالة بفكرة ان كلمته تستطيع ان تجرد الانسان من حواسه .

هبط السلم وتلاشت عنه ذاكرته ووعيه ورمت به رياح بطرسبيرغ في فراش الموت الذي استدركه مسرعا ورمى به الى حتفه .. فدخل قبره دون ذنب جناه سوى انه انسان فقير .. كان له قبيل نهاية حياته ( حلم ).
مات الفقير ودفن كاي نكرة او حشرة في المجتمع . حتى دون ان يعلم بع زملاؤه في المديرية حيث كان يعمل .

هنا خرج الكاتب عن المالوف بشئ من الخيال حين جسد حالة التمرد في روح هذا الانسان التي بقيت غير مستقرة ومعلقة بذاك المعطف ..
والذي لم يستطع اكاكي فعله في حياته استطاعت روحه ان تنزع عنها خوفها وتزرعه في نفس الشخصية الهامة لتسلبه معطفه سالكة نفس الاسلوب الذي قاد اكاكي الى قبره ..

انه الانتقام المتجسد في البشر على حد سواء الهامة منها والمنزوية ليكون الاختلاف فقط في الاسلوب المتبع .

هي قصة تتكرر يوميا ليس فقط باحداثها بل في بعدها الانساني والحقوق المستلبة ورد الفعل تجاه كل تلك السوداوية .

هو معطف تنعطف معه المشاعر بشئ من الرقة والخوف والحرمان .. قد يشيع به الدفء وقد يكون مسلكا نحو برد لانهاية له .



#ميادة_العاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تم امرأة رد
- طقوس تجر اذيال خيبتها
- اعدام مؤجل لربيع مقيد بالبراءة


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميادة العاني - قراءة اولية في .. معطف غوغول