|
الشرق الأوسط الجديد» الآلام الموجعة لمخاض الحمل الكاذب
فيصل علوش
الحوار المتمدن-العدد: 1635 - 2006 / 8 / 7 - 10:40
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
ترى ما الجديد الذي أغرى وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بأن تعاود الكرة مرة أخرى وتزف للشعب اللبناني ولبقية شعوب الشرق الأوسط ودوله بشرى الولادة الوشيكة لشرق أوسط جديد، وتطالبهم، تالياً، التجمل بالصبـر وتحمل آهات وآلام المخاض العسير لذلك المولود البهي المنتظر؟! ترى ما الجديد الآن، ما دامت هذه ليست هي المرة الأولى التي نُبشَّر فيها بمثل هذا المولود، وما دامت رائحة الموت والمجازر والحرائق والتدمير تكاد تنبعث من كل مكان في لبنان، ما يعني أن الوقت لا يبدو لائقاً أو مناسباً لزف البشارة أو الابتهاج بها؟! قد يرى البعض بأن الأمر كله لا يحتاج عناء البحث والتحليل، وأن ما قالته رايس لا يعدو كونه «جملة عرضية» أرادت من خلالها تبـرير هذه الحرب الوحشية والإيحاء بأن «الشرق الأوسط سيكون أفضل بعدها» رغم كل الخراب الذي يحدث. ويضيف هؤلاء بأن ليس من واجبنا «تحويل كل جملة من مسؤول أميركي إلى نظرية تبـرر تحليلها» وإن هي إلا «مغامرة عسكرية أميركية إسرائيلية جديدة تهدف إلى ضرب المقاومة كقوة داخلية وإقليمية، وكعقبة أمام الهيمنة الأميركية الكاملة على لبنان». بيد أن ما قالته رايس جاء في سياق تسويغ إطالة أمد الحرب وعدم الاستعجال في وقفها قبل تحقيق أهدافها، ما جعل الجميع يستنتجون أن الحرب هي حرب الولايات المتحدة أيضاً، وأنها لن تسمح بوقفها قبل تحقيق قوة الدفع الكفيلة بتحريك عجلة الخطة الأميركية العامة للمنطقة والشروع بتنفيذها، وعليه بذلت واشنطن كل جهد ممكن لتجيير صناع القرار في المجتمع الدولي (الدول الثمانية الكبـرى) لتقديم غطاء دولي لهذه الحرب، مع تعطيل دور الأمم المتحدة ومنعها من اتخاذ قرار بوقف فوري وعاجل لهذه الحرب، أو حتى إدانة إسرائيل بعد ارتكابها للمجازر المرعبة والمدوية في قانا وغيرها من القرى والبلدات والمدن اللبنانية. دعونا إذن نقارب ما استجد في الأمر ونقارن ما بين الصيغة المطروحة حالياً للشرق الأوسط مع الصيغ التي سبقتها، فمشروع «الشرق الأوسط الكبير أو الموسع» والذي قدم عبـر نسخ مكتوبة وموثقة عدة، بدا للمراقبين بأنه سيقوم على «نشر الحرية والديمقراطية» و«محاربة الإرهاب» جنباً إلى جنب، ومعتبـراً أن أفغانستان والعراق، بعد إسقاط نظاميهما، سيشكلان منصة انطلاق ونموذجاً لتعميم الديمقراطية ومكافحة الاستبداد والفساد، أينما كان ووجد، وحتى لو أفضى ذلك لتغيير أنظمة موالية وحليفة، وقيل آنذاك إن جمود الأنظمة العربية واستبدادها يساعد في تفريخ الإرهاب والإرهابيين ويهدد مصالح واشنطن. وأن سياسة الإدارات الأميركية التي انطلقت، طوال نحو نصف قرن، من ضرورة الحفاظ على استقرار الأوضاع في الدول الحليفة، صوناً للمصالح الأميركية أوردت بكلا الهدفين معاً، فخسرت الاستقرار وعرضت تلك المصالح لأخطار شتى! هذا فضلاً عن العزف على وتر أن شعوب المنطقة تطمح للتغيير وتصبو إليه، وتبني الكثير من مطالب قوى المعارضة الديمقراطية التي عانت الاضطهاد والبطش طويلاً من قبل الأنظمة والسلطات القائمة في المنطقة، حتى ظن البعض من تلك القوى بأن الإدارة الأميركية ماضية جدياً بإحداث تحول ديمقراطي حقيقي في منطقة الشرق الأوسط، حتى لو أدى ذلك في بادئ الأمر لإشاعة الفوضى، فهي ستكون من نوع «الفوضى البناءة أو الخلاقة» حسبما جاء على لسان غير مسؤول أميركي. وبدا كذلك كأن الإدارة الأميركية تميل إلى التحالف