أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسام جمال - دور الدين في نشأة وحماية العلم.















المزيد.....

دور الدين في نشأة وحماية العلم.


حسام جمال

الحوار المتمدن-العدد: 6905 - 2021 / 5 / 21 - 15:13
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في البداية قبل سرد المقال، يجب أولاً التنبيه إلي منشأ أسطورة الصراع بين العلم والدين، هذه النظرة التي تري أن العلم والدين كانوا وما زالوا أعداء ولا يمكن التوفيق بينهما - منشأ هذه الأسطورة يكمن في:

[1] كتاب شخص يسمي أندرو ديكسون وايت “تاريخ حرب العلوم مع اللاهوت في العالم المسيحي” (1896) الذي جادل فيه أن التاريخ يمكن فهمه كصراع بين حقبتين ”حقبة التفكير اللاهوتي“ و ”حقبة التفكير العلمي“.
[2] نظرية أوغست كونت عن المجتمعات التي من خلالها تمر المجتمعات بثلاثة مراحل ”دينية ثم ميتافيزيقية ثم علمية أو وضعية“.

بعد أن تم إصدار الكتاب المذكور في القرن التاسع عشر بدأت فكرة أن العلم والدين في صراع دائم وأنه لا يمكن التوفيق بينهما تنتشر في وسائل الإعلام وبين العامة في كل أنحاء العالم، وأصبحت فكرة شعبية يعتقد بها عدد لا بأس به من البشر.

الآن إلي تفنيد هذه الأسطورة من خلال سرد الحقائق التاريخية سأعتمد هنا علي:
[1] محاضرة من جامعة كامبريدج بعنوان ”الأصول الدينية للعلم الحديث“
[2] مقال منشور علي موقع جامعة دورهام البريطانية بعنوان ”الدين ليس عدواً للعلم لطالما ألهم العلماء لقرون“
[3] كتاب أكاديمي منشور من دار نشر جامعة شيكاغو بعنوان ”تقاطعات العلم والدين“
[4] كتاب أكاديمي منشور من دار نشر جامعة أكسفورد بعنوان ”العلم بدون الإله؟“
[5] مقال أكاديمي منشور علي موقع جامعة كوينزلاند بعنوان ”الدين، المجتمع الملكي البريطاني، ونشأة العلم“.

كل هذه المصادر توضح كيف أن الأفكار الدينية ساهمت في نشأة العلم نفسه وكيف حافظت عليه، من خلال عرض أربعة نقاط أساسية سأوضحهم الآن، وسأضع روابط هذه المصادر في نهاية المقال.

النقطة الأولي: التفكير الديني للعلماء في الماضي كان الدافع وراء نشاطهم العلمي.

من الناحية التاريخية غالباً ما يكون صعباً معرفة ما الذي يحفز أفراد معينين للقيام بالأنشطة التي يقومون بها، ولكن في بعض الأحيان يكون الأفراد صريحين تماماً بشأن ماهية الدوافع، ونحن نعرف هذه الدوافع لبعض الشخصيات الرئيسية في الثورة العلمية في القرن السابع عشر فقد كانت دوافعهم دينية، إليكم بعض الأمثلة:

- يوهانس كيبلر عالم فلك وهو شخصية رئيسية في تحديد الطبيعة الإهليجية لمدارات الكواكب وتوصل إلي ثلاثة قوانين لحركة الكواكب تم إختزالهم بعد ذلك في قانون نيوتن الوحيد للجاذبية العالمية، لذلك فقد كان شخصية محورية في الثورة العلمية وهذا ما يقوله بنفسه عن دوافعه ”كان يريد اولاً وقبل كل شيء أن يكون عالم لاهوت هذا كان هدفه الحقيقي لكنه رأي أنه يمكن إعتبار دراسة علم الفلك مماثلاً للإنشغال بدراسة العلم اللاهوتي فكلاهما عبادة للإله ووصف العلماء بأنهم كهنة الطبيعة“ فإنخراطه في العلم كان دافعه ديني.

