أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - مغارة الخواء














المزيد.....

مغارة الخواء


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6933 - 2021 / 6 / 19 - 14:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٤٩ - مغارة الخواء
أما بقية البشر من المخلوقات الفانية، فإنهم ينزلون من قبورهم مباشرة إلى العالم السفلي، حيث يعيشون فيما يشبه العشوائيات المزرية، في مساحات صغيرة مظلمة، خبزهم التراب ولحومهم الطين والحجارة، ولباسهم كلباس الطيور متسربلين بالأجنحة ويخيم على أبواب بيوتهم المقفلة بالمزاليج صمت ثقيل يبعث القشعريرة في القلوب. طيور حزينة مترهلة، لا تكاد تتحرك إلا بتثاقل، ملوثة الريش، جاثية في القذارة في صمت القبور، يحرسهم جيش من المخلوقات الغريبة والشياطين ذوي السحنات المرعبة. هذا هو العالم المخيف الذي ينتظر كل البشر بعد أن يفارقوا الحياة، هذا هو المصير الذي ينتظر الجميع، بدون تفرقة بين الصالح والطالح أو بين الفقير والغني أو بين الرجل والمرأة. ويبدو هذا العالم الخيالي كمحاولة إنسانية أولية لوصف ما يمكن تسميته بـ "الخواء" والفراغ الذي يتركه الإنسان الذي يفارق الحياة. وهذه الحالة بطبيعة الحال لا تتعلق بتجربة الميت ذاته، وإنما تجربة الذي يراقب ظاهرة الموت والذي يتألم لهذا الفراق ويخشى هذا المصير مثل جلجامش يبكي صديقه إنكيدو الذي يبدو أن الآلهة قررت قتله بدلا منه. ربما كانت هذه هي أول المحاولات الإنسانية لوعي ظاهرة العدم والتي كانت موازية لفكرة الموت والنهاية والإنطفاء في ذلك الوقت ومحاولة الإحاطة به ومحاولة معرفة ما سيحدث للإنسان بعد أن يتوقف عن التنفس ويبدأ جسده في التحلل ويصبح مرتعا وغذاء للدود. قلق الإنسان كان رهيبا ولا يمكن تصوره الآن ونحن نمتلك هذه الوسائل المعرفية الهائلة بعد ستة آلاف عام. في ذلك الوقت البعيد، الفكر الإنساني لم يكن ملوثا للدرجة التي نعرفها منذ ألفي عام. اإنسان يموت ويأكل جسده الدود، هذه هي الحقيقة الأولى، والثانية أن هذا المصير هو مصير كل البشر، والطبقة الدينية والكهنة لم يكتشفوا بعد فكرة الخير والشر. القراءة المعاصرة لملحمة جلجامش يمكن أن تصنف جلجامش كملك ديكتاتوري يمتلك كل السلطات ويرعب شعبه ويمارس كل أنواع الطغيان والقهر، وإنكيدو، النقيض الموضوعي، والبطل الشعبي البسيط يمثل الخير المطلق والمنقذ لشعب أوروك، غير أن الأسطورة في ذلك الوقت لم تهتم بهذه الأمور الأخلاقية، أو على الأقل لم تصدر أحكاما بمن هو بجانب الخير ومن هو بجانب الشر. وبالتالي فإن فكرة الثواب والعقاب لم تظهر بعد ولم تكن واردة في الملحمة ولا في الثقافة الشعبية السومرية، وفكرة تقسيم البشر بأعمالهم أو بإعتقاداتهم بخصوص ظاهرة الموت وعلاقتهم بالآلهة لم يكن لها معنى على ما يبدو، مصير الميت واحد ومشترك ولا مجال لإستثناء أو إنقاذ نفس واحدة لأي سبب من الأسباب. ولا شك أن اللجوء أو الإستعانة بحيلة الثواب والعقاب الطفولية كانت أيضا بدورها محاولة طفولية للتغلب ومواجهة القلق الناتج عن إدراك حتمية الموت كنتيجة لنمو الحياة وتطورها. ذلك أن الإنسان الذي كان يعيش في المجتمع السومري في ذلك الوقت، في البداية لم يكن محتاجا لمبررات أخلاقية ولا لمفاهيم الخير والشر لممارسة حياته اليومية، والآلهة كانت لها مهمة وحيدة، تكاد تكون مجرد مهمة تنفيذية لميكانيكية محددة منذ الأزل لهدف عقلاني بحث وهو سعادة الكهنة والحكام وقبول المجتمع لهذا القدر المحتوم والحياة في تطابق مع هذه القوانين الأزلية.
