|
التدخل الإنساني في القانون الدولي الإنساني
حسين عبدالله الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 6904 - 2021 / 5 / 20 - 16:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة : يحتل التدخل الدولي الإنساني مكانة هامة بين مواضيع القانون الدولي الإنساني، وخاصة في مناطق النزاع التي طغت على المشهد السياسي منذ نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، وقد تطور مفهوم التدخل الدولي الإنساني مع تطور أشكال الحروب وداعميها ومركزهم على الساحة الدولية وصار لا يقتصر فقط على تقديم المساعدات الإنسانية بل شمل التدخل العسكري بأشكاله إضافة إلى المساعدات الإنسانية والمناطق الآمنة والوصول الإنساني والممرات الإنسانية . وقد أثار مفهوم التدخل الدولي الإنساني الاختلافات الفقهية بين أنصاره ومعارضيه كونه يمس في كثير من مظاهره السيادة الوطنية للدول ويفتح الباب واسعا أما التدخل الأجنبي والدولي للتحكم بالدول التي تعاني من الأزمات والنزاعات . يلقي هذا البحث الضوء على التدخل الدولي الإنساني بين القانون الدولي العام والقانوني الدولي الإنساني في محاولة لفهم وتحليل أنماط التدخل وأبعاده ونتائجه.
كلمات مفتاحية : التدخل ، الدولي ، الإنساني ، العام ، النزاعات ، الأزمات ، الحروب ، الأمم المتحدة ، القرارات الأممية .
أهمية البحث : تأتي أهمية البحث من عدة نقاط أهمها العلاقة الوثيقة تاريخيا بين التدخل الإنساني الدولي وجريمة العدوان وبالتالي يصبح التدخل الإنساني موضوع تساؤل ناحية شرعيته وقانونيته وانحرافه عن الغاية المحددة به. يضاف إلى ذلك حقيقة أن ميثاق الأمم المتحدة هو المرجع في تحديد شرعية الممارسات الدولية بأنواعها بما فيها التدخل الإنساني . من جانب أخر هناك نقاش واسع على المستوى الدولي حول التدخل الإنساني بوصفه أكثر المسائل جدلية في القانون الدولي ، كما حدث في الصومال وكوسوفو أو سورية ، وهناك من يعتقد أن الكثير من مبادئ القانون الدولي قد اختصرها ميثاق الأمم المتحدة ، في حين أن البعض الآخر يتساءل عن مدى انسجام هذا الميثاق مع المتغيرات الدولية الجديدة وزيادة تدخل بعض القوى الدولية في شؤون دول أخرى أقل منها قوة بحجة حماية حقوق الإنسان ، والتي هي أساسا من صميم الاختصاص القانوني الداخلي لتلك الدول.
إشكالية البحث: تبرز إشكالية البحث في كيفية التوفيق بين القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني في حالات التدخل الإنساني الدولي في ظل المتغيرات الدولية وتأثيرها على ميثاق الأمم المتحدة في تحقيق مقاصده القانونية الواردة في المادة الأولى من الميثاق الأممي وتأثير ذلك أيضا على أشخاص القانون الدولي، وكيف يمكن ضمان تحقيق عمليات التدخل الإنساني لمقاصدها وغاياته القانونية ، من خلال ما شادناه من عمليات سابقة في أكثر من نزاع مثل : كوسوفو والصومال ودارفور وراوندا وأفغانستان والعراق وليبيا وسورية . والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : هل اكتملت ملامح مفهوم التدخل الإنساني الدولي؟ وهل أعطى التدخل الإنساني في مناطق النزاع مثل : كوسوفو والصومال ودارفور وراوندا وأفغانستان والعراق وليبيا وسورية أجوبة حاسمة لشرعية التدخل الإنساني ؟ وهل يعد التدخل الإنساني خرقا لمبادئ الميثاق الأممي أم تطبيق لمقاصده الإنسانية؟ منهج البحث : يعد منهج البحث المناسب للإجابة على هذه التساؤلات هو المنهج التحليلي من خلال تحليل بعض حالات التدخل الإنساني والنتائج التي تم التوصل إليها بالإضافة إلى مقاربة بعض الحجج الفقهية المؤيدة والمعارضة للتدخل الإنساني الدولي بعد فحص رأي القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني فيما يخص التدخل الإنساني في مناطق النزاعات . خطة البحث : في ضوء ما سبق ، يمكن أن نعتمد خطة بحث مؤلفة مما يلي: الفصل الأول حيث يتم التطرق إلى تعريف التدخل الإنساني ومقاربة لعدد من الآراء والتعاريف المؤيدة والمعارضة للتدخل . الفصل الثاني يتطرق لوجهة نظر القانون الدولي العام في حل النزاعات داخل الدول مع التنويه إلى أهمية تطبيق القانون المحلي المختص في حل النزاعات الداخلية بعيدا عن التدخل الأممي مع الأمثلة . الفصل الثالث يدرس وجهة نظر القانون الدولي الإنساني في التدخل الإنساني في الحالات التي يعجز القانون المحلي المختص عن حلها بالإضافة إلى الجوانب التي تحتم تطبيق القانون الدولي الإنساني مع الأمثلة. الفصل الرابع يبحث في اشكالية وتأثير التدخل الإنساني الدولي ومدى نجاحه في تحقيق مقاصده خاتمة تجيب على إشكالية الدراسة وما يمكن الخروج به من توصيات ونتائج .
الفصل الأول تعريف التدخل الإنساني ومفاهيمه يعد التدخل الإنساني مفهوما غير محدد المعالم والخطوط . وقبل عصر التنظيم القانوني كان التدخل الإنساني من القواعد العرفية الفطرية التي يتبناها القانون الدولي التقليدي حيث توجد له مبادئ وضوابط وقواعد وأصول ، وقد مارسته الدول القوية لفرض هيمنتها على الساحة الدولية ومع نشوء المنظمات الدولية ، انتقل التدخل الإنساني إلى هذه المنظمات ورافق ذلك الكثير من التغيرات على المفهوم ، ورغم ذلك بقي مفهوم التدخل الإنساني غير محدد المعالم ومليئا بالثغرات التي تحوله عن المقاصد التي أنشئ من أجلها . وقد ترتب على عدم التوافق الدولي حول مفهوم التدخل الإنساني عدم وجود نظرية مؤسسة للتدخل الإنساني ليتحول إلى مفهوم مثير للجدل والخلاف في نصوص القانون الدولي العام ونتج عن ذلك خلافات فقهية واسعة لتحديد مدى شرعيته وفاعليته في حماية مواطني دولة ما في الخارج بالوسائل السلمية أو بالقوة سواء كان ذلك في النزاعات المسلحة الداخلية أو الخارجية أو في حالات الكوارث الإنسانية الطبيعية أو في حال اثبات أن دولة ما تنتهك حقوق الإنسان انتهاكا متكررا وجسيما . وعليه فإن