|
إسقاط المنظومة كاملة أم تنقيتها من الخوانجية؟
محمد عمامي
الحوار المتمدن-العدد: 6919 - 2021 / 6 / 5 - 08:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كم هو بسيط وساذج ذلك الطرح الذي يتصور كونه بتكتل الأوطاد والقياسنة وحركة الشعب والتيار الديمقراطي (ومن يضيف لهم حزب عبير موسي) يمكن الإطاحة بالخوانجية وإنهاء سلطتهم، بل وأيضا هيمنتهم على الدولة والمجتمع، تلك الهيمنة التي تعززت كثيرا خلال 10 سنوات من حكم القوى المنقلبة على الثورة وعلى رأسهم الخوانجية أنفسهم. ويمكن بغير عناء كبير أن نسوق بعض العوامل التي تجعلنا نؤكد أنّ مثل هذا الرهان هو رهان واهم وخاسر إذا ما صيغ خارج إطار حراك ثوري قاعدي عارم يكنس الائتلاف الحاكم وامتداداته وحلفائه في المجتمع والدولة و"المجتمع المدني".
1/ لم يعد الخوانجية مجرد "جماعة" خارجة على الحاكم وعلى المجتمع ككل، يمكن استئصالها بالقمع و/أو بالعزل وسحب البساط بواسطة "جبهة مدنية" حول "حزب الدستور" أو رئيس/نبي الخ. إنّ الخوانجية المنصهرين في المنظومة الليبرالية، يجسّدون اليوم، أكثر من أي فصيل سياسي، حجرا أساسيا من الدولة "المدنية" القائمة، "راعية الدين" والقائمة على كل أنواع التمييز والإقصاء، تلك الدولة نفسها التي يتبجح المعارضون للخوانجية بالدفاع عنها وتقديسها. ومن هؤلاء من يقفون في كثير من الأحيان على يمين الخوانجية كلما تعلق الأمر بمسائل عديدة تخص الحريات الفردية والعامة أو تتعلق بتنظيم المجتمع والأسرة وحقوق المرأة الخ، حتى أنّنا نجد أنفسنا في مفارقات عجيبة تجعل الكلام على تخلف الحكم الخوانجي في تونس مقارنة ببلدان عربية محكومة بالأنظمة القومية "مدنية" كلاما مضحكا. كذلك يجسد الخوانجية أكثر من جميع المكونات الأخرى المنظومة السائدة، بمنظوماتها الفرعية: السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية والإعلامية والإيديولوجية، تلك المنظومات التي لا ينفرد الخوانجية بالتمثل فيها والدفاع عنها وشد ركائزها بل يشتركون في ذلك مع خصومهم المزعومين الأشد بأسا بما في ذلك الأستاذ الرئيس.
2/ الخوانجية إذن هم، اليوم، حزب يستقطب (عبر الانتماء أو التحالف أو التواطؤ) رجال أعمال متنفذين ولوبيات فساد وتهريب وشبكات الجريمة المنظمة (جرائم الدولة) والجرائم غير المنظمة (الإرهاب الإسلاموي) داخل أجهزة الدولة وحولها أو خارجها. والخوانجية جزء من المنظومة الأمنية والعسكرية ولهم نفوذ في الإدارة (الجهاز الأخطر) وعلاقات شراكة مع جزء من منظمات المجتمع المدني تعود لسنوات النضال المشترك ضد نظام بن علي، وتوافقات وتعاون مع جزء من المعارضة السياسية والمدنية والنقابية بما فيها اليسارية والعروبية جعل الكثير ممن ينتقدونها اليوم، يقدم لها خدمات جليلة في مراحل مختلفة من التاريخ. والخوانجية هم الحزب الأكبر الداعم للحكومة والمتنفذ صلب الإدارة والطيف الواسع من المستشارين والخبراء الإعلاميين المرموقين دون أن يكونوا بالضرورة خوانجية. وهم جزء من المنظومة القانونية للدولة وقد كانوا فاعلين أساسيين في سن الدستور وتلغيمه وإقفال باب التحرر في ثنايا فصوله. وهم فاعل وازن في الاقتصاد المنظم وغير المنظم وفي شبكات التهريب والتبييض ولوبيات الشراكة مع الاستعمار في نهب ثروات البلاد مما يجعلهم يحضون بدعم من "شركائهم/وكلائهم التونسيين والعرب والعالميين. 3/ ولكن، كي تكتمل الصورة يجب أن نضيف بسرعة كون الخوانجية لا ينفردون بهذه العلاقات مع الشركاء الأجانب وليسوا وحدهم مسؤولون على كل شرور وجرائم تلك المنظومة. فقد سبق أن أشرت إلى شركاء لهم لا فقط في صلب السلطة السائدة بل وأيضا في صفوف المعارضة السياسية وحتى الاجتماعية في بعض الأحيان. مما يجعل الصراع التي تخوضه تلك القوى لا يذهب للآخر لإسقاط الخوانجية وعزلهم بل تسقّف تلك القوى نضالها المعادي للخوانجية بما لا يتجاوز تحجيم قوتهم كي لا يتغولوا، مع الحفاظ عليهم شريكا ضعيفا ما أمكن، طيعا ما أمكن ومتعاط مع "المدنية؟؟؟" ما أمكن، محاورا وفاقيا في السلطة وحول طاولة "مسار الانتقال الديمقراطي" الذي يكمن جوهره في تنظيم الشراكة بين جميع الأطراف ومضافرة جهودهم من أجل تجنيب البلاد استعادة الحراك الثوري عنفوانه مرة أخرى، وتأمين عملية القسمة أو المحاصصة بين الأحزاب في صياغة النظام السياسي، وكذلك تأمين تأجيل أية مطالب اجتماعية إلى يوم يبعثون.