- روبرت بويل يعرف بأنه أبو علم الكيمياء الحديث في الثورة العلمية الغربية وهو واضع قوانين الغازات التي يدرسها طلاب المدارس الإعدادية والثانوية وهذا ما يقوله بويل عن دوافعه الشخصية للإنخراط في العلوم ”إكتشاف كماليات الله المعروضة في المخلوقات هو عمل ديني أكثر قبولاً من تقديم الذبائح لله“ يمضي أيضاً ليقول ”أن التأمل العقلاني للطبيعة هو عبادة الله الفلسفية“ والغريب أن بويل إستخدم نفس العبارة التي إستخدمها كيبلر ووصف العلماء بأنهم كهنة الطبيعة.

- إسحاق نيوتن، من أكبر عباقرة الفيزياء والرياضيات، واضع قوانين الحركة الكلاسيكية، مكتشف الجاذبية، مخترع علم التفاضل والتكامل، مخترع أول تلسكوب، له إسهامات مختلفة في علم البصريات، وهذه دوافعه الشخصية للإنخراط في العلم ”مهمتي هي العمل مع هبات الله من الحواس والعقول لإستعادة المعرفة المفقودة عن الطبيعة“

النقطة الثانية: إلإفتراضات التي يقوم عليها العلم الآن كان لها في الماضي أصولاً دينية.

كي يبدأ العلماء بممارسة العلم من الأساس يجب عليهم أولاً أن يفترضوا بعض الإفتراضات المسبقة مثل أن ”الكون عقلاني وقابل للفهم“ وفي الواقع كما يقول عالم الفيزياء الحاصل علي جائزة نوبل شيلدون غلاشو هذه الإفتراضات تكون مجرد إيمان من قبل العلماء، فلم يقم أحد بتجربة وأثبت فيها أن الكون قابل للفهم لكن يجب أن يتم إفتراض ذلك مسبقاً حتي نتمكن من ممارسة العلم، بالتعبيرات العلمية الآن عندما نقول أن الكون عقلاني فنحن نقصد أن الكون يتبع قوانين ونظام محدد ونحن نسمي هذه القوانين ”قوانين الطبيعة“ ونسعي لإكتشافها كل يوم بواسطة ما نسميه ”العلم“، بعد القرن التاسع عشر بدأ العلماء يفترضون أن فكرة أن الكون عقلاني أي أنه يتبع قوانين ونظام محدد هي خاصية أساسية في الكون نفسه بمعني أن الكون هكذا لأنه هكذا وفقط لا نحتاج تفسير لسؤال ”لم الكون يبدو عقلاني“ لكن في الواقع إختراع فكرة أن الكون يتبع ”قوانين الطبيعة“ كان بسبب إيمان علماء القرن السابع عشر مثل نيوتن وديكارت بأن الكون – مخلوق بواسطة خالق مصمم صممه ليسير وفق هذه القوانين ونحن يجب أن نسعي لإكتشافها – فالإفتراض الأساسي الذي يقوم عليه أي علم الآن كان السبب فيه الإيمان الديني، الإيمان الديني هو ما إخترع فكرة ”قوانين الطبيعة“ التي تعتبر جوهرة العلوم، فقد تسبب في إعتقاد العلماء بأن هناك قوانين محددة يسير وفقها الكون، فهم آمنوا أولاً أن الكون خلق بواسطة مصمم ونتيجة لهذا الإيمان إفترضوا أنه طالما الكون مخلوق بواسطة مصمم إذا فهو يتبع ”قوانين طبيعية محددة“ ثم بدؤا رحلة إكتشافها؛ فها هو ديكارت – الذي يعتبر من قبل معظم مؤرخي وفلاسفة العلم هو الرجل الذي إخترع مفهوم قوانين الطبيعة – ”كل شيء في الكون، يتصرف بطريقة معينة، هذا هو قانون الطبيعة، إنه حرفياً الله يفرض إرادته على المادة في كل لحظة، بطريقة عقلانية“، وها هو نيوتن يقول ”عمل الحقيقة والفلسفة – وتذكر أن الفلسفة تعني العلم لهؤلاء الأشخاص في ذلك الوقت – هو الإستفسار عن القوانين التي إختارها الخالق.

النقظة الثالثة: أسس العلم التجريبي كان لها أصول دينية.

النظرة الأرسطية القديمة للعالم كانت نظرة قائمة علي ملاحظات الحس العام، أرسطو يضع ريشة في يده ويتركها فيجد أنها تسقط ببطيء مقارنة بحجر يتركه من يده فيستنتج من ذلك أن الأشياء الثقيلة تسقط علي الأرض بسرعة أكبر من الأشياء الخفيفة، كانت النظرة الأرسطية قائمة علي فكرة أن حواس البشر كاملة ويمكنها أن تدرك بسهولة حقيقة الطبيعة، ظلت هذه النظرة مهيمنة لفترة طويلة جداً، لكن في القرن السابع عشر وإعتماداً علي حجج دينية جادل العالم باسكال الذي كان له دور مهم في تطوير العلوم أيضاً أن هذه النظرة الأرسطية خاطئة والسبب في ذلك أنها تتعارض مع الإنجيل المسيحي، فحسب روايات الإنجيل، غضب الله علي آدم لأنه عصاه، وأمره بالخروج من الجنة والنزول إلي الأرض - نتيجة لغضب الله على آدم فقد جعله كائن غير كامل، وعليه إستنتج من الإنجيل أنه لا يمكن الوثوق في حواس البشر بل يجب أن نستخدم طرق أخري، شارك باسكال في هذه النظرة مؤسس العلم التجريبي في الغرب فرانسيس بيكون فقد ذكر أيضاً أن ”ذكاء البشر بمفرده لا يمكن الوثوق فيه، بسبب سقوط آدم من الجنة ويجب أن نستخدم طرق أخري“ ليأتي بعد ذلك أحد أهم علماء المجتمع الملكي البريطاني روبرت هوك ليقول في واحد من أشهر الكتب العلمية كتاب Micrographia ”لدينا عدم إكتمال فطري في داخلنا بسبب إرتكاب الخطيئة، بالنظر إلى ذلك، فإن العلاجات يمكن أن تنطلق فقط من الفلسفة الواقعية والميكانيكية والتجريبية“ فكان بذلك أول عالم يري كائن حي مجهري بواسطة الميكروسكوب، فالتفكير الديني كان أحد أهم الأسباب التي دفعت علماء القرن السابع عشر لأداء العلم تجريبياً إعتماداً علي أجهزة أكثر دقة من حواس الإنسان كالميكروسكوبات والتلسكوبات، وليس إعتماداً علي الحدس العام الخاطيء لأرسطو.

النقطة الرابعة: الدين حافظ علي العلم في الماضي.

في القرن السابع عشر كان تفكير البشر بدائي قليلاً، فكان معظمهم يري أن ممارسة العلم بلا فائدة وأنها نشاط تافه لسنا بحاجة إليه، فقد كانوا يتسألون ما هي فائدة العلم؟ ما هي المبررات كي نمارس العلم؟ ماذا نستفيد نحن كإنسانية إن عرفنا أن مدارات الكواكب إهليجية؟ ماذا نستفيد إن عرفنا أن الأرض تدور حول الشمس؟ ما كان تفكيرهم في الماضي يمكنهم من إدراك أن العلم ستكون له أهمية كبيرة جداً وأنه سيغير حياة البشر، في هذه الفترة إستخدم علماء القرن السابع عشر الدين كمبرر لممارسة العلم وبالتالي تمكنوا من حماية العلم من الزوال وجعلوه يستمر وذلك من خلال طريقتين:

- أقنعوا الناس أن ممارسة العلم مهمة لأنها تمكننا من التعرف علي قوة وعظمة الإله من خلال دراسه مخلوقاته كما قال روبرت بويل تماماً ”نكتشف كماليات الإله المعروضة في مخلوقاته“

- أقنعوا الناس أن الإنخراط في الأنشطة العلمية يمكن إعتباره نشاط تعويضي في جوهره يعيد لنا السلطة التي نتمتع بها على بقية الخلق، فالعلم سيمكننا من التحكم في المخلوقات الأخري وذلك بعد أن خسرنا هذه السلطة بسبب الخطيئة.

وبالمثل علماء الحضارة الإسلامية الذين سبقوا الحضارة العلمية الغربية كانوا أيضاً مدفوعين بآيات القرآن التي تحض علي البحث في الطبيعة ودفعتهم هذه الآيات للإبداع في علوم الطب والفلك والرياضيات والعمارة والزراعة والهندسة والكيمياء وغيرها [7]، ولإختراع وتطوير العديد والعديد من الأشياء [8]، لكن في عهد الحضارة الإسلامية لم يقم أحد بسجن أو تكفير أي شخص بسبب علومه - كل التكفيرات كانت لأسباب عقائدية فقط [9] - عكس ما حدث مع بعض الأشخاص في الحضارة العلمية الغربية مثل غاليليو.

وفي العصر الحديث العديد والعديد من العلماء في أنحاء العالم لا يعتقدون أن العلم والدين في تعارض، والعديد والعديد من العلماء مؤمنين وليس كما يروج دوماً أن أغلبية العلماء ملحدين [10].

المراجع:
[1] https://www.faraday.cam.ac.uk/resources/multimedia/the-religious-origins-of-modern-science-2/
[2] https://www.dur.ac.uk/news/allnews/thoughtleadership/?itemno=33463
[3] https://press.uchicago.edu/ucp/books/book/chicago/T/bo19108877.html
[4] https://global.oup.com/academic/product/science-without-god-9780198834588?cc=us&lang=en&
[5] https://espace.library.uq.edu.au/view/UQ:229285
[6] https://physicstoday.scitation.org/doi/full/10.1063/1.1404868
[7] https://www.sjsu.edu/people/patricia.backer/history/islam.htm
[8] https://bit.ly/2SZ9Y9Y
[9] https://link.springer.com/chapter/10.1057/9781137379610_2
[10] https://news.rice.edu/2015/12/03/first-worldwide-survey-of-religion-and-science-no-not-all-scientists-are-atheists/ - https://news.rice.edu/2018/11/01/hawking-declares-there-is-no-god-but-many-scientists-disagree/



#حسام_جمال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصادر لـCNN: روسيا تراجعت عن تسليم شحنة أسلحة للحوثيين جراء ...
- -الشرطة حذرت من وجود مسلح-.. معلومات جديدة في واقعة محاولة ا ...
- كامالا هاريس تضمن خوض السباق الرئاسي بعد حصولها على الأصوات ...
- على خلفية التأهب لهجوم إيراني.. الجيش الإسرائيلي يعرض لقطات ...
- -ما زالت خارج إطار الرد على اغتيال شكر-..6 عمليات نوعية لـ-ح ...
- وزيرا خارجية مصر والسعودية يبحثان التصعيد الإقليمي نتيجة الس ...
- مكتب الرئاسة التركية لوزير خارجية إسرائيل: لا يمكننا تعلم شي ...
- وزارة العدل الأمريكية ترفع دعوى قضائية ضد منصة -تيك توك-
- إعلام: عطل يصيب موقع سلطة مطارات إسرائيل ويخرجها عن الخدمة ب ...
- الكونغرس يجري تحقيقات حول دور البيت الأبيض في الصفقة مع مدبر ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسام جمال - دور الدين في نشأة وحماية العلم.