|
القدس-ميقات الحبّ
ربيحة الرفاعي
كاتبة وباحثة
(Rabiha Al-refaee)
الحوار المتمدن-العدد: 6895 - 2021 / 5 / 11 - 02:18
المحور:
الادب والفن
شخوص المسرحية
الأم: سيدة أربعينية، مشدودة القامة، قوية النظرة، في وجهها بعض تجاعيد، وفي صوتها حزن ومكابرة. صلاح الدين الأيوبي: خمسيني، طويل القامة، متين البنية، بثياب فرسان القرن السادس الهجري، صوته قوي وواثق. فردوس: شابة جميلة الوجه أنيقة الثياب، تظهر على صوتها دلائل الإنهاك صلاح الدين الشاب : ثلاثيني ، ذراعه اليمنى مبتوره، خطوته ثابتة، بادي القوة والثقة، نشط وسريع الحركة لينا : شابة جميلة، نحيلة، خفيفة الحركة، مرحة صلاح الدين الفتى: طفل في حوالي الثانية عشر من العمر، وسيم ، بادي القوة والثقة الجد: عجوز ثمانيني هرم حكيم وكثير الصمت جندي يهودي : لباس عسكري .. حدّة في الملامح والنظرة .. يتحدث بالعربية والعبرية راشيل : مجندة يهودية، شابة حسناء، واثقة مجاميع
الفصل الأول المشهد الأول معزوفة حزينة على الناي يتخللها صوت والد محمد الدرة يصيح مات الولد .. وظلال على خلفية المسرح بصور من جرائم الاحتلال الخالدة في الذاكرة الجمعية للأمة محمد الدرة- إيمان حجو – فارس عودة – حسن مناصرة وغيرهم تختتم الصور الظلالية بمشهد مواجهة متحرك مسبوقا بموسيقى نشرة الأخبار، صوت مذياع يعلن خبر الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل وصوت المذيع يقول المذيع: هذا وجاء في خطاب الرئاسة الأمريكية أنه آن الأوان للاعتراف رسميًا بالقدس عاصمة لإسرائيل. وأن إسرائيل دولة ذات سيادة، ولها الحق، حالها حال أي دولة أخرى سيادية، أن تحدّد عاصمتها. وأن أمريكا أخيرًا تعترف بما هو واضح، وهو أن القدس عاصمة إسرائيل. وتضمّن الخطاب توجيها للخارجية الأمريكية للمباشرة بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. حتى تكون السفارة الجديدة، بعد الانتهاء من بنائها، رمزًا رائعًا للسلام. صوت خارجي: أي سلام يا ابن الكلب صوت خارجي: القدس لنا تتداخل الأصوات مع صوت موسيقى حماسية يتخلل الأذان القدس لنا .. القدس عاصمة فلسطين .. الله أكبر .. لن نستسلم صور ظلالية للمواجهات ، تليها رقصة تعبيرية تعرض سقوط شهيد حتى لحظة حمل رفاقه له على الأكتاف، حيث ترتخي ذراعه باتجاه الجمهور بكف مفتوحة، وتدخل الأم صارخة، ترافقها موسيقى أغنية سبّل عيونه الأم : أوقفوا زفة العريس، أريد أن أحنّيه تبدأ بوضع الحناء على كفة الممدوة باتجاه الجمهور، على صوت أغنية المسرحية المؤداة على لحن أغنية سبل عيونه ومد إيده يحنونه سبَّل عيونُهُ ومدّ إيدُهْ يحنّونُهُ = حيوا الغزال الذي راحوا يدفنونه سبّل عيونه وجمّد دمعتي بعيني = جرحه بقلبي ودمُّهُ للأرض زينه عالنعش يا الزين أصحابك يزفونك= بقلوب تذرف حزن والمجد لعيونك يا قبر خلّي دخيلك بالحنان ضمّه= فدوة لعين القدِس غاب عن صدر أمه واحنا على الدرب نفديها ما نتأخر= شهيد بيد الشهيد تابلادي تتحرر ( )
بانتهاء الأغنية يمضي رفاق الشهيد بنعشه، وتطلق الأم الزغاريد مخنوقة ناظرة باتجاهه، تتبعهم بخطوة بطيئة ملوّحة بكلتا يديها تنوحه قائلة ترافقها موسيقى حزينة على الكاولة الأم : استعجلت يما، لو أخبرتني أنك ذاهب لأبيك وأخيك لأوصيك، لأحملّك أخبارنا إليهما، لأذكرك أن تبلغهما أننا على دربهما ودرب اخوتهما الشهداء نسير قل لأبيك نحن كما نذرتنا لتراب الوطن، كلّنا على الطريق. آآآخ يما، لماذا لم تنتظر قليلا كي أضمك، كي أشمك وأملأ صدري وعروقي برائحتك قبل رحيلك. قم يا حبيبي .. عروسك تنتظرك .. كيف سأخبرها أنك اخترت أن تزف اليوم لعروس غيرها! ها هم أصحابك يرفعونك على أكتافهم ليزفوك للقدس. ها هي فلسطين تتأهب لاحتضانك، تتزين لك بثوبها المجبول بدمائك، فنم في حضنها قريرا، وأترك أمك تؤطر صورتك الحبيبة بعلم فلسطين، وترفعها في الصالة إلى جانب صورة أبيك وأخيك وعمك وخالك على حائط الشهداء .
