|
هل يجدرُ بجائزةِ نوبل للآداب أن تترشحَ للفوزِ بقلبِ هاروكي موراكامي؟
شذى كامل خليل
كاتبة
(Shaza Kamel Khalil)
الحوار المتمدن-العدد: 6903 - 2021 / 5 / 19 - 20:39
المحور:
الادب والفن
لا نريدُ أن نغوصَ في سيرةِ حياةِ الكاتبِ الياباني هاروكي موراكامي، كما يفعلُ العديدُ من كتّابِ ( المقالات ) المحترفين الذين يميلونَ لتحويلِ نصفِ مقالاتهم إلى سيرةٍ ذاتية؛ وبالتالي لا يتم إلقاءُ الضّوء بالشكلِ الكافي على الشّخصيةِ المحوريةِ في المقال. ما هوَ موقعُ هاروكي موراكامي في الأدبِ العالمي ( عامةً ) والأدب الياباني ( خاصةً)؟ يمكن اعتبارهُ إمبراطورَ اللغةِ السّورياليةِ الخارجةِ من باطنِ الواقعية، المتمرغة بالخيالِ الخصب؛ اللغةُ التي تقولُ كلمتها السّحرية في وجهِ الاحتلالِ اللغويّ السائدِ القائمِ على سرديات مملةٍ وغير مجدية؛ في عالمٍ يكتظُ بالصّراعاتِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ وتشتعلُ فيهِ الحروبُ على قدمٍ وساق. فلنطرح السؤالَ التالي : ما الذي نريدهُ من الأدب؟ هل نريدُ منهُ أن ينقلَ لنا الجثثَ التي تتساقطُ حولنا، بدقةٍ متناهيةٍ. متناسياً إمكانية تحويل أرواحنا المتعبة من رصينةٍ إلى قلقةٍ؟ هل نريدُ منهُ أن يُرتبَ لنا الموتَ ضمن أولوياتِ حياتنا، أو يقررَ مساراتنا، أيّ المساراتِ تفضي إلى الحقيقة. هل نريدُ الحقيقةَ فعلاً؟ عندَ قراءة أيّ كتابٍ، نتوقعُ زيادةَ المعرفةِ أو زيادة َ المتعة أو حتى زيادةَ الانفتاحِ على الآخرين كواجبٍ من واجبات العولمةِ الفكرية التي تحاولُ فتحَ أكثرَ من نافذةٍ على أكثرَ من مجتمع. في اللحظةِ التي تقرأ كُتب هاروكي، ستقفُ أمامَ معرفتكَ لذاتكَ أولاً وأخيراً، ستفهمُ أناكَ؛ ما يدورُ في عقلكَ الباطن، ستفهمُ ما يعنيهِ الانفتاح الداخلي على أكثر من عالمٍ يتوالى داخلك كما تتوالى الأزمنةِ في الواقعِ الواحدِ ودون أن ترتكبَ إثمَ العزلةِ أو الابتعادِ عن الآخرين في محيطٍ قائمٍ على التواصل المتزايدِ بينهم. أنتَ تدرسُ أشياءكَ، الهواءَ المحيطَ بكَ، أحلامكَ ، قلقكَ، و المسارات التي لا تُريدها أن تنتهي، أنت ببساطةٍ تقتحمُ السوريالية من ألدّ أبوابها وأعنفِ نوافذها هطولاً ثم تخرجُ من نفسكَ متجرداً من جلدكَ إلى حيث العالم الأشد خفة والأثقل قيمة. يتحولُ كاتبنا الياباني في رواية ( كافكا على الشاطئ) من قاصٍ إلى ساحر، يمدّ قبعتهُ السردية فارغةً من أيّ احتمالٍ واقعيٍ، وفي لحظةٍ زمنية تقعُ خارجَ الأمكنةِ المحتملةِ؛ يُخرجُ عالماً واحداً ينطوي على عوالم مختلفةٍ وكثيرةٍ، ويمكنُ لكَ بين عالمٍ وآخر أن تتخيلَ عالمكَ الخاص أو تبدأ ببناء واحدٍ مرّ على أطرافِ جسدكَ بطريقةٍ أو بأخرى. وأتساءلُ : هل من الصحيّ أن نعتقدَ على سبيلِ المرونةِ العقلية أن ثمةَ عالمٌ يفضي إلى عوالم كثيرةٍ أُخرى ؟ أعتقدُ أن الجوابَ يكمنُ في محاولة الكاتب الناجحة؛ توظيفَ قدرةِ أحد أبطال تلك الرّواية في تحقيق إمكانيةِ التحدث مع القطط، والأمر لا ينحصرُ في تلك الغاية، إذ بإمكان أي شخص أن يدير حواراً بين إنسانٍ وقطة، لكن موراكامي يتقمصُ حالة القطط، يُعيرنا نظرتها لنا أولاً وللعالم ثانياً. يفكرُ معها ولا يفكرُ عنها، يقررُ بمساعدتها ولا يقررُ دونها، يتحولُ الكاتب إلى قطة ما ويتحدثُ بلسانها وبالتالي لا يمكن أن تقرأً محادثاتِ الرّجل ( ناكاتا ) مع القطط دون أن ترتابَ للقدرة الهائلةِ التي زرعها الكاتب في قلبِ السّردية اللفظية والمكانية ولدى الحالة الباطنية لكل من ناكاتا ( الشخصيةُ الرئيسيةُ الثانية ) والقطط . في رواية ( كافكا على الشاطئ ) تتحولُ الغابةُ إلى مسرحٍ للعرائس حيثُ تصبحُ العرائسُ أشجاراً عالية ويبدو أناها المنغمسُ في الطبيعة مثيراً للخوفِ الفطري، وإن كنا نعتقدُ أن الطبيعة بمفهومها التراجيدي هي أمٌّ صامتة؛ فلا يمكن توقعُ ذلك عندما يدير هاروكي دفة الكتابة ويقررُ أن جميع الأشياء الممكنةِ الحيّة وغير الحية قادرةً على التحدثِ أو التصرف أو على الانغماسِ في ألية عملٍ ضمنَ أي عالمٍ محتمل. يمثلُ كافكا ( البطل الرئيسيّ ) دورَ الباحثِ عن الحقيقة، هو يبحثُ من أجل البحث، لا يهتم للوصول. الكاتبُ يريدُ لأبطاله التمتعَ بأحاسيس البحثِ جميعها عوضاً عن لذةٍ واحدة ينطوي عليها الوصول وهي لذة آنية. تحتلُ المجازية الرّوحية مكانةً كبيرة في الرواية، وقد يغدو كلّ حدثٍ وكلّ فكرة مجازاً وهذا نوعُ من الاحتيالِ اللغوي على عالمٍ صارمٍ في واقعيتهِ. في رواية ( الغابة النرويجية ) ومتابعة حالة ( ناوكو ) يصبحُ متعذراً معَ الوقتِ فهمُ الأسبابِ التي قادت البطلة لإنهاء حياتها أو السببَ الحقيقي وراءَ اضطرابات عقلها المتزايدة يوماً تلو أخر. القراءةُ الأولى لهذه الرواية هي قراءةٌ ممتعة، أما القراءة الثانية فهي اكتشافٌ مدهشٌ قرر الكاتب أن يمنحنا إياه بصبرٍ، ينطوي الاكتشافُ على إماطة اللثام عن زاويةٍ معتمةٍ في الروح الإنسانية، الزاوية التي يمتلكها جميعُ الناسِ وقد يعترفونَ بوجودها وقد ينكروها، تقبعُ الزاوية في أقصى القاع هناك حيثُ نرمي مخاوفنا، همومنا، أشياء كثيرةً لم نجد من يشاركنا ترف محبتها أو فهمها، وأعتقدُ على سبيلِ الاكتشاف أيضاً أن ملاحظةَ مكانٍ كهذا منوطٌ بالشخص نفسه وبأشخاصٍ على دراية كبيرة بالطب النفسي مثل موراكامي. ، قد يتبادرُ للذهن الطريقة التي اتبعها الكاتبُ في التحدثِ عبرَ لسانِ 1Q84في ثلاثية الكاتب امرأةٍ مثل ( أومامه ) لقد أتقنَ ذلك إلى الدرجة التي جعلني أتساءل فيها عما إن كتبَ الأحاديث الأنثوية بنفسه أم أنه لجأَ إلى نساءٍ كثيرات ساعدنهُ في فهم لغة المرأةِ الباطنية ولغتها الخارجية ذات الصوتِ المسموع؟ هل ارتدى موراكامي زيّ امرأةٍ وجلدها وروحها وشرعَ يكتبُ عنها بالطريقة التي تفكرُ فيها بدءاً من عادتها الشهرية، مروراً بطريقة ارتداءها الملابسَ وتبرجها وانتهاء بطريقة تحدثها وانطواءِ تلكَ الأحاديث على مزيد من التعبيرات الجنسية؟ يُطرح السؤال التالي أيضاً عند قراءة الثلاثية المثيرة للاهتمام: هل ناهضَ الكاتب العنفَ ضد النساء في الشرقِ الأقصى؟ هل وظفَ أعظمُ سورياليّةٍ ممكنةٍ في إيصال رسالة للمجتمع الأبوي في دولٍ ينعدمُ فيها الجهل والفقر ولكن تنعدم فيها المساواة بين الجنسين؟ وهل تراهُ قدّم حلولاً غير مقصودة لحل تلك الأزمة التي تبدو مهولة على المسار البعيد والقريب معاً؟ إذ تحولت بطلةُ الثلاثية من مدربة لياقة بدنية إلى قاتلة ( حيثُ تقتلُ الرجال العنيفين فحسب ) تستعيرُ تلكَ القاتلة خبرتها في التدليكِ ومعرفتها العميقة بالنقاط الحساسة في جسم الرجلِ وخلف عنقهِ باستخدام كسارة ثلج أو هي أقرب للإبرة الناعمة الصلبة . نلاحظُ أن الكاتب قد أثارَ قضية المرأة بشقيها ( الإنساني ) و ( الجنسي ) حيث تمتلئُ الأنثى شأنها شأن الرجل بكل التساؤلات حولَ قضية الجنس، وقد استخدمَ صوتهُ الخاص في نقل تساؤلاتها والإجابةِ عنها قدر الإمكان. في رواية ( كافكا على الشاطئ) على سبيل المثال، يسأل البطلُ كافكا بطلة ( ثانوية ) تعرّف عليها في القطار أثناء هربهِ من منزله: هل يمكن لي أن أتخيلكِ عارية؟ وهنا تجيب البطلة وهي تشعرُ بالاستغراب: هل يطلبُ أحدٌ الإذن لذلك؟ إثارة نقطة حساسة مثل نقطة الخيالِ الشخصي الذي نمتلكهُ هي موهبة تخصُ هاروكي، فالخيالُ الذي نمتلكهُ هو خيالٌ مرعب إلى حد ما، هناك حيث نرتكبُ القتلَ؛ الجنس والعنف دون رقابة محددة، وباعتبارهِ المكان المظلم الذي ندفن فيه أغلى رغباتنا وأكثرها رفضاً. استخدم الكاتبُ الإباحية لتحقيق بعض الغايات؛ ( الشهوانية ) على سبيل المثال وهي غاية نخفيها عمداً خوفاً من العادات والتقاليد، وتصبحُ مع الكبت تحولاً خطيراً في الشخصية الإنسانية إلى تلكَ الدرجة التي بتُ فيها ( شخصياً ) مقتنعةً أن بعض الذكوريين قد استمنوا خلال قراءة روايات موراكامي. باستطاعة الكاتب أن يجرنا معهُ أثناء الكتابة إلى ساحةٍ كبيرةٍ، تتكاثرُ فيها المعاني بشكل خلّاق وفطري، معانٍ وألفاظٍ نستخدمها في حياتنا، وباستطاعتهِ أن يحققَ تزاوجاً عادلاً بين الشخصيات فلا تغلب الأنوثة على الذكورة ولا يعلو صوتُ بطلةٍ أكثر مما قد يعلو صوت بطلٍ آخر في كلّ سياقٍ دراميّ. ثمة ميلٌ لتجنب عدم المساواة بينَ الجنسين، لعل السبب يكمنُ في فهمه لذاته كرجلٍ مثل جميع الرجال، وفهمه لذاتِ المرأة كما لو كان امرأة، قد يبدو الأمرُ غريباً للوهلة الأولى لكنه لا يغدو مستحيلاً عند التفكير فيه والتمعن في جدواه. أشيرُ أخيراً إلى أن جميع شخصيات الروائي هاروكي موراكامي، تعاني خللاً ما قد يكون خللاً ذاتياً لا يراه الآخرون وقد يبدو خللاً نفسياً للقارئ أو عقلياً وهو ما يحاولُ الكاتبُ تجنبهُ حتى لا تلبس جميعُ الشخصيات نهاية مشؤومة مثل شخصية ناوكو في الغابةِ النرويجية. بالإضافة إلى ( كافكا على الشاطئ والغابة النرويجية و ثلاثية الكتاب 1q48( هناك روايات أخرى مهمة للكاتب مثل مقتل قائد الكومنتدور الذي تمت ترجمة الجزء الأول منه ويمكن الحصول عليهِ عبر الانترنت كنسخة إلكترونية أما الجزءُ الثاني فقد تمت ترجمتهُ حديثاً وصدرَ عن دار الآداب في بيروت. أما السؤال الذي طرحتهُ حول هل يجدرُ بجائزة نوبل للآداب أن تترشح للفوز بقلب هاروكي موراكامي؟ أعتقد أن الإجابة تكمنُ في أنه حصل مسبقاً على جوائز أهم مثل محبة القراء واندفاع البعض نحو فهمه كما ينبغي لنابغة مثلهُ أن يُفهم. أو لعل أهم جائزة حصلَ عليها؛ هي قدرتهُ على ترويضِ فكرتهِ حول السوريالية الخارجة قسراً من باطن الواقعية وإلحاقها بالعالم أو فرضها بالشكل الصحيح مما يتيح مسارات غير محدودة للتفكير الإنساني وهي ليست مسارات هروب وإنما مسارات تصحيح فعلية وغير مستحيلة.
#شذى_كامل_خليل (هاشتاغ)
Shaza_Kamel_Khalil#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى تخرجُ المرأةُ السوريةُ من مخاضها العسير؟
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|