|
نتصار الفن في مسرحية -ممثل انتحاري- إبراهيم خلايلة
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6920 - 2021 / 6 / 6 - 03:08
المحور:
الادب والفن
انتصار الفن في مسرحية "ممثل انتحاري" إبراهيم خلايلة على الفن/لأدب أن يواكب العصر وأن يحمل قضايا الجمهور، وإلا فقد شيئا من قيمته ودوره، تتحدث هذه المسرحية عن ممثل تلفزيوني لا يأخذ فرصته، ولا يعطيه المتنفذون فرصة يكون نفسه كفنان ويظهرها للجمهور، مما جعله يذهب إلى الإرهابيين ليقوم بعملية انتحارية، لكن الإرهابيين بداية يعتبرونه جاسوس، لكنه يثبت لهم أنه جاء ليقوم بعملية انتحارية، يقتنع "أبو الوليد وأبو جعفر" به ويعدانه ليقوم بالعمليه، وأثناء الإعداد يطلبوا منه أن يقوم بتصوير فيديو يتحدث فيه عن نفسه كستشهادي مؤمن بالجنة ويدعوا أخوته الأخرين أن يلحقوا به إلى مثل هذه العمليات، لكن الحوار الذي يتم بينه وبين المصور والمخرج "أبو جهفر وأبو وليد"، يجعله يتراجع عن قراره، ويعود إلى الحياة. هذا ملخص للمسرحية، لكن هناك تنامي في مسار الأحداث والشخصيات، يبدأ "حسن" الحديث باللهجة المحكية: "أنا عطشان بدي أشرب" ص18، تتباين الدوافع بين "حسن وأبو اجعفر وأبو الوليد" حول دوافع العملية، فحسن يريد القيام بالعملية ليس سعيا وراء الجنة والحوار العين والجهاد بل: "لا جهاد ولا بطيخ .. أردت الهروب من عالمي والانتقام من أولاد الحرام" ص20، يطلب منه استبدال لباسه بلباس (المجاهدين) وعلى أن يكون له اسم جديد: "أبو عمر نور الدين" ص23، في الحالتين السابقين نلاحظ تركيز الإرهابيين على الشكل، شكل اللغة التي يطالبون "حسن" باستخدامها، وشكل اللباس الذي يرتديه، وشكل الأسم أعطوه، في المقابل نجد "حسن" مهتم بالجوهر/بالمضمون، فهو يريد أن يقوم بعملية ضد القائمبن في محطة التلفزيزن،، لأنهم ظلموه لم يمنحوه الفرصة التي يستحق. لكن بعدها يحدث العكس، يهتم "حسن بالتفاصيل/الشكل، ويتمسك الإرهابيين بالمضمون، فعندما يطلب منه أن يعرف المكان الذي جاء منه: "أبو الوليد ـ إذا من أي مخيم أنت؟ من مخيم بلاطة؟ الأمعري؟ حسن ـ أقول لكم إنني لست من تلك المخيمات ... أنا من هناك ـ جاء ليستشهد لا تهمنا دوافعه، نحن نقوم بعملنا، نصوره ونرسله في عملية لينفجر" ص26 و28، اعتقد أن هذا التبادل في الأهتمام بالشكل نابع من واقعية كل طرف، فهناك متطلبات يجب الالتزام بها من قبل الإرهابيين، لهذا أصروا على التمسك بالشكل، الكلام، اللباس، الاسم، بينما حسن المضغوط نفسيا كان يريد أن يخرج ما فيه من غضب من خلال انهاء حياته وحياة القائمين في محطة التلفزيون، كما أن تركيز حسن على المكان أراد به أن يثبت وجودة وأصالته كفلسطيني، فهو يعي أن وجوده مهدد، لهذا أصر على تثبيت المكان الذي جاء منه. تسمر المحاورات بينهم إلى أن يستعيد "أبو جعفر" شخصيه كمخرج، يطلب من "حسن" أن يقوم بتمثل دور فتى في الرابعة عشرة يصطاد على شاطئ البحر، وهنا يخرج "أبو جعفر" من واقع الإرهاب ويتقدم من واقع الفن، فقد وجد في "حسن" ممثل قدير، يلبي طموحه كمخرج، وأيضا وجدت حسن من يعطيه فرصة ليقدم مواهبه. وبهذا يكون الفن هو الجامع بين حسن وأبو جعفر"، فالأول (نسى) المهمة الانتحارية التي جاء لينفذها، والثاني (تجاهل) دوره كمعد فيديوهات الاستشهاديين. أثناء التمثل تظهر حورية البحر، يندمج "حسن" أكثر بحيث يستعيد توازنه النفسي، "ـ ..أتمنى أن أعيش آمنا راضيا في وطني بين أهلي وأحبائي جميعا" ص88، ويتقدم أكثر موضحا ما يعانيه في وطنه من تفرقة عنصرية : أنا هناك ولست منهم...