أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - يدها الصغيرة-قصة قصيرة














المزيد.....

يدها الصغيرة-قصة قصيرة


سامي الكيلاني

الحوار المتمدن-العدد: 6906 - 2021 / 5 / 22 - 11:38
المحور: الادب والفن
    


ما زالت تلوّح له بإصرار، وفمها الصغير ما زال مفتوحاً على نداء لم يسمعه، من المؤكد أنها كانت تناديه وترفع صوتها مستغربة من أنه لا يسمعها، أو أنها تتساءل وتسأل أمها لماذا لا يرد عليها. اليد الصغيرة والفم الصغير واضحان في الصورة التي لم تبارح تفكيره في الليلة الماضية، تحتل تفكيره ومخيلته، لكن صورة الوجه كاملاً للصغيرة والأم لا تتشكل بوضوح. الصورة واضحة لليد التي تلوّح وللفم الصغير الذي ينادي، يراها من خلف العصبة السوداء التي تلتف حول رأسه وتغطي العينين. الصورة تستطيع عبور كل أسوار الألم الذي ينطلق من كل أنحاء جسمه ويضرب في رأسه. ألم اليدين المقيدتين للخلف، خاصة ألم الكتفين اللذين يشعر بأنهما سيسقطان من مكانهما. ألم العجز ومفصل الفخذ من الجلوس الإجباري على الكتلة الإسمنتية الباردة في ساحة الشبح في المعتقل العسكري. ألم ليلة كاملة متراكم في كل جزء من جسمه، لكنه ألم فاشل، ألم مهزوم أمام هذه الصور، ألم لا يستطيع أن يغلق نافذة الصورة التي ولدت مجدداً على مصراعيها مع سماع صوت العصافير على الشجرة القريبة خلف غرف التحقيق والزنازين في القسم الخارجي من هذا المعتقل الذي زاره مرات سابقة. إذن إنه الصباح، إذن إنها ليلة كاملة قد انقضت وهو على الكتلة الإسمنتية مجمداً في هذه الليلة الباردة. لا يريد التفكير بما سيحدث بعد هذه الليلة، الاحتمالات متعددة، من الأفضل أن يبقى مع الصورة ويذهب إلى التفكير بيومها القادم. يرى الصغيرة تصحو والأم تحضّرها للذهاب إلى الروضة وستغدق عليها حناناً مضاعفاً تعويضاً عن غيابه، يحبهما ويستمد من حبهما قوة لليوم القادم، لكل الاحتمالات القادمة.

يدها الصغيرة تلوّح بشدة تستجدي تلويحاً يرد عليها. جاءت الطفلة مع الأم لأن المعتقلين في الليل يجمّعون في مقر الحكم العسكري لينقلوا صباحاً إلى المعتقلات، وكان التقدير صحيحاً. رآهما من شباك حافلة السجن على رصيف الشارع المحاذي، أقرب مسافة استطاعتا الوصول إليها، رأته الصغيرة وبدأت تلوّح له وتناديه، يداه مقيدتان خلف الظهر ولا يستطيع الرد على التحية بمثلها، بدأ بهز رأسه، هذا أقصى ما يستطيع فعله، أقصى أمانيه أن يفك صاحب معجزة ما يديه ليرد التحية بأحسن منها. بقيت الصغيرة تلوّح وهو يهز رأسه حتى عبرت الحافلة المنعطف. استمر في هز رأسه وكأنه في طقس روحاني ينادي أو يعاتب أصحاب المعجزات والكرامات الذين لم يتقدم أحد منهم لفك يديه ليرد التحية بأحسن منها، وإن لم يكن لك ممكناً، فهل يمكنهم أن يكبروا صوت غنائه الداخلي ليصل إليها، الصوت الداخلي غير مقيد، لا حاجة لفك قيوده، مجرد عملية تكبير للصوت ونقله إليها لتسمعه، لتسمع غنائه للنشيد الذي يصاحبه في الطريق القصير بمسافته الطويل بألم القيد البلاستيكي الذي يضغط على رسغيه، النشيد الذي تصدح بها حناجر السجناء في كل مناسبة وكل مواجهة مع السجان، ولتسمع تحويره للنشيد من أجلها، من أجل يدها الصغيرة التي لوحت له ولم يستطع أن يرد عليها. تدور الأغنية، يدور النشيد وهو يهز رأسه، يغير الكلمات ليخاطبها، سينكسر اللحن قليلاً: نعم لن نموت، ولكننا/ سنقتلع الموت من أرضنا/ هناك بعيداً بعيد/ سيحملني يا صغيرتي* الجنود/ سيلقون بي في ظلام رهيب ….
تجاوز المقطع الذي كسرته الصغيرة، واستمر يهز رأسه ويكمل النشيد.
-----------------------
*سيحملني يا رفيقي



#سامي_الكيلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيخ جراح فتح الأبواب
- موعدان-قصة قصيرة
- يلاّ يا تين-قصة قصيرة
- الولد سرّ أبيه-قصة قصيرة
- أذّن يا خطيب
- يوم مشؤوم-قصة قصيرة
- السيدة وارفة الظلال
- ذليل-قصة قصيرة
- مقعدان-قصة قصيرة
- دفتر المفتشة-قصة قصيرة
- ذات مطر ثقيل-قصة قصيرة
- ضوء القصيدة-قصة قصيرة
- ما تخافيش-قصة قصيرة
- ثلثي المشاهدة-قصة قصيرة
- انثروا الطيبة-قصة
- عصير ليمون-قصة قصيرة
- عين-قصة قصيرة
- مشاعرة-قصة قصيرة
- وجوه هذا الصباح-قصة
- طعم آخر للورق-قصة قصيرة


المزيد.....




- قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل ...
- ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية ...
- حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
- عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار ...
- قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح ...
- الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه ...
- تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
- مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة ...
- دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
- وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - يدها الصغيرة-قصة قصيرة