أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - قوس قزح














المزيد.....

قوس قزح


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6932 - 2021 / 6 / 18 - 22:48
المحور: كتابات ساخرة
    


عندما كنّا صغاراً، كانت ثمّة خرافة شائعة في الحيّ البائس الذي نسكنه، أنَّ مَنْ يمرُّ من تحت قوس قزح وينتقل إلى الجهة الأخرى منه، يتحوّل بقدرة قادر إلى الجنس الآخر.
وفي أحد أيام الشتاء الماطرة، ظهرت الشمس من خلال فرجة في غيوم السماء، وتشكَّل قوس قزح بألوانه الزاهية. تذكّرتُ حينها تلك المعجزة، وقرّرتُ التحوّل إلى أنثى من باب الفضول، وليس من قبيل الإعجاب بحياة الأنثى، التي كانت رمزاً للاضطهاد والظلم والتمييز. وطَفِقْتُ أركضُ باتجاه ذلك القوس، بغية الحصول على ذلك التحوّل العظيم.
لم أكن قد تجاوزتُ الخامسة من عمري في تلك المغامرة الطفولية. وبينما كنت أركض، رحتُ أقلّب الأمر على جميع وجوهه. اجتاحتني دفقةُ توجّس، وانتابتني مجموعة من الوساوس والتساؤلات؛ تُرى، بعد اجتيازي للحدّ الفاصل تحت القوس البهيج، وتحوّلي إلى أنثى، كيف سيستقبلني أهلي؟ وماذا سيقول عنّي زملائي؟ بالتأكيد سأفقد العديد من الامتيازات التي أتمتّع بها، والتي يفتقرْنَها أخواتي البنات. إذ لن يعد بمقدوري اللعب في أزقّة الحيّ بعد غياب الشمس. ولن أجلس على قارعة الطريق رثَّ الثياب حافي القدمين، أقهقه بصوتٍ عالٍ على أتفه طرفةٍ أسمعها من زملائي الصبيان. ولن أشتمهم بتلك العبارات الجنسية التي كنّا نتباهى باستخدامها حديثاً مقلّدين الكبار. وسأُحرَمُ من تسلّق أشجار غابة الصنوبر القريبة من حيّنا، لتناول الثمار وتفقّد أعشاش العصافير. لأن لباسي سيختلف. ومن المعيب أن أرتدي فستاناً أو تنورةً ويظهر كلسوني للصبيان في تلك الحالات.
عندئذٍ، قدَّرتُ النعمةَ التي أنا فيها، من أن الله خلقني ذكراً وفضَّلني على الأنثى. فعدتُ مسرعاً إلى البيت، وقد تخلّيتُ تماماً عن فكرة التحول إلى أنثى. بل واسبتشعْتُها.
لدى الاستيضاح من أمّي عن سرّ تمييز الخالق للذكر عن الأنثى، ركّزتْ أنظارها إليّ، وهربت من فمها ضحكة مكبوتة. وأجابت معتمدةً على ضحالة ثقافتها الشفهية الموروثة: «هكذا قدَّرَ الله يا بنيّ أن يكافئك عن الجيل السابق. يبدو أنك كنت صالحاً في الزمن الماضي يا حبيبي». ما زاد جوابها في حيرتي. فسألتها مجدّداً والدهشة تلتهم وجهي: «هذا يعني أن أخواتي كُنَّ مذنبات في الجيل الماضي، فغضب الله عليهنَّ وخلقهنَّ بنات؟!».
ويبدو أنها شعرت بعدم التوفيق في إجابتها عن سؤالي السابق فقالت مستدركةً: «ربَّما، ولكن أخواتك سيكونَنَّ في الجيل القادم ذكوراً يا بنيّ! ألا تلاحظ كم هُنَّ شريفات وعاقلات؟». فسألتها: «وأنت يا أمّاه؟ هل كنتِ مذنبة في الجيل الماضي؟!» ضحكتْ وداعبتْ شعري قائلةً بنبرةٍ يائسة: «لو لم أكن مذنبة لما خلقني الله امرأة يا حبيبي!». قلت لها وأنا أقارن حنانها ولطفها بقسوة أبي، الذي كان مجرّد ذكره، كافياً لخلع أفئدتنا رعباً: «أتمنَّى في الجيل القادم أن يتحول أبي إلى امرأة، وأنت إلى رجل. وأن تكوني أبي.. أرجوكِ يا أمي عِديني بذلك!» ضمَّتني إلى صدرها وهي تهمس بصوتٍ حارٍّ كالرجاء: «لا ترفع صوتك! فقد يسمعك والدك، ويغضب منك، وقد يدعو عليك، ودعواته مستجابة، كونه مفضَّلاً عند خالقِه يا بنيّ!.»



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البؤس في كل مكان!
- تفوَّقتْ عليَّ طفلة!
- إلّا المذلّة!
- شهيدُ الغرام
- آه يا بيروشْكا!
- جريمة ولا عقاب!
- حسناءُ الرصيف
- لستُ جميلة يا ربّي، طيّب ما ذنبي؟!
- ابني حبيبي، سنلتقي يوماً!
- فقرةٌ من حوارٍ يوميّ
- جعلوها مُومِساً
- مُتْ قاعداً!
- بانتظار الفجر
- الغلاسنوست والبيروسترويكا
- إنّا نُحِبُّ الوردَ، لكنّا..
- شهامة طفل
- كراج مستعمل، ممنوع الوقوف!
- هل الشيوعيّون قِلّة في مجتمعاتهم؟
- أين أختبئ يا ناس؟!
- ما أمرّ قهوة الجنرال!


المزيد.....




- واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا ...
- الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح ...
- مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع ...
- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...
- الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد ...
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة ...
- ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - قوس قزح