أو الاعتماد على قوى المجتمع المدني وأحزاب المعارضة التي تتطلع للتغيير بدءاً من التيارات الليبـرالية وانتهاء بالحركات الإسلامية المعتدلة التي تقبل خوض الانتخابات والانخراط باللعبة الديمقراطية. طبعاً كان المشروع الأميركي للشرق الأوسط الكبير ملغماً منذ بداياته بأسباب تعثره وإخفاقه، وأهمها كان هو السعي لتوظيفه في سبيل ضم إسرائيل إليه كجزء لا يتجزأ من نسيجه الطبيعي (عبـر اتفاقات سلام وتطبيع علاقات) والقبول بها ليس كواحدة من دول المنطقة فحسب، بل كقوة إقليمية كبـرى، تلعب دور القائد في مشاريع وشراكات اقتصادية واستراتيجية..الخ، لكن ورغم ذلك فإن الولايات المتحدة التي دخلت بجيوشها إلى المنطقة عملت على إبعاد إسرائيل وعدم زجها في الصراعات العسكرية الدائرة، كي لا تخرج الأنظمة العربية الصديقة وتجازف بإفساد الطبخة ( هذا ما حصل على الأقل خلال غزو العراق، تماماً مثلما حصل من قبل في حرب الخليج الثانية، عندما طلب من تل أبيب الصمت والسكوت، بل وعدم الرد حتى على ضرب المدن الإسرائيلية بالصواريخ العراقية). جديد الشرق الأوسط أما الآن، وبعد المأزق الذي يتخبط فيه مشروع الإدراة الأميركية في العراق، ما ينذر بهزيمته نهائياً، وبعد التقدم الذي أحرزته القوى الإسلامية في أكثر من انتخابات (العراق، فلسطين، مصر) وبعد تعثر المشروع الأميركي في لبنان ذاته، وتشابك كل ذلك مع تصاعد سخونة بعض الملفات الإقليمية وخاصة الملف النووي الإيراني، فقد جاءت سانحة الحرب في لبنان كفرصة مؤاتية ويجدر استغلالها إلى الحد الأقصى (وهي فرصة قائمة ومهيأة أو مخطط لها أصلاً، يتقاطع السعي إليها واستثمارها من قبل جميع الأطراف في الآن عينه). هكذا وفرت واشنطن أكبـر غطاء دولي وعربي أمام إسرائيل لمواصلة حربها اعتقاداً منها بأنها ستتكفل بتدمير البنية العسكرية لحزب الله، وبالتالي كسر الحلقة الأهم بيد التحالف الإيراني ـ السوري (ليس هذا فحسب، بل بدا الأمر وكأن واشنطن تمنح تل أبيب تفويضاً لاستكمال تنفيذ القرار الدولي 1559 في لبنان، غير آبهة بأن إسرائيل أكثر الدول مروقا عن الشرعية الدولية ورفضا لقراراتها) وإضعاف المقاومة الفلسطينية تالياً، وصولاً إلى إحكام طوق العزلة على كل من سوريا وإيران والاستفراد بهما واحدة تلو الأخرى. في الواقع هذا هو جوهر «الشرق الأوسط الجديد» الذي بشرت رايس بأنه سيولد من رحم الأزمة اللبنانية، فعماده الأساس هو تحطيم أو إضعاف النظم والقوى والتيارات المعادية للسياسات الأميركية ـ الإسرائيلية، والتمكين بالمقابل للنظم والقوى والتيارات المؤيدة لهذه السياسات على خلفية إصرار كل من واشنطن وتل أبيب على عدم دفع كلفة حل عادل ودائم للصراع العربي ـ الإسرائيلي بوصفه أس الأزمة الأصلية والرحم الذي تتناسل منه باقي الأزمات. ولطالما كان لبنان هو عنوان الصراع على الشرق الأوسط والساحة التي تتقاطع فيها مختلف الملفات والأزمات العالقة منذ عقود ولعل لبّ الحرب الدائرة الآن تتعلق بإمكان فصل الأزمة اللبنانية عن سياقاتها الإقليمية وملفاتها، أو بقائها رهناً لتلك السياقات حتى إيجاد حلول لها، فيغدو آنئذ حل الأزمة في لبنان كتحصيل حاصل لا أكثر. فروقات وتمايزات لكن، إلى ذلك علينا أن نلاحظ بعض الفروقات والتمايزات التي يجدر التوقف عندها بين قديم المشروع الأميركي للشرق الأوسط وجديده! 1- لا أحد يتحدث الآن عن تغيير الأنظمة، بل تبدو الإدارة الأميركية قد كفت تماماً عن استخدام هذه المعزوفة، التي أدت إلى استنفار العواصم العربية ووقوفها جميعاً ضد المشروع الأميركي وسعيها المحموم لإفشاله رغم مسايرتها الظاهرة والشكلية لبعض استحقاقاته. وبات التوجه الأميركي السابق في نظر الكثيرين مجرد أداة لابتزاز العواصم الموالية لها ودفعها لتقديم مزيد من التنازلات لسياساتها وللسياسة الإسرائيلية أيضاً. 