|
طريق الهاوية -15-
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 6906 - 2021 / 5 / 22 - 14:18
المحور:
الادب والفن
أقلب صفحات الفيس بوك ، و أبحث عن مادة أقرأها كي أخرج من حالة الملل ، أشعر بالضياع . أعجبتني مدونة إحدى النّساء ثم أسفت لأنني قرأتها ، فهي تعطيك فكرة أنه لا يمكنك قول الحقيقة أبداً . كتبت في مدوّنتها : رأيت سيدّة تبحث في القمامة عن طعام . علّق أحدهم : ما العيب ؟ بدون طعام لا نستطيع العيش ، وأغلبنا يبحث عن رغيف. لا زلنا ندفع لهارون الرشيد من أجل أن يشتري الجواري ، لم يعد لدينا المال منذ ذلك الوقت بل ربما قبله . كثرت التعليقات على المقال المنشور على المدوّنة ، وبعضهم وصفها بأنّها تعمل على التّحريض ، ثم أعجب الموضوع البعض ممن لا يعرفونها ، ولم يقرؤوا لها ، فاتهموها بالكفر ، و أباحوا دمها. أرى أنّه أصبح لدينا مفكرون كبار، فالمفكّر الكبير يدلي بدلوه ، ونحن نغرف من الدّلو ، لكنّه لن يستطيع التفكير إلا إذا توفرت له الظروف التي تجعل عبقريته تخرج منه ، لذا هناك من يحرّضه على التفكير بتقديم كأس نبيذ ، وشيك مفتوح ، عندها يفكّر كثيراً . لدى أحدهم قناة يوتيوب ، هو يقتبس من كلام "المفكر العظيم" ، ويعمل على الوصول إلى الحقيقة بطريقته، فقد كان عسكرياً ثم أصبح أديباً، وناقداً سياسياً ، وهذا لا يمنعه من عرض صوره مع مجموعة من " المفكرين " كونه سوف يصبح واحداً منهم. نعود إلى المدّونة التي اختفت من العالم الافتراضي ، فقد خافت صاحبتها على حياتها من المتنمرين، و اعتذرت عن مقالتها، كتبت تحت التعليقات: أشكركم أصدقائي . لفتم نظري لقضية مهمة . فعلاً نحن شعب نأبى أن نأكل من القمامة . اختفى موقعها، لكنها ظهرت فيما بعد في صحيفة غربية ، وكانت الصحيفة قد أجرت معها مقابلة بعد أن تعرضت لطلق ناري أثناء عبورها الحدود. قالت للصحيفة : السيدة التي كانت تفتّش بالقمامة هي أنا ، فقد ضاقت عليّ الدنيا ، كان عليّ أن أطعم أولادي ، كنت أحاول أن أسرق ، أو أذهب إلى حيّ أصحاب الشّأن ، أجلب بعض ما يرمونه، و أعيد طبخه لمدة طويلة خوفاً من التّسمم، كان أولادي سعداء بذلك . فقد كنت أوصل قطع البيتزا المرمية ببعضها بواسطة بعض الطحين الممزوج بالماء . البعض يتمنى على قطعة خبز ، أغلب النساء يمشين ورؤوسهن تنظر إلى الأرض علّهن يجدن لقمة، أو لباساً، أو كنزاً . . . .