4/ هذا المشترك بين أقطاب السلطة (رئاسة، برلمان، حكومة) وبينها وبين المعارضة/الشريك، المعارضة المسؤولة أو المعارضة من الداخل، يجعل من مصلحة كل الأطراف تتقاطع في نقطة وسطى تؤمّن اللقاء والشراكة حول الأساسي أي الحفاظ على المنظومة التي بها وعبرها يشارك الجميع في السلطة أو يحتل، على الأقل، مكانا متنفذا في المعارضة. الجميع لا يتعدى حدود اللعبة التي تخوّل له قدرا من التنفّذ والكسب، وتؤهله للمرور إلى درجة أعلى ومركز أكبر في السلطة ولو في طور لاحق. لذلك لو أعدنا الانتخابات على أساس هذه المنظومة مرارا وتكرارا فلن يتغير المشهد تغيرا جذريا وستظل القوى الليبرالية والإسلاموية والعروبية الاسلاموية تتنافس وتتآلف في حركة متجددة من التجاذبات والتقاطعات المنفعية. إنّ تلك القوى، وان اختلفت في عديد النقاط، تضمن، متآلفة، استمرار المنظومة الرأسمالية الليبرالية وغطائها السياسي: نظام مركزي (رغم ادعاء العكس) يتميز بالجمود والمحافظة والرّدع الديني/المدني والإقصاء والتهميش الدائمين. وستظل القوى الداعمة والمتبنية "للانتقال الديمقراطي" تفرض التوافقات حول أصول اللعبة ولن يبق من الخطاب الجذري حول السيادة الوطنية والمدنية ومعاداة الفساد والجريمة وتحميل مسؤولية كل ذلك للخوانجية دون غيرهم سوى النباح، وستظل الأيدي مغلولة وعاجزة عن المرور إلى الفعل.
5/ إذن، لمن يرفع شعار الإطاحة بسلطة الخوانجية نقول ليس هناك سلطة خوانجية بحتة في تونس ولا حتى سلطة ائتلافية مغشوشة يهيمن فيها الخوانجية على توابع له لا حول ولا قوة لها مثل سلطة الترويكا. هناك سلطة ائتلافية فعلا يتقارب فيها، من جهة، الخوانجية وحزب المقرونة وائتلاف الكرامة وبعض الشتات الاسلاموي الصغير ويتقارب من الجهة الأخرى قيس سعيد مع التيار الديمقراطي وحركة الشعب وبعض الشتات الديمقراطي واليساري، في حين يزايد حزب عبير على الجميع رغم تقاربه في بعض المواقف الظرفية مع الكتلة الديمقراطية. وهذا الائتلاف هشّ وغير مستقر وتشقه صراعات عديدة وحادة في بعض الأحيان بين قوى سبق أن تقاربت أو على الأقل لم تكن في علاقة عدائية مثل علاقة الخوانجية بقيس سعيد أو مع حركة الشعب التي سبق أن نسقت مع الخوانجية وفاوضتها على أماكن في الحكومة في عهد الترويكا وذهبت الى حد توزير سالم الابيض فما بالك بالتيار الديمقراطي الذي كان ينتمي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية (منصف المرزوقي) الذي كان زمن الترويكا مجرد ظل للخوانجية. ولكن اليوم ونظرا لتغيرات عديدة اقليمية ودولية وداخلية تجد تلك القوى نفسها في صراع حاد مع الخوانجية، شلّ النظام الذي بنوه معا دون أن تكون رهاناتهم الفعلية تعكس حقيقة هذا التنافر الذي هو في جوانب منه مصطنع. ولئن كانت الترسانة القانونية والدستورية لحد الآن تخدم أكثر الطرف الخوانجي وحلفائه فإنّ هدف المعسكر المقابل هو تغييرها بما يضمن هيمنة الرئيس الفرد (بالنسبة لقيس سعيد) وضمان أغلبية برلمانية لحلفائه السياسيين داخل البرلمان دون إقصاء الخوانجية النهائي من الحكم، وهو ما تلحّ عليه كل الأطراف الدولية الراعية "للمسار الانتقالي الديمقراطي". إنّ القول، إذن، بنظام خوانجي سائد وبضرورة توحيد الرئاسة والكتلة الديمقراطية والمعارضة خارج البرلمان، ولم لا حزب عبير موسي، في مواجهة النظام القائم (الخوانجي) ليس سوى مغالطة تهدف إلى ترقيع النظام القائم وتمتين تجانسه والبحث عن موازنات جديدة تضعف من الخوانجية دون اجتثاثهم من السلطة لأنّ ذلك يتطلب خوض المعركة ضد المنظومة ككل والإطاحة بها برئيسها وبرلمانها وحكومتها وإدارتها والبيروقراطية الأمنية والعسكرية المتنفذة صلبها وبثقافة الجهل والتسطيح والتربية على الخنوع والطاعة والتبعية للزعماء وأولي الأمر وبإزاحة اللثام عن اللوبيات التي تتحكم من وراء موظفي السياسة الخ...
