|
إضراب عظيم وشعب عظيم
نهى نعيم الطوباسي
الحوار المتمدن-العدد: 6907 - 2021 / 5 / 23 - 12:35
المحور:
القضية الفلسطينية
نهى نعيم الطوباسي*
بالتدقيق في مشهد الإضراب العظيم في فلسطين من البحر إلى النهر، والذي دعت إليه لجنة المتابعة العربية في أراضي الـ48، وأكدت عليه الحراكات والقوى الوطنية والإسلامية، ردا على العدوان الإسرائيلي على شعبنا في قطاع غزة والقدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، فقد أضفى هذا المشهد التضامني والوحدوي أجواء من العزة والكرامة، ومد شعبنا بالحياة من جديد وسط سيل العذابات والمآسي والمجاز. فهذا الإضراب وما سبقه من هبات شعبية، أنعش مسيره النضال الفلسطينية بعد سنوات من الركود، وعلى الرغم من أن هذا الإضراب ليس الأول في تاريخ الشعب الفلسطيني، بل اعتمده شعبنا على مدار التاريخ، كنهج نضالي سلمي، ووسيلة مقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي وسياسته العنصرية، كإضراب عام 1936 ضد الانتداب البريطاني، والهجرة اليهودية، وإضراب عام 1987، وإضرابات الحركة الفلسطينية المتتالية، لكن هذا الاضراب الأخير رغم أنه لم يتجاوز اليوم الواحد، إلا أن له مؤشرات مفصلية على القضية الفلسطينية، وأهمها: اولا، لقد تغلب هذا الاضراب على العزلة التي فرضها الإحتلال الاسرائيلي على القدس والمدن الفلسطينية، وكسر الحصار والجدار، ووحد الفلسطينيين جغرافيا وديمغرافيا في فلسطين ومخيمات الشتات، على راية واحدة وهم واحد. من ناحية أخرى إن دعوة الإضراب من اراضي ال48، كانت بمثابة تذكير لكل العالم بنكبة الشعب الفلسطيني ونتائجها التي لا زالت مستمرة، ووضع تحت الضوء معاناة فلسطينيي ال48، وأن جميع مدن فلسطين هي فلسطينية بما فيها المدن والقرى داخل الخط الأخضر، وأن فلسطينيي الداخل هم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والوطني الفلسطيني، وأن كل الشعب في خندق واحد لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وعنصريته، هذا الإضراب يفند المزاعم الاسرائيلية، بأن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي صراع ديني ، بل صراع من أجل الحرية والاستقلال والكرامة والخلاص من الاحتلال، وأن ما يحدث هو حق للفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم وممتلكاتهم في وجه الاستيطان والتهجير والتشريد والاقتلاع. من ناحية أخرى، أنعش الإضراب الذاكرة، لقضية اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات فجاءت مشاركة الشتات، تجديدا للعهد والقسم على العودة للديار ولو بعد حين، وأنهم جزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية ولم ينسلخوا عنها. إن الأحداث التاريخية الأخيرة والتي يعيشها شعبنا الفلسطيني، تنسف كل التسويات الماضية بل إن الإضراب يتطلب إعادة النظر في كل التسويات وما رسخ في الأذهان من مسلمات، وإعادة رسم حدود المشروع الوطني الفلسطيني، وحدود الدولة الفلسطيينة، من رأس الناقورة شمالا الى أم الرشراش جنوبا وفقا لما قبل قرار التقسيم 181 عام 1947. من ناحية أخرى لطالما كان الإضراب تاريخيا تعبيرا عن وسيلة احتجاج ضد الظلم والتمييز والعنصرية، والإضراب الأخير كان بمثابة رسالة واضحة لكل العالم، الذي يجب ان يفهمها، أن شعبنا الفلسطيني هو شعب حر لن يقبل أن تمارس عليه العنصرية والاضطهاد من قبل الاحتلال الاسرائيلي. ولا بد من الإشارة إلى أن قيادة الشباب للهبات الشعبية وللإضراب العظيم، ما هي إلا دلالة على ولادة هذا الوعي الجمعي لكافة فئات شعبنا بما فيهم الشباب، وهذه الولادة لم تأت بمحض الصدفة، وإنما نتيجة الظروف الصعبة التي يعيشها الشباب الفلسطيني، والعنصرية التي تمارس عليهم من خلال الحكومة الاسرائيلية وممارساتها ضد المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل، ومحاولة تفتيت