أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أحمد هيكل - عرىّ الجسد.. بين النظرة الجمالية والشهوانية














المزيد.....

عرىّ الجسد.. بين النظرة الجمالية والشهوانية


أحمد هيكل

الحوار المتمدن-العدد: 6934 - 2021 / 6 / 20 - 19:54
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


من القضايا التى شغلت الفكر الإنسانىّ فى عصرنا : قضية تعرى الجسد، وهل الجسد العارى هو محل الشهوة وسبب الهوس الدائم؟ وهل هناك ارتباط عضوى بين الجسد والنهم الجنسى؟
لم تكن البشرية تعرف هذا الربط إلا عندما بدأت تظهر النظم الاجتماعية وتتحدد أدوار الرجل والمرأة، ووظيفة كل منهما، فالعرىّ هو الحالة الأولى الطبيعية التى كانت عليها الإنسانية فى البدء قبل اكتشاف الحضارة، ثم بدأ الإنسان يغطى جسده بالملابس كى تحميه من البرد وظروف الطبيعة القاسية، وفيما بعدُ اكتشف الإنسان أن الملابس تخلق حالة من الخيال الجنسىّ وتضفى مزيدًا من الإثارة على الجسد !! فعندما تخفى جزءًا من الجسد، فإن هذا يدعو للتطلع إلى ما وراء هذا الجزء المخفىّ، فهو خلق لجوّ من الإثارة والغموض حول الجسد. وظهور الملابس كان مصاحبا لتلك الرغبة فى إحاطة الجسد بهذا الهوس وتلك الإثارة، فقد وجد الإنسان أن الجسد المكشوف لا يمنحه الإثارة كما لو كان مُغطَّى أو جزء منه مغطى, إذ تخلق تغطيته عالما من الشهوة المستمرة المستعرة يستدعيه في خياله وتفكيره. وقد استقرَّ هذا الاعتقاد عند معظم الشعوب والحضارات، حيث لعبت الأديان دورا مهما فى ترسيخ هذا الجانب بحرصها على الحجب. وكلما كانت المعتقدات الدينية شديدة فى تعنتها مع الجسد، محاولة أن تحجب أكثر جزء فيه، فهي تكون بالضرورة خالقة لجوٍّ من الهوس الجنسِىّ الدائم، مولدة فى أذهان تابعيها حالة من الشبق الجنسي المستعر.
إن قضية الجسد العارى هى ارتداد لحالة الإنسانية الأولى بدون رتوش ولا إضافات, وبدون أن تتحول المرأة إلى سلعة يراد لها أن تباع , وبدون تدخل من القوادين الذين يتفننون في جعل كتلة من اللحم والعظام سلعة معروضة فى سوق النخاسة. وأصحاب الحجب التام هم أكثر البشر انغماسا فى الهم الجنسي وإن اعتقدوا عكس ذلك, فأجسادنا عندما تتعرى سيفقد الجسد حينها تابوهاته وألغازه وأوهامه والأحلام والخيالات المنسوجة حوله, وسيفقد القوادون والنخاسون والمتاجرون بأجساد النساء أعمالهم الدنيئة .
وهنا يقفز إلى السطح سؤال: فهل سنفتقد الشهوة والرغبة فى الجنس عندما نكون عراة؟ أرى أن الجنس سيتحول إلى احتياج طبيعي يمارسه الإنسان وَفقا لحاجاته الطبيعية، وستتحول الشهوة إلى درجة عالية من الرقىِّ الإنسانيّ، حيث ستكون الشهوة فى عيوننا وكلامِنا الهامس وحبِّنا للآخر، ولن تتمثل الشهوة كما هى حاليا فى قمصان نوم مثيرة تغطى أجزاء وتكشف أجزاء بخطوط وألوان تلهب خيالنا المستعر الراغب فى رؤية أجزاء مكوَّرة ومدوَّرة تمنحنا هذا الشبق والهوس الجنسي. وفي حالة عالم عارٍ متجرد من الثياب، لن يتم ممارسة الجنس إلا تحت وطأة احتياج طبيعي شأنه شأن تناول الطعام, ولكن مع عالم مكسوٍّ بالثياب سيشكل الجنس حالة من الهوس والجنون تشغل كل تفكيرك حتى تمنحك شعورًا باللذة الرابضة خلف أسوار الفضول والطقوس.
وبالنظر إلى واقع الفن فى عصرنا الحديث، نرى أنَّ هذه الرؤية قد انعكست على بعض الاتجاهات الفنية التى سلطت الضوء على مواطن الجمال فى الجسد الإنسانى، حيث يذهب كثير من رُوَّاد الفن التشكيلى فى عصرنا إلى تمجيد عرىّ الجسد، ويرون أن تصوير الجسد عاريًا هو من الإبداعات الفنية الرَّاقية التى تبيِّن إبداع الخلق الإلهى، وسار على هذا النهج فنانون غربيون كثيرون.