يسدل الستار
الفصل الأول المشهد الثاني مع خلفية موسيقية تأمليّة تنفتح الستارة على حجرة بسيطة بنافذة تظهر منها القدس، وحائط يحمل مجموعة صور تتوسط كل منها العلم الفلسطيني إطارا، وجهاز تلفزيون مغلق وأريكة، ومقعد في زاوية مؤكّدة (حسب ما يرى المخرج) يجلس عليه الجدّ، قدماه مغطاتان ببطانية ثقيلة، وفي يده سبحة يجر حباتها ببطئ ويتمتم بصوت غير مسموع، ناظرا إلى الأمام كأنما يتأمل شيئا في الفراغ. تدخل الأم من الجهة اليمنى للمسرح، دون أن تلتفت نحوه، ويواصل هو نظراته في أفق المسرح بعيدا عنها، تنظر بحزن للصور المعلقة على الحائط، وتخطو بإعياء ومكابرة باتجاه الأريكة حيث وضعت ثياب عريس مكويّة بعناية ومسندة إلى ظهر الأريكة كأن فيها جسدا جالسا، تحملها بحب وتمرر كفها عليها، تنفض عنها شيئا غير موجود. فجأة يوجه إليها حديثه دون أن ينظر باتجاهها الجد: مرة أخرى؟ مات العريس قبل أن يلبسها يا حزينة. الأم: مات يا عمي موعودة بوجعها أنا كأنها منذورة لأولادي طقم عرس لا يلبسونه. الجد: نعم .. يستبدلونه بثيابهم الملطّخة بالدماء كفنا .. ويرحلون. بمرافقة موسيقى حزينة على آلة القانون، تقبّل الأم الثياب بحنوّ، وتعيد وضعها على الأريكة بنفس العناية، تسير مهدودة نحو الصور، تتأمل إحداها وتمسح عليها بكفها متمتمة .. الأم : غالٍ والله يا حبيبي قطعة من قلبي انتزعت برحيلك، وعبثا تحاول روحي العودة لجسدي بعدك .. أنا بغيابكم جسد بلا روح، لكن .. نتحّمل بني .. أرواحنا جميعا فداء للقدس يا أضاحيها. من نفس الباب يدخل طفل في الثانية عشرة من عمره، جميل، مرتّب، يلف حول كتفيه كوفيه منقوشة بالأبيض والأسود، يسير باتجاهها بخطوات قوية ثابتة.. الفتى : لا تحزني أماه زغرودتك التي كانت تتحدى دموعك ودموعنا في وداع أخي هي وعدنا للقدس بتحريرها. الأم : وحدنا في المعمعة يا ولدي يتساقط شبابنا ثمرات وجع لا ينتهي والعالم يتفرج. الفتى : شهداء يا أمي .. فلا تحرميهم زغرودتك يعلّق الجدّ مقاطعا الجدّ: إنها شهادة ميلاد النضال تكتب من جديد مع ارتقاء كل شهيد يتمنون أن يهدّوا بقتله عزيمتنا الأم : اللهم امنحنا القوّة يفتل الفتى جسده ليلف الأم بذراعيه بتعلّق طفولي، وتنحني لتعانقه باحتواء، فتفلت منها آهة قوية وتبكي .. الفتى : زغرودتك تمنحنا القوّة واستسلامك يهدنا فلا تحزني أمي أرجوك. تعتدل، وتمسح دموعها بيمينها بينما يسراها ما زالت تلفه الأم : الحزن يا صغيري ليس استسلاما ولا تراجعا لكنني أشتاقهم أحنّ لعناقهم أشم عبير أنفاسهم حين أرى عيونهم تنظر إلى من صورهم الحبيبة كانوا يملأون البيت حياة وحبا، ويمطرون قلبي فرحا. من الباب في يسار المسرح تدخل شابة تحمل رضيعا في لفّة تقاطع الأم قائلة: الشابة (فردوس): ولكن بساطير الموت التي تضرب بخطاها صدر القدس، ومعاول الجنون التي تحاول هدم الأقصى لن تسمح لنا بالحياة ما دامت تسعى فيها كأفعى. يلتفتان معا باتجاهها، وبينما تهتف الأم بقلق فردوس!، يركض الفتى نحوها بفرح صائحا فردوس .. فردوس .. ويتعلق بها تسألها الأم بتوتر دون أن تتحرك من مكانها الأم: خيرا ان شاء الله! ما الذي جاء بك بنيّتي؟ الجد: كيف أتيت من حي الشيخ جراح بهذا الظرف، أنت نفساء؟ تسير فردوس نحو جدّها ، والفتى يتحرك بمعيتها ملتصقا بها وكفه متشبثة بغطاء يلفّ الصغير، تقبّل يد جدّها فيربت على رأسها وهي تقول: فردوس: عمي أوصلني إلى هنا الأم: لماذا ؟ فردوس: عمّي وغيره قلقون منذ استولى الصهاينة على منزل عائلة الشماسنة وطردوهم منه بيوتنا مهددة بالاستيلاء عليها أمي الجد: يخشون أن يصدر قرار المحكمة المجرمة بطردهم .. أليس كذلك؟ تنتفض الأم وتتساءل مقاطعة الأم: ماذا؟ فردوس: صحيح أمي .. خائفون .. وعمي خائف علينا أنا ومحمد تنظر لرضيعها وتتابع فردوس : وقال لي أن الأفضل أن نبقى عندكم حتى نرى ما سيحدث. الأم: يا ربي!! حسبنا الله ونعم الوكيل .. الجد: أين هو عمك؟ فردوس: أوصلني إلى هنا، وذهب للأقصى تحتضن الأم ابنتها .. ويرتفع صوت بكائها يدفنه ضجيج قادم من الشارع وهتافات تكبيرية، فتهتف الأم بتوتر وخوف الأم : اشتباك جديد! يتحرك الفتى باتجاه النافذة بخطوة قوية وسريعة، يطلّ منها بينما تصيح به أمه الأم : انتبه يجيبها مواصلا إطلاله من النافذة الفتى : لا تقلقي أمي قبل قليل اقتحم المتطرفون وبعض موظفي سلطة الآثار الصهيوينبة باحات الأقصى من جهة باب المغاربة وأدوا طقوسا تلمودية والناس يتصدون لهم ويحاولون طردهم ومنعهم من تصوير أعمال الترميم في مسجد قبّة الصخرة. الأم : لن تكفّ هذه الأفعى الصهيونية عن الانسلال لكل شبر من القدس. يلتفت باتجاهها