وطمس هويته وخلق الفتنة بين أبنائه، في كافة مناحي الحياة بما في ذلك التعليم و العمل، ونتيجة الانقسام وتداعياته عليهم من تهميش وبطالة. من الواضح أنه وبعد سنوات من التعتيم على القضية الفلسطيينة، وحرف البوصلة عنها عربيا ودوليا ،وبعد أن تعرضت القضية الفلسطينية لوابل من الطعنات في الخاصرة من بعض الدول العربية بتطبيعها مع الاحتلال الإسرائيلي، جاءت الهبات الشعبية في فلسطين والإضراب العظيم، ليعيدوا القضية الفلسطينية من جديد الى الصدارة، وهذا يتطلب أن لا تضيع هذه الهبات الشعبية، وهذه اللوحة التي شكلها الإضراب الشامل من الوحدة والتكامل بين الديمغرافيا والجغرافيا والروح، والتي غابت عن المشهد الفلسطيني لسنوات طويلة، بل لا بد من استثمارها واقتناص الفرصة، والبناء عليها، والتحرك في مسارين متكاملين الأول الدبلوماسية الناعمة، وذلك بالضغط على المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته اتجاه القضية الفلسطيينة، والزام المنظومة الدولية بمحاسبة اسرائيل على جرائمها. ووقف سياستها العنصرية، والثاني المسار المقاوم الشعبي، وتوحيد المرجعيات الوطنية ببرنامج وطني موحد، تحت راية واحدة وأهداف موحدة. فالمرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية مرحلة خطيرة، تسعى فيها اسرائيل وحلفاؤها لتصفية القضية الفلسطينية، لكن جاءت الهبات الشعبية والإضراب لتاكيد تلك اليقظة التي يعيشها شعبنا اليوم بكافة فئاته. ولا يبدو الأمر كما راهن البعض أن ما يحصل مجرد هبات عفوية وسرعان ما ينطفئ وهجها، ويمل أصحابها، لكن من الواضح أن هذه الهبات الشعبية، في الداخل المحتل و كافة أرجاء فلسطين، ليست مجرد تفريغ نفسي، وليست ردات فعل مبعثرة، ولكنها حالة النهوض من بين الركام والتجمع بعد سنوات من الفرقة والضياع، وحالة كسر القيود التي أحكمت على شعبنا منذ زمن طويل. إنها معركة القدس والوجود على الأرض فلا يجب ان يتم إجهاض ما توّجته هذه الهبات، وما نتج عن الإضراب من مشاعر ايجابية، تسمو على الخلافات، والشعور بالوحدة والتضامن الجمعي والجماعي لكل الفلسطينيين في فلسطين وخارجها، فالمطلوب البناء على هذا الزخم العظيم من وحدة الجغرافيا والديمغرافيا والراية. وأن يعزز وينشر الخطاب الوحدوي، وإسقاط كل الخطابات التي تحمل الكراهية والعدائية بين أبناء الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه وأحزابه وفئاته. اخيرا، ومهما جرى تشتيت البوصلة تعود القدس لتجذبها اليها من جديد، هذه القدس سيدة الكون، تأبى إلا أن تكون شامخة حرة بشعبها ووحدته، و حريتها و تحريرها و تحرير كل فلسطين، ليس حلما مستحيلا بل إنه اليقين الذي قدم لأجله شعبنا التضحيات، قال تعالى " انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا" باذن الله. *ماجستير حل صراعات وتنمية
#نهى_نعيم_الطوباسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ارتفاع الأسعار من زاوية مختلفة
-
غياب دور الجامعة العربية تجاه القدس
-
ظاهرة عمالة الأطفال في فلسطين
-
التعليم أولوية وطنية وعماد النهضة
-
باقون على أرضنا
-
الشباب أمل المستقبل وقادة التغيير لا أدوات استقطاب
-
القطاع الصحي وثقة المواطن الفلسطيني
-
الثقافة في خدمة الاستيطان
-
الانتخابات وإنهاء الانقسام الفلسطيني
-
القدس والخناق الاقتصادي
-
عمالنا في الداخل ونمط العبودية الحديثة
-
تقصير الأمم المتحدة في تحقيق العدالة والسلام للفلسطينيين
-
العشوائبات ومواجهة خطط التطهير العرقي في القدس
-
ملح هذه الأرض: عن الوجود المسيحي الأصيل في فلسطين
-
وفاء للمتقاعدين وكبار السن
-
كورونا بنظرة تفاؤل
-
في يوم الطفل العالمي: العدالة لأطفال فلسطين
-
ماذا بعد الانتخابات الأميركية
-
الجريمة في ظل انعدام تقدير الذات العربية
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|