الأدب السومري وثقافة ما بين النهرين عموما وتفاصيل هذه الحضارة أصبحت الآن من الأمور المعترف بها علميا وعلى نطاق عالمي ولها العديد من مراكز البحوث الأكاديمية والعلمية المتخصصة، والغرض إذا من الإسهاب في ذكر بعض التفاصيل المتعلقة بهذه الميثولوجيا الشيقة فنيا، ليس الغرض منه إعادة كتابة تاريخ الأديان السومرية، فهناك اليوم المئات من الدراسات والبحوث القيمة والمتخصصة في العديد من التفاصيل العلمية الدقيقة المتعلقة بهذا التاريخ إجتماعيا وفنيا وسياسيا والتي يمكن الرجوع إليها لمن يهتم بهذا الموضوع. أما فيما يتعلق بالموضوع الذي نعالجه في هذا البحث المتعلق بالعدم والعدمية والعبث واللامعنى .. إلخ، هو محاولة الإثبات أو على الأقل الإشارة إلى أن الدين السومري أو الميثولوجيا السومرية هي مهد ومصدر ونموذج كل الأديان اللاحقة، فرعونية، يهودية، مسيحية وإسلامية، وأن المجتمع السومري لم يكن يؤمن بفكرة الإله "المقايض"، وأن فكرة الثواب والعقاب والخير والشر والخطيئة هي مفاهيم لاحقة أصبحت تشكل هوية هذه الأديان، ملفقة بذلك مصدرها التاريخي، وأقلمت المفاهيم الأساسية والقصص المؤسسة لها حسب المجتمع اليهودي والمسيحي والإسلامي كل حسب مفهومهه الأخلاقي والإجتماعي والسياسي.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فن صناعة الآلهة
- بداية التكوين
- سوليبسيزم
- مجتمع آلهة سومر
- القبائل الإلهية
- الله ظل الإنسان
- الموت بالتقسيط
- طفولة الآلهة
- تتحطم غزة ولا تنهزم
- الإيغريغور أو ميلاد الروح
- إعتراف مهاجر سيء الحظ
- كينونة الحجر
- سفينة السيد نوح
- الدين داء أم دواء ؟
- الثورة .. هي الحل
- الله والفيلسوف
- القاتل والمقتول
- عشتار وموت الله
- الإسلام والإغتيال السياسي
- التضحية بتموز


المزيد.....




- معلقا على -عدم وجوب نفقة الرجل على علاج زوجته-.. وسيم يوسف: ...
- مشتبه به يشتم قاضيا مرارًا وسط ذهول الأخير وصدمة متهم آخر.. ...
- نائب رئيس الوزراء الصربي: لست -عميلا روسيا-
- -نيويورك تايمز-: التدريبات المشتركة بين روسيا والصين تثير قل ...
- بالضفة الغربية.. مقتل 5 فلسطينيين برصاص القوات الإسرائيلية ...
- -معاناتي لم تنته بخروجي من السجن، لكن فقط تغير شكلها- - أحد ...
- شاهد: الرضيعة ريم أبو الحية الناجية الوحيدة من عائلتها الـ11 ...
- صحيفة SZ: بولندا لم تقدم أي مساعدة في تحقيق تفجيرات -السيل ا ...
- بولندا والولايات المتحدة توقعان عقدا لشراء 96 مروحية -أباتشي ...
- -إسرائيل ترغب في احتلال سيناء من جديد-.. خبراء: لا سلام مع ت ...


المزيد.....

- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - مغارة الخواء