|
عشتار وتموز ..وقصة الخلق العراقية ..!
هادي فريد التكريتي
الحوار المتمدن-العدد: 1635 - 2006 / 8 / 7 - 10:42
المحور:
الادب والفن
ليس غريبا أن يجد المرء في أربع جهات العالم ، مدنا تعج بنشاط الفنانيين العراقيين ، وحضور عراقي ، لافت للإنتباه ،لنشاط هؤلاء الفنانيين ، الذين ضاق بهم وطنهم ، وهم يروون قصة المأساة ، للآخرين ، التي حلت بالعراق ، منذ أن استولى طاعون البعث ـ الفاشي على العراق ، وحتى اليوم ، بعد سقوط النظام . في 4 آب بمدينة " لينشوبنك " السويدية ، وعلى إحدى صالات مكتبتها ، الفارهة في السعة والجمال والتصميم ، وبما حوته صالاتها من كتب وأعمال فنية للكثير من المبدعين ، المحليين والعالميين ، أقام الفنان العراقي ياسين الزا ملي ، المقيم في هذه المدينة الجميلة ، معرضا تشكيليا لأعماله الفنية ، رسم ونحت ، تميز بحضور جمهور كبير ، تفتقر له بعض المدن الأكبر ، والأكثر حضورا للجالية العراقية ، وبعد تبادل للكلمات بين ممثل السفارة العراقية ، الذي دشن افتتاح المعرض ، وممثل بلدية المدينة التي استضافت المعرض في مكتبتها ، ألقي الفنان كلمة قصيرة ، عبر فيها عن شكره وسروره للحاضرين ، موجها دعوته للإصغاء إلى صوت أغنية حزينة ، ربما كانت بصوت الفنان نفسه ، الذي جسد شخصه المتكررفي الجدارية ، بالصورة الفوتوغرافية حينا وبالرسم حينا آخر ، ذات دلالات مغرقة بحب الذات والتباهي بالأنا ، ظهرت صريحة وواضحة ، أسفل جدارية استغرقت من المساحة أكثر من ثلاثة أمتار مربعة ، وهو يمسك بعود يعزف عليه ، ليروي لنا مأساة العراق والعراقيين ، التي حلت ولا زالت قائمة ، مهددة بتقسيم العراق أرضا ، وتبديد وحدة شعبه ، وحصيلة مسيرته ، ثقافة وحضارة وتاريخا . الفنان الزاملي ، أنجز ، لمعرضه ، أكثر من سبعة عشر عملا فنيا ، تراوحت ما بين جداريات رسم ، ونحت ، ولوحات فنية أخرى ، تميزت من بينها ، دارية الرسم ، التي أشرت إليها ، والتي استخدمت كخلفية للاحتفال وجدارية نحت تكونت من قطع متعددة ، تميزت بالحفر للصورة والنحت للشكل ، كل قطعة تحكي عهدا عن حضارة وادي الرافدين ، وبمجموعها تجسد تعاقب الحضارات ، على هذا الوادي منذ سبعة آلاف عام ، ولا زال المشهد مفتوحا ، تقدما وانحطاطا ، وفق قدرة وأهداف القوى المتصارعة ، على هذا الوادي ، ليخط ، الغالب ، كل ما يريد قوله ، حقيقة أم زيفا ، فالتاريخ يكتبه القائد المنتصر ، صَدقت الشعوب الرواية ، أم لم تصدقها ، هذا هو الواقع ، والحقيقة هي أن الغالب سيد الموقف ، والقوة تملي إرادتها على المغلوب ، أيا كان تاريخه . تلي هذه الجدارية مباشرة ، تمثالان متقابلان ، عشتار وتموز بحجميهما ، كحقيقة تاريخية قائمة ، كجزء من تاريخ وادي الرافدين ، ملتصقة به دون إنفصام أو إنفصال ، عصية على الإنكار أو التجاوز ، ومهما قيل فيهما أو عليهما ، فهما ، شاهدان يرويان هذا التاريخ لكل الأجيال ، منذ أن عرف إنسانه الكتابة ، وحتى الساعة . أما باقي أعماله الفنية الأخرى فقد تراوحت بين رسم ، لرقص تعبيري ، احتلت المرأة فيه حيزا لافتا للإنتباه ، ولوحات تشكيلية مختلفة . فناننا الزاملي ، ومن خلال هويته الشخصية ، مواليد الديوانية ، للعام 1960 ، بدأ ، وأنهى ، دراسته الأكاديمية في بغداد خلال عشر سنوات ، 1979 ـ 1989 ، وهذا يعني أنه من جيل الحرب العراقية الإيرانية ، ليغادر بعد انتفاضة آذار 1991 إلى السعودية في العام 1992 ، لتبدأ معاناته ، وهي معاناة كل العراقيين ، الذين شردهم النظام البعثي الفاشي ـ الساقط في أنحاء مختلفة من المعمورة . جدارية الرسم ، أرادها الفنان أن ترسم مسار تاريخه ، لنشأته وتكوين حياته الإنسانية والفنية ، كانت مزيجا بين الصورة الفوتوغرافية الملصقة ، واللون الرمادي والقاتم ، الذي طرزت به ريشة الفنان خلفية هذه اللوحة له دلالاته على جواء الجدارية ، الموشاة بشعر من شعراء العراق ، باللهجة الدارجة ، والفصحى ، عزيز السماوي ، عندما يهلل بالحبيب القادم ، خطار عدنه الفرح ..، ومظفر النواب ، وهو يتغزل بالعراقية : يل عينك أوكح من ليل .. والسياب وهو يهتف بأعلى صوته ، عراق ..عراق ..عراق ، وهاشم جعار وهو يحاول تضميد جروح شعبه ، .. والجروح البيك كافي ..!،هذه وغيرها الكثير ، من أقوال الشعراء العراقيين ، وشاها الفنان بحروف جميلة أضفت على العمل مسحة فنية جميلة ومعبرة ، حملت في ثناياها الألم والمعاناة ، يحسهما الشاعر والفنان في آن معا ، عما حل بالعراق ، قبل مجيء البعث وبعده ، إلا أن اتساع اللوحة ـ الجدارية ـ للغير ، كان حيزا صغيرا جدا ، مقارنة بما شغله الفنان ، مساحة وحيزا للتعليق والحديث الموثق بالصور الملصقة ، عن نفسه وعائلته ، وأمه التي نبع من ثدييها النهران الخالدان ، دجلة والفرات ، وكانما أراد القول ، أنا وعائلتي ، تاريخ هذا الشعب ، وما عاناه من ظلم وقهر ، طيلة عهود الحكم الوطني والقومي ـ الفاشي . في حديث مقتضب مع الفنان ، لم ينكر نرجسيته الطاغية على عمله ، وعبر بالقول ، " أريد أن يعرف العالم من أنا .." لا شك من حق كل إنسان وبغض النظر عن موقعه في المجتمع ، أن يحتل المكانة التي تؤهله الظهور فيها ، وتسليط الأضواء عليها ، ولكن هل يجب عليه أن يكون هو الصورة الفريدة في المرآة التي يحملها ، ولا يرى فيها غير صورته ؟ التي هي في الحقيقة والواقع لن تمثل إلا جزء صغيرا من تلاوين المجتمع وخطوطه ، التي لونت مساراته و خطت تاريخ انتصاراته وانكساراته ، وحضارته وثقافته على مختلف العصور والعهود.. إذا تجاوزنا سعة اللوحة الذاتية للفنان ، التي جعلها الأرأس في معرضه ، إلى جدارية النحت ، التي تحمل التاريخ العراقي منذ أقدم عصوره ، والتي احتلت مكانا متميزا من حيث السعة وتعدد المشاهد التي تروي تاريخ وادي الرافدين وتطوره ، نجد أنفسنا أمام آلهة الخصب والنماء ، القوة والبقاء ، عشتار وتموز ، إلهان يعيشان بيننا