رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6919 - 2021 / 6 / 5 - 15:55
المحور:
الادب والفن
الكلمة والحرف في قصيدة
"خذي"
سامح أبوهنود
خُذي
ما تبقّى في حُقولِ الروحِ
من قَمْحٍ
ومن فَرَحٍ
وما في القلبِ
من شَغَفٍ
وما في الصّوتِ من
قَلَقِ اليَمامْ ...
خذي ما تبقّى
فيَّ من عُمرٍ
ومن سَقَمٍ
ومن سَفَرِ الغمامْ
وامنحي عكاز روحي
ساحَةً
كيما تسنّد يأسَها
حتى تواتي الرّيح تحليقي
فأرحلُ
في سلامْ...
هناك العديد من الشعراء يتوحدون قصائدهم، بحيث يبدون وكأنهم (أسرى لكلمات بعينها، أو أن قاموسهم اللغوي محدود، ومنهم من يتماهي أكثر من القصيدة بحيث يكون (أسير) لحوف بعينها، وهذا يمثل حالة الحلول في القصيدة، فيكون الشاعر والقصيدة كيانا متداخلا وممزوجا، بحيث يصعب على القارئ تحديد أيهما أثر وكون الآخر، في قصيدة "خذي" نجد التوحد والانصهار بين الشاعر والقصيدة، فهناك مجموعة كلمات، يتدخل فيها حرفي الفاء والقاف، والتي نجدها في الفاتحة:
" خُذي
ما تبقّى في حُقولِ الروحِ
من قَمْحٍ
ومن فَرَحٍ
"
نلاحظ أن كلمة (حقول) أغلق أبواب اللغة أمام الشاعر، بحيث كان أسيرا لفكرة ومضمون "حقول"، وحددت من انظلاقته نحو كلمات بعيدة عن (شكل) الحقول، "حقول/قمح" بحيث أصبح حرفي القاف والفاء مكون أساسي للفظين وبقية الألفاظ الأخرى، كما أن "حقول، قمح" يعطي مدلول متامكل، وهذه (الثانية) بين معنى وشكل اللفظ نجدها في أكثر من موضع، منها: "القلب/شغف، شغف/فرح، فرح/قمح، سقم/سفر، الروح/روحي، ما تبقى (مكررة)، فهناك كثرة لفتة في القسم الأول من القصيدة للكلمات التي تحمل حرفي الفاء والقاف: "تبقّى (مكررة)، في، حُقولِ، قَمْحٍ، فَرَحٍ، في (مكررة)، القلبِ، شَغَفٍ، قَلَقِ، سَقَمٍ، سَفَرِ" ونلاحظ أن القصيدة تعيد هذا الأمر وتكرره بعد لفظي "سقم، سفر، بحيث نرى مجموعة الفاظ تحمل حرف السين: "ساحة، تسند، يأسها، سلام" وهذا ما يشير إلى أن الشاعر والقصيدة يتداخلان وينصهران معا.
هذا على صعيد الالفاظ والحروف، أما على صعيد معنى الألفاظ، فنجد أن هناك حقول/الطبيعة، والروح/النفس، والمرأة المجهولة التي يخاطبها الشاعر "خذي"، فنلاحظ أن الطبيعة حاضرة من خلال: "حقول، قمح، اليمام، الغمام، الريح" أما الألفاظ المتعلقة بالروح/النفس فنجدها في: "القلب، فرح، شغف، الصوت، عمر، سقم، سفر، يأسها، فارحل، بسلام" وكل هذه الألفاظ يتداخل فيها الهدوء/النعومة مع القسوة/الشدة، بمعنى أن الألفاظ المجردة تأخذنا إلى أن الشاعر غير مستقر نفسيا، فهو يمر بحالة (صراع)، لهذا يتداخل الهدوء مع الشدة، وهذا يأخذنا إلى المكون الثالث (المرأة المجهولة) التي يخاطبها "خذي"، فغيابها سبب اضطراب الشاعر وعدم استقراره، فرغم أن الطبيعة تعد من المخففات، عناصر الفرح، إلا أنها لم تكن كافية ليشعر بالهدوء والسكينة، لهذا نقول أن غياب المرأة هو السبب في عدم (هدوء) القصيدة لتكون ناعمة وبيضاء.
بهذا يكون الشاعر قد كتب قصيدة تحمل ما في داخله، وتكون القصيدة خرجت من الشاعر وكتبته، بحيث أنسته أنه شاعر من المفترض أن يكون قاموسه اللغوي أوسع مما ظهر في قصيدة "خذي"
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