|
قراءة في-مرثية إلى عصفورةمن الشرق- لمرح البقاعي
محمد الإحسايني
الحوار المتمدن-العدد: 1636 - 2006 / 8 / 8 - 06:51
المحور:
الادب والفن
مرثية إلى عصفورة من الشرق أو النص الغائب عند مرح البقاعي أهم مايميز محاولات مرح البقاعي في المكوّن الشعري،هو تفجير اللغة على مستوى الصورة ، مروراً بالكشف وراء الغامض المعتم، داخل الضمير المتكلم الذي يغوص في أعماق الذكرى والشجن. كيف تتم العملية الشعرية ذاتها؟ الشاعرة تناجي نصاً غائباً، في استغلال مرثية إنسانة تخطر على البال بحجم غياب كلي. وفي مساحة الخطاب والغياب، تكتب هذا النص الرائع :" مرثية إلى عصفورة من الشرق" الكتاب الثاني-من مجموعة شعرية في خمسة كتب ، هي قيد الطبع –ص/ص: 154/ 157 .
تظل الإنسانة الغائبة غائبة، في حكم الراحلين؛ فلا سبيل لاستعادتها إلا من خلال الذكريات .غير أن الشاعرة تحس بها،تتذكرها في كل مكان، وفي كل مناسبة، في"مواسم الكروم والسنابل والضياء" فالفقدان هنا يعادل اليتم والحرمان، بما فيه من جوع، وفقدان الحنان: وتركتِنا لصحوتنا المرعبه/ لجوعنا القاتل/ لنحيب شتائنا الرمادي الكئيب...ص: 157 الزمن لايمحي من ذاكرة الشاعرة أطياف مفقودتها في أكثر من مكان، في قصيدتها. فالمناجاة مستمرة:
أيتها القادمة إلينا/ مع أسراب الحنان ومواسم البهجهْ/ والراحلةعنا. هنا، " القدوم"، و " الرحيل"، كمتضادين؛ إذن؛ فهو طباق. بيد أن الطباق هنا، أداة بلاغية متحركة، غير سكونية لاتغوص في ألاعيب المحسنات. إنه مكون أولي برفقة مجازات متولدة، واستعارات متلاحقة في محاولة للتخلص من التقريرية والمباشرة، تجاه عالم زاخرباطياف من الإيحاء ، والخيال. تبتدئ القصيدة كالتالي: ويلتحق وجهكِ المغسول بصباحات الياسمين/ بقافلة الراجلين../ أيتها القادمة إلينا/ مع أسراب الحنان ومواسم البهجهْ../والراحلة عنا/أي لون لم تبدعيه في ليلنا/ لتحيلي مغاور العتمهْ/ إلى كونِ شموس متقدهْ..! / الاستعارات في الأشطار السابقة، مكتظة ومتداخلة. غير أنه يمكن إجمال أهمها فيمايلي: ويلتحق وجهكِ المغسول بصباحات الياسمين" ، "القادمة الينا مع أسراب الحنان"، " والراحلةعنا"/ "على وسائد السحب الحزينهْ" /"أي ليل لم تبدعيه..." ،" لتحيلي مغاور العتمهْ"/" إلى كونِ شموس متقدهْ ومع ذلك؛ فهي تفجرلغتها في صمت ، تنحو نحو التبسيط ، في رؤية للعالم الخارجي، على أمل أن تتحول إلى إدراك المجهول بواسطة المعلوم، أوما لاتستطيع العين المجردة أن تراه، فمابعد، سوى على صعيد التخييل، أوالبصيرة. لا يبنبغي أن ننسى " الواو" التي ابتدأت بها القصيدة، لا نقول " الواو" بحسب ما قبلها، فنمر عليها مر الكرام، ولكننا نقول "الواو السحرية"، التي تدفعنا إلى الا ستذ كار، بما تحمله معها من زمن مشحون بالاستمرار، والتد فق للفعل؛ فـ " يلتحق"، يتدرج بين ماض كامن ضمنياً ومضار ع متجدد. وهنا مكمن سحر هذه الواو. ويعزز النداء، والاستفهام، اللذان أحيلا إلى تعجب، وتلطف،منزاحين عن معناهما الحقيقي، جانب المجاز؛ كما يساهم واو العطف الجامع بين " الحاضرة"، و"الراحلة"، دون تحديد تالي المعطوف في الحضور والرحيل زمنياً، زدعلى ذلك اسم الفاعل في زمانه المبهم. وها هي ذي تنقتنص لحظات الوجود، تجمع أجزاء الواقع ، تلتقطها في لحظات خاطفة. فالصورة الشعرية التي تمخضت عن العملية ،تمت صياغتها وفق دلا لات تترجم عالم الشاعرة وأعمافها علىمستوى الحلم واللاشعور؛ وهو ماسوف يحيلنا إلى عوالم خفية، لايدركها عقل بشري، ولا حواسّ عادية؛ وإنما يتم اكتشافها بواسظة الشعور والوجدان، وما فوق ذلك...: يا فنجان قهوتكِ/المعشق بماء الزهرِ/ الشرقي السحري والزفراتْ../ ياستائر العيد المنفرد الطربْ/في أفياء أغصانكِ الوارفهْ/ يا عقد اللؤلؤ الثمين/ المزقزق على صدر ثلجي الطلعة، أثمن../ يا أناملك../ ترى، من تكون تلك " القادمة"، "والراحلة"؟ أليست سوى ذلك النص الغائب، الكامن في القصيدة الشعرية المفقودة، تلك العصفورة القادمة والراحلة، والمزقزقة أحياناً" على صدر ثلجي أثمن"- الشاعر الحديث بدون شك- لم يأبه بتلألؤعقد اللؤلؤ،لأنه أصلاً فاقد للإحساس ؟ وقد استطاعت الشاعرة أن تجمع لحظات الوجود،بتناسق في التشكيل المكاني للصورة، فخلقت منها عالماً داخلياً: " فنجان قهوتكِ"،" المعشق بماء الزهر"،الشرقي السحري والزفرات"،" أفياء أغصانك الوارفة"،" عقد اللؤلؤ الثمين..."" على صدر ثلجي الطلعة، أثمن.."؛ وقد استعانت بدرجات الألوان التي يولدها الخيال: سواد القهوة ، جو الفحولة والسيادة، المفعم بتدرج الألوان بـ " المعشق بماء الزهر" مع تعاريج الأرابيسك، في اتجاه البياض بمزاج من أمزجة الخيال ا"لشرقي السحري والزفرات"،وهذا ما لا تدركه العين لأول مرة، ولكنه مدرك بالبصيرة، والحدس، والإيحاء، ثم تعودبنا الشاعرة إلى المحسوسات الملتقطة من العالم الخارجي، ودائما بتدرج الألوان، من المعنويات :" في أجواء العيد المنفردة الطرب"، إلى " أفياء أغصانك الوارفة"، ومنها ، الانتقال إلى" عقد اللؤلؤ" الثمين ببريقه. .إلاأن هناك ماهو أثمن من هذه الأبهة الشرقية: فكرة وإبداع الشاعر الباحث عن نص غائب ، نص يتفجر، ويتمرد،على النظم والإيضاح، والبيان... الشاعرة، لم تفقد توهجها الداخلي، إزاء الحلم بنص غائب في عزيزة لبت نداء الخلود،بالرغم من رفض الشاعرة للرتيب من الحياة اليومية ،إذ هي غير معنية بالنقل المباشر،الفوتوغرافي الوصفي، المبتذل ،،قدرما هي معنية بالإدراك، والاكتشاف، ورؤية ما لاتراه العين المجردة: تويجاتِ الزنبقة الناصع الهشْ/ تراك تتوشحين بحفنة من الثرى/أم بحزمة وضّاءهْ/ من أسرار الغيب المحلقِ ِ /الى سماوات المجهول البديع البديعْ / أيتها القريبة منا / كبراعم ضحكاتك العابقهْ/ المنشورة حولنا في كل مكانْ / والبعيدة عنا/ سنوات الشوق والحنين الشسا سعهْ/ أجل نفتقدكِ / أجل نتحسس بأهدابنا المتكسرهْ/ ذلك الشرخ السحيق/ الذي خلفه رحيلك المباغتُ/ فتسقط عيوننا إلى مجامر الظلمهْ/ تحترق أجفاننا عليك/ ولاتعودين../ ونفتديكِ/ بالدم،بالنبض، بنداء العمرْ/ولاتعودينْ/ نفتديكِ/ يالفجر ِ، بنيروز السماء،وصهيل البحرْ /و..لن ..تعودي! / قد عرفت الدربْ/ إلى أمجاد الربْ/ اعتصرت العمرَ/ فيكأس الخلودْ/ وفي جرعة واحدهْ/ كنتِ على رأس الراحلين/ إلى هضاب الشمس الأزليهْ .../وداعاً../ يامن رحلت كالأطياف المهاجرهْ/ وحملت معك مواسم الكروم والسنا بل والضياءْ / وتركتنا لصحوتنا المرعبهْ، / لجوعنا القاتلْ/ لنحيب شتائنا الرمادي، الكئيب.../ وداعاً ياتعويذة الفجر المقدس ِ/ ويا حقول القطن الفضيهْ/ وداعاً..ياغصفورة الشرق الأصيل الأحزان،/ المتأصل الجراحْ/ وداعاً يازمن أحلامنا الورديهْ.../ نعطي مثالاً للرائع في استعاراتهاالفائقة:" براعم ضحكاتك العابقة"، فالتدرج الذي جعل الضحكات تشبه براعم الزهور المتفتحة، جعل للضحكات رائة طيبة، فالاستعارة هنا، بالرغم من تدرجها من التشبيه، تحاول إلغاء العلاقة الاستعارية، وكل هذا آت من عبق الذكرى التي خطرت في البال، عن عزيزة مفتقدة، عرفت طريقا إلى الرب، الى الخلود. فاجزاء الصورة، تلتقط من واقع محسوس كي يتحول في الوجدان إلى صورة شعرية: يجلدني الوجعُ/ حين تولد قصيدتي/ ويرحل عن ليلتي/ هذيان الكتابة..وأعرف أني عائدةٌ/إلى عالمِ المحسوس،إلى سأم التفاصيل،/ أعرف أني واقعة من جديدٍ/ في عالم الرتابهْ. الشاعرة إذن مازالت تبحث عن نص غائب بالرغم من أن كل قصيدة تأتي بعد مخاض، ومعاناة، وهي غير راضية عن الشعر الحالي.
#محمد_الإحسايني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احزان القمر
-
ماالذي يحدث في عالم خال من الشعراء
-
البطروس ... لشارل بودلير
-
صلاة اعتراف الفنان
-
الكلاب الطيبة
-
أول أمسية
-
مدموازيل بيسوري الحياة تزدحم بالوحوش البريئة لشارل بودلير
-
المرأة المتوحشة لبودلير
-
المقامر السخي
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|