2- عودة إسرائيل إلى الضلوع المباشر في الأحداث الدائرة والتحكم بمساراتها، وعدم التحرج الأميركي من التعاون المباشر مع تل أبيب بغية تحقيق أهداف ضد العرب أو ضد دول عربية (يرى مراقبون أنه لم يسبق ان اختلط الدور الأميركي بالدور الإسرائيلي في حرب مفتوحة ضد دولة عربية بمثل هذا القدر من الوضوح في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي كله) فالدور الإسرائيلي يكاد يشبه دور القابله في توليد ما تبشر به رايس على الساحة اللبنانية في الحد الأدنى. وهذا سيرتب الكثير من النتائج والتبعات مستقبلاً لصالح الدور الإقليمي المناط بإسرائيل، إلى جانب الدور التركي والإيراني المحتمل، كقوى إقليمية رئيسة، في وقت يقف فيه النظام العربي الرسمي عاجزاً ومشلولاً عن القيام بأي شيء، ولا ينتظر سوى إشهار نعيه الرسمي، وليس نعي « مشروع السلام العربي» فحسب. 3- بات من الواضح أن الإدارة الأميركية تلجأ إلى استخدام وسائل وأساليب تقوم على أساس خلق تحالفات جديدة بعد تفجير الخلاف «السني ـ الشيعي» في المنطقة. وتقديم نفسها ومعها إسرائيل على أنهما يقومان بضرب امتداد إيراني في لبنان والعالم العربي (في الحرب الراهنة) وليس صون وحماية أمن إسرائيل في المقام الأول والأخير. والسؤال الذي يطرح نفسه أخيراً هو هل سيكون مصير «الشرق الأوسط الجديد» أفضل من مصير المشروع الأميركي الذي سبقه؟ أو من مصير مشروع شمعون بيرس الذي سبق الاثنين وشكل الملهم لهما.؟ لقد تحول نموذج العراق إلى كابوس يعيشه شعب العراق ويرعب بقية الشعوب العربية، ومرد ذلك كله هو السياسات الأميركية الخرقاء والحمقاء ليس في العراق فقط، بل في عموم المنطقة، فربما كان سيقيض للمشروع الأميركي حظا" من النجاح لو عمل أولاً على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالصراع العربي ـ الإسرائيلي وأهمها الإنحساب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، بما فيها الجولان السوري المحتل ومزارع شبعا، وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة، عاصمتها القدس وضمان حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم بما يرسي أسس سلام دائم ومستمر في المنطقة. وربما كان سيصب المشروع الأميركي حظاً من النجاح أيضاً لو عمل أقله على لجم حدة العدوانية الإسرائيلية وليس إطلاق العنان لها. أما وأنه يترافق مع هذا القدر من الحقد والوحشية، من خلال ارتكاب المجازر ضد الأطفال والنساء واستهداف المدنيين والمنازل وتدمير بنية الدولة ومؤسساتها (مطارات، جسور، كهرباء، ماء…الخ) فضلاً عن تهجير البشر وترويع المدنيين.. فإن ذلك لا يساعد إلا في الوصول إلى نتائج معاكسة تماماً لما تبتغيه رايس ومن خلفها إدارة البيت الأبيض. إن ما يصيب لبنان والعالم العربي الآن من ويلات وكوارث مفجعة هي أشبه بآلام موجعة حقاً لكنها تدفع ضريبة لمخاض حمل أميركي كاذب وولادة شبه مستحيلة لهذا المولود المزيف الذي يطلق عليه «الشرق الأوسط الجديد».#
#فيصل_علوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجاهة المنطق في منطق المواجهة وضده
-
تصاعد العمليات الإرهابية في المملكة السعودية خلفية التطرف وج
...
-
أحزاب مغربية تندمج في -الاشتراكي الموحد-... سباحة ضد التيار
...
-
الثقافة لا تكون معزولة عن السياسة أبداً
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|