وعلى وجهه شبه ابتسامة الفتى: أفعى يا أمي .. نعم .. أفعى تجلس فردوس على الأريكة إلى جانب الثياب الموضوعة عليها، تضع صغيرها على ركبتيها، وتمرر كفها على ياقة الطقم متأوهة بحسرة: فردوس: يقتلون ابناءنا وأخوتنا الجد: يعتدون على كل مقدس على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والأوقاف والمقابر الإسلامية والمسيحية. يعاود الفتى النظر من خلال النافذة، وتخطو الأم نحوه الأم : وحوش مجرمون .. حسبنا الله فيهم يزرعون مستوطناتهم حول بيوت الناس تنظر نحو الجدّ يجرجر حبّات سبحته، ناظرا للأمام وقد ارتفع صوت تمته بكلمات التسبيح غير الواضحة، وتتابع الأم: يفلتون شياطينهم تعتدي على البيوت يتملّكونها ويطردون أهلها منها ويؤذونهم ويعتقلونهم. فردوس : الجمعيات الاستيطانية الصهيونية تستولي على منازل الناس بسلطة الدولة أمي. الأم : ليست وحدها بنيّتي، المستوطنون والمتطرّفون والجنود وحرس الحدود والشرطة، كلّهم وجوه لشيطان واحد. يلتفت الفتى باتجاه أمه قائلا : الفتى: القدس كلها تنوح ؛ أهلها، مدائنها، أقصاها، كنائسها، شوارعها الأم : أين عنّا بطل يقودنا للنصر يا رب رجل كعمر بن الخطاب - كالمعتصم - القعقاع - صلاح الدين الأيوبي نحتاج قائدا يا إلهي. الفتى متفاجئا: أميّ ! .. هذا صديقي أحمد من قرية النبي صموئيل الأم بدهشة: معقول ! كيف وصل إلى هنا؟ فردوس : لا شك أنه تحدّى المستحيل ينفض الجدّ مسبحته ويقبض عليها داخل كفّة ويغلقها بقوّة، ويعلّق دون أن ينظر إليهم الجد: إنهم محاصرون، منذ هدم الصهاينة منازل القرية وحولوها لمتنزّه ومعرض مفتوح للآثار. فردوس: ممنوعون من التنقل ومن العمل ممنوعون من ممارسة حياتهم كبشر. يستدير الفتى نحوهم بجسده ويعلّق الفتى: نعم، هو يحدثني عن ذلك كلما التقينا. حتى المسجد استولوا عليه وحولوا الطابق العلوي منه لكنيس. تتنهد الأم، وتعلق بصوت باكٍ الأم: مساكين أهل قرية النبي صموئيل يسرقون أراضيهم ومياههم ويعتدون على مزروعاتهم بعدما هدموا منازلهم. فردوس: قرية النبي صموئيل وغيرها أمي لا أحد في القدس نجى من شرهم. الأم : خذي الصغير إلى الداخل وغطّيه جيدا. تحمل فردوس صغيرها وتسير به باتجاه يمين المسرح، ويلتفت الفتى نحوهما قائلا يداعبها بصوت مرح: الفتى: لا تجعليه يطيل النوم قولي له "خالك يريد أن يلاعبك"
في اللحظة التي تختفى فيها فردوس عن الخشبة، يرتفع صوت الضجيج وهتافات التكبير التي تصلهم من النافذة، فيلتفت الفتى باتجاه الصوت ويندفع مبتعدا عن النافذة باتجاه الباب وهو يصيح كأنما يؤنب نفسه الفتى : مالذي أفعله أنا هنا؟ يجب أن أكون معهم .. تتحرك الأم نحوه بلهفة الأم: لا يا حبيبي .. لا تذهب. الجد: أتركيه بنيّتي الأم: لم يبق لنا سواه يا عمّي يقف الفتى حيث وصل، ويلتفت برأسه باتجاهها دون أن يغير اتجاه جسده الفتى : يجب أن أذهب يا أمي لن أختبئ من واجبي تصله وتمسك بكتفه بينما يهزّ الجدّ رأسه بحيرة الأم: لا توجع قلبي عليك يا ولدي يمسك بكفّها ويقبلها الفتى: لماذا لم تربّني عبدا ؟ كي لا أوجع قلبك إذا يا حرّه! تشدّه إليها وتضمّه هاتفة الأم: هل يجب أن أربّيكم عبيدا؟ كي لا أفقدكم يسحب جسده من بين يديها ويتابع تحرّكه نحو الباب قائلا الفتى: نعم أمي وحدهم العبيد يختبؤون حين يتواجه الحق والباطل سامحيني حبيبتي يجب أن أذهب. يشير العجوز بيده متبرما، وينهض متثاقلا .. يمسك بعكازه ويمضي للداخل تسرع الخطى وراء الفتى، تحاول منعه من الذهاب، ويتحرك مسرعا، تجثو على الأرض بحسرة وتصيح بحرقة : الأم: عد يا صلاح الدين عد يا صلاح الدين صلاح الديييييييييييين تنفجر باكية يسدل الستار الفصل الأول المشهد الثالث في ذات الغرفة المقدسية صوت الضجيج في الخارج مرتفع، الكلمات مختلطة بالتكبير، وأصوات الطلقات وقنابل الغاز تتداخل مع صوت وقع الأقدام الثقيلة تعدو على الأرض الأم جاثية على قدميها تستند لذراعيها وقد تدلّى رأسها، تتمتم الأم : عد يا صلاح الدين .. عد لي يا بني. بين جملتيها وعلى صوت موسيقى حماسية .. يظهر على زاوية المسرح فجأة فارس ممشوق القوام قويّ البنية، منتصب القامة، يرتدي ملابس فرسان الدولة الأيوبية، ويحمل بيده اليمنى قرطاسا ملفوفا ترفع رأسها متطلّعة نحوه، متسائلة من بين دموعها بدهشة الأم: من أنت ؟ يضع كفة المقبوضة على القرطاس على صدره، ويحني رأسه تحية وتواضعا صلاح الدين: صلاح الدين الأيوبي تنتفض الأم بدهشة ويعلو وجهها الذهول الأم: يا إلهي .. الناصر صلاح الدين الأيوبي مالذي جاء بك؟ يرفع رأسه ويجيبها بهدوء واثق صلاح الدين الأيوبي: أنت قد دعوتني الآن أخيّة. تنتصب الأم واقفة دون أن تغير موقعها، وتهتف متعجّبة الأم: أنا؟ إنما ناديت ولدي يحدّق فيها بيعينين قويّتي النظرة صلاح الدين الأيوبي: بل ناديتني زلزلت بي مرقدي وزلزلت روحي بندائك. تكرر باستغراب الأم: أنا؟ تناولُ يمناه القرطاس ليسراه تتدلى به، ويرفع كفه الأيمن ومؤشرا نحوها بسبابتة موسيقى حسب رؤية المخرج صلاح الدين: أنتِ، وكلّكم ما زلتم تزلزلون بنا مراقدنا كل يوم وكل ساعة تنادوننا بلا رحمة يخفض يده ويحني رأسه مواصلا بحزن صلاح الدين الأيوبي: منذ ضيّعتم العهدة العمرية وسقطت القدس وفلسطين في يد الدولة الصهيونية. الأم : تعبنا يا أخي اختنقنا يا سيّدي أيها القائد العظيم .. أيها العادل المحرر ونحن بحاجة فعلا لقائد عظيم مثلك. يعاود النظر إليها بألم ويجيب صلاح الدين الأيوبي: أنتم تخطئون في قراءة التاريخ أخية لم أركب فرسي لأحرر القدس وحدي كانت فيالق عظيمة من الأحرار تهز سنابك خيلهم الأرض يهبّون بكل حميتهم، بكل قوتهم وإبائهم متى وصل أسماعهم خبر الأرض تئنُّ مغتصبةً أو خائفة... الأم: الجيوش يلزمها قادة يصنعون بها النصر يا سيّدي وقادتنا كثيييييرة مشاغلهم تلهيهم عن قدسنا. تعود الظلال في خلفية المسرح ترافقها موسيقى صاخبة اجتماعات .. خطباء على المنابر .. مواجهات .. أثرياء يلقون النقود على راقصة في ملهى ينظر صلاح الدين إلى الصور بازدراء بينما تتابع الأم الأم : قضيتنا يا سيدي .. يقاطعها بصوت حازم يملؤه الغضب صلاح الدين الأيوبي: ما بالها قضيّتكم؟ أليست بحجم مشاغلهم؟ الأم: أتعني القادة؟ صلاح الدين الأيوبي: القادة وغيرهم أنتم لا تواجهون أنفسكم بالحقيقة كل الوجوه متشابهة في هذا والناس في شوارعكم مشغولة بشؤونها تماما كانشغال قادتكم بشؤونهم. الأم: لا يا سيّدي .. قضيّتنا تشغل الناس في كل الشوارع العربية لكنها لا تجد لها متسعا في مشاغل القادة صلاح الدين الأيوبي: هذا تهرّب من الحقيقة أخيّة الأم: بل هي الحقيقة لو وجدت شعوبنا قائدا لتبعته إلى القدس ولكننا لا نجده لهذا يستدعيكم وجداننا ليملأ الفراغ. صلاح الدين الأيوبي: غزّة أُحرقت .. فأين كانت شعوبكم؟ وبنبرة سخرية يضيف صلاح الدين الأيوبي: تتابع احتراقها على شاشات التلفزيون؟ الأم : بل غاضبة ثائرة لكنها لم تجد نحو نصرتهم طريقا صلاح الدين الأيوبي: كانت القنابل الفسفورية تحرق البشر والشجر والحجر وتحرقنا في قبورنا وكنتم تتفرجون. الأم: لم تكونوا معنا .. لم تجد الشعوب التي كانت تغلي غيظا بطلا يقودها صلاح الدين الأيوبي: الشعوب الحرّة هي البطل الحقيقي.. هي تخلق الأبطال الأم: شعوبنا حرّة يا سيّدي لكنها مكبّلة بالحدود صلاح الدين الأيوبي: لقد لاحت أزمة البطل بينكم منذ نكبتمونا بسقوط القدس وقد حاول كثيرون ملء هذا الفراغ، وتسويق أنفسهم على أنهم البطل المنشود فهل وجد أي منهم القوات الحرّة، الصادقة، العازمة على تحرير القدس؟ الأم: أولئك الذين تشير إليهم لم يكونوا أهلا لذلك الدور يا سيّدي. صلاح الدين الأيوبي: وما أدراكم أختاه؟ من لم يجرّب لا يحكم. الأم: لقد فشلوا في تجميع الأمة حولهم صلاح الدين الأيوبي: إنما أفشلهم انقسامكم وتضارب مصالحكم سياسيا واقتصاديا.. أفشلهم أنكم شعوب تعيش في أوطانها وتحلم بالهجرة ضيّعتم إرثا عظيما، وتاريخا مجيدا ضيّعتم بيت المقدس وأكناف بيت المقدس يتحرك صلاح الدين الأيوبي باتجاه زاوية المسرح التي ظهر منها الأم: لسنا من ضيّعها نحن صامدون نواجههم بأجسادنا وأرواحنا وهي كل ما نملك .. صلاح الدين الأيوبي: تواجهونهم وحدكم .. لكنها ليست حرب المقدسيين وحدهم وليست حرب أهل فلسطين فقط هذه حرب الأمة كلّها ولن تتقدموا خطوة واحدة حتى تدرك الأمة كلّها ذلك. الأم: أرأيت كيف أننا نحتاجكم! نحتاج قادة تجتمع الأمة حولهم. صلاح الدين الأيوبي: القادة لا يصنعون النصر أخيّة بل يقودون حروبا تخوضها جيوش الأحرار وعليكم أنتم أن تصنعوا الأحرار ومن بينهم يولد القادة يتابع خطوه باتجاه زاوية المسرح كما يرى المخرج مواصلا حديثه عليكم أن تصنعوا جيلا قويا مؤمنا بقضيّته مؤمنا بنفسه وأمته عاشقا لوطنه أما بحالكم هذه فلا قادة تنفعكم ولو عاد بينكم عمر لخذلتموه تعتيم في زاوية المسرح التي يقف بها صلاح الدين الأيوبي في نفس اللحظة التي يدخل بها الفتى صلاح الدين الركح مضرجا بالدّم تصاحبه موسيقى حزينة، فتعدو الأم نحوه بلهفة ، وبعودة الضوء للبقعة التي كان فيها صلاح الدين يكون قد اختفى. الأم : حبيبي يما... ما الذي أصابك؟ يمسك ذراعه بألم ويشد على أسنانه محاولا مداراة ألمه عنها الفتى: المواجهات شرسه أمي .. مجانين .. وحوش .. قتلة تمسك به متفقدة جراحه وتتساءل برعب الأم: كيف أصبت؟ رصاصة؟ يتابع محاولة إخفاء ألمه ويجيبها مكابرا الفتى : لا تخافي أمي .. ليست رصاصة إنما سقطت في التدافع فجرحت الأم: يا اللــــــــــــــــــــــــــــــــــه ! أنت تنزف بغزارة، وجرحك غائر .. هذا جرح رصاصة يجيبها بإعياء لا يملك إخفاءه الفتى: لا تخافي أمي .. أنا بخير من وراء الباب يأتي صوت رجال يتحدثون العبرية والعربية متداخلتين، ثم طرقات عنيفة على الباب مع صوت جاف يقول بعربية أعجميه الجندي : افتح الباب بسرعة .. افتح الباب الأم: لن أفتح لهم، سيأخذونك الفتى: أنا لست خائفا منهم الأم : أنت جريح أصوات الجنود متداخلة: افتح الباب عربي كلب إرهابي .. كفه ملطحة بدم اليهود إرهابيون .. كلكم إرهابيون .. عربي حيوان الأم: يا إلهي .. أين ذهبت يا صلاح الدين الفتى: هنا يا أمي، أنا هنا الأم : آه يا صلاح الدين الأيوبي لماذا ذهبت الفتى: لا تستجدي الماضي بربك أمي الماضي لن يغيثنا نحن هنا، ونحن من يصنع الغد الأم: أي غد يا بني؟ سيأخذونك .. أي غدٍ وحاضرنا يخبرنا أنه غدٌ مظلم. يمسك يدها بيسراه ويسير بها إلى وسط خشبة المسرح الفتى: تعالي أريك الغد أمي
يسدل الستار
الفصل الثاني المشهد الأول ذات الحجرة المقدسية، بديكور أنيق عصري جدا، وأجهزة كهربائية تظهر الأتمتة، ويحمل الحائط مجموعة صور جديدة تطغى على صور الشهداء فيها صور جديدة بأطر مختلفة تجسّد تحرير القدس في ذات الموقع من خشبة المسرح التي أسدل الستار على الفتى وأمه واقفين فيها، وبذات الكيفية يظهر الإبن شابا في الثلاثينيات من عمره مبتور الذراع، ممسكا بيسراه يد أمه الأم: صلاح الدين حبيبي .. ما أجملك بني أين زوجتك وأبناءك؟ لماذا لم تحضرهم معك؟ صلاح الدين: زوجتي مشغولة بالتحضير للاحتفال السنوي بذكرى تحرير القدس أمي .. الأم: القدس حرّة وأنا حيّة يا الله! كلما صحوت لهذه الحقيقة أجد أني لم اعتدها بعد استعيد فرحتي كأنها تتحقق حالا صلاح الدين: كان حمقا رهانهم على تشتتنا وانقسامنا كان حمقا رهانهم على إلهاء شبابنا بالتفاهات وشغلنا بالتهافت على كل سخيف ليمرروا صفقة القرن اللعينة تلك لقد وحدونا بها فسحقناهم الأم: بل كان حمقا رهانهم على فشلنا بتربيتكم أحرارا صوت موسيقى تعزف السلام الوطني الفلسطيني وضجيج فرح واحتفالات يأتي من النافذة .. يتحرك الشاب نحو النافذة، فتقول أمه بصوت حالم الأم: حركتك هذه أعادتني ربع قرن للوراء كنت تسارع للإطلال من النافذة كلما علا صوت الشارع حتى كان يوم اعتقالك. صلاح الدين: يومها كانت الجماهير تغلي بعد القرار الأمريكي الأرعن بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل وزادوا حماقة بدخول سلطة الآثار للأقصى متجاهلين غليان الناس. الأم: يومها أعتقلوك بعد إصابتك في المواجهات يمسك كتف ذراعه المبتورة، ويقول وعيناه تنظران للبعيد صلاح الدين: ويومها تركوا ذراعي تنزف وتلتهب، حتى توجب بترها وربما لولا راشيل لتركوها ليتسرب الالتهاب إلى جسدي فأموت ولم يبتروها. الأم: ليتني افتديتك بعمري ومنعتهم من أخذك ليتني حميت ذراعك بعمري يا حبيبي. صلاح الدين: ما كنت لتتمكني من ذلك أمي ما زلت أذكر كيف دفعك ذلك الوغد وأنا أحاول إبعاده عنك بذراعي السليمة لأحميك من قسوتهم بينما تمسك بي أيديهم القذرة وتجرّني لسيارتهم. الأم : يا عين أمك .. أتمنى لو أفهم سبب رفضك استخدام ذراع صناعية صلاح الدين: ذراعي كانت حصّتي من ثمن التحرير أمي، ولا أخجل بها الأم: غالية حصّتك يا حبيبي صلاح الدين: ماذا قدّمت أنا نسبة لما قدّم غيري؟ أخواي قدما حياتهما وزوج أختي وقبلهم أبي وعمي وقبلهم ومعهم كثيرون هذه مجرد ذراع فقدتها أمي .. مجرد ذراع الأم: لكنها تحمل ذكرى مؤلمة صلاح الدين: بل تحمل ذكرى أحبها وأفتخر بها أتذكر كلما تنبهت إليها؛ ذلك الجندي الصهيوني الذي ضربني على الجرح بكعب سلاحه فصفعته بيسراي يرتفع صوت الموسيقى، وانفجارات ألعاب نارية، وصوت جرس الباب كأنما يحاول الضيف عزف موسيقى السلام الوطني بالجرس .. الأم: هذه لينا .. أدخلي حبيبتي .. تفضلي تدخل المسرح شابة فائقة الجمال، أنيقة في صدرها قلادة تحمل صليبا لينا: أين أنتما عن الاحتفالات؟ وعن صلاة الشكر في ساحة الأقصى وكنيسة االقيامة وغيرهما؟ أين أنتما عن الدبكة في الشوارع؟ تعالي معي يا خالة .. أما أنت فاذهب لزوجك تحتاجك لمساعدتها في ضبط فرق الكشافة. صلاح الدين: هل التقيتها اليوم؟ لينا: نعم جاءتنا هي وراشيل إلى الكنيسة بعد الصلاة لمراجعة بعض التفاصيل مع مسؤول كشافة الكنيسة قبل بدء الفعاليات. صلاح الدين: هي مشغولة بالتحضير للاحتفال منذ أسابيع. لينا: طبيعي يا صديقي فهي مسؤولة عن أنشطة الكشافة جميعها. الأم: راشيل معكم في التحضير للاحتفال بنيّتي لينا: أكيد .. أليست مواطنة فلسطينية! وطننا حضن الأديان كلّها يا خالة لا تمييز هنا بين دين ودين وراشيل يهوديّة وليست صهيونية خالتي الحبيبة. صلاح الدين: ألا تذكرين تعرضها للمحاكمة لاحتجاجها على معاملة الجرحى يوم اعتقالي يا أمي. الأم: أذكر .. أذكر لينا: المهم الآن .. زوجتك تريد منك أن تأخذ معك كتاب التاريخ منهاج الصف الرابع الابتدائي. صلاح الدين: كتاب مدرسي؟ لماذا؟ لينا: لا أعرف بدقة لكني فهمت أن بعض الطلاب سيقدمون فقرة عن حرب تحرير القدس من الاحتلال الصهيوني مادتها من الكتاب. يتحرك باتجاه حقيبة مسنودة إلى جانب الأريكة، يتناول منها كتاب ويسير عائدا إلى حيث تقف هي بجانب أمه، وهو يقول متسائلا صلاح الدين: لا أفهم ذلك إذا كانوا سيؤدون مشهدا من حرب التحرير فهم قد حفظوه بالضرورة فلماذا الكتاب؟ تضحك لينا برقة ، وتعلق لينا: لا أدري .. ولم أسألها تلتقط الأم الكتاب من يده، وتتأمله بحب الأم: تحرير القدس من الاحتلال الصهيوني في كتاب التاريخ؟ الشاب: بالتأكيد أمي .. الأم: أكاد لا أصدق نفسي كتاب تاريخ يدرُس الطلاب فيه تحريرنا للقدس كان خيالا وضربا من المستحيل قبل أعوام. لينا: وأصبح واقعا يا خالة .. لقد أضفنا صفحة تحريرها لسفر أمجادنا ويجب أن يدرسه أبناؤنا ويحفظوه ليعرفوا كيف يحافظون عليها. الأم: كانت المناهج مشتتة كالمدراس تماما بعضها تابع لوزارة المعارف الإسرائيلية، تهويدي مشوّه وبعضها تابع للسلطة في رام الله مترددا متأرجحا، وبعضها وبعضها. صلاح الدين: اليوم لا مناهج تتبع أحدا ولا سلطة إلا سلطة الدولة الفلسطينية الحرّة، وعاصمتها القدس .. قدسنا يا أمي لينا: قدسنا الحرّة يا خالتي الأم: قدسنا الحرة .. نعم قدسنا الحرّة يمسك بيد أمه في ذات النقطة التي فتحت عليهما الستارة فيها وتسدل الستارة الفصل الثاني المشهد الثاني الغرفة المقدسية البسيطة، والفتى وأمه في نفس البقعة لكنها تحمل في يدها كتاب التاريخ، والفتى ملطّخ بدمائه، غارق في عرقه، يظهر عليه الإعياء واضحا، لكنه يحاول مكابرا إخفاء ما به الجنود الصهاينة يطرقون الباب ويهددون بخلعه، ويسير الفتى نحو الباب بخطوات متعبة، وتصيح به أمه الأم: لا .. لن نفتح لهم الفتى: سيقتحمون المنزل إن لم نفعل تهف برعب مصرّة على عدم فتح الباب الأم: سيعتقلونك تدخل فردوس للمسرح من الجهة المقابلة للباب، وتتساءل بلهفة وقلق فردوس: ماذا هنالك؟ ما الذي يجري؟ تلمح أخاها الجريح وقد تلطّخت ذراعه وصدره بالدماء، فتعدو نحوه مذعورة بينما يرتفع صوت بكاء الطفل قادما من غرفة داخلية فردوس: صلاح الدين حبيبي ما هذا الدم يغطيك؟ كيف جرحت؟ تصيح بها الأم مؤنبة الأم: لا تركضي يا مجنونة .. أنت نفساء .. ألا تدركين معنى هذا! الفتى: لا شئ لا تقلقي أختي.. إبنك يبكي، إذهبي إليه يتلاحق ويرتفع صوت الطرقات على الباب وصياح الجنود، ويتحدث صلاح الدين وفردوس في نفس الوقت فردوس : مالذي يجري أمي؟ الفتى: سأفتح الباب أمي تتشبث به الأم وتحاول منعه من متابعة خطواته باتجاه الباب، بينما تهذي فردوس باسمه وكلمات متفرقة تشي برعبها .. فردوس: صلاح الدين .. لا أخي.. لن أدعهم يأخذونك .. حبيبي .. لم يبق لنا سواك الأم: لا يا عمري، سيعتقلونك يا صلاح الدين سيتركون ذراعك تنزف حتى تموت لن نفتح لهم الباب الفتى: سيدخلون على أي حال أمي دعيني أفتح الباب .. أرجوك يتابع خطواته ببطء باتجاه الباب، بينما تنظر هي إلى الكتاب متممة الأم: كتاب التاريخ .. سيأخذونه .. تتحرك بسرعة نحو فردوس الأم: خدي هذا الكتاب وأخفيه في "كوفليّة" محمد وابقي مع ابنك في الغرفة لا تأتي إلى هنا حتى أناديك ولو سمعت الدنيا تنقلب فردوس: لا أمي .. لن أتركهم يأخذون أخي تنهرها بحزم وصوت عاصف الأم: إذهبي حالا تتناول الشابة المتعبة الكتاب وتمضي للجهة التي جاءت منها في اللحظة التي يكون فيها صلاح الدين قد فتح الباب، فتركض الأم باتجاهه بينما يشده الجنود غير عابئين بجرحه ودمائه النازفة. الأم: أتركوه .. يدفعه ضابط إسرائيلي بقسوة ويصرخ بها الضابط الإسرائيلي: هذا إرهابي .. مجرم الأم: إنه جريح .. ذراعه بدأت تتورم .. أتركوه مجنّدة إسرائيلية: إنتبه .. الفتى جريح الضابط الإسرائيلي : إخرسي راشيل .. هذا إرهابي المجنّدة: هذا طفل يا ابراهام الضابط الإسرائيلي: هذا عربي حيوان .. اصمتي تعلو وتتداخل أصوات الجنود ويدفع أحدهم الأم فتنقذف بعيدا على الركح لتقع أرضا، تنهض وتعدو وراءهم خارجة من المسرح بينما ترتفع الأصوات القادمة من الخارج متداخلة مستهجنة صوت1: صلاح الدين الله أكبر، إنه مجرد طفل صوت 2: ماذا فعل لكم لتأخذوه صوت1: حسبنا الله ونعم الوكيل ؟؟ الأم: أتركوه .. صلاح الدين .. ابني .. صلاح الدين يرتفع صوت سيارات الجيش مبتعدة، وتعود لخشبة المسرح لخشبة المسرح، يناديها صوت من الخارج تطل إلى صاحبه من النافذة صوت نسائي1 : من اعتقلوا من بيتك يا أم النّور الأم: أخذوا صلاح الدين أختي ذهب كل أبنائي بين أسير وشهيد صوت رجل: وحّدي الله يا أمّ الأبطال أولادنا كلّهم وكلّنا معهم موزّعون بين أسير وشهيد ومنتظر في طابور الشهادة. الأم : نحن وحدنا يا أخي وحدنا نواجه بطشهم صوت نسائي2: لسنا وحدنا كل الأمّة معنا كل الأمة تتوجّع لأجلنا الأم: أخوتنا يتوجّعون لأجلنا لكن .. دون فعل. صوت رجل: أخوتنا محبوسون أخيّتي لو فتحت لهم الأبواب لأتونا يفتدون القدس بأرواحهم وأولادهم صوت نسائي1: أي فداء أخي ترامب نقل سفارة أمريكا للقدس، ودول كثيرة غيرها على الطريق لا أمل بالتحرير لا أمل تنتفض الأم كأنما صدمها القول، وتجيبها بثقة الأم : لا يا أم صابر بل الأمل موجود وقوي، وسننتصر لن نفقد الأمل أبدا سننتصر، والله العظيم سننتصر تستدير عائدة تحدّث نفسها الأم: الكتاب، كتاب التاريخ، إنه بوابة الأمل .. تتحرك بتوتر وتنادي ملهوفة الأم : فردوس .. فردوس يجب أن يصل هذا الكتاب لكل الناس في القدس وخارجها في فلسطين والوطن العربي في كل الدنيا. فردوس .. فردوس تدخل فردوس المسرح وطفلها بين ذراعيها، وتسأل من بين دموعها بخوف فردوس: أخذوه؟؟ الأم: هاتي الكتاب فردوس: هل أخذوا أخي؟ هل أخذوه؟ الأم: لا تخافي حبيبتي سيعود، وسنخرجهم من بلادنا هاتي الكتاب. تضع فردوس الرضيع على الأريكة وتفك رباط لفّته عنه لتسحب الكتاب، وهي تقول باكية فردوس : يا الله .. أما يكفينا ما بنا .. تعبنا يا رب تسحب الكتاب بيأس وتناوله لأمها التي تلتقطه منها وتتأمله؛ كأنما تراه لأول مرة، وتبدأ بتقليب صفحاته بينما تنظر إليها فردوس باستغراب وتسألها بقلق فردوس: ما الأمر أمي الأم: أتعرفين كيف تستخدمين "لاب توب" أخيك عماد الله يرحمه. فردوس: بالتأكيد أمي .. بماذا تفكرين الأم: هذا الكتاب يجب أن يذهب لكل الناس.. كل صفحة فيه .. صفحات التحرير وغيرها. فردوس: ربما كانت هنالك نسخة منه على الانترنت الأم: لا .. لا يوجد على الأرض منه اليوم إلا هذه النسخه ونحن سنوصله لكل أهل الأرض فردوس: نسخة واحدة؟ هل هو أثري؟ لا يبدو قديما الأم : ليس أثريا بل العكس .. إنه الغد فردوس: ماذا؟ لم أفهم .. ما هذا الكتاب يا أمي؟ الأم: إنه الأمل تسدل الستارة
الفصل الثاني المشهد الأخير الأم على الأريكة تحمل اللابتوب في حجرها وتنظر إلى الشاشة بابتسامة ورضى، أصابع كفيها مقبوضة باستثناء سبابتيها تتحركان على الحروف ببطءغير شديد الأم: الحمد لله .. شكرا يا رب .. الناس مشحونة بالأمل واليقين الصفوف تتجمع والأمة اليوم قويّة، موحدة، عازمة على التحرير الشوارع تنبض حميّة وهمّة يأتي صوت الفتى صلاح الدين من الشارع مناديا فتطل من النافذة الأم : صلاح الدين؟ ما الذي ترتديه بني؟ الفتى : سنحررها يا أمي .. افتحي التلفزيون وانظري تفتح التلفاز وتبدأ بتقليب القنوات وكلها تعرض مشاهد متشابههة آلاف من الرجال تكتظف بهم الشوارع كلهم يرتدون زي صلاح الدين آلاف النسخ من صلاح الدين في جميع الشوارع العربية تعود إلى النافذة لتناديه.. الأم: صلاح الدين .. أين ذهبت يا بني هذا صلاح الدين .. وهذا صلاح الدين آخر وآخر وآخر يا إلهي ألف صلاح الدين .. مئة ألف صلاح الدين .. مئات الآلاف تصيح بقوة الأم: قادمون يا قدس وترتد عبر النافذة صرخة الجموع تفيض عزما "قادمون يا قدس" الأوبريت الكورال قادمُون يا قدسُ إنا قادمون قسما بأقصاك المبجل والقيامة ِ .. غضبة من كل فجٍ قادمون سيلا يجرّفهمْ أعاصير انتصار قادمون
القدس كم من جريح بالدماء روى ترابي كم شهيد وأصيح يا نبضي كفى أسقيتموني بانقسامكم الضنى وتركْتموني في مجاهل بطشهم ثكلى هنا... رهن احتراقي بالفقيد أحيا انكفائي فوق ضيف النعش تصليني الشجون إذ تستجير أناملي بالصبر ... كي تسعى على حد الجبين الحرّ ترفع دمعتي عن طرف رمش عهده أن لا يهون
الكورال قادمون والله إنا قادمون قسما بأقصاك المبجل والقيامة غضبة من كل فج قادمون
القدس أنا رِجفةُ الأقصى بنيّ دموع جُلجُثة الصليب جراح أضرحةِ الأحبَّةِ والمآذن والكنائسِ والقباب نواح قضبان السجون تمضي نداءاتي إليكم في المدى هبّوا إليّ كفى بنيّ توحدوا ما زلت أرقب جمعكم حرّا عنيدًا سيداْ يؤوي قبابي في العيون يأتيهم بالموت عاصفة تبعثر حزبهم هامات زيتوني انتصابْ أنا ربّة التاريخ درّته أنا قطر الندى يروي السحاب