ومعنا ، على امتداد تاريخنا بكل ما فيه من أفراح وأتراح ، وعدل وظلم ، يستوقفنا هذا الخلق والإبداع للفنان ياسين الزاملي ، لنشاهد بل نسمع حوارا صامتا بين عشتار وتموز ، يسمعه كل من يحاول معرفة التاريخ ، وحقيقة وادي الرافدين وإنسانه المكافح ، من أجل غد واعد ، وإذ يبوح تموز لعشتار بسر انكسارت شعب وادي الرافدين ، يعد بالنصر والحرية للشعب ، رغم كل الهزائم التي مني بها ، وعانى منها على امتداد فترات القهر والذل ، وهذا ما ينوء بهما ثقل الدلالات التي حفرها الفنان ، ليس على جسديهما فقط ، بل وما يجول في داخل رأسيهما ، وما يحملان فيهما ، من مبادئ وأفكار تعد بالخلاص .. لوحات المعرض تستحق تقييما وتدقيقا ونقدا ، أكثر مما قدم قلمي ، المتواضع ، من تعريف بما حوته بعض الأعمال المعروضة ، للفنان ياسين الزاملي ، فالبحث بين إشاراته ورموزه ، وما استخدم من إيماءات ، ضرورة فنية في عمله الرائع والجميل ، لعلنا نهتدي أو نعثر على الأسباب والدوافع وراء تغييبه حقيقة ، المآسي التي عانى منها الشعب الكوردي ، منذ تشكيل الدولة العراقية ، وطيلة الحكم الوطني العراقي ، وخصوصا الفترة التي سادت فيها فاشية العنصرية ـ العربية ، خلال الحكم البعثي ، التي أطلقت يد النظام ومؤسساته الأمنية ، في القتل والتدمير ، لكل مكونات الشعب الوطنية ، وقومياته ، التي شكلت على مر العصور الوحدة الصلدة للوحدة العراقية ، فمأساة حلبجة والأنفال ، وتهجير الكورد ، جديرة أن تحتل مكانا متميزا ، في عمل الفنان ، أي فنان ، يحاول أن يرسم معاناة الشعب العراقي ، وتطلعاته المستقبلية ، فاكتمال رسم صورة العراق ، بماضيه وحاضره ومستقبله ، تتم فقط عبر تلاحم نضال كل قومياته وأثنياته التي شكلت عراق الرافدين ، ، منذ أقدم عصوره وحتى اللحظة الراهنة التي جسدها الزاملي في عمله..! لينشوبنك 5 آب 2006
#هادي_فريد_التكريتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمريكا عدوة الشعوب ..!
-
الكورد الفيلية ..والمحكمة الجنائية العراقية العليا ..!
-
من الذي شبك سيار الجميل ..؟؟
-
في الذكرى الثامنة والأربعين لثورة 14 تموز ..!
-
الكورد الفيلية ضحية حكم عنصري وفاشي ..!
-
!...خاطرة / عن حسن سريع ..وقطار الموت
-
ثورة العشرين ..وواقعنا الراهن ..!
-
علمانية الدولة ضمانة للديموقراطية..!
-
لحية العنزة ..والسروال الشرعي ..!
-
الحكومة وخططها الأمنية ..والمليشيات ..!
-
عن صراحة ابن عبود مؤتمر اتحاد كتاب السفارة العراقية في السو
...
-
الزرقاوي والمتياسرون ..!!
-
المليشيات ..ووعود المالكي ..!!
-
..!أمجاد نعاديها
-
الطبقة العاملة ..وطموح حزبها السياسي ..!!
-
الشخص المناسب في المكان المناسب ..!
-
الديموقراطية والواقع في العراق ..!
-
الذاكرة العراقية ..!
-
الأئمة من قريش ..!!
-
الدستور هو المشكلة ..!!
المزيد.....
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|