أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - نادية حرحش - الشيخ جرّاح وتهجير جديد قريب














المزيد.....

الشيخ جرّاح وتهجير جديد قريب


نادية حرحش

الحوار المتمدن-العدد: 6898 - 2021 / 5 / 14 - 11:28
المحور: القضية الفلسطينية
    




أتساءل ما هو الأصعب، أن يأتوا إلى بيتك عنوة ويستولوا عليه؟ أم تعود إلى بيتك فتجده ركاماً وتبدأ بلملمة ما كان يحوي من ذكريات؟ أم تنتظر سنة تلو السنة، يوماً تلو اليوم، لحظة آتية تؤرخ استيلاءهم على بيتك، ويخرجونك منه عنوة مهما حاولت وهادنت وحاربت، لأنه بكل بساطة كما قال المستعمر الجديد لـ (منى) ابنة صاحب البيت:"إن لم آخذه أنا فسيأخذه غيري."

كم يبدو هذا المستعمر محقاً؟ كم هو وقح؟ كم هو واقعي؟

كم يمكن للإنسان أن يحارب من أجل البقاء في بيته؟

البيت.... مصدر الأمان الأول والأخير لكل منا.

البيت الذي نلوذ به دوماً بعد يوم عصيب، بعد مشقة، بعد رحلة، بعد عمل، بعد كل ما نقوم به في حياتنا... نعود إليه لنأمن ونسكن.

ما الذي يمكن أن يعيشه المرء وهو مهدد بالترحيل في كل يوم على مدار أعوام.

لا أستطيع تخيُّل قدرة هؤلاء العائلات على التحمل. لا أستطيع التفكير في الأحاديث التي يتداولها أبناء هذه العائلات فيما بينهم. ما هي خططهم؟ إلى أين سيذهبون؟ ما الذي سيأخذونه معهم من ذكريات وما الذي سيتركونه وراءهم؟

شجرة الإيكي دنيا التي امتلأت ثمارها لطالما استوقفتني. لم أجرؤ هذه المرة على قطف ثمرة منها وألوذ بنفسي منتصرة بحصولي على واحدة. رائحة المجاري (المياه العادمة) التي أطلقها جنود الاحتلال منذ الليلة الماضية تفوح في المكان. الإيكي دنيا تبدو مُرّة وسط كل هذا الكمّ من الترقب والرائحة التي تنشرها العوادم.

أنظر أمامي، وذلك البيت يترقب منتظراً ساعة الإخلاء القادمة ليسكنه المستعمر الجديد. لا يفكر فينا كبشر. أتساءل ما الذي يفكرون فيه؟ لكن كم تبدو ساذجة فكرة تساؤلي. هؤلاء لا يفكرون مثلنا. هم لا يرون الإنسانية بقدر ما نراها. نحن لسنا إلّا أغياراً يمكن استباحتهم. هم أهم. هم أصحاب القوة والسطوة.

ونحن مجرد أناس عاشوا هنا... يعيشون هنا لا يهمهم.

لا يأبهون لذكريات بدأت بعد اللحظة الأولى من التهجير الأول قبل أكثر من سبعين عاماً.

تلك العائلات التي بنت لنفسها وجوداً من "عدم" كتلك العوادم التي تُرشَق عليهم ليلياً، كأن المحتل يريد أن يؤكد لهم: سترحلون إلى عدمٍ كما أتيتم من عدم، ولا نأبه لكم. فمن يُشرِّد أول مرة يُشرِّد مرات أُخرى.

كأن بداخلي ما يحتاج إلى أن يعيش هذا العدم كأصحابه، أسأل نفسي كم من المرارة يمكن تحمّلها. أهذا هو تجرّع العلقم؟ إلى أي مدى يمكن أن تدخل هذه الرائحة إلى الأعماق، إلى الأنفاس. كم يمكن أن تدوم. كم يمكن تحمّلها. هذه الحقيقة القبيحة... الحقيرة.. الوسخة... كيف نتحمل وزرها من روائح تعلق بنا وتأبى أن تزول؟

وجدت نفسي ذاهبة إلى ذلك المكان. إلى حيث تلك الأريكة، وشجرة التين وجارتها شجرة الإيكي دنيا، وذلك الرجل المسن صاحب أحد البيوت المهددة (نبيل الكرد).