نعتقد أنّنا مصابون بالعجز الدّائم، وندعو من الله أن ينقذنا، لا نكف عن الدّعاء ، نفتح على صدورنا أمام القمر، نطالب ذاك الذي يبدو في داخله أن يرفع عنا الظلم. نذهب إلى النوم، نبني مدينة من الأحلام ، نتجوّل في ساحات الليل، نضيئها بأوهامنا، نصنع لنا عالماً من جمال ، وفي كلّ نهار نجترّ الألم، ننسحب إلى الليل حيث ممالكنا الوهمية، وسعادتنا التي نبحث عنها. في مرّة أعملت فكري ، اكتشفت هول الكارثة. قفلت عليه ، دافع عن حقّه: أليس الأفضل أن تكوني واعية لما يجري؟ -دعني ، ارحل حيث كنت نائماً ، غفلتني تجعلني أقل تعاسة . لماذا تريدني أن أعي ما حولي؟ -أجلب لك مثلاً: هناك قضية حول أمّ و أب ربيا ولديهما على العز و الدلال ، و من ثمّ خدّرت الأمّ صهرها، ثم قتله الأب وقطّعه، ثم فعلوا نفس الفعل بابنيهما. -اخرس! لا أحب أن يكون هذا صحيحاً. -هناك شاب قتل أمه، كان يطعم الكلب من لحمها ، ويطبخ بعضه له ، وأعطته المحكمة عذراً لأنّه مدمن لا يعي ما يفعل. -هيا . ادخل بسرعة ، سوف أغلق عليك الباب . -هناك رجل قتل زوجته، و آخر قيّد ابنته، وثالث ربط ابنه الصغير -سوف تدخل إلى جحرك مرغماً . ها قد استطعت أن أقفل عليك . يا لفرحي ! سوف أبحث عن مدى صدق تلك القصص. يا للهول! فتح عليّ عقلي مصيبة كنت في غنى عنها . بدأت أراجع موقفي في الحياة. تباً لك أيها العقل. كنت مغفلة سعيدة. لماذا أدخلت التعاسة إلي ، عرفتني على الحياة. أنت نائم الآن، تراقب ألمي . لم يكن هناك عصابة على عيني ، فأنا بالأصل لا أرى ولا أسمع ، لكنّك كنت مختبئاً، طهرت فجأة لتقول أمراً، تقلب حياتي إلى الشقاء. . . . لا أعرف ماذا سوف آخذ معي لو تركت الدّار . ليس لدّي الكثير من الأثواب ، لا جواهر ، لا أسرار. اليوم أكتشف فقري في المتاع و التفكير. كنت معتدّة بنفسي . كل شيء لدي فارغ أفسّر الأمور على غير ماهي عليه كي أرضيني ، تصبح مسلمات . لم أعرف أدير حياتي . كان يمكنني التّحايل على بعض الكلمات . فقط اليوم أرى بيتي يشبه ذلك الخراب ، لكنّني مربكة، قضيت عمري هنا . كيف يمكن لي أن أغادر إلى مكان ليس لي فيه أهل ولا أصحاب؟ ما أسخفني! أين أصحابي هنا؟ هو فقط ياسر ومريم ، وياسر سوف يرافقني. -أين أنت يانوال ؟ سوف نخرج في الثانية بعد منتصف الليل . علّقي ثيابك على حبل الغسيل كي يظنون أنّك في الدار. لا تجلبي معك أيّ شيء ، نحن لا نحتاج إلى تعريف ، يبدو علينا أنّنا لسنا من أهل الأرض ، فبؤسنا مرسوم على ملامحنا . -إذا وصلنا إلى برّ الأمان : هل سوف نعيش؟ أرغب أن أذهب إلى المسرح ، أن أتسوّق، أن آكل البوظة ، أن أرقص في الشارع ، أن نمسك بأيدي بعضنا البعض، ونحن نضحك على لا شيء . الشحك بلا سبب هو أمل أنواع الضحك . ليس لديّ الكثير من الأماني . فقط أرغب أن أتحدّث مع النّاس . أن أتحدّث عن نفسي كإنسان. هل يمكن أن يجري لي هذا؟ أرغب أن أقف على المسرح ، أدير ظهري للجمهور ، أغني أغنية عن الحبّ، أدير بعدها وجهي ، أرتمي ، أبكي . أسأل الجمهور : هل تعرفون شيئاً عن ظلم النّساء، أشرح قصة فاطمة ومريم ، يبكي الجمهور ، ويخرج شاب من بني جلدتي يغني أغنية الجنازة، ويسير الجميع خلف بعضهم البعض يؤبنون الفقيد . -هيا نعود بسرعة إلى المنزل ! أسمع ضجيجاً يشبه العواء ، يقترب من هنا. -إنه أمامنا . رجال ونساء و أعلام ، هتافات ، وحماس . دبكات ، وهلاهيل نساء . ماهذا الذي نراه يا ياسر ؟ -مظاهرة عفوية يا عزيزتي . لو أراد أحد المشاركة بها لمنعوه . هي مظاهرة لمجموعة أولياء الوطن -حسب اللافتة -تشتم الخونة . تتوجه المظاهرة العفوية جهة بيتنا . تعالي نسير عكس الاتجاه. . . . اعتقدت أنّني تغيّرت بفعل الزمن ، لم أتغير ، فقط الزّمن هو الذي تغيّر . أنا و أنتِ متشابهان . في داخلنا غضب ينتظر من يحرّضه كي يخرج ، ويصبح زلزالاً ، و لا نستطيع كبح جماحه . لم نتعلّم كيف نضحك . كان آباؤنا يحاسبوننا على الضّحكة المنفلتة رغماً عنّا، نشأنا منفلتين غير عابئين بشيء . زميلي في المدرسة لم يذهب مثلي إلى الجيش . ولم يحصل على الثانوية . أرسله والده إلى دولة أوروبية ، و أصبح طبيباً . هو في الحقيقة يعمل بمنصب إداري عال ، لا يمارس الطبّ ، ليس خوفاً على أرواح الناس بل لأنّه لا يروق له . -كلّما أردت أن أنسى الماضي تعيدني إلى كوابيسي . كأنّك مكلّف بمهمّة ربانية تنكّد من خلالها عيشي . تذكرت الآن بعذ الماضي الذي نسيته : كان النّاس يقولون بأنّ الدعار مربحة ، وفي مرّة كنت وحيدة ومحتاجة للمال ، ذهبت ووقفت في الشارع الخاص بالدعارة تصوّر أن أحداً لم يكترث لأمري حتى لو كنت متبرّعة ،مع أني كنت في ذلك الوقت في الثلاثين ، فيما بعد عرفت أنّها عمل يحتاج إلى سيرة ذاتية ، و أنّ الكثيرات ممن عملن بها أنشأن منظمات خيرية بعد الأربعين . منظمات غير ربحية ، تدّر الكثير من الرّبح . أبو ثائر " الضابط الأمني الكبير" كانت زوجته تذهب إلى معلّمه بعلمه ورضاه ، وبرضاها أيضاً ، تدرجت في المناصب ، في العام الماضي حصلت على لقب " الأمّ المثالية " في باريس " عاصمة الحرية" حيث يقيم أولادها ، ولهم جمعيات حقوق إنسان خاصة بهم. ذهبت تلقت الجائزة ، و ألقت كلمة بمناسبة التّكريم ، ثم عادت . أبو ثائر دخل السجن ، وتزوجها المعلّم زواجاً يشبه زواج هارون الرشيد من الجواري . منذ أيام صدر كتابها الأوّل حول النسوية ، وحول المجتمع الذكوري . -كفى ! إذا كنت قد أعدت لك كوابيسك ، فإنّك تحفرين قبري بيديك. تعالي يا نوال نضحك . نضحك كثيراً كي نتعلّم فنّ الضحك . -كيف ؟ -أو تبكين؟
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طريق الهاوية -14-
-
النّبش في الذّاكرة
-
طريق الهاوية -13-
-
طريق الهاوية -12-
-
قصة عن العبودية
-
طريق الهاوية -11-
-
انتصار الفكر الداعشي في المحرّر
-
طريق الهاوية -10*
-
الصحفي مهدد بالقتل في عقر داره
-
طريق الهاوية -9-
-
لحظات ضعفي ، ولحظات قوّتي
-
عزيزتي الأم
-
الاندماج
-
80 دولة حول العالم تحتفل بالأول من أيار
-
الحركات النسوية العربية، ومي تو
-
طريق الهاوية- 8-
-
الثّرثرة
-
طريق الهاوية -7-
-
مساهمة المرأة في صنع المجتمع الذّكوري
-
يموت المعارضون ، ويبقى الدكتاتور
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|