الكورال قادمون يا قدس إنا قادمون قسما بأقصاك المبجل والقيامة غضبة من كل فج قادمون سيلا يجرّفهم أعاصير انتصار قادمون لا تجزعي يا قدس إن الشمس باستبسالنا رهن اليمين لا حدّ رد جموعنا أسدا أتيناك ارقبي صفا متينا صامدا يسقي العدى كأس الردى بالعزم يردي الطامعين يا قدس إنا قادمون قسما بأقصاك المبجل والقيامة غضبة من كل فج قادمون
الأقصى أهلا بأبناء الإباء المخلصين الصادقين يا ألف مليون أتوْ من كل حرّ قاهر لا تحتويه حدودهم صعب المراس معاند كحجارتي في عزمه لا يستكين
الكورال قادمون والله إنا قادمون قسما بأقصانا المبجل والقيامة غضبة من كل فج قادمون
الأقصى نادتكم في النائبات مآذني ومصاطبي والصخرة الشيماء، أسبلة المياة، الأروقة صبر المحاريب، القبابُ، الجامع القبلي نادوا: أينكم عنا استبحنا أقدموا أعداؤنا مستذئبون هبوا إلينا من سواكم للفداء يدك كيد الغاصبين؟
الكورال قادمون والله إنا قادمون قسما بأقصانا المبجل والقيامة غضبة من كل فج قادمون
الأقصى يا أيها الأسد الأباة الشامخين هذا صراط المجد تحت خطاكم شُق ارتقاء للعلى وستنصرون دكوا جدار فجورهم رفعوه طوقا حزّ نحر القدس كي يأتوا لنحري فارفعوا في وجههم سيف المنون وستنصرون
الكورال قادمون والله إنا قادمون قسما بأقصانا المبجل والقيامة غضبة من كل فج قادمون سيلا يجرّفهم أعاصير انتصار قادمون لن نستكين بالعزم والإصرار جئنا اليوم فاصدح في الفضا الله أكبر ساعة التحرير حانت زغردي يا أرض أبنائي أتوني غاضبين يا قدس إنا قادمون قسما بأقصانا المبجل والقيامة غضبة من كل فج قادمون
كنيسة القيامة طوبى لمن هبوا نسورا لا حدود تردهم لا يقهرون الرب يعلي شأنكم سفرا جديدا بالدماء ستكتبون كل الشموع أضأت في استقبالكم صلت لكم كل القلوب تقدموا وستنصرون الكورال قادمون والله إنا قادمون قسما بأقصانا المبجل والقيامة غضبة من كل فج قادمون
القيامة مأسورة في عقر أرضي باغترابي شردوا عني بنيّ وأطفأوا شمعي بكف تجبر تردي الحياة ولا تلين بي دمعة العذراء بي صبر المسيح وليلة الآلام أجراسي أمان المؤمنين إني الصليب مجسدا في وجه من رفعوا الصليب إني القيامة قد نذرت بنصركم للرب قرباني المقدس زلزلوا الدنيا بخطوكم اضربوا وستنصرون
الكورال قادمون والله إنا قادمون قسما بأقصانا المبجل والقيامة غضبة من كل فج قادمون سيلا يجرّفهم أعاصير انتصار قادمون مستبسلون لا خوف يثنينا أتينا نذرع الموت انتفاضا فاطمئني كي تعزّي في المنايا كل مرهوب يهون
القدس الله أكبر في المآذن عانقت أصوات أجراس الكنائس جلجلت ها هم بني أحبتي لي قادمون بالنور في وجدان كل الكون جاؤوا أنجما رايات عزّي يرفعون الكورال قادمون يا قدس إنا قادمون قسما بأقصاك المبجل والقيامة غضبة من كل فج قادمون سيلا يجرّفهم أعاصير انتصار قادمون نحن انتصارك رغم عربدة الدجى نحن ارتياد الموت قيد إشارة نفديك بالغالي أباةً صامدين وتحررين يا قدس إنا قادمون قسما بأقصاك المبجل والقيامة غضبة من كل فج قادمون
#ربيحة_الرفاعي (هاشتاغ)
Rabiha_Al-refaee#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ومع ذلك فهي تدور
-
إسقاط الحق الشخصي في قضايا العنف الأسري
-
متضامنون مع رانيا يوسف
-
جائحة كورونا شهادة جديدة بتفوق المرأة
-
تهافت
-
العنف ضد المرأة لا دين له
-
صفقة القرن حلقة أخرى في سلسلة مقطوعة
-
تفنيد أحاديث انتقصت من المرأة (3) لأمرت المرلأأة أن تسجد لزو
...
-
خالد منتصر في قفص محاكم التفتيش
-
القصة الشاعرة وفعل التجريب
-
تفنيد أحاديث انتقصت من المرأة - 2 ( ما أفلح قوم ولوا أمرهم ا
...
-
تفنيد أحاديث انتقصت من المرأة - ناقصات عقل ودين - (1)
-
بعد ما بعد الحداثة/الحداثة المتذبذبة
-
بين الخلق من طين ونظرية الخلق العلمية
-
لم تخلق المرأة من ضلع رجل
المزيد.....
-
قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل
...
-
ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية
...
-
حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
-
عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار
...
-
قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح
...
-
الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه
...
-
تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
-
مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة
...
-
دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
-
وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|