ذلك الرجل الذي تنظر إلى عيونه فترى معنى التعب من الإصرار على البقاء رغماً عن الاحتلال.

أحاول نبش الذكريات من رأسه، وإذ به يلوذ إلى ذكريات أبعد من عمري، حيث كان جدي الأكبر. جدي الأكبر ووالده كانا جاريْن، تلاقت بسطة رزقهما قبل أن يولد الاحتلال، وبقدوم المحتل تفرقت الحياة والأرزاق وتشتت البشر.

وكأن في تلك اللحظة صار للحياة معنى أهم من ذلك الذي كان يلقي بثقله على المكان وسط رائحة العوادم على تلك الأريكة القديمة.

ورجعنا للحظة...

يعيد الرجل القصة التي يعيشها منذ خمسين عاماً. سواء أعياه التعب أم يضخ فيه ذلك العناء قوة البقاء. الإصرار على البقاء هو حال عينيه. حال كلماته التي يعيدها باتزان. مصطلحاته التي صار يُحسن استخدامها ليصيح في وجه الظلم الذي يعيشه كل لحظة. بقدر رائحة العوادم التي شممتها معه لساعة ربما، لا أعرف. لم أستطع تحمّل عبء قذارتها. كأن القاذورات تخترق أرجاء الجسد، تقتحم الأنفاس، كأنهم يريدون أن يؤكدوا لنا أن هذا هو الواقع الذي سنجعلكم تتجرعونه كالعلقم. نحن علقمكم كما هذه الرائحة التي ستلتصق بأنفاسكم إن لم ترحلوا...

وصاحب البيت جالس لا يأبه لرائحة ولا لعيون المستعمرين المتربصة في البيت المجاور.

تمر رائحة الورود من بستانه مع نسمة هواء عابرة.

أتذكر أن الأمل لا يولد من العدم.

هذه الرائحة العادمة، التي نجمت عن اعتداءات الأمس على أهالي الحي والمؤازرين من شباب المدينة، تؤكد بُغض الاحتلال وقبحه. كأفعى نفثت سمومها في وجه ضحيتها ولم تكتف.

أذهب.. أكتفي برائحة لا أستطيع أن أتحمل سوءها أكثر.

أشعر بالاختناق

تطاردني الرائحة

تلتصق بملابسي

ويبقى الرجل جالساً على تلك الأريكة

مرابطاً

مواجهاً

متحملاً رائحة العوادم

وجيران السوء المحيطين به من كل اتجاه

منتظراً فرج الله

ولسان حاله يؤكد

لن أرحل من هنا إلّا إلى قبري.



#نادية_حرحش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التطبيع مع الاحتلال والقطيعة مع الشعب!


المزيد.....




- بيستوريوس: لا يجوز أن نكون في موقف المتفرج تجاه ما يحدث في س ...
- أردوغان يعلن -مصالحة تاريخية- بين الصومال وإثيوبيا
- الرئيس التركي أردوغان: اتخذنا الخطوة الأولى لبداية جديدة بين ...
- قوات -قسد- تسقط طائرة أمريكية مسيرة
- -CBS NEWS-: ترامب يوجه دعوة إلى شي جين بينغ لحضور حفل تنصيبه ...
- مجلس النواب الأمريكي يصادق على الميزانية الدفاعية بحجم 884 م ...
- العراق.. استهداف -مفرزة إرهابية- في كركوك (فيديو)
- موسكو تقوم بتحديث وسائل النقل العام
- قوات كردية تسقط بالخطأ طائرة أميركية بدون طيار في سوريا
- رئيس الإمارات وملك الأردن يبحثان التطورات الإقليمية


المزيد.....

- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - نادية حرحش - الشيخ جرّاح وتهجير جديد قريب