6/ نظام رئاسي أم نظام برلماني؟ متموقع ضمن محور قطر وتركيا أم وراء مصر والسعودية؟ يأتمر بأوامر ماكرون أو بأوامر الأمريكان؟... نظام يكون فيه رئيس الحكومة رهن إشارة الرئيس؟ أو تحت جبة رئيس البرلمان؟ هي ذي أمور لا تعني الشعب التونسي ولا تجيب على قضاياه ولا تحقق مطالبه وطموحه في التحرر والخروج من وضع المنهوب المريض المخبل. إنّ قلب المنظومة السائدة التي تجسد سيطرة النهابين الرأسماليين المحليين والأجانب بدأ بقلب نظامها السياسي الائتلافي المأزوم بكل أطرافه هي مهمة معقدة تبدأ بمواجهة البوليس (بوليس الخوانجية وخصومهم على السواء) لفرض حق النضال والتحرك بحرية دون قمع، وتتطوّر عبر عملية معقدة من تفكيك الهياكل الإدارية والأمنية والقضائية والايديولوجية والثقافية والقانونية وتنتهي باستعادة المنهوب والتصرف فيه من قبل ممثلي الشعب المنتخبين انتخابا ديمقراطيا مباشرا وتتعمم الديمقراطية المباشرة وتمركز هياكلها لتفرز منظومة حكم يكون قرارها سياديا وشفافا نابعا فعلا من الشعب لا مفروضا عليه من قبل صفوة متنفذة متمركزة في المواقع العليا من السلطات السياسية والقضائية الاقتصادية والثقافية والإعلامية...
#محمد_عمامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسلسل -حرقة- كما رأيته من خلال خمس حلقات
-
الأستاذ الرئيس وخطاب إهانة المرأة في عيد المرأة
-
مداخلة عبد المجيد بلحاج عن الجمعية المحلية لحماية واحات جمنة
...
-
رسالة إلى أخي اليساري الإمتثالي
-
اليسار والثورة، نحو الخروج من الزاوية: (مداخلة في ندوة مفتوح
...
-
ملاحظات سريعة حول خطاب -الأستاذ-
-
النصّاب
-
الشعب لا يريد...
-
النزيف.... نحو الحرب الأهلية
-
مازوشية الزواحف الوطنية
-
في الكوابح الذاتية للثورة
-
أطروحات سريعة من وحي ثورة مغتصبة
-
البركوس
-
الثورة الاجتماعية في مواجهة مسخها -الديمقراطي-
-
البرنامج المباشر للثورة الاجتماعية والسياسية بالبلاد التونسي
...
-
الهبة الشعبية الجديدة ودروس 32 أكتوبر 2011
-
تونس ترتقي إلى مصاف الفريسة المتميّزة
-
السلطة -للكفاءات الوطنية-والشارع للشعب الكريم!
-
الإتحاد العام التونسي للشغل بين الوفاق البيروقراطي وتجذر قوا
...
-
نداء إلى من اختار أن يسبح ضد التيار
المزيد.....
-
الولايات المتحدة تتجنب إغلاقاً حكومياً كان وشيكاً
-
مقتل نحو 30 شخصا بحادث -مروع- بين حافلة ركاب وشاحنة في البرا
...
-
السفارة الروسية في البرتغال: السفارة البرتغالية في كييف تضرر
...
-
النرويج تشدد الإجراءات الأمنية بعد هجوم ماغديبورغ
-
مصر.. السيسي يكشف حجم الأموال التي تحتاج الدولة في السنة إلى
...
-
رئيس الوزراء الإسباني يجدد دعوته للاعتراف بدولة فلسطين
-
-كتائب القسام- تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري
-
السلطات في شرق ليبيا تدعو لإخلاء المنازل القريبة من مجاري ال
...
-
علامة غير عادية لأمراض القلب والأوعية الدموية
-
دراسة جديدة تظهر قدرة الحليب الخام على نقل فيروسات الإنفلونز
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|