اللغة بين الانسان والمجتمع .

سعد سوسه

الحوار المتمدن-العدد: 6902 - 2021 / 5 / 18 - 10:07
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

تعد اللغة ظاهرة اجتماعية وذلك لامتيازها بالعديد من الصفات التي تمتاز بها الظاهرة الاجتماعية ، وكما حددها دوركهايم فاللغة ليست من الامور التي يقوم بصناعتها فرد ، او حتى مجموعة من الافراد ، وانما تخلقها طبيعة الاجتماع ، وهي كذلك نظام عام يشترك الافراد في اتباعه ، ويتخذونه اساسا للتعبير ، ويرى كل فرد نفسه مضطرا الى الخضوع له ، والخارج عنه يلقى من المجتمع مقاومة . 1
كذلك تمتاز اللغة بصفة الانتشار ، وتأثيرها وتأثرها بالعديد من الظواهر الاجتماعية الاخرى ، فاللغة كظاهرة اجتماعية ذات علاقة بالدين ، فالدين على اختلاف شكله الذي يكون عليه يحتاج الى لغة ، وذلك لايصال التعاليم والقيم والمباديء التي اتى بها الناس 2، وتتأثر هي الاخرى بالدين لانه يفرض بقيمه واخلاقه سلوكا معينا علىالافراد في التحدث .
فاللغة ظاهرة اجتماعية تنمو وتنشط في البيئة الاجتماعية ، تسهم في الاتصال والتفاهم بين الناس ، وتحقق اغراضهم الاجتماعية ، وهي ترتبط بالمجتمع الانساني من خلال الاسرة التي هي الوحدة الاساسية للمجتمع سواء اكان هذا المجتمع مجتمعا متقدما ام بدائيا ، وقد دلت العديد من التجارب العلمية على ان النمو اللغوي لدى الطفل يتوقف - عادة - على ما تتسم به حياة الاسرة - التي هو عضو فيها - من نشاطات وفعاليات وقيم واخلاقيات … وفي هذا المضمار يقول الاستاذ انيس ( النشأة السليمه والتربية الطيبة تساهم في نمو لغة الطفل ، اكثر مما يمكن ان يساهم به التعليم المنظم في المدارس ) . 3
فالطفل في محيط اسرته يكثر استماعه للحديث والنقاش الحي للذين هم حوله ، وخلال فترة طويلة فانه يتمتع بمزايا لغويه كثيرة ، وهكذا تكون عملية التنشئة الاجتماعية ، وقد اعطت الطفل فرصة الوصول الى مجموعة من المعاني التي تسمى لغة ، وتتعدها لتزوده عن طريقها بمجموعة من القيم ، والمبادىء التي تحقق ثقافة المجتمع في ضوء اساليب السلوك المكتسبه . 4
اذن فالاسرة هي القناة الاولى التي يتعلم من خلالها الطفل اللغة والثقافة عن طريق التنشئة الاجتماعية ، ثم ينتقل الى تنميتها من خلال القنوات الاخرى كالحي او القرية او المدرسة والبيئة عموما . ( وفي الوقت الحاضر هناك مصدر مؤثر اخر في اكتساب الاطفال للغة وهي وسائل الاعلام الجماهيرية وخاصة التلفاز ) 5، فالتنشئة الاجتماعية تعد اللغة وسيلة لها ، وهدفا بنفس الوقت ،فاما من حيث كونها وسيلة فلانه عن طريقها يتم التخاطب مع الطفل لتزويده بالمعلومات الضرورية لتنشئته المناسبة ، لان التنشئة الاجتماعية من بين اهدافها
تزويد الطفل بمفردات اللغة التي من شأنها ان تعينه على اداء ادواره الاجتماعية. وقد تحدث العالم ( لويس M.M.Lewis) في كتابه اللغه في المجتمع ( ان اللغة وسيلة لصبغ الفرد بالصبغة الاجتماعية ، وانه كلما ازداد الفرد توغلا في عضويته للمجتمع ، زاد دور اللغه ، لا في حياته الاجتماعية فسحب بل في سلوكه واحساسه وتفكيره ايضا 6
فاللغة هي التي تمكن الانسان من الشعور بذاته ، والاتصال بامثاله ، وتجعل من السهل عليه تكوين الجماعات ، وتمكنه من قضاء حاجاته في المجتمع وهي بذلك تساهم في تهيئة الوضع المناسب لتكوين الحياة الاجتماعية .
وعلى الرغم من اختلاف مظاهر اللغة من صوتية الى كتابية الى اشارة حركية او ضوئية او لمسية الا انها تشترك في الوظيفة ذاتها ، كونها اداة اتصال مكنت المجتمع الانساني من تنسيق جهوده وجهود ابنائه وتوحيدها بشكل عام ، وجعلت تداول الخبرة ممكن بين الافراد ، والاجيال ، والمجتمعات ، وكل هذا احدث تبديلا جذريا ، ونوعيا في تكوين الخبرة الفردية لدى النوع الانساني بشكل تخطى حدود ما لديه بالمقارنه مع غيره من المخلوقات .
اما من حيث كونها اداة للفكر، وهي الجانب المهم الاخر ، فان ابرز صفات الكلمة هي التجديد ، والتعميم ، وهذا ( جعل الفكر الانساني نشطا فاعلا مؤثرا ، غير مقتصر على مجرد تسجيل الانطباعات البيئية بشكل استسلامي ، منفعل )( 7، فاصبح بذلك قادرا على اعادة صياغة البيئة ومحتوياتها المختلفة ، لتلائم حياته ، لان تخيل عالم اخر ارقي ومحاولة تحقيقه ، يستند الى اللغة وما تمثله من فكر في قيامه ، وان كان يتحقق بالعمل الجسمي الذي يعقبه .

المصادر
1 . علي عبد الواحد وافي ، اللغة والمجتمع ، دار النهضة ، القاهرة ، 1971 ، ص 3-4.
2 . محمود السعران ، اللغة والمجتمع ، المطبعة الاهلية ، بنغازي ، 1958 ، ص 66 .
ابراهيم انيس ، اللغة القومية والعالمية ، دار المعارف ، مصر ، 1970 ، ص 130.
3 . Anne and peter Doughty , Language And community , First Published -print-ed in Great Britain , London , 1977 , p. 41
5 . هدسن ، علم اللغة الاجتماعي ، ترجمة محمود عبد الغني ، ط1 ، بغداد ، 1987 ، ص 39.
6 . ابراهيم انيس ، مصدر سبق ذكره ، ص 34.
7 - نوري جعفر ، اللغة والفكر ، مكتبة التومي للنشر والتوزيع ، الرباط ، 1971 ، ص 151.

#سعد_سوسه (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات