|
-العدوان الثلاثى- الثانى .. والصمت العربى المزمن
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1636 - 2006 / 8 / 8 - 11:54
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
هذه الحرب الضروس التى تدور رحاها على التراب اللبنانى تمثل الحلقة السابعة فى سلسلة الصراع العربى – الإسرائيلي المزمن، التى بدأت بحرب 1948 وحملت اسم "النكبة"، ثم حرب 1956 التى حملت اسم "حرب السويس" مع ان البطولة فيها كانت لبورسعيد، ثم حرب 1967 التى حملت وصمة "النكسة"، وحرب إعادة الاعتبار والثقة التى حملت اسم حرب "الاستنزاف"، وحرب 1973 التى توجت مسيرة الاستنزاف واستحقت اسم حرب "العبور" ليس فقط لقناة السويس وإنما أيضا لعقدة العزيمة والانكسار الوطنى، ثم حرب 1982 المعروفة باسم "اجتياح لبنان" منذ 24 عاما. وها هى "الحرب السابعة" تندلع منذ 26 يوما، لتستحق لقب "العدوان الثلاثى" الثانى. فإذا كان العدوان الثلاثى "الأول" قد قامت به إسرائيل وإنجلترا وفرنسا عام 1956، فان العدوان الثلاثى "الثانى" الذى جاء بعده بنصف قرن عام 2006 قد قام به ثالوث إسرائيل وأمريكا والنظام العربى الرسمى ضد المقاومة الوطنية اللبنانية. وهذه الحروب السبع ليست متشابهة، وهذا طبيعى لأنها وقعت فى أوقات مختلفة، وفى ظل أوضاع إقليمية وعالمية متغيرة، وبمشاركة أنظمة عربية متباينة فى طبيعتها وسياساتها واستراتيجياتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية وعلاقاتها بشعوبها. لكن اللافت للنظر ان السمة المشتركة للحروب التى تمت بعد عبور 1973، وبتحديد أكثر بعد الزيارة الدراماتيكية التى قام بها الرئيس انور السادات للقدس المحتلة عام 1977 وما أعقبها من إبرام لاتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 ثم معاهدة الصلح المصرية مع إسرائيل عام 1979، هى انفراط العقد العربى، الذى سرعان ما تحول الى عجز عربى شامل ومزرى إزاء الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الفلسطينيين واللبنانيين حيث اعتدنا ان تتم هذه الاعتداءات الإسرائيلية فى ظل صمت عربى مطبق لا تبدده الا بيانات هزيلة ومنافقة تندد وتشجب وتدين .. وكفى الله بالعرب شر القتال. لكن السمة الأخطر التى ترافقت مع "الحرب السابعة" هى ان النظام العربى الرسمى تخلى عن صمته، لكن ليس للتنديد بالعدوان الثلاثى الجديد، وإنما لتبريره فى أحسن الأحوال ومساندته وتأييده فى أسوأ الأحوال، بذرائع متهافتة وحجج يمكن وصفها بأنها مثل العذر الذى هو أقبح من الذنب، لعل أسخفها وأكثرها استفزازا واستهانة بعقول ومشاعر المواطنين العرب محاولة تأليب "السنة" على حزب الله لا لشئ إلا لانه "شيعى"، بينما نحن المسلمين – سنة وشيعة – والمسيحيين – ارثوذكس وكاثوليك وبروتستانت – والعلمانيين – مسلمين ومسيحيين – تسحقنا جميعا سياسة إمبراطورية أمريكية وصهيونية إسرائيلية استعمارية واضحة المعالم تستهدف إعادة رسم خريطة المنطقة وخلق "شرق أوسط جديد" منزوع المقاومة، لا يهش ولا ينش ولا يتجاسر على ان يرفع اصبعه فى وجه أمريكا مها فعلت فى العراق أمس، أو لبنان اليوم، أو فى أى بلد عربى آخر غدا، ولا يستطيع ان يقول لاسرائيل "ثلث الثلاثة كم؟" مهما ارتكبت من مذابح أو اقترفت من جرائم ضد الإنسانية. وعندما يحتج أحد على هذا العجز – ناهيك عن التواطؤ – العربى الرسمى، تجد أبواق هذا النظام العربى الرسمى – الذين يبدون أكبر قدر من النعومة والرخاوة واللطافة مع الهيمنة الأمريكية والبلطجة الإسرائيلية – يتحولون إلى أسود كاسرة مع أبناء أمتهم الذين يحاولون الاستفسار – ببراءة – عن "حكمة" هذا العجز وذاك التواطؤ. ويقولون لك بخشونة: هل تريد ان تورطنا فى حرب؟ وهل تحب أن يكون مصير العواصم العربية مثل مصير بيروت التى تم هدمها على رءوس أهلها، أو مصير بغداد التى تم احتلالها، ناهيك عن مصير القدس التى تم تهويدها وإعلانها عاصمة أبدية وموحدة لاسرائيل؟! وبصرف النظر عن ان منهج العجز – والتواطؤ – هو الذى أدى إلى ضم القدس، واحتلال بغداد، ثم تدمير بيروت، فان أحدا لم يطلب من هذا النظام العربى الرسمى المتهالك ان يجيش الجيوش أو يدخل فى مغامرات عسكرية يعرف الجميع انه غير مستعد لها وليس أهلا لها أصلا. فقد كانت المطالبات – ومازالت – منحصرة فى أمور معقولة منها – على سبيل المثال – الإعلان "الشفوى" – ونكرر الشفوى فقط – لتأييد الدولة العربية التى تتعرض للعدوان الإسرائيلي، والإدانة – حتى لو كانت لفظية فقط – للمعتدى الصهيونى وحليفه الأمريكى. ومنها سحب سفير الدولة التى تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، من تل أبيب، وطرد السفير الإسرائيلي كتعبير دبلوماسى، رمزى، على الاحتجاج على العدوان، وهذا "حق" تكفله القوانين والأعراف الدولية. وعادة ما يتم سحب السفراء لاسباب اقل من ذلك بكثير. وإذا لم يكن الاعتداء الغاشم على دولة عربية شقيقة سببا كافيا لطرد سفير الدولة اليهودية المعتدية، فمتى يكون ذلك مسوغا؟! ومنها "تجميد" كافة العلاقات الاقتصادية والثقافية مع إسرائيل فليس معقولا – مثلا – ان تستمر دولة عربية فى إبرام الصفقات التجارية مع إسرائيل بينما تذبح الأطفال اللبنانيين فى "قانا" و"القاع" وغيرهما. ولذلك فانه بقدر ما استراح الرأى العام لقرار وزير السياحة المصرى بتجميد التطبيع السياحى مع الدولة اليهودية ، بقدر ما استاء من تلكؤ مسئولين ووزراء آخرين فى اتخاذ مبادرات مماثلة مطلوبة على جناح السرعة. وهذه مجرد أمثلة ، فالمفروض فى مثل هذه الأحوال التى تمس الأمن القومى ان تتحاور الجماعة الوطنية – على اختلاف فصائلها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار – وان تحاول التوصل الى مشتركات وطنية جامعة تتجاوز الانتماءات الحزبية الضيقة. وبهذا المعنى فإنني كنت أتمنى ان يبادر الحزب الوطنى إلى دعوة بقية الأحزاب والجماعات ومنظمات المجتمع المدنى والنقابات إلى مؤتمر طارئ لبحث الأزمة واستطلاع رأى كافة الأطراف فى سبل المواجهة، بما فى ذلك تعبئة الطاقات الجماهيرية (وليس حصار وتطويق مبادراتها ومظاهراتها ومسيراتها الاحتجاجية)، وبما فى ذلك أيضا تنسيق الجهود الحكومية والأهلية لتقديم الدعم المادى للشعب اللبنانى الشقيق الذى يتعرض لهذا العدوان الغاشم، بدءا من التبرع بالدم، ومرورا بتوفير القوافل الطبية والأدوية وغيرها من احتياجات أشقائنا اللبنانيين فى هذه الأوقات العصيبة. باختصار.. فان الحرص على تجنب المواقف المغامرة والانفعالية الضارة ليس معناه التزام الصمت والمشى بجوار الحائط الأمريكي والإسرائيلي، بل تظل هناك مساحة عريضة متاحة للحركة والعمل والاحتجاج على المعتدى والتضامن مع الضحية والتصالح مع أنفسنا ومع المبادئ الوطنية الأخلاقية. ومع أننا أهدرنا كثيرا من الوقت .. فانه من الأفضل ان نتحرك متأخرين .. بدلا من الا نتحرك على الإطلاق .. ونظل فى مواقع المتفرجين .. العاجزين المتواطئين .. بحسن نية أو سوء قصد.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القاع
-
شافيز .. أكثر عروبة من العرب
-
مجزرة قانا: أكثر من نذالة أخلاقية .. وأقل من استراتيجية ذكية
-
لعنة قانا
-
مذبحة قانا فى ماسبيرو
-
صورة حية من العراق إلى المعجبين بالديموقراطية تحت سنابك الاح
...
-
مقاومة العدوان الإسرائيلي أولى بالرعاية من -كاترينا
-
نصف قرن علي تأميم قناة السويس
-
مأزق المراهنين على قراءة نعى المقاومة
-
حكومة .. هوايتها زيادة نكد المواطنين
-
إسرائيليون.. أفضل من المارينز العرب
-
العراقيون يختلفون فى القاهرة على كل شئ.. ويتفقون على طلاق أم
...
-
الطابور الخامس
-
مقاومة المقاومة!!
-
حسن نصر الله يستحق اللوم
-
-المغامرة - الإسرائيلية الجديدة.. تحلم بنهاية التاريخ وامتلا
...
-
يفضلونها -جارية- .. ونريدها -صاحبة جلالة-
-
من حق الجماعة الصحفية أن تفرح.. وأن تواصل مسيرة الأحلام
-
المساعدات الأمريكية تنتهى عام 2009 .. فما هو البديل .. وهل ق
...
-
لماذا يكرهون الصحفيين .. ولا يستغنون عن الصحافة؟!
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|