وقد كان من نتائج هذا الاتجاه الفنى إثارة التساؤل حول ما إذا كانت جمالية الجسد العارى تنحصر فقط على إبرازه ضمن عمل فنى أم أن الجسد ذاته بمعزل عن العمل الفنى يعدُّ جماليًّا أيضاً ؟ بمعنى آخر: هل جمالية الجسد عندئذ تقف عند حد الرؤية الفنية الإبداعية أم تنسحب على الجسد ذاته ؟
وفى الحقيقة، يعتبر الجسد في حد ذاته لوحة فنية، إن في الحقيقة والواقع أو في التصوير الفنى؛ فالعمل الفنى العارى ما هو إلا صورة تنطبع في خيال ووجدان الرسام لجمالية الجسد الحقيقى المرئىّ، ولولا جمال المصدر الذى أخذ منه الفنان عمله واستقى منه فنه لما أبدع لنا لوحاته العارية وتماثيله المجردة. الجسد ذاته يحمل مواصفات فنية وجمالية، وما عمل الفنان إلا إظهار ملامح هذا الفن والجمال. صحيح أن بعض الفنانين قد يضفون على أعمالهم الفنية كثيرًا من الرتوش والزيادات من أجل إظهار الجسد في صورة بديعة، لكن تظل حقيقة أن الجسد ذاته يستقل بجماليته وإبداعه. وهذا رد على أولئك الذين يعدون ظهور الجسد عاريا في غير العمل الفنى مدعاة للشهوة وإثارة للجنس ويجردونه من أى جمالية أو إبداع فنى، لأنهم قصروا جماليته -جمالية الجسد- على فنيته واستخدامه ضمن إطار أو قالب فنى. فالجسد لا يحتاج إلى الفن من أجل ألا ننزع عنه جماليته؛ هو لوحة فنية كاملة قائمة بذاتها!
ومن الناحية العملية، لن تتغير على الأرجح نظرة عموم البشر إلى الجسد، لأن أغلب البشر ليست لديهم نظرات فنية ولم يوهبوا مواهب أدبية تمكنهم من اكتشاف الجمال الكامن فى المخلوقات، هذا الجمال المنزه عن الشهوة البريء من الإغواء، بل هم ماديون، يأخذون بظاهر الأشياء، ولا يميلون إلى التعمق فى حقيقتها، ولا يرمون إلى المقصد من الفكرة أىِّ فكرة، وهذا ما يجعلهم ينظرون هذه النظرة التى تختزل المرأة فى جسد مُدنَّس بالشهوة. وستظل هذه الشهوانية قائمة وحاضرة فى وعى الأمم والشعوب طالما بقيت الحضارة المادية القائمة على تسليع كل شىء، وطالما ظلَّت الذهنية العامة مكبلة بمفاهيم وأفكار تنتمى إلى حقب وعصور سابقة، كان الاعتقاد السائد فيها أن المرأة ما خلقت إلا للمتعة والإنجاب!



#أحمد_هيكل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الأسرة التقليدية هي أفضل أشكال الروابط الاجتماعية ؟
- عن الأسرة والتحولات الاجتماعية مرة أخري
- كيف نشأت العائلة ؟
- الحرية بين الإسلام والثقافة الغربية
- الصراع بين الدين والعلم من جديد
- ماذا بعد الكورونا ؟
- العالم بعد كورونا


المزيد.....




- جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
- رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر … ...
- دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
- السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و ...
- دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف ...
- كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني ...
- قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش ...
- تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
- -مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
- اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أحمد هيكل - عرىّ الجسد.. بين النظرة الجمالية والشهوانية