أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - الوجه والقناع














المزيد.....


الوجه والقناع


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6894 - 2021 / 5 / 10 - 15:36
المحور: الادب والفن
    


ملامح البراءة التي ترتسم على وجه السارق وهو يقف أمام المحقق ليست قناعاً، إنها حقيقته وهو على حافة العقاب المحتمل. ارتجاف شفتيه وانعدام البريق في عينيه وانحناءة جذعه الخفيفة إلى الأمام ويداه الممدودتان قليلاً في محاولة لإقناع المحقق ببراءته، كل هذا ليس كذباً، إنه حقيقة اللحظة التي هو فيها، حقيقة لا تقل عن حقيقته وهو يسرق. إنه أمام المحقق سارق بريء، وقد تفيض براءته قليلاً عن جنحته.
الأم المتألمة التي تحافظ على عادية تعابير وجهها لكي لا تقلق ابنها، لا تضع قناعاً. إنه تعبيرها الحقيقي عن الحب والتسامح والتضحية. حقيقة لا تقل عن حقيقة ألمها. سكوت ملامح الأم عن الألم هو حقيقة بثقل حقيقة الأم نفسها. تأخذ الألم إلى ذاتها كاملاً، وتمنع إشعاعاته الواخزة من بلوغ الابن، ثم قد تستمد من قدرتها هذه على الإخفاء، رضى يخفف من ألمها.
الرجل الغريب الذي يحمي مشاعر الطفل المشوه فيحافظ على حيادية ملامحه عند رؤيته، لا يضع قناعاً. إنه الظهور الحقيقي لذكائه وحكمته في احترام ما لا يد للطفل فيه. والانزياح الذي يحصل بين صدمة الرجل من فظاعة ما يرى، وبين حيادية وجهه التامة، هو حقيقة أخرى تحدد هوية شخصيته، حقيقة لا تقبل القسمة على وجه وقناع.
الكلام عن الوجه والقناع لا يعتاش فقط على فكرة باهتة تقول بضرورة التطابق بين الملامح والشعور، بين ظاهر الشخص وباطنة، بل يقوم أيضاً على تبسيط شديد يجعل الظاهر الغني في دلالاته ينحط إلى دلالة واحدة صارمة، ويجعل الباطن المتلجلج والمتردد والباحث دائماً عن أرض للاستقرار، ينحط إلى مستوى اليقين المقطوع. وفوق هذا، ينتهي الكلام عن الوجه والقناع إلى إعدام حقيقة المركبات الغزيرة الناتجة عن التباينات بين ما يظهر على الشخص وما لا يظهر، بين ظاهره ومخفيه. أو لنقل إن هذا الكلام ينتهي إلى شل العلاقة الساحرة والحيوية والدائبة في تبدلها بين ما يظهر وما يخفى.
في رواية "حبة قمح" ، يعيد الكاتب الكيني نغوغو واثيونغو نسج إكليل المجد بخيوط تخالطها الخيانة. ليست كخيانة يهوذا للمسيح، وليس كما فعل يوليوس مع قيصر. بل كمجد مستحق انطوى على خيانة. في عيد استقلال كينيا، يقف "موغو" الذي تتوجه أنظار الناس إليه، إلى قوامه الصلب، ومكانته، وذاكرته التي تختزن سنوات الكفاح الطويلة ضد الاستعمار. ينتظر الناس في عيدهم المعمد بالدم أن يستمعوا إلى صديق "كيهيكا" المؤسس، رمز كينيا، الذي ظل اعتقاله وقتله في سجون الاحتلال لغزاً غامضاً. الجميع يرجون موغو أن يتكلم: "جميعنا يعرف الدور الذي أديته في الحركة، إن اسمك واسم كيهيكا سيرتبطان إلى الأبد. وكما قال الجنرال إنك كنت تحمي كيهيكا دون خوف من خطر على حياتك. لقد عملت من أجل ثاباي هنا وفي المعتقل ما عمله كيهيكا في الغابة، لذلك فكرنا في أنك في هذا اليوم العظيم لا بد أن تتصدر عملية التقديم وتقود الاحتفالات لتكريم أولئك الذين ماتوا من أجل نعيش".
يتقدم موغو، المناضل الكبير والمتواضع في عيون الآخرين، ليستبدل كلمة التقديم باعتراف مزلزل بأنه هو من وشى بكيهيكا وكان السبب في اعتقاله. من يكون موغو إذن؟ بطل أم خائن؟ أيهما الوجه وأيهما القناع؟
يوليو/تموز 2016



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن المعتقل المجهول
- الوطنية السورية والفيدرالية
- التضامن المدني مدخلنا إلى الديموقراطية 2
- التضامن المدني مدخلنا إلى الديموقراطية 1
- ميشيل كيلو، المعارض النجم
- الفيدرالية، مخرجاً للطغمة الأسدية؟
- الفشل الوطني هو القاسم المشترك
- بيتنا القديم والإسفلت
- السطو على ضمير المتدينين
- بين لوحتين
- تعودت أن أحب كاسترو
- جنازة لا تحتاج إلى موتى
- ستيف جوبس وألان الكوردي
- المعارضون السوريون بين الداخل والخارج
- عن ذبح -غير الأبرياء-
- في القسوة
- عن استمرار الثورة السورية وحواجز الخوف
- قناع السلطة
- قناعات سورية مستترة
- أرض الظنون الشائكة


المزيد.....




- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - الوجه والقناع