ألست مثلكم ومثلهم أكل من نفس الطعام، إلا تؤذيني نفس الأسلحة؟ وتصيبني الأمراض؟، وأعالج بنفس الدواء وأشعر بالدفء في نفس الصيف وبالبرد في نقس الشتاء، ألا يسيل دمي إذا طعنت بخنجر؟ ألا أضحك مثلكم ومثله إذا دغدوني، وأموت إذا سمموني؟ أليس من حقي أن أنتقم؟ نعم من حقي أن أنتقم" ص88و90، الجميل في هذا المقطع أنه قريب من قول "جلجامش" لأوتناشتم بعد أن تجاوز كل العوائق والشدائد ووعورة الطريق وظلامها ووصل إلى أرض "أوتنابشتم" الخالد": "أنظر إليك يا أوتنابشتم شكلك عادي، وأراك مثلي نعم شكلك عادي، وأراك مثلي قد صورك لي جناني بطلا على أهبة القتال لكن ها أنت مضجع على جنبك أو قفاك" فراس السواح، ملحمة جلجامس ص204، فهذا التماثل بين مطالب/منطق "حسن وجلجامش" يأخذنا إلى أن الشخصيات الإنسانية كانت وما زالت تطالب بالمساوية، وأن الظلم يبقى موجودا على الأرض ما دام هناك ظغاة. بعدها يحدث التبيان في مفهوم الشكل والمضمون: ـ أبو الوليد: من أجل هذا تريد الاستشهاد؟ ـ حسن: لا .. أردت الانتقام ـ حسن: أنا ممثل وجسدي هو أداة عملي فكيف أضحي بجسدي؟ وروحي ضعيفة مهزوزة ومهزومة، أنا أبحث عن أنتحار الروح وليس الجسد" ص91، هذه النتيجة/المعرفة ما كان ليصل إليها "حسن" دون المشهد الذي مثله، ودون الحوار الذي تم بينه وبين "أبو الوليد". يحاول "أبو الوليد" أستخدام الفكر الديني موضحا علاقة الروح بالجسد "الروح تذهب لباريها، ما الجسد إلا بيتا لها" ص91، وهنا يستعيد "حسن" كيانه وعقله بحيث يقرر إلغاء قيامه بالعملية والعودة إلى حياة من جديد: "سأخرج الآن من هنا ... لا أريد سلاحكم ...سأعود إلى هناك.. إلى بلدي وأرضي" ص92، وتنتهي المسرحية بمشهد: "أبو جعفر وأبو الوليد وأم صابر (يرفعون أيديهم ويصرخون بصوت واحد) قف!!! قف مكانك" ص92، فالنهاية لم تكن قاسية، فالارهابيين لم يشعروا السلاح على "حسن" بعد أن قرر العودة إلى وطنه مكانه، بل اكتفوا بكلمة قف، فبدو وكأنهم فقدوا جزءا من (شراشتهم/قسوتهم) واكتفوا بقول "قف" فقط، فالمشهد الذي مثله "حسن" مع أم صابر/حورية البحر ترك فيهم أثرا إنسانيا أبعدهم قليلا عن العنف والقسوة. المسرحية من منشورات دار طباق للنشر والتزيع، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2021.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكلمة والحرف في قصيدة -خذي- سامح أبو هنود
-
زيد الطهراوي قصيدة - نصر من الرحمن -
-
رواية تحرير حمدة خلف مساعدة
-
مجموعة وحوش مركبة المتوكل طه
-
ديوان تقاسيم على وتر القوافي مشرف محمد بشارات
-
التعدد والوحدة في رواية -وشهقت القرية بالسر- تبارك الياسين
-
الاسطورة والواقع في قصيدة -هنا غزة ... بتوقيت الدماء- هيثم ج
...
-
ثنائية الواحدة في قصائد محمد عياف العموض، وجيه مسعود، كميل أ
...
-
فلسطين العادية والمتمردة في -فلسطين- واثق العبدالله
-
التألق في ديوان -أنا نهم- أحمد العارضة
-
كيف تم قتلي سعيد يوسف حج علي عودة
-
رواية يعقوبيل ناصر قواسمي
-
التضحية وجمالية تقديمها أحمد حسيان
-
عناصر الفرح في -عبرت الطريق- عبد السلام عطاري
-
الأدب والأحداث الميدانية -صاروخ تاه- وجيه مسعود
-
الأمنية وأثرها في قصيدة -رُبّما سوفَ نرجِعُ عمّا قريبٍ- كميل
...
-
الدهشة في مجموعة -ماذا لو- سمير الشريف
-
معضلة السفر في كتاب -حرية مؤقتة- ناصر عطا الله
-
الصور والتشكيل في ديوان -منسي على الرف- عامر بدران
-
صوت المرأة في رواية -أنثى- ديانا الشناوي
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|