من الضروري تعريف مفهوم التدخل الإنساني ومناقشة الأساس القانوني للتدخل الإنساني بالإضافة إلى مقاربة نطاق وأطراف التدخل الإنساني وأشكال ممارسة التدخل . تعريف التدخل الإنساني : لقد عَرَّفَ المؤتمر الدولي المعني بالمنح الإنسانية العلمية المعقود لعام 2003 التدخل الدولي بأنه: كافة المساعدات الإنسانية التي تعنى بإنقاذ الارواح والتخفيف من المعاناة والحفاظ على الكرامة الإنسانية اثناء الأزمات التي هي من صنع الإنسان والكوارث الطبيعية في أعقابها، فضلاً عن منع حدوث مثل هذه الحالات وتعزيز التأهب لحدوثها . يعرف لاس أوبنهايم (Las Oppenheim) التدخل الإنساني بأنه التدخل "الذي يستخدم القوة باسم الإنسانية لوقف ما درجت عليه دولة ما من اضطهاد لرعاياها وارتكابها لأعمال وحشية وقاسية ضدهم يهتز لها ضمير البشرية، الأمر الذي يسوّغ التدخل قانونياً لوقف تلك الأعمال". كما يقدم توماس فرانك (Thomas Frank) تعريفه للتدخل الإنساني بأنه "يقوم على استخدام القوة المسلحة أو التهديد باستخدامها من قبل دولة أو مجموعة من الدول بمعرفة هيئة دولية بغرض حماية حقوق الإنسان من الانتهاكات الصارخة التي تقوم بها دولة ما ضد مواطنيها بطريقة فيها إنكار لحقوقهم بشكل يصدم الإنسانية." وقد نظرت إليزا بيريز فيرا (Elisa Perez Vera) إلى التدخل الإنساني على أنه "كل ضغط تمارسه حكومة دولة على حكومة دولة أخرى من أجل أن يكون تصرف الأخيرة مطابقاً للقوانين الإنسانية، من خلال احترام الحقوق الأساسية للفرد – على الأقل – مهما كانت جنسيته ما دام بشراً." وينظر ماريو بيتاتي (Mario Bettati) إلى التدخل الإنساني على أنه قيام دولة بتنفيذ عمليات عسكرية مسلحة لإنقاذ مواطنيها على أرض دولة ثانية، نتيجة قيام خطر مؤكد و مباشر تتسبب فيه سلطات الدولة الثانية أو جهات أخرى. وقد اعتمدت وحدة التفتيش المشتركة التابعة للأمم المتحدة مفهوماً للتدخل الدولي الإنساني وهو: تقديم المساعدات الإنسانية الى ضحايا الكوارث الطبيعية والكوارث التي هي من صنع الإنسان، بما في ذلك حالات الطوارئ المعقدة، على أساس قصير الأجل واساس طويل الأجل . ولدى مراجعة التعاريف السابقة حول التدخل الإنساني، نجد أنه بالرغم من توافق معظم الاخصائيين على اعتبار العامل الإنساني هو الاساس في التدخل الإنساني، إلا أنهم اختلفوا في تحديد الفئة المستهدفة، فمنهم من حصر مفهوم التدخل الإنساني على الانتهاكات التي تحدث من قبل الحكومة على رعاياها أو رعايا دولة اجنبية على أراضيها، بما يمس حقوقهم وكرامتهم الإنسانية، و آخرون شملوها حماية الذات الإنسانية جمعاء من أي خطر يصيبها سواء كان من صنع الإنسان أو من صنع الطبيعة، كما اختلف الفقهاء في تحديد طرق التدخل فقد حصر الجانب الأول التدخل لحماية الإنسان بالتدخل العسكري، بينما وسعه آخرون ليشمل كافة المساعدات باختلاف أشكالها سواء كانت اقتصادية لوجستية أو عسكرية.
الفصل الثاني القانون الدولي العام والتدخل الإنساني يسعى القانون الدولي العام إلى حماية المجتمعات الإنسانية ووقايتها من الحروب والنزاعات المدمرة ، ويعد حاليا على درجة من الأهمية لأنه يحقق الحد الأدنى من متطلبات السلام العالمي كما أبعد شبح الحرب وشجع التواصل بين الدول وربطت المصالح مع بعضها وتكونت الروابط والاتحادات العالمية ، وقد هدف القانون الدولي العام إلى زيادة هذه الروابط بين الدول بهدف تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة على جميع المستويات . وقد تطور القانون الدولي تطورا كبيرا من حيث مداه وشخوصه وموضوعاته ومصادره وفروعه ليشكل منظومة قانونية مترابطة يصعب فصل عراها . يهدف القانون الدولي العالم إلى وضع حد للخلافات بين الدول واستبدال الخلافات بالمزيد من التعاون الدولي في مختلف مجالات الحياة ، ويرى القانون الدولي العالم على شكل وحدات متكاملة من خلال قواعد قانونية دولية ، وتبلورت هذه القواعد إلى ما يسمى القانون الدولي العام . وقد حاول القانون الدولي العام حماية النظام القانوني الدولي حيث عرف الدولة والحدود والسيادة والعلاقات القانونية والدبلوماسية والقنصلية بين الدول وحقوق البيئة والبحار والمياه البحرية والنهرية والمصبات والتنمية المستدامة والخلافات حول الحدود وأنشأ شخوصا تسهر على تطبيق حدود القانون الدولي العام كما أنشأ نظام الفصل القضائي ونظام الفصل بالتحكيم في كل المنازعات البرية والبحرية والجوية . مع نهاية الحرب الباردة، تخلخل النظام الدولي الذي جرى وضعه عقب الحرب العالمية الثانية، بفعل انهيار أحد قطبيه حرب شاملة على الدولة، وهي المرة الأولي في تاريخ العلاقات الدولية الحديث التي ينتهي فيها نظام دولي قائم، دون حرب تطيح بالمؤسسات القائمة وتفتح الطريق أمام الدول المنتصرة كي تصيغ مؤسسات النظام الجديد وفق ما تراه من مبادئ وما تسعي إليه من مصالح. ومع سقوط منظومة حلف وارسو تغير مفهوم القانون الدولي ليراعي مصالح الأقوياء كالعادة فنشأ عنه فروع جديدة منها : القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي البيئي والقانون الدولي الإداري والقانون الدولي الاقتصادي وغيرها من الفروع . وقد تم التركيز على "حق التدخل الإنساني" والانتقاص من مكونات مفهوم سيادة الدولة لمصلحة مفهوم المحاسبة الدولية، وهو مبرر شكلي استهدف وضع بذور وأسس بنية قانونية دولية جديدة يجري العمل على تضمينها في البنية القائمة وإن كان بشكل عملي في مرحلة أولى، والعمل على تطوير قواعد القانون الدولي الإنساني من أجل تقنين وتشريع حق التدخل، واختلاق السوابق التي تتحول عبر التواتر إلى عرف دولي له قوة القانون . التدخل هو تعرض دولة للشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى، دون أن يكون لهذا التعرض أساس قانوني. والغرض من التدخل هو إلزام الدولة المتدخل في أمرها بإتباع ما تمليه عليها، في شأن من شؤونها الخاصة، الدولة أو الدول المتدخلة. لذا ففي التدخل في شكله المطلق تقييد لحرية الدولة واعتداء على سيادتها واستقلالها وبالتالي التناقض مع مبادئ القانون الدولي العام . ويجعل بعض الفقهاء من واجب عدم التدخل مبدأً مطلقاً، فلا يجيزون بأي حال تدخل دولة في شؤون دولة أخرى، إلا إذا كانت الدولة الأولى في حالة دفاع شرعي. والأصل في التدخل أنه عمل غير مشروع لأن فيه اعتداء على ما للدولة المتدخل في شؤونها من حق الاستقلال والسيادة، والتزام الدول باحترام حقوق بعضها البعض يفرض عليها واجب عدم تدخل إحداها في شؤون غيرها الخاصة، وإن كانت الدول لم تتبعه دائما في تصرفاتها، فهي طوراً تستبيح التدخل لنفسها إذا اتفق ومصالحها، وطوراً تستنكره إن لم يكن لها فيه صالح، حتى أننا نجد في ظروف متشابهة أمثلة أبيح فيها التدخل وأخرى حرّم فيها، في نفس الوقت ومن نفس الدول. والتدخل قد يأخذ أشكالا متنوعة منها : الضربات العسكرية أو الاحتلال ( حالة سورية وليبيا) أو الإنساني (حالة دارفور والصومال وكوسوفو ) أو العقوبات المالية والسياسية والاقتصادية ( قانون قيصر على سورية) ، والتدخل أيا كان شكله ومقصده في هذه الحال يعد انتقاصا من سيادة الدولة ومناقضا للأصول القانونية التي يرعاها القانون الدولي العام . ويمكن أن يساعد القانون الدولي العام أشخاص القانون المحلي المختص لحل النزاعات ، ولكن يبدو أن مصالح القوى الكبرى تفرض ما تريد وتنتهك القواعد القانونية المتفق عليها دوليا .
الفصل الثالث القانون الدولي الإنساني والتدخل الإنساني يقصد بالقانون الدولي الإنساني مجموعة قواعد وضوابط هدفها الحد من تأثير النزاعات المسلحة، وحماية الأشخاص الذين لا يُشاركون في القتال كالمدنيين، أو الذين لم يعودوا طرفا في القتال مثل الجنود المصابين والجرحى ، كما يرمي إلى الحد من الوسائل المستخدمة في الصراع أملا في التخفيف من الخسائر البشرية و المادية المترتبة على النزاع المسلح. وهو فرع من فروع القانون الدولي العام . وقد رافق نشوء القانون الدولي الإنساني مصطلحات جديدة مثل النظام الدولي الجديد ، وحقوق الإنسان ، والسيادة ، وحقوق القوميات والأعراق. وتعرف اللجنة الدولية للصليب الأحمر القانون الدولي الإنساني بأنه مجموعة القواعد التي تهدف للحد من آثار النزاعات المسلحة لأسباب إنسانية. ويعرف القانون الدولي الإنساني أيضا بأنه قانون الحرب أو قانون النزاعات المسلحة. ويحمي القانون الدولي الإنساني كل من ليس له صلة بالأعمال العدائية، كما يقيد وسائل وأساليب الحرب. ويبرر أنصار القانون الدولي الإنساني تدخلهم في الدول الأخرى إلى مجموعة من الاتفاقيات والنصوص المكتوبة والعرفية، ومنها:
أ – اتفاقيات جنيف الأربع المبرمة في 12 آب 1949 وهي: اتفاقية جنيف الأولى المعنية بحماية جرحى ومرضى القوات المسلحة في الميدان. اتفاقية جنيف الثانية المعنية بحماية جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار. اتفاقية جنيف الثالثة المعنية بأسرى الحرب. اتفاقية جنيف الرابعة المعنية بحماية السكان المدنيين وقت الحرب. ب- بروتوكول جنيف الأول المكمل لاتفاقيات جنيف الأربع، والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة المبرم عام 1977. ج- القانون الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية. د- اتفاقية لاهاي المتعلقة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907. والقانون الدولي الإنساني له جانب آخر عرفي غير مكتوب، وهو -وفقَ اللجنة الدولية للصليب الأحمر- يتألف من قواعد مستمدة من "ممارسات عامة مقبولة كقانون" . يواجه تطبيق القانون الدولي الإنساني تحدياتٍ كثيرة سيما في أوقات النزاعات المسلحة، وهو أمرٌ مفهوم بحكم أنَّ هذا القانون جاءَ أصلا لتحقيق توازن هش بين المتطلبات العسكرية للدول خلال الحروب و بين حماية الأشخاص غير المشاركين في القتال. ورغم أنَّ الأغلبية الساحقة من دول العالم وقعت اتفاقيات جنيف وملاحقها، إلا أنَّ الحروب ظلت تتسبب في مآسي لا تنتهي للمدنيين الذين يشكلون في حالاتٍ كثيرة أغلب ضحايا الصراعات المسلحة . يضاف إلى الصراعات بين الدول، الاضطرابات الداخلية التي تُشكل هي الأخرى أحد التحديات الكبيرة للقانون الدولي الانساني، بحكم غموض نصوصه في هذا الجانب. فهو يُوكل تناول وحل مثل هذه الاضطرابات للقوانين المحلية من منطلق الحفاظ على سيادة الدول، ولا يُدخلها في نطاق اختصاصه إلاَّ إذا كانت تنظيمات مسلحة هي من يقود الاضطرابات أو التمرد ضدَّ النظام السياسي القائم .وفي هذه الحالة يدخل تطور جديد وهو مصالح القوى الكبرى الذي يطيل أمد الصراع والمسلح ويجبره على الانتظار لحين تحسن المناخ الدولي. وقد شهد نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين عمليات تدخل إنساني عديدة كانت أهدافها المعلنة : خفض التوتر ، ومنع انتصار فريق على فريق(سورية والصومال وليبيا) ، وخفض تدريجي للسلاح ، وجر الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات ، وخفض أو نزع اسلحة الدمار الشامل (سورية) ، وخلق مناطق منزوعة السلاح (ليبيا) ، ومناطق حظر طيران (العراق وليبيا) ، وقد حصلت القوى الكبرى على تفويض أممي للتدخل الإنساني وفق ما هو معلن ، باستثناء الأزمة السورية التي لم يحصل عليها توافق دولي ، فبقي التدخل الإنساني مقتصرا على أعمال الإغاثة والإنقاذ في مناطق سيطرة الإرهاب ، وتدخلا إنسانيا خجولا في مناطق سيطرة الحكومة السورية نتيجة العقوبات الدولية . لقد انعكس الخلاف على الأرض في مجال المساعدات الإنسانية . هناك نماذج متعددة على التدخل الإنساني ولو كان نجاحه محدودا لأسباب سياسية ولوجستية كما حصل في) غزة 2008،2012، والبوسنة والهرسك1995، والصومال1991، وكوسوفو1991،1998(. يعاني القانون الدولي الإنساني والتدخل الإنساني من تحديات كثيرة تحره عن الغاية التي أنشئ من أجلها مثل: ازدواجية المعايير في تطبيق حقوق الإنسان (فلسطين)، الانحراف عن الغاية التي أنشئ من أجلها ( العراق والصومال والسودان وليبيا ) ، سيطرة القوى الكبرى على عمليات التدخل الإنساني( الصومال والعراق واليمن وليبيا) . خاتمة : إن دراسة موضوع التدخل الإنساني بين القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني كفرع منه يستوجب استخلاص المبادئ والأطر القانونية وهي مجموعة الأحكام غير المتناقضة التي دعت إليها منظمة الأمم المتحدة في احترام مبادئ السياسة الداخلية للدول من جهة، و احترام حقوق الإنسان وحمايتها من جميع أنواع الانتهاكات المستمرة، حيث أنه حماية هذه الحقوق يحقق جوهر النظام القانوني الممثل في ضمان التطبيق الفعلي للالتزامات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان التي يمثل الالتزام بها التزاما بالمواثيق والقوانين الدولية من خلال وسائل محددة في الاتفاقيات الدولية ذاتها. الاستنتاجات: • لايزال هناك من يحاول يجعل الفرع (القانون الدولي الإنساني) هو الأصل ( القانون الدولي العام) في القانون الدولي تحقيقا لغايات سياسية . • لايزال هناك تطبيق لمبدأ ازدواجية المعايير في تطبيق التدخل الإنساني . • لا تمتلك قواعد القانون الدولي القوة الإلزامية لفرض قوانينها في ظل غياب التوافق الدولي. • لازالت قضابا حقوق الإنسان أداة سياسية في يد القوى الكبرى تستخدمها متى شاءت للتدخل. • لا يزال تطبيق القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني أداة استنسابية بيد القوى الكبرى. • لا يحقق التدخل الإنساني هدفه الإنساني في غالبية الحالات . التوصيات: القانون الدولي الإنساني ليس مناقضا للقانون الدولي العام وإنما هو فرع من كل ويجب تطبيق القانون الدولي الإنساني في حالات التدخل بما ينسجم ومتطلبات القانون الدولي العام . ويجب أن يكون تطبيق القانون الدولي الإنساني بإجماع مطلق. كما يجب الابتعاد عن استخدام القوة العسكرية والتدخل العسكري كأداة إكراه لحل النزاعات . ويجب التركيز على عدم تسيس تطبيق القانون الدولي الإنساني والتدخل الإنساني لأعراض تخدم مصالح بعض القوى على حساب قوى أخرى . ويمكن اللجوء إلى المؤسسات والأدوات الدولية المخولة بحل النزاعات بالطرق السلمية وبطريقة نزيهة بعيدة عن السياسة .
المراجع العربية 1. د. بطرس غالي، التدخل العسكري الأمريكي والحرب الباردة، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عدد7، يناير 1967. 2. د. علي صادق أبو هيف، القانون الدولي العام، القاهرة، دار نشر الثقافة بالإسكندرية، ط2، 1948. 3. عبد القادر بوراس، التدخل الدولي الإنساني وتراجع مبدأ السیادة الوطنیة ، دار الجامعة الجدیدة ، الإسكندرية، 2009 . 4. د. عماد جاد، التدخل الدولي بين الاعتبارات الإنسانية والأبعاد السياسية، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، 2000. 5. الدكتور محمد عزيز شكري ، القانون الدولي العام ، منشورات جامعة دمشق ، 2005 . 6. الدكتور ماهر مندلي ، الدكتور ماجد الحموي ، القانون الدولي العام ، منشورات الجامعة الافتراضية السورية ، 2018 . 7. محمد غازي ناصر الجنابي، التدخل الإنساني في ضوء القانون الدولي العام، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقیة، بیروت، 2010 . 8. محمد يعقوب عبد الرحمن، ، التدخل الإنساني في العلاقات الدولية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الطبعة الاولى 2004 . المراجع الأجنبية : 1. David Chandler, ‘Resilience and human security: the post-interventionist paradigm’, Security Dialogue 43: 3,2012. 2. Gareth Evans and Mohamed Sahnoun, ‘The Responsibility to Protect’, Foreign Affairs 81: 6, 2002, pp. 99–110. 3. Ian Hurd, ‘Is humanitarian intervention legal? The rule of law in an incoherent world’, Ethics and International 4. Affairs 25: 3, 2011. 5. Robert W. Murray and Aidan Hehir, ‘Intervention in the emerging multipolar system: why R2P will miss the unipolar moment’, Journal of Intervention and State building 6: 4, 2012. 6. Mohamed Sahnoun, ‘The Responsibility to Protect’, Foreign Affairs 81: 6, 2002. 7. Roy Allison, Russia, the West, and military intervention Oxford: Oxford University Press, 2013.
#حسين_عبدالله_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فرويدية الدواعش --- توارد خواطر
المزيد.....
-
زيلينسكي يعلن وفاة جنود كوريين شماليين أسرتهم أوكرانيا متأثر
...
-
ترامب يحث المحكمة العليا على وقف حظر تيك توك.. ويوضح السبب
-
خبير تغذية: صفاء الذهن يعتمد بنسبة 50 بالمئة على صحة الأمعاء
...
-
علماء الفلك الروس يبحثون عن -نجوم مضادة- في مجرة درب التبانة
...
-
أزمة المناخ عرضت سكان العالم لـ6 أسابيع إضافية من الحرارة ال
...
-
-بيرانيا-.. روبوتات تنقل حقائب المسافرين في مطار -بولكوفو- ب
...
-
ابتلاع كندا يحطم الصورة النمطية للسياسة الدولية
-
التوقعات حول إبرام سلام في أوكرانيا سنة 2025
-
نائبة أمريكية تدعو الديمقراطيين إلى التوقف عن تمويل الصراعات
...
-
بيدرسن: التصعيد في عدد من المناطق السورية